المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

العرف والمجنون لا يصح بيعه ولا شرائه

مطلقاً لأنه لا عقل له ولا يمكن أن تتأتى منه الإرادة والسكران كذلك لا يصح بيعه ولا شرائه لأن السكران فاقد العقل والنائم كذلك لا يصح بيعه ولا شرائه لأنه لا عبرة بقوله حتى لو سمعنا النائم يقول إني بعت مالي الفلاني على زيد فإنه لا عبرة بهذا الإقرار وكذلك أيضاً المبرسم البِرْاسَم داء يصيب الإنسان في رأسه فيهذي ويكون كلامه غير منضبط هذا أيضاً لا يصح تصرفه بيعه ولا شرائه ولا غيره قال (لأنه قول يعتبره الرضا فلم يصح من غير عاقل).

‌باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

القارئ: كل عين مملوكة يباح نفعها واقتناؤها من غير ضرورة يجوز بيعها كالمأكول والمشروب والملبوس والمركوب والعقار والعبيد والإماء لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وقد أشترى النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بعيرا ومن أعرابي فرسه ووكل عروة بن الجعد في شراء شاة وباع مدبراً وحلساً وقدحا وأقر أصحابه على بيع هذه الأعيان وشرائها.

الشيخ: الضابط فيما يجوز بيعه (كل عين مملوكة) احترازاً مما لا يملك كالماء في نقع البئر فالماء في نقع البئر ليس مملوكاً لصاحبه حتى صاحب البئر لا يملكه و (يباح نفعها) احترازاً مما لا يباح نفعها كالكلاب لغير ما سيذكر ويباح أيضاً اقتنائها (من غير ضرورة) احترازاً مما يباح اقتنائه للضرورة ككلب الماشية والصيد والحرث هذه أيضاً لا يجوز بيعها لأنه لا يباح اقتنائها إلا عند الضرورة وقوله (يجوز بيعها) هذا خبر قوله (كل عين) يعني كل عين متصفة بهذه الصفات يجوز بيعها إذن الشروط هي أن تكون العين مملوكة مع إباحة النفع وإباحة الاقتناء من غير ضرورة يعني أو حاجة ثم مثل لذلك ثم ذكر الأدلة على جواز بيع الأعيان المملوكة المتصفة بهذه الصفات.

القارئ: ويجوز بيع دود القز وبزره لأنه منتفع به.

ص: 127

الشيخ: دود القز هي دودة معروفة تنسج الحرير الطبيعي الأصلي فلو نظرنا إلى الدودة ليس لها قيمة لكن لها مصلحة عظيمة وهي الانتفاع بها في المآل كذلك أيضاً بزر هذا الدود وهو معروف عند أهل الصنف فهو حبات تنمى ثم تكون دودة ثم يخرج منها القز الذي هو الحرير وقوله (لأنه منتفع به) يعني في المآل.

القارئ: وبيع النحل في كوارته ومنفرداً عنها إذا رؤيا وعلم قدره وبيع الطير الذي يقصد صوته كالهزار والبلبل والببغة لأنه يشتمل على منفعة مباحة أشبه الأنعام ويجوز بيع الهر

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله في النحل لابد أن يرى ويعلم قدره وهذا فيه صعوبة لكن يقال العلم هنا بقدر الإمكان إذ أن كوننا نعلم بعدد النحلات بعسيبها وما أشبه ذلك فيه صعوبة لكن يكفي أن يغلب على الظن أن مقداره كذا أو مقداره كذا فيصح للحاجة وكذلك الطير الذي يقصد صوته كالهِزَار والبلبل والببغة.

القارئ: ويجوز بيع الهر وسباع البهائم والطير التي تصلح للصيد.

الشيخ: قوله (يجوز بيع الهر) هذا إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية أنه لا يجوز بيع الهر لأنه ورد فيه حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (نهى عن بيع السنور) والسنور هو الهر وعلله ابن رجب رحمه الله وغيره من أهل العلم بأن الهر ليس له ثمن في الواقع لأنه من الأشياء الدارجة بين الناس فهو يشبه الحطب ويشبه الماء يبتذل عادة فلا يجوز بيعه نعم لو أن الهر أنفرد بشيء معين واشتُريَ من أجله بأن كان هذا الهر يصيد الفأر لأن بعض الهرر يصيد الفأر وكذلك أيضاً يقتل العقرب ويقتل الوذق ويقتل الصراصر فإذا اتُخذَ لهذا فقد يقال بأنه جائز لأن فيه منفعة مباحة.

ص: 128

القارئ: وسباع البهائم والطير التي تصلح للصيد كالفهد والبازي ونحوهما غير الكلب في إحدى الروايتين وهي اختيار الخرقي والأخرى لا يجوز واختارها أبو بكر وابن أبي موسى فقالا لا يجوز بيعها لنجاستها فأشبهت الكلب والأول أصح لأنه حيوان أبيح نفعه واقتنائه من غير وعيد في جنسه فجاز بعيه كالحمار وبهذا يبطل ما ذكراه.

الشيخ: الصحيح ما ذكره المؤلف ورجحه وهو جواز بيع السباع التي تصلح للصيد لأن فيها منفعة مباحة إلا الكلب واستثني الكلب لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه نهى عن بيع الكلب) وهو الذي أراد المؤلف إخراجه بقوله (واقتنائه من غير وعيد في جنسه) لأن الكلب فيه الوعيد على ما اقتناه بلا حاجة وهو أنه ينقص من أجره كل يوم قيراط إذن جميع السباع الصالحة للصيد يجوز بيعها إلا الكلب لكن لو أحتاج الإنسان إلى كلب ووجده عند شخص وأبى هذا الشخص أن يبيعه فما الحكم؟ هل يجوز لمن احتاجه أن يشتريه؟ نعم يجوز لكن لا على أنه بيع وشراء ولكن على أنه استنقاذ لهذا الكلب من هذا الرجل فالذي أخذه وأعطى القيمة يجب أن يعتقد بأن هذا ليس بيعاً ولا شراءاً لأنه لو أعتقد أنه بيع وشراء لكان في ذلك معصية للرسول عليه الصلاة والسلام فهذا الذي باعه وأبى أن يبيعه إلا بدراهم هل تحل له هذه الدراهم؟ لا لأننا نقول لهذا الرجل إن لم يكن لك به حاجة فالواجب عليك إرساله لأنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا للأمور الثلاثة فإذا لم يكن لك به حاجة فالواجب إرساله وإن كان لك به حاجة فإنه لا يجوز أن تأخذ عن ذلك ثمناً لأن الرسول نهى عنه وإلا فقد يقول أنا لا أخذ ثمن لكن أنا أريد أن أتنازل عن حقي في هذا الكلب لهذا الرجل نقول هذا تحيل وهو في الحقيقة بيع إذن جميع السباع التي يصطاد بها أو يحترز بها الإنسان فإنه يجوز بيعها إلا الكلب فهذه قاعدة مفيدة.

ص: 129

القارئ: ويجوز بيع الجحش الصغير والفهد الصغير وفرخ البازي لأنه يصير إلى حال ينفع فأشبه طفل العبيد وما ينفع من بيض الطير لمصيره فرخاً فهو كفرخه لأن مآله إلى النفع وقال القاضي لا يجوز بيعه لعدم نفعه في الحال قال أحمد أكره بيع القرد قال ابن عقيل هذا محمول على بيعه للإطافة به واللعب فأما بيعه لحفظ المتاع فيجوز لأنه منتفع به وقال أحمد أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل التحريم لأنه مائع خرج من آدمية أشبه العرق ويحتمل كراهة التنزيه لأنه طاهر منتفع به أشبه لبن الشاة.

ص: 130

الشيخ: بيع القرد يقول أحمد أكره بيعه بيع القرد ومن مصطلحات أصحاب الإمام أحمد أنه إذا قال أكره فيعني به التحريم وعلى هذا فيكون بيع القرد حرام وما أجدر هذا القول بالصحة وهو أنه يحرم بيعه لأن القرد يشبه الآدمي حتى في الشهوة إذا رأى المرأة الجميلة تحس أنه يحب أن يأتيها وربما فعل ذلك فلهذا القول بتحريم بعيه قول وجيه وفائدة الفرد قليلة المؤلف يقول (يحمي المتاع) لكن لعله يحميه وهو حراميه لأنه قد يأكل المتاع فلا يُأمن عليه أما بيع لبن الآدميات الإمام أحمد يقول أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل كما قال المؤلف التحريم ويحتمل الكراهة لكن حتى لو احتمل التحريم فإنه غير مُسلّم لأن لبن الآدميات مائع ينتفع به فأشبه لبن البهائم الأخرى وأما تشبيهه بالعرق فمن أبعد ما يكون من التشبيه لأن العرق له رائحة منتنة ولا يتغذَّى به ولا ينتفع به أما اللبن فإنه شراب طيب ينتفع به ويتغذَّى به بل إن الله تعالى جعل للبن الآدمية ثمناً فقال (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) والمعقود عليه على القول الراجح في باب الإجارة هو اللبن وأما قول بعض العلماء إن المعقود عليه عمل المرضعة من حمل الصبي وإلقامه الثدي وما أشبه ذلك فهذا قول بعيد لأن حمل هذا الطفل وإلقامه الثدي هل هو مقصود لذاته أو لغيره؟ لغيره بلا شك ولهذا إذا لم يكن بها لبن هل يمكن للإنسان أن يعطي طفله لهذه المرأة التي ليست لها لبن من أجل أن تضعه على فخذيها وتلقمه الثدي؟ لا فالصواب أنه يجوز بيع لبن الآدميات لكن كيف يمكن يبيع لبن الآدمي؟ يمكن بأن تحلبه فربما تكون امرأة عندها لبن كثير وليس عندها من يشربه فتحلبه في أواني وتبيعه ويقال هذا لبن الآدمية ويشربه الطفل.

السائل: إذا اشترينا لبن امرأة وأرضعناه الطفل فهل تكون أُمّاً له؟

ص: 131

الشيخ: نعم إذا أرضعناه خمس مرات تكون أماً وهذه المسألة في الحقيقة التنبه لها طيب فلابد أن نعرف لبن أيُّ امرأة هو؟ لأنه ربما تكون المرأة قد أرضعت أطفالاً آخرين فيكونوا إخوة للطفل الذي اشتري له هذا اللبن ونحن لا نعلم فلذلك لابد أن نعلم من أين هذا الحليب من فلانة بنت فلان.

السائل: هل العبرة بالطاسة؟

الشيخ: العبرة بالشربة يعني مثلاً إذا أرضعناه الآن ولو قليلاً ثم ترك اللبن ثم بعد ساعتين أو ثلاث أرضعناه فهذه رضعة ثانية ولو كانت طاسة واحدة.

السائل: هل اللبن ملك للمرأة وهل يجوز لها أن تمتنع من الإرضاع؟

الشيخ: هذا معلوم إذا خرج اللبن فهو ملك لها ويجوز للمرأة أن تمتنع من الرضاع إلا لضرورة مثل إذا لم يقبل ثدي غيرها وخيف عليه التلف وجب أن ترضع.

القارئ: فصل ويجوز بيع العبد المرتد لأنه مملوك منتفع به وخشية هلاكه لا يمنع بيعه كالمريض فإن علم المشتري حاله فلا شيء له لأنه رضي بعيبه وإن لم يعلم فله الرد أو الأرش قتل أو أسلم كالمعيب.

الشيخ: واضح هذا مثل إنسان أشترى عبداً مرتداً والمرتد معروف إن لم يعد للإسلام وجب قتله فهل يجوز؟ نقول نعم يجوز إذا قال قائل إذا قتل ما منفعة المشتري؟ نقول منفعته أنه ربما يعتقه وربما يكون له مال فيرثه يعني بالولاء فلابد أن يكون له مصلحة ويقول المؤلف رحمه الله (خشية هلاكه لأنه بائع كالمريض) بقي أن يقال هل للذي أشترى المرتد الخيار خيار العيب؟ فيه تفصيل إن علم بأنه مرتد فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وإن لم يعلم فله الخيار.

القارئ: ويصح بيع العبد الجاني عمداً أوخطأً على النفس أو ما دونها لأنه حق تعلق برقبته غير متحتم فأشبه القتل بالردة فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فهي كالردة وإن كانت موجبة للمال فهو على السيد لأنه رضي بالتزام ما عليه فإن كان معسراً فللمجني عليه رقبة العبد إن شاء فسخ العقد ورجع به وإن شاء رجع على البائع بالأرش.

الشيخ: يعني أرش الجناية.

ص: 132

القارئ: وإن كان قاتلاً في المحاربة فكذلك في قول بعض أصحابنا لأنه ينتفع به إلى قتله ويعتقه فيجر ولاء ولده فصح بيعه كالزَّمِن وحكمه حكم المرتد وقال القاضي لا يصح بيعه لأنه متحتم القتل فلا منفعة فيه فأشبه الميت.

الشيخ: الأول أصح وهو أنه يصح بيعه وهذا إذا وصل إليه الحاكم أما إذا تاب قبل القدرة عليه فقد انتفى عنه القتل.

فصل في رباع مكة

القارئ: وفي بيع رباع مكة وإجارتها روايتان إحداهما يجوز لأن عمر رضي الله عنه أشترى من صفوان بن أمية دار بأربعة آلاف وأشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة ولأنها أرض حية لم ترد عليها صدقة محرمة فجاز بعيها كغيرها والثانية لا يجوز لأنها فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين فصارت وقفاً على المسلمين فحرم بيعها كسواد العراق والدليل على فتحها عنوة قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من نهار) متفق عليه وقالت أم هاني يا رسول الله أني أجرت حموين لي فزعم ابن أم علي أنه قاتلهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم (قد أجرنا من أجرتي) وقتلت ابن خطل ومِقْيس بن صبابة ولو فتحت صلحاً لم يجوز قتل أهلها.

الشيخ: هذه المسألة من المسائل المهمة لأن الناس واقعون فيها بيع رِباع مكة وإجارتها أولاً مكة تنقسم إلى قسمين:

ص: 133

قسم محل مشعر للمسلمين فهذا لا يجوز بيعه ولا إجارته كعرفة ومزدلفة ومنى لأن هذه مشاعر فلا يجوز بعيها ولا إجارتها كالمساجد إذ أن الناس لابد أن يكونوا فيها فلا يمكن لأي إنسان أن يتملك فيها ويبيع ويشتري أو يؤجر وهذا فيما أظن متفق عليه بين العلماء لم يختلف فيه أحد لأن هذه مشاعر محل عبادة للمسلمين فلا يجوز لأحد أن يتملكها لا ببيع ولا إجارة ولكن إذا كان قد سُلّط عليها من سُلّط وتملكوها وأبو أن يمكنوا المسلمين منها إلا بأجرة فإنه يدفع الأجرة والإثم على الآخذ قلّت الأجرة أو كثرت وسوف يجد حسابه يوم القيامة حين لا يجد ولياً ولا نصيراً لأن هذا في الحقيقة مثل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه.

قسم آخر من مكة ليس مشعراً إذ أن الإنسان يمكن أن يحج ويعتمر بدونه فهذا أختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال:

القول الأول أنها كغيرها من البلاد تملك بيعاً وشراءاً وتأجيراً وهذا هو مذهب الشافعي رحمه الله وعليه عمل الناس اليوم من قديم الزمان أن بيوت مكة تملك ملكاً تاماً تباع وتؤجر كسائر البلدان.

والقول الثاني أنها لا تملك ولا يجوز بيعها ولا إجارتها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ولكن يقال من استغنى عن بيته فليتركه بدون أجرة ومن احتاجه فهو أحق.

القول الثالث اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول هي تباع وتملك وتوقف ولكن لا تؤجر لأن من استغنى عن منفعتها وجب عليه بذلها لمحتاج إليها وأما الملك فهي تملك ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (هل ترك لنا عقيل من دور أو رِباع) وهذا يدل على أنها تملك بالإرث وتملك كذلك بالبيع والشراء

ص: 134

لكن منفعتها هي التي نقول لصاحبها إن استغنيت عنها فأبذلها للحجاج فإن قال أنا مستغن عنها ومادمتم تحرمون علي الأجرة سأغلقها لأن الحجاج إذا نزلوا أفسدوها فهل له عذر في ذلك؟ الجواب نعم له عذر لأن بعض الحجاج يدمرون المسكن ويكتبون عليه الحاج فلان بن فلان والمرأة كذلك تكتب اسمها وقد أريت حجاج يكتبون أسمائهم على أبواب الحجر ويدمرون المنزل وقول شيخ الإسلام قول قوي لا شك في ذلك قال شيخ الإسلام وكانت بيوت مكة على عهد عبد الله بن الزبير رضي الله حين كان خليفة على الحجاز مطبقاً للسنة كانت البيوت مفتوحة من استغنى عن حجرة أو غرفة دخلها الحجاج وسكنوا فيها لكن العمل الآن على القول بأنها مملوكة وتباع وتشترى وترهن وتؤجر أما التعليل الذي علل المؤلف به ذلك فهو عليل يعني التعليل بأنها فتحت عنوة عليل جداً وإنما العلة أنها حرم يأوي الناس إليها من كل فج عميق وقد قال الله تعالى (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ) يعني المقيم (وَالْبَادِ) يعني الأفقي ولهذا لو استشارنا أحد وقال ماذا تشيرون علي أنا عندي دراهم أريد أن أشتري به عقاراً أستغله هل تشيرون أن أضعه في مكة أو في المدينة أو بلد آخر؟ نقول لا تضعه في مكة ولا تساهم في شركة تستغل بالتأجير مادمت المسألة ذات خلاف بين العلماء ومن العلماء المحققين كابن تيمية رحمه الله من منع التأجير فأنت في سعة أشتري عقار في المدينة أو في مكان آخر حتى تبرأ ذمتك وفي (حديث أم هانيء) أم هانيء هذه ما صلتها بالرسول أنها بنت عمه لأن أباها أبو طالب وقالت له (زعم ابن أمي) تعني علي فهو أخوها الشقيق لكن قالت (ابن أمي) لأن العرب جرت عادتهم إذا أرادوا الاستعطاف الكامل ينسبون ذلك إلى الأم كقول هارون لموسى (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) مع أن موسى وهارون أخوان وفي الحديث دليل على جواز تأمين الواحد من المسلمين

ص: 135

بمعنى أن من أجار كافراً فإنه ينفذ إجارته.

القارئ: فصل ولا يجوز بيع أرض الشام وسواد العراق ونحوهما مما فتح عنوة لأن عمر رضي الله عنه وقفه على المسلمين وأقره في يد أربابه بالخراج الذي ضربه يكون أجرة له في كل عام ولم يُقدّر مدتها لعموم المصلحة فيها وقد أشتهر ذلك في قصص نقلت عنه وعن أحمد أنه كره بيعها لأنه يأخذ ثمن الوقف وأجاز شرائها لأنه كالاستنقاذ لها فجاز كشراء الأسير وتجوز إجارتها لأنها مستأجرة في يد أربابها وإجارة المستأجر جائزة فأما المساكن في المدائن فيجوز بيعها لأن الصحابة رضي الله عنهم اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله عنه وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير فكان إجماعا.

الشيخ: من المعلوم أن المسلمين إذا فتحوا البلاد بلاد الكفر فأموالهم غنيمة وذراريهم ونسائهم سبي ورجالهم المقاتلة والمعينون يخير الإمام فيهم بين أمور أربعة (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) هذا أثنين يعني إما يمن عليهم ويطلقهم وإما أن يفيدهم إما بمال وإما بأسير مسلم وإما أن يقتلهم وإما أن يسترقهم فهذه أربعة أحكام في هؤلاء الرجال المقاتلون أو من يعين على القتال برأي أو نحوه أما الأراضي فالأراضي يخير الإمام

ص: 136

بين قسمها بين الغانمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وبين وقفها للمسلمين كما فعل عمر في أرض الشام والعراق إذاً المغنوم يكون على النحو التالي الأموال تكون غنيمة وتقسم أما النساء والذرية فهم سبايا يعني يكونوا أرقاء بمجرد السبي والثالث الرجال المقاتلون أو من يعين على القتال يخير الإمام فيهم بين أمور أربعة القتل أوالمن بدون ثمن أوالفداء إما بمال وإما بأسير مسلم والرابع الاسترقاق وفي الرابع خلاف بين العلماء ماذا يفعل الإمام من هذه الأربعة؟ عندنا قاعدة مهمة كل من خُيّر لمصلحته هو فهو مخير يفعل ما يراه أصلح لنفسه اختيار تشهي وكل من خُيّر لولاية فإنه يجب عليه أن يفعل الأصلح يعني من خُيّر وهو متصرف لغيره فالواجب أن يفعل ما هو أصلح أما الأراضي فقلنا أن الإمام يخير فيها بين أمرين إما أن يقسمها بين الغنامين ويقول مثلاً أنت يا فلان لك القطعة هذه وفلان له القطعة هذه إلى أخره وإما أن يقفها فيجعلها وقفاً ويضرب عليها خراجاً يشبه الأجرة كل عام يُسلّم من انتفع بهذه الأرض كذا وكذا كالأجرة تماماً لكن بقي أن يقال كيف تقول إنها أجرة وهي لم تحدد بمدة؟ أجابنا المؤلف رحمه الله قال للمصلحة فيقال كل من ملك هذه الأرض بشراء أو هبة أو إرث فعليه خراجها وهذه الأراضي الفقهاء يرون أنه لا يجوز بيعها وأما المساكن التي عمرت والمزارع والأشجار فتباع لكن نفس الأرض ما تباع لأنها وقف والوقف لا يجوز بيعه والمسألة أيضاً فيها خلاف ومازال الناس من قديم الزمان يتبايعون هذه الأراضي لأن الخراج الآن لا يُسلّم وإذا لم يُسلّم الخراج فالأنفع البيع حتى يتوسع الناس فيها ويبثون فيها ويعمرونها

السائل: قوله يتبايعوها من غير نكير فكان إجماعاً، ماذا يقصد؟

الشيخ: أي إجماع عملي مادام لا يوجد أحد منكر والعلماء يرونها تباع وتشترى.

السائل: ما الأصل في تحريم بيع الموقوف والخلاف الموجود بين أهل العلم؟

ص: 137

الشيخ: الأدلة موجودة مرصودة في زاد المعاد في هدي خير العباد وأنا ذكرت دليلاً شرعياً (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد) ودليل نظري وهو أن هذا محل الحج والعمرة للمسلمين ولا يمكن للإنسان أن يتحجره لكن ذكرنا أيضاً رأياً آخر أنه يجوز البيع وهذا غير المشاعر المشاعر لا يجوز مطلقاً.

القارئ: فصل قال أحمد لا أعلم في بيع المصحف رخصة ورخص في شرائه وقال هو أهون وذلك لأن ابن عمر وابن عباس وأبا موسى كرهوا بيعه ولأنه يشتمل على كلام الله فيجب صونه عن الابتذال والشراء أسهل لأنه استنقاذ له فلم يكره كشراء الأسير وقال أبو الخطاب يجوز بيعها مع الكراهة وفي شرائها وإبدالها روايتان فإن بيعت لكافر لم يصح رواية واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المسافرة بالقرآن إلي أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم فلم يجوز تمليكهم إياه وتمكينهم منه ولأنه يمنع من استدامة ملكه فمنع ابتداء كنكاح المسلمة.

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف هل يجوز بيع المصحف أم لا؟ فمن العلماء من قال لا يجوز بيعه لأنه ابتذال له ولهذه الآثار التي أشار إليها المؤلف رحمه الله والقول الثاني أنه يجوز بيعه وشرائه والصحابة كرهوا ذلك

ص: 138

لسبب وهو وجوب نشر القرآن بين المسلمين والمصاحف في ذلك الوقت قليلة عثمان رضي الله عنه كم كتب من مصحف؟ وبعث إلى الآفاق وقل من يكتب المصحف فإذا قلنا أنه تباع صار الإنسان يحتكرها ولا يبيعها إلا بغالي الثمن وحينئذ يحرموا المسلمين من قراءة القرآن أما في وقتنا والحمد الله فالأمر بالعكس المصاحف كثيرة جداً وإذا أبى أحداً أن ننتفع بمصحفه إلا بشراء وجدنا من يبذله ويبيعه ولهذا كان الصواب أن بيعه وشرائه لا بأس به ومازال المسلمون يعملون بذلك من أزمنة متطاولة وكنا ونحن صغار نسمع الذي ينادي على المصحف لا يقول من يشتري المصحف يقول من يشتري البطاعة والبطاعة الجلاد الذي يكون على المصحف وذلك لورع السابقين الأولين وسلامة قلوبهم ظنوا أنه إذا قال من يشتري البطاعة وبعت عليك البطاعة واشتريت البطاعة يعني أنني لم أبيع المصحف ولكن الصواب الذي لا شك فيه أنه جائز وأنا لم أبيع القرآن ونظير ذلك لو أن إنسان قال يقرأ عليك القرآن بدراهم قلنا هذا حرام ولو قال أعلمكم القرآن بدراهم يجوز والآن حينما نبيع المصحف لسنا نبيع كلام الله كلام الله لو نبيع أنفسنا ما بعناه لكن نبيع الورق الحبر التعب أما القرآن فلا نبيعه ولذلك نرى أنه لا بأس به ولا إشكال فيه.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام لما روى جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) متفق عليه.

ص: 139

الشيخ: هذه الأشياء الأربعة الخمر لا يجوز بيعه والخمر كلما أسكر كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام والميتة كل ما مات حتف أنفه أو بغير ذكاة شرعية وإن شئت فقل كلما مات بغير ذكاة شرعية فيدخل ما مات بمرض ويدخل ما مات بخنق وما أشبه ذلك والخنزير معروف حيوان خبيث والأصنام كذلك يعني كلما أتخذ صنماً يعبد من دون الله فإنه حرام لأن الأول مخل بالعقل والثاني مخل بالبدن وكذلك الثالث لكن الفرق بين الثاني والثالث أن إضرار الثاني عارض وإضرار الثالث لازم والأصنام مخلة بالدين وممكن أن نأخذ من هذا أن كل ما أخل بالعقل أو بالبدن أو بالدين وإن لم يكن من هذه الأصناف الأربعة فإن بيعه حرام وفي الحديث (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر) بهذا اللفظ وفيه إشكال أولاً أن الجمع بين الرب عز وجل وبين رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالواو والثاني أن الخبر جاء مفرداً مع أن المبتدأ مركب من شيئين فيقتضي أن يكون خبره مثنى أما الأول فيقال ما كان طريقه التشريع فلا بأس أن يُقرن بين الله وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بالواو وجه ذلك أن ما أقره الرسول أو حكم به فهو من حكم الله وليس ذلك من باب الند أو الضد لأن حكم الرسول حكم لله قال الله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقال تعالى (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) وأما الثاني (حَرَّم) فيقال إن حَرَّم خبر للأول (إن الله حرم) ويكون الثاني من باب عطف الجملة على الجملة تكون رسوله مبتدأ والخبر محذوف أي

ص: 140

ورسوله حرم وهذا أحسن شيء أو يقال لما كان حكم الله ورسوله واحداً صح أن يخبر عنهما بواحد ويستثنى من الميتة ما كان مباحاً فهل يقال إنه مستثنى أو يقال إنه لم يدخل من الأصل؟ إن قلنا بالأول صار من باب العام المخصوص وإن قلنا بالثاني صار من باب العام الذي أريد به الخصوص وهل الحكم يختلف أو لا يختلف؟ الحكم لا يختلف لأن كل منهما إذا ادعاه مدعي قلنا عليك الدليل لو أدعى مدعي أن العام قد خص قلنا هات الدليل ولو أدعى مدعي أن العام يراد به الخصوص قلنا هات دليل والمهم أنه يستثنى من الميتة الميتة المباحة كميتة السمك.

القارئ: ولا يجوز بيع مالا نفع فيه كالحشرات وسباع البهائم والطير التي لا يصاد بها ومالا يؤكل من الطير ولا بيضه لأنه لا نفع فيه فأشبهت الخنزير.

الشيخ: هذا التعليل الذي ذكر المؤلف تعليل واضح أنه غير صحيح تعليل عليل لأن الخنزير حرم لضرره وخبثه هذه الأشياء لا نقول لأنه ليس فيها نفع فأشبهت الخنزير بل نقول لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن إضاعة المال) وبذل المال فيما لا نفع فيه إضاعة له لا شك فيعلل في منع بيع هذه الأشياء بأنه من باب إضاعة المال وقد نُهي عنه.

القارئ: ولا يجوز بيع الحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ذكر منهم رجلاً باع حراً فأكل ثمنه) متفق عليه.

الشيخ: وهذا لا شك أنه حرام بل هو من كبائر الذنوب فإذا قال قائل هؤلاء قوم جياع باعوا أولادهم ليأكلوا وينقذوا أنفسهم من الهلاك فهل يجوز أن أشتري منهم؟ الجواب لا يجوز هذا حرام حتى وإن كانوا لا يحيون إلا بذلك فليموتوا لأنه لا يجوز أن يباع الحر.

القارئ: ولا يجوز بيع مالا ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها لأنها غير مملوكة أشبهت الحر.

ص: 141

الشيخ: هذا صحيح والمباحات يعني مثلاً الأعشاب والكمأة وغيرها مما يجنيه الإنسان من الأرض فإنه لا يبيعه حتى يملكه فلو جاء رجل إلى بدوي وحوله أرض واسعة وقال له البدوي أشتري مني كلاء هذه الأرض فإنه لا يجوز لماذا؟ لأنه لا يملك الكلاء إلا إذا حشه وحازه وقبل ذلك ليس ملكاً له.

القارئ: ولا يجوز بيع الدم ولا السرجين النجس لأنه مجمع على تحريمه ونجاسته أشبه الميتة.

الشيخ: هذا التعليل يدل على أن الدم المباح يجوز بيعه كالكبد والطحال ودم القلب يجوز بيعه لأنه مباح أما بيع الدم لغير أكله ليحقن في المريض كما يوجد الآن إذا احتاج الإنسان إلى دم حقنوا به دماً فهل يجوز أو لا؟ ظاهر الأدلة أنه حرام لا يجوز لكن إذا لم يوجد إلا بعوض فهنا يدفع العوض ويكون الآثم الآخذ وأما الدافع فليس بآثم وأما السرجين النجس يعني ما تدفن به الأرض عند زرعها ويسمى عند الناس السماد فالنجس لا يجوز بيعه مثل سرجين الحمر وسرجين الآدمي عذرة الآدمي مع أن القول الراجح أنه يجوز يعني أن يسمد بها لكن لا يجوز بيعها لأنها نجسة العين وأما السرجين المتنجس فيجوز بيعه لأن تطهيره

ممكن فهو كالثوب المتنجس السرجين المتنجس مثل سماد بال عليه رجل أو بال عليه حمار وأراد إنسان أن يبيعه نقول لا بأس بعه لأنه يمكن تطهيره فهو كالثوب المتجنس وأما قوله رحمه الله (لأنه مجمع على تحريمه) فهذا في الدم صحيح أن الدم حرام بالنص والإجماع وأما السرجين النجس فليس مجمع على تحريمه أكثر العلماء على جواز السماد بالسرجين النجس.

القارئ: ولا يجوز بيع شحم الميتة لأنه منها وفي حديث جابر (قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه تدهن بها الجلود وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام) متفق عليه.

ص: 142

الشيخ: الصحابة هل سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن هذه المنافع أو عن بيعها؟ هم سألوا عن بيعها لأنه لما حرم عليه الصلاة والسلام بيع الميتة قالوا هذه الأشياء ينتفع بها أيجوز بيعها أم لا؟ قال (لا هو - أي البيع - حرام) هذا هو الصواب في معنى الحديث وقال بعض أهل العلم (لا) أي لا تنتفعوا بها (هو) أي الانتفاع (حرام) وبناءاً على هذا فإنه لا يجوز دهن الجلود بها ولا طلي السفن ولا الاستصباح بها ودهن الجلود معروف لأن الجلد إذا دهن بالدهن صار ليناً ولم يتكسر وطلي السفن بها أيضاً مفيد لأن الخشب إذا كان قد روي بالدهن لا يدخله الماء والثالث الاستصباح الاستصباح يجعلون الشحوم في إناء وفي الإناء فتيلة ثم يوقدون النار في هذه الفتيلة ومادام الدهن باقياً فإنها تبقى هذه الفتيلة مضيئة بدلاً عن بدلاً عن اللمبات في وقتنا فكانوا يفعلون هذا فقال (لا هو حرام) وعلى تفسيرنا وهو الصحيح فإنه يجوز أن تدهن بها الجلود لكن الجلود غير التي تستعمل في لبس ونحوه لأنك إذا استعملتها في لبس ونحوه والدهن لم يزل صرت مستعملاً لثوب نجس أو ما أشبه ذلك وتطلى بها السفن لا بأس لا بأس أن تطلى بها السفن ولا تفسد على الناس ويستصبح الناس أيضاً لا بأس ولكن منع العلماء رحمهم الله من الاستصباح بها في المساجد لأنه إذا استصبح بها في المساجد وثار الدخان منها وعلق بالجدران تنجست وهذا المنع مبني على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة أما على قول من يقول إن النجاسة إذا استحالت إلى شيء آخر طهرت فلا بأس بالاستصباح بها إلا إن يخشى أن تتسرب النجاسة إلى المسجد فهنا تمنع من أجل ذلك وهنا يمكن التحرز عنها بأن يوضع في طشت حتى إذا تسرب شيء فإنه يتسرب في هذا الطشت.

ص: 143

القارئ: وما نجس من الأدهان كالزيت فظاهر المذهب تحريم بيعها قياساً على شحم الميتة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) وعنه يباع لكافر ويعلم بحاله لأنه يعتقد حله في جواز الاستصباح بها روايتان إحداهما لا يجوز لأنه دهن نجس فأشبه شحم الميتة والثانية يجوز لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس.

الشيخ: هذه مسائل أولاً ما تنجس من الادهان كالزيت فظاهر المذهب تحريم بيعها قياساً على شحم الميتة لكن هذا القياس قياس مع الفارق لأن الميتة نجسة بعينها وهذا الدهن أصله طاهر طرأت عليه النجاسة لكن

نقول إن قلنا بأن الأدهان المتنجسة لا يمكن تطهيرها فالقول بمنع بيعها واضح لأنه لا يمكن أن تطهر وإذا قلنا بأنه يمكن أن تطهر فإن بيعها يجوز لأنها تشبه الثوب النجس والثوب النجس يجوز بيعه والصحيح أنه يمكن تطهيرها بأن تلقى النجاسة وما حولها فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن الدهن تموت فيه الفأرة فقال عليه الصلاة والسلام أو السمن فقال صلى الله عليه وسلم (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) أيضاً يقول رحمه الله (وفي جواز الاستصباح بها روايتان) والصحيح أن الاستصباح بها جائز من باب أولى لأننا قلنا إن الصحيح جواز الاستصباح بالنجس فالمتنجس من باب أولى طيب قال أبو الخطاب.

السائل: لماذا يجوز بيع الضبع وهو يفترس؟

الشيخ: الضبع حلال ليست لها ناب ولا يفترس إلا عند الضرورة القصوى يعني ليس من طبعه العدوان يقولون ما يفترس إلا عند الضرورة القصوى أو إذا أحد هاجمه ولهذا جعلها النبي عليه الصلاة والسلام من الصيد فأوجب على المحرم إذا قتلها شاة.

ص: 144

القارئ: وفي جواز الاستصباح بها روايتان إحداهما لا يجوز لأنه دهن نجس فأشبه شحم الميتة والثانية يجوز لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس قال أبو الخطاب ويتخرج على جواز الاستصباح بها جواز بيعها قال القاضي ولا تطهر بالغسل لأنه لا يتأتى فيها العصر ويتخرج أنها تطهر بصبها في ماء كثير ثم تترك حتى تطفوا فتأخذ والعصر إنما يعتبر فيما يتأتى العصر فيه بدليل الحجر والأخشاب اختاره أبو الخطاب فأما غير الأدهان كالخل واللبن فلا تطهر وجهاً واحداً.

الشيخ: هذه مسألة أختلف فيها العلماء رحمهم الله الماء سبق أنه يطهر على المذهب فيطهر الماء بواحد من أمور ثلاثة إما أن يضاف إليه ماء كثير حتى يزول التغير هذه واحدة وإما أن ينزح منه حتى يزول التغير وهذا يكون في الآبار لأن الآبار كلما نزح منها تجدد الماء وإما أن يزول تغير الماء بنفسه لكن غير الماء هل يمكن تطهيره؟ الصحيح أنه يمكن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأدهان ماذا قال؟ قال في الفأرة تموت في السمن قال (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) إذاً يمكن أن تطهر فإذا كان يمكن في الأدهان أن تطهر جاز بيعها لأنها تكون كالثوب المتنجس الذي إذا غسلته صار طاهراً فالصواب أن جميع المائعات يمكن أن تطهر حتى اللبن حتى المرق يمكن أن يطهر لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا زالت النجاسة طعمها وريحها ولونها ولم يبقى شيء فهو طهور.

القارئ: فصل ولا يجوز بيع الكلب وإن كان معلماً لما رواه أبو مسعود الأنصاري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الكلب وقال ثمن الكلب خبيث) متفق عليه ولا غُرمَ على قاتله لأنه لا قيمة له وقد أساء من قتل كلباً يباح اقتنائه ولا يباح اقتنائه.

ص: 145

الشيخ: إذا بيع الكلب حرام حتى المعلم وأما قول بعض العلماء رحمهم الله إن النهي عن بيع الكلب محمول على الكلب الذي لا يباح اقتنائه فهذا فيه نظر لأن الكلب الذي لا يباح اقتنائه لا يبيعه أحد إنما الذي يمكن أن يقع عليه عقد البيع والكلب الذي يباح اقتنائه المعلم بالصيد أو بالحرث أو بالماشية ولا يمكن أن يحمل الحديث على شيء نادر ويترك ما هو كثير فهذا خطأ في التصرف في الأدلة إذاً نقول الكلب لا يجوز بيعه سواء كان معلماً أم غير معلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعه وهل يضمنه من قتله يقول المؤلف أنه (لا يضمنه) لأن نهي الشارع عن بيعه يستلزم ألا قيمة له وما ليس له قيمة فليس بمضمون ولكن هل يجوز قتله؟ الجواب لا لا يجوز لأنه عدوان على صاحبه ولأنه ربما يسبب فتنة ولهذا حكم المؤلف بأنه مسيء فقال (وقد أساء من قتل كلباً يباح اقتنائه) وهل يعزر؟ نعم يعزر ولكن بماذا؟ يعزر على القول الراجح بما يكون رادعاً له فإن شاء الحاكم قال يحبس وإن شاء قال يضرب في السوق وإن شاء قال يضمن أكثر من قيمته لو يباع فالمهم أن له أن يعزره بما يردعه وأمثاله عن العدوان على حق الغير.

القارئ: ولا يباح اقتناء كلب إلا لصيد أو حفظ ماشية أو حرث لما روى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط) متفق عليه ويجوز تربية الجرو.

ص: 146

الشيخ: كيف أخذ المؤلف أنه لا يباح؟ لأن العقوبة قد تكون بحصول مكروه وقد تكون بفوات محبوب وهنا من النوع الثاني فوات المحبوب فكونه ينقص كل يوم من أجره قيراط فهذا لا شك أنه فوات محبوب فيكون هذا دليلاً على أنه حرام ولا يجوز والعجب أن الكفار سبحان الله العظيم يقتنون الكلاب ويعتنون بها ويغسلونها كل يوم بالمنظف والصابون والشامبو ويطيبونها يضعون فيها الطيب وعلى كل حال سبحان الله الخبيثات للخبيثين لما كان هؤلاء خبثاء أنجاس صارت نفوسهم تألف النجس الخبيث لكن هل إذا غسلوه وطيبوه ونظفوه هل يطهر؟ لا لأن نجاسته عينية فلا يمكن أن يطهر أبداً إلا في مسألة واحدة على خلاف بين العلماء وهي لو سقط في مملحة وصار ملحاً فهذا الكلب سقط في مملحة والمملحة إذا سقط فيها شيء يكون ملحاً حتى الحديد لو تضع فيها حديدة تأتيها بعد مدة تجدها قطعة ملح فهذا الكلب سقط في مملحة وصار ملحاً فهل يبقى نجساً أو طاهراً؟ على الخلاف بعض العلماء يقول إن النجاسة إذا استحالت طهرت لأن هذا ما يقال له كلب بل يقال هذا ملح وبعضهم يقول لا مادام أصله نجساً فهو نجس وعلى كل حال فإنه لا يباح اقتناء الكلب مع أنه يوجد من اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار من يقتني الكلاب وهذا ليس بغريب لأن الخبيثات للخبيثين لكن المشكل أن فينا نحن المسلمين من صار يقتني الكلاب بدون حاجة وصار يفعل بها ما يفعل هؤلاء النصارى حتى قيل لي أنه يوجد في سيارات بعض الناس كلب وراء المرتبة وهذا حرام ولا يحل لأنه تشبه بهؤلاء الكفرة وقوع فيما حذر منه الرسول عليه

الصلاة والسلام لكن لو قال قائل أنا في قصر نائي بعيد عن البلد وأحتاج إلى كلب يحرسني ويحرس أهلي أيجوز اقتنائه؟ نقول نعم يجوز اقتنائه لأنه إذا جاز اقتناء الكلب لحراسة الماشية والزرع فالإنسان من باب أولى ولا إشكال في هذا.

القارئ: ويجوز تربية الجرو الصغير لذلك لأنه قصد به ما يباح فيأخذ حكمه كالجحش الصغير.

ص: 147

الشيخ: التشبيه بالجحش الصغير غريب لأن الجحش الصغير يباع حتى أبوه وأمه فهذا قياس مع الفارق لكن نعم التعليل الأول صحيح أنه إنما رُبِّيَ من أجل مصلحة مباحة.

القارئ: ولأنه لو لم يقتني غير المعلم لم يمكن تعليمه فتعذر اقتناء المعلم وفيه وجه آخر أنه لا يجوز اقتناء لأنه ليس من الثلاثة.

الشيخ: لماذا ليس من الثلاثة؟ لأنه صغير لا يحرس الماشية ولا الحرث ولا يصيد.

القارئ: فإن اقتنى كلب الصيد من لا صيد به جاز للحديث وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأن اقتنائه لغير حاجة أشبه من اقتنائه للماشية ولا ماشية له.

الشيخ: وهذا الوجه أقرب للمعنى لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إلا كلب صيد) ليس معناه إلا كلب صيد لمن لا يصيد وكلب ماشية أيضاً ليس معناه كلب ماشية لمن لا ماشية عنده فالصواب أن من لا يحتاجه لا يجوز له أن يقتنيه حتى وإن كان من كلاب الصيد المعروفة وإن كان من كلاب الماشية أو كلاب الحرث.

السائل: لو أن الحاكم ضمَّنَ قاتل الكلب هل نقول يأخذ صاحبه أم يوضع في بيت المال؟

الشيخ: لا إذا ضمن الحاكم القاتل الكلب فيكون في بيت المال إلا إذا خاف الفتنة وأن صاحبه بدوي ما يعرف يقول هذا الذي قتل كلبي لابد أقتله هو وهذه قد تقع من بعض البادية فهنا لا بأس أن يعطي صاحبه ما يرضى به.

السائل: حديث جواز اتخاذ (كلب الصيد والماشية والزرع) كيف يتخذ الكلب إذا لم يشترى؟

الشيخ: يتخذ الكلب بأن يكون هو أخذ من الصحراء كلباً فعلمه.

السائل: إذا لم يتيسر ذلك؟

الشيخ: وربما يتيسر فإذا وجدت كلباً عند شخص وقلت أعطني قال أنا أصيد به فهو معذور لكن إذا كان لا يصيد به فيجب عليه أن يبذله لك فإن لم يفعل فلك أن تعطيه شيئاً ويكون هو الآثم.

السائل: كيف نعزر من قتل الكلب مع أن الشرع أمر بقتل الكلب؟

الشيخ: أمر الرسول بقتل الكلاب ثم نهى عنه إلا الكلب الأسود.

فصل

ص: 148

القارئ: ولا يجوز بيع المعدوم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم وبيع المعدوم بيع غرر ولأن تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تنبيه على تحريم بيعها قبل وجودها فلا يجوز بيع الثمرة قبل خلقها ولا بيع الماء العد الذي له مادة كماء العيون والآبار لأنه بيع لما يتجدد وهو في الحال معدوم.

الشيخ: ماء العد يعني ماء الآبار فالآبار يسمى ماءها ماء عد والبرك ليس ماءها ماء عد لأنها يحقن فيها الماء وقوله (بيع لما يتجدد وهو معدوم) مثل أنت عندك بئر تِبِش بالماء وتريد أن تبيع الماء وهو لم يوجد بعد في البئر فهذا لا يجوز لأنه بيع معدوم لأنك بعت ما يتجدد كما لو قلت أبيع عليك ما تحمله هذه الشجرة من الثمر فهذا بيع بما يتجدد وهو غير معلوم بل هو معدوم وسيأتينا إن شاء الله أن بيع نقع البئر لا يصح لأن الناس شركاء فيه.

والمهم أن حديث أبي هريرة يعتبر قاعدة في البيوع (نهى عن بيع الغرر) فمثلاً اللبن في الضرع لا يجوز لأنه غرر والحمل في البطن لا يجوز لأنه غرر والسمك في الماء لا يجوز لأنه غرر وهلم جرا.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع مالا يقدر على تسلميه كالطير في الهواء والسمك في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد الفرس العائر والمغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة.

ص: 149

الشيخ: هنا أحال على حديث أبي هريرة لأنه بيع غرر يقول المؤلف (لا يجوز بيع مالا يقدر على تسلميه كالطير في الهواء) مثاله إنسان عنده حمام في الهواء قال سأبيع عليك الحمام نقول ما يجوز وهو في الهواء وقال بعض العلماء إن ألفت الرجوع جاز ثم إن رجعت فهو على بيعه وإن لم ترجع فله الفسخ وهذا القول أقرب للصواب لأن الآن ما فيه ضرر فكثير من الطيور الأليفة إذا صار في الصباح ذهبت تطلب الرزق ثم رجعت في آخر النهار فإذا كانت معلومة بأن كان المشتري قد راءها بالأمس وليست مشكلة عليه ولكنها الآن غير موجودة في عُشها وقال أبيعها عليك ليس في ذلك مانع ثم إن رجعت فالبيع بحاله وإن لم ترجع فللمشتري الخيار وأما السمك في الماء أيضاً فإنه لا يجوز أن يبيع السمك في الماء إلا إذا كان الماء محصوراً

كَبِرْكَة وكان الماء صافياً بحيث يشاهد السمك فلا بأس لأن هذا معلوم مقدور على تسليمه لكنه فيه نوع من التعب أما إذا كان يريد أن يبيع عليه سمكة تتصل بالمحيط الأطلسي فهذا لا يجوز لأنها تهرب في البحر لكن إذا كان في شيء محصور والماء صافي وهي مشاهدة يشاهدها المشتري والبائع فلا بأس لأن العلة هو ما جاء في الحديث هي الغرر وهنا لا غرر لكن صحيح أن فيه نوع مشقة في إمساكه وهذا لا يضر.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع مالا يقدر على تسلميه كالطير في الهواء والسمك في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد والفرس العائر والمغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة.

ص: 150

الشيخ: حديث أبي هريرة هو (نهى عن بيع الغرر) لكن المغصوب يجوز أن يباع على الغاصب نفسه لكنه إذا منعه إلا في ببيعه صار حراماً في حق الغاصب ومباحاً في حق المالك كذلك أيضاً إذا بيع المغصوب على قادر على أخذه من الغاصب كأن يبيع المغصوب على الأمير مثلاً فالأمير يستطيع أن يأتي بالغاصب ويأخذ المغصوب منه فهنا قد زال الغرر فيجوز فيكون بيع المغصوب لا يصح إلا إذا بيع على غاصبه أو على قادر على أخذه وكذلك أيضاً الطير في الهواء سبق لنا أنه إذا ألف الرجوع على القول الراجح صح البيع ثم إن رجع فالبيع بحاله وإن لم يرجع فللمشتري الفسخ وكذلك أيضاً السمك في الماء قلنا إذا كان في محيط معلوم يرى من صفاء الماء فإنه لا بأس ببيعه لعدم الغرر.

القارئ: وقال ابن مسعود لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر ولأن القصد بالبيع تمليك التصرف ولا يمكن ذلك فيما لا يُقدر على تسليمه فإن باع طيراً له في برج مغلق الباب أو سمكاً في بركة معدة للصيد وكان معروفاً بالرؤية مقدوراً على تناوله بلا تعب جاز بيعه لعدم الغرر فيه فإن أختل بعض ذلك لم يجز وإن باع الآبق لقادر عليه أو المغصوب لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لذلك وإلا فلا.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع ما تجهل صفته كالحمل في البطن واللبن في الضرع والبيض في الدجاج والنواة التمر لحديث أبي هريرة وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المجر) والمجر شراء ما في الأرحام وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المضامين والملاقيح) قال أبو عبيد الملاقيح ما في البطون وهي الأجنة والمضامين ما في أصلاب الفحول وما سواه يقاس عليه.

الشيخ: الأجنة يتصور بيعها لكن ما في ظهور الذكور كيف يكون؟ بأن يقول أبيع عليك أول ضِرَاب يقوم به الجمل فلا يصح لأنه إذا لم يصح بيع الحمل فهذا من باب أولى لأنه قد يُلقح وقد لا يُلقح.

ص: 151

القارئ: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع) رواه ابن ماجه وعنه في بيع الصوف على الظهر روايتان إحداهما لا يجوز للخبر ولأنه متصل بالحيوان فلم يجوز إفراده بالبيع كأعضائه والثانية يجوز بشرط جزه في الحال لأنه معلوم ممكن تسليمه فجاز بيعه كالزرع في الأرض.

الشيخ: وهذه الرواية أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) وهذا ليس بغرر إذا كان الصوف معلوماً مشاهداً فلا غرر فيه ولكنه يقول المؤلف أنه (يجزّ في الحال) لئلا ينمو بعد عقد البيع فيؤدي إلى جهالة النامي وإذا أدى إلى جهالة النامي صار المعقود عليه مجهولاً.

السائل: في بعض البلاد بعض الناس عندهم خيول ذكور وخيولهم جيدة ويأتينا الناس من بلاد أخرى لنزو الفرس وصاحب الفرس يضطر أن يدفع لصاحب الخيل مبلغاً ثم ينزوها له؟

الشيخ: هذا سيأتينا وسوف يذكره المؤلف وهو عسف الفحل وعسف الفحل نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام لأنه مجهول حتى لو نزى عليها هل نحن نضمن أن يلقحها؟ لكن لو فُرض أن الخيل أبى إلا ببيع والآخر مضطر له فيكون من جنس الأشياء التي يحرم بيعها وإذا أمتنع الإنسان فللشخص أن يبذل عوضاً لأنه كالاستنقاذ.

السائل: ما معنى الغرر؟

الشيخ: (الغرر) المعنى الجهالة.

ص: 152

القارئ: فصل ولا يجوز بيع الأعيان من غير رؤية أو صفة يحصل بها معرفة المبيع في ظاهر المذهب لحديث أبي هريرة ولأنه مجهول عند العاقد فلم يصح بيعه كالنوى في التمر فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية وعنه يجوز لأنه عقد معاوضة فأشبه النكاح فعلى هذا هل يثبت له خيار الرؤية على روايتين أحدهما لا خيار له لأنه عقد معاوضة صح مع الغيبة فأشبه النكاح والثانية يثبت له الخيار عند الرؤية في الفسخ والإمضاء لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اشترى ما لم ير فهو بالخيار إذا رأى) ويكون خياره على الفور للحديث وقيل يتقيد بالمجلس لأنه خيار ثابت بمقتضى العقد فتقيد بالمجلس كخيار المجلس فإن أختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لأنه تعلق بالرؤية ولأنه يؤدي إلى الزام العقد في مجهول الصفة وإن اختار الفسخ أنفسخ لأن الفسخ يصح في مجهول الصفة ويعتبر لصحة العقد الرؤية من التعاقدين.

ص: 153

الشيخ: هذه المسألة لابد أن يكون المبيع معلوماً من ثمن أو مثمن إما برؤية بأن يراه أمامه والرؤية إما مقارنة للعقد وإما سابقة للعقد في زمن لا يتغير فيه المبيع أو صفة فيما يمكن انضباطه بالصفة لابد فإن باع ما لم يراه وما لم يوصف له فالبيع غير صحيح لحديث أبي هريرة (نهى عن بيع الغرر) ولأنه يؤدي إلى النزاع والخصومة فوجب أن يكون باقياً والقول الثاني أنه يجوز أن يبيع أو أن يشتري ما لم يره وما لم يوصف له وله الخيار إذا راءه وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولكن القول الأول أصح أنه لا يمكن صحة البيع إلا إذا كان معلوماً برؤية أو صفة وعلى القول بالصحة إذا راءه ولم يعجبه وفسخ البيع فهل نقول إن النماء الحاصل فيما بين عقد البيع والرؤية يكون للمشتري كبيع الخيار أو نقول إنه لم ينعقد البيع لأن انعقاد البيع مربوط بالرؤية والعلم؟ الظاهر الثاني لهذه العلة ولأننا لو قلنا إن النماء يكون للمشتري بالصفة لكان في ذلك حلية على أن الإنسان يشتري أشياء لم يراها ولم توصف له وصفاً مطابقاً ثم إذا مضى مدة وراءه قال أنا فسخت البيع ويأخذ النماء لأنه قد يكون النماء كثيراً في مدة وجيزة وعلى كل حال القول الذي تطمئن إليه النفس أنه لابد من العلم إما برؤية والرؤية إما مقارنة وإما سابقة على العقد في زمن لا يتغير فيه وإما بوصف ينضبط فإذا قال بعت عليك سيارتي التي في موقف السيارات ماذا يكون؟ على الخلاف إذا قلنا إن البيع يصح بدون رؤية أو صفة قلنا البيع صحيح ثم له الخيار إذا راءها وإذا قلنا أنه لا يصح فإنه لا يصح نقول إما أن تصف السيارة وصفاً منضبطاً وإما أن يراها المشتري ثم يشتريها.

القارئ: ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين جميعا لأن الرضا معتبر منهما فتعتبر الرؤية التي هي مظنة له منهما جمعيا.

ص: 154

الشيخ: يعني فلو كان المشتري راءه والبائع لم يره لم يصح ويتصور هذا في رجل له سيارة في بلد آخر ولم يرى هذه السيارة ثم باعها على إنسان راءها فإنه لا يصح لأن البائع الذي باع ما لم يره ربما لو راءها ما باعها بهذه القيمة أو ربما لا يبيعها أبداً إذاً فلابد من الرؤية من البائع والمشتري فإذا قال قائل إذا كان البائع في بلد والمال المبيع في بلد آخر وقد راءه المشتري وأنتم تقولون لا يصح لأن البائع ما راءه فما الطريق؟ قلنا الطريق أن يوكل أحداً في البلد الذي فيه المبيع فيبيع والوكيل يقوم مقام الموكل.

القارئ: فصل فإن رأيا المبيع ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه صح في صحيح المذهب وعنه لا يصح لأن ما كان شرطاً أعتبر وجوده حال العقد كالشهادة في النكاح ولنا أنه معلوم عندهما.

الشيخ: قوله (لنا) يعني دليلنا.

القارئ: ولنا أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهدا حال العقد أو أشترى منه داراً كبيرة وهو في طرفها والشرط العلم وهو مقارن للعقد ثم إن وجد المبيع لم يتغير لزم وإن وجده ناقصاً فله الخيار لأن ذلك كالعين وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لأن الثمن يلزمه فلا يلزمه إلا ما اعترف به وإن عقد بعد الرؤية بزمن يفسد فيه ظاهرا لم يصح لأنه غير معلوم وإن أحتمل الأمرين ولم يظهر التغير فالعقد الصحيح لأن الأصل سلامته.

السائل: في بعض البلاد تكون بعض البيوت مغصوبة ملكتها الحكومة للناس ولا يمكن عودتها لأصحابها هل يجوز للناس أن يتبايعونها فيما بينهم؟

ص: 155

الشيخ: هذا سؤال مهم يعني بيع المغصوب الذي لا يمكن رده لصاحبه هل يجوز شرائه؟ الجواب أما إذا كان بناءاً على نظام نظمته الدولة مثل أن تقول لا أحد يملك بالإحياء إلا بعد إذن الدولة وهذا تملك بدون إذن فلا بأس أو كذلك أُخذ منه ماله عقوبةً له كالذي يؤخذ في مخالفة المرور أو ما أشبه ذلك من السيارات التي عند المرور فهذه يجوز شرائها لأنها لن تعود إلى أصحابها ولأنها أخذت بحق أما ما كان غصباً محضاً فالظهار أنه لا يجوز وإن كان ليس عائداً إلى أصحابه لكن يشتريه من يتحمل وزره ولأنه لو اشتريناه في هذه الحال لكان في ذلك إغراء للدولة الظالمة أن تغصب أموال الناس وتبيعها.

فصلٌ

القارئ: ويصح البيع بالصفة في صحيح المذهب إذا ذكر أوصاف السَّلم لأنه لما عدمت المشاهدة للمبيع وجب استقصاء صفاته كالسلم وإذا وجده على الصفة لزم العقد وإن وجده على خلافها فله الفسخ فإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لما ذكرناه وعنه لا يصح البيع بالصفة لأنه لا يمكن استقصائها والمذهب الأول لأنه مبيع معلوم بالصفة فصح بيعه كالمُسلم فيه وبيع الأعمى وشراؤه بالصفة كبيع المصير بها فإن عدمت الصفة وأمكنه معرفة المبيع بذوق أو شم صح بيعه وإلا لم يصح لأنه مجهول في حقه.

الشيخ: معرفته بذوق مثل العسل طيب ومعرفته بالشم مثل الطيب.

فصلٌ

القارئ: ولا يجوز بيع عبد من عبيد ولا شاة من قطيع ولا ثوب من أثواب ولا أحد هذين العبدين لأنه غرر فيدخل في الخبر ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع.

ص: 156

الشيخ: اعتاد الناس اليوم أن يقول البائع لقطيع الغنم للمشتري خذ ما شئت بمائة ريال أو بمائتين ريال فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجوز والصحيح أنه جائز وذلك لأن البائع أعلى سعر عنده هو مائة ريال وإذا كان أعلى سعر مائة ريال في أطيب شاة عنده فإنه لا غرر والمشتري له الخيار يأخذ مثلاُ أردأ شيء أو أعلى شيء فإن أخذ أردأ شيء فإنه قد رضي بذلك وإن أخذ أعلى شيء فإن البائع قد رضي بذلك والصواب أن مثل هذا جائز أن يقول هذا القطيع أمامك خذ منه ما شئت بمائة ريال مثلاً وهو يعرف أن أعلى سعراً لهذا القطيع مائة ريال.

القارئ: ويجوز بيع قفيز من صُبرة ورطل زيت من دن أو رَكوَة لأن أجزائه لا تختلف فلا يفضي إلى التنازع فإن باع جريباً من ضيعة يعلمان جربانها صح وكان المبيع مشاعاً منها فإن كانت عشرة أجربة فالمبيع عشرها وإن لم يعلما جربانها لم يصح لأنه لا يُعلم قدره منها فيكون مجهولا.

ص: 157

الشيخ: الصحيح أنه يصح إذا قال بعتك جَريباً من هذه الأرض فإنه يصح وإن لم يعلم مقدار جربانه لكن هم يعللون ذلك يقول لأن الجريب معلوم من مجهول فيؤدي إلى جهالة الباقي فيقال وأي شيء يضر أنا اشتريت منك مثلاً مائة متر من هذه الأرض أي فليس هناك مانع فلا غرر ولا ظلم ولا جهالة لكن لابد أن نُحدد مكان القطعة التي يريدها وذلك لأن أمكنة القطع تختلف فالقريب من الشارع ليس كالبعيد والذي له جهتان ليس كالذي ليس له إلا جهة فإذا كانا حددنا فقلنا مثلاً مائة متر من الجهة الفلانية على الشارع الفلاني فلا بأس وكذلك سبق أن ذكرنا صورة يستعملها الناس اليوم وهي إذا كان عنده قطيع من غنم وجاءه مشتري وقال له خذ ما تريد من هذا القطيع بمائة ريال المذهب لا يجوز لأنها لم تتعين الشاة التي يريد أن يأخذها والصحيح أنها جائزة لأن البائع مطمئن أنه لا يمكن أن يكون في هذا القطيع ما يزيد على مائة والمشتري له الخيار فلا ضرر لا على المشتري ولا على البائع ونحن لدينا قاعدة من الشرع (نهى عن بيع الغرر) وكما ذكرنا فيما سبق أن مدار المعاملات المحرمة في ثلاثة أشياء وهي الغرر والظلم والربا فإذا انتفت هذه فالصور لا حصر لها وكنونا نضيق على عباد الله بدون دليل من عند الله ورسوله هو جناية على الخلق ثم إذا حرمنا ما تدعو الضرورة إليه من معاملات الناس بدون دليل معناه أننا سلَّطناهم على ارتكاب المحرم مع التهاون لأنهم سيفعلون فإذا قلت هذا حرام ولكن يجد نفسه مضطراً إليه سوف يفعل ولو كان حراماً لكن إذا التمست ما يكون به الحل فهذا لا شك أنه خير للناس وأحسن.

فصلٌ

القارئ: ومالا تختلف أجزائه كصبر الطعام وزق الزيت يكتفى برؤية بعضه لأنها تزيل الجهالة لتساوي أجزائه ولأنه تتعذر رؤية جميعه فاكتفي ببعضه كأساسات الحيطان.

ص: 158

الشيخ: لا شك أن مالا تختلف أجزائه يجوز رؤية أعلاه ودليل ذلك من السنة حديث صاحب الطعام الذي مر به النبي صلى الله عليه وسلم في السوق وكان صاحب طعام يعرض طعامه فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه فإذا أسفله مبلول فقال (ما هذا؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال هلا جعلته فوق) فهذا يدل على أن مثل ذلك لا بأس به ولا يمكن أن تنظر كل تمرة من إناء يسعه عشرين كيلو مثلاً فجاز لأن أجزائه لا تختلف للدليل والتعليل الذي ذكره المؤلف رحمه الله.

القارئ: وما تشق رؤيته كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك.

الشيخ: ما مأكوله في جوفه مثل الرومان وكذلك أيضاً البرتقال والموز مأكوله في جوفه.

القارئ: ومالا تخلف أجزائه كصبر الطعام وزق الزيت.

الشيخ: صبر الطعام يعني الكومة.

القارئ: يكتفى برؤية بعضه لأنها تزيل الجهالة لتساوي أجزائه ولأنه تتعذر رؤية جميعه فأكتفي ببعضه كأساسات الحيطان وما تشق رؤيته كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك، وكذلك أساسات الحيطان وطي الآبار وشبهها ويجوز بيع الباقلاء والجوز واللوز في قشرته والحب المشتد في سنبله لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد فمفهومه جواز بيع المشتد ولأنه مستور بما خلق فيه فجاز بيعه كالذي مأكوله في جوفه ولأن قشره الأعلى من مصلحته لأنه يحفظ رطوبته وادخار الحب في سنبله أبقى له فجاز بيعه فيه كسلت وأرز ومالا تشق رؤية جميعه يشترط رؤية جميعه على ما أسلفناه.

السائل: قوله (ويجوز بيع قفيز من صبرة) ما معناه؟

الشيخ: القفيز نوع من المكيال والصبرة الكومة من الطعام مثاله إنسان عنده صبرة من الطعام وقال أبيع عليك عشرة كيلو من هذه الصبرة ووزن الصبرة مائة كيلو فالبيع جائز جائز وهذا معنى قفيز من صبر فإذا كان لا يُدرى كم مقدارها هل هي مائة كيلو أو أكثر أو أقل فباع عليك عشرة كيلو منها فالمؤلف يرى أن ذلك لا يجوز والصحيح أنه يجوز.

ص: 159

السائل: ما معنى قوله (فإن باع جريباً من ضيعة)؟

الشيخ: الضيعة البستان الضيعة البستان والجريب مسافة مساحة معلومة من الأرض.

السائل: إذا وقع العقد على ما لم يره ثم رأه وصلح له فهل يمضي البيع أم لا؟

الشيخ: المذهب لا يجوز والصحيح أنه يجوز وله الخيار إذا رأه.

فصل

القارئ: إذا قال بعتك هذه الصبرة صح وإن لم يعرف قدرها لأن ابن عمر قال (كنا نبتاع الطعام من الركبان جزافاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولأن غرر ذلك منتفي بالمشاهدة فأكتفي بها وإن باعه نصفها أو ثلثها أو جزءاً منها مشاعاً صح لأن من عرف شيئاً عرف جزئه وإن قال بعتكها كل قفيز بدرهم صح لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعلم مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو كيل الصبرة فجاز كما لو باعه مرابحة لكل عشرة درهم ولو قال بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح لأن البعض مجهول ولو قال بعتك منها كل قفيز بدرهم لم يصح لأنه باعه بعضها.

الشيخ: كلام المؤلف في هذه المسألة ضعيف فإذا قال البائع بعتك منها كل قفيز بكذا فلا بأس ويأخذ المشتري ما أراد من القفزان والثمن مقدر بالقفزان أما إذا قال بعتكها كل قفيز بكذا فلا يصح لأن البيع وقع على كل الصبرة فإذا قال البائع بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فالمؤلف يقول أنه لا يصح لأنه لا يدري ماذا يأخذ المشتري قد يأخذ عشرة أقفزة وقد يأخذ مائة قفيز وقد لا يأخذ إلا واحدة فهو مجهول وهذه المسألة نظير ما قلنا فيما إذا قال البائع للمشتري خذ من هذا القطيع ما شئت بمائة ريال وقلنا إن الصواب جواز ذلك وكذلك إذا قال البائع للمشتري بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فلا بأس لأن البائع معتمد على أنه لو يأخذها كلها لكان أحب إليه.

ص: 160

القارئ: ولو قال بعتكها على أن أزيد قفيزاً لم يصح لأن الزائد مجهول فإن قال على أن أزيدك قفيزاً من هذه الأخرى صح لأن معناه بعتكها وقفيزاً من هذه وإن قال على أن أزيدك قفيزاً من هذه أو أنقصك قفيزاً لم يصح لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه وإن قال بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من هذه الأخرى وهما يعلمان قدر قفزانها صح لأنهما إذا علماها عشرة فمعناه بعتك كل قفيز وعشرٍ بدرهم وإن لم يعلما قدرها لم يصح لجهالة الثمن لأنه يصير قفيزاً

وشيئاً لا يعلمان قدره بدرهم لجهلهما بكمية قفزانها وكذلك إن قال على أنقصك قفيزا وإن جعلا للقفيز الزائد ثمناً مفردا صح في الحالين.

فصل

القارئ: ويكتفى بالرؤية فيما لا تتساوى أجزائه كالأرض والثوب والقطيع من الغنم لما ذكرناه في الصبرة وفيه نحو من مسائلها.

الشيخ: قوله رحمه الله (ويكتفى بالرؤية) لو قال ولابد من الرؤية لكان أصح لأن القول ويكتفى بالرؤية معناه وبغيرها أيضاً وأن الرؤية كافية عما سواها وليس كذلك بل المراد أنه لابد من الرؤية فيما لا تستوي أجزائه حتى يكون الإنسان على علم فالأرض لا تتساوى أجزائها لأن فيها السهل والحزم والوادي والجبل وفيها أيضاً ما كان على الطريق القائم وما كان على غير طريق فتختلف أجزائها وكذلك الثياب تختلف ففيها الطويل والقصير والأبيض والأحمر وما أشبه ذلك والأحمر إذا كان خالصاً فإما أن يحرم لبسه أو يكره والغنم كذلك فيها اختلاف كثير.

القارئ: ولو قال بعتك من الدار من هاهنا إلى هاهنا جاز لأنه معلوم وإن قال عشرة أذرع ابتدئها من هاهنا لم يصح لأنه لا يدري إلى أين ينتهي.

ص: 161

الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله والصواب أنه يصح ولنفرض أن إنسان جار لك وقال أنا أحتاج من بيتك أو من حوشك مثلاً عشرة أذرع فقال البائع لا بأس خذ من الجدار تمام عشرة أذرع كل ذراع بألف ريال فليس هناك جهالة في المبيع خصوصاً إذا كانت المسافة التي سيُأخذ منها العشرة معلومة فمثلاً قدرنا أن الحوش مائة ذراع وأخذنا منه عشرة أذرع فكأننا أخذنا العُشر فليست هناك جهالة أبداً فالصواب أن ذلك جائز ولا يدخل هذا في النهي عن بيع الغرر لأنه معلوم.

القارئ: ولو قال بعتك نصف داري مما يلي دراك لم تصح نص عليه لذلك.

الشيخ: الصواب أنه يصح فإذا قال بعتك نصف داري مما يلي دارك صح لأنه يمكن أن يعلم بأن يذرع فيُعرف.

القارئ: وإن قال بعتك من هذا الثوب من أوله إلى هاهنا صح لأنه معلوم.

الشيخ: ليس المراد بالثوب المخيط بل المراد بالثوب قطعة القماش أما الثوب المخيط فإنه لا يمكن أن يُجزّء.

القارئ: وقال القاضي إن كان ينقصه القطع لم يصح لعجزه عن التسليم إلا بضرر والأول أصح لأن التسليم ممكن والضرر لا يمنع الصحة إذا التزمه كما لو باعه نصف مشاعاً أو نصف حيوان.

الشيخ: يعني لو باعه نصف مشاعاً وطالب المشتري أن يقسم فإنه يقسم أو باعه نصف حيوان وطالب المشتري أن يذبح ويعطيه نصفه فعل ذلك.

فصلٌ

القارئ: ويشترط لصحة المبيع معرفة الثمن لأنه أحد العوضين فيشترط العلم به كالمبيع ورأس مال السلم.

ص: 162

الشيخ: الفقهاء رحمهم الله يستعملون القياس دائماً فيما يمكن فيه استعمال النص فهنا لو قال يشترط لصحة البيع معرفة الثمن لأن جهله غرر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن بيع الغرر) كانت ثبوت العلم بالثمن بالنص وهذا أولى ونقول هذا لا اعتراضاً على الفقهاء لأن الفقهاء رحمهم الله يريدون من طالب العلم أن يكون عنده قدرة على إلحاق الأشياء بنظائرها لكني أقول من حيث الاستعمال لا شك أننا إذا اعتمدنا على الدليل الأثري أولى ثم نلحقه بالدليل النظري لأن الدليل الأثري يوجب للإنسان منافع كثيرة منها الرجوع إلى الأصل وهو الدليل من الكتاب والسنة ومنها الطمأنينة لأن الإنسان يطمئن ويرى أن له حجة عند الله عز وجل إذا عمل بهذا ومنها أنه لا يمكن لأحد أن يعارض لأنك إذا استعملت القياس فربما ينازعك منازع ويقول لا أوافق على القياس ومنها محبة الله ورسوله لأنك تشعر بأنك تابع للكتاب والسنة وهذا يؤدي إلى محبتك لله ورسوله لأن الله شرع لك هذا ولأن الرسول شرع لك هذا فتزداد محبتك لله ورسوله فلذلك أوصيكم بالاعتماد ما استطعتم على النصوص من الكتاب والسنة وإذا لم تجدوا ماء فتيمموا أي اذهبوا إلى القياس وهذا هو الذي ضر كثيراً من العلماء رحمهم الله أنهم رجعوا إلى القياس فتناقضوا في كثير من المسائل ولهذا يسمون أهل الرأي لأنهم لا تكاد تجد في مؤلفاتهم الاعتماد على الأدلة وعكسهم الظاهرية الذين لم يلتفتوا إلي المعقول إطلاقاً ولكنهم متناقضون لأنهم أحياناً يرجعون إلي القياس وعلى كل حال ليس هذا موطن بحث هذه المسألة والقصد أنه متى ما وجد النص فلا يُعدل به شيء واستعمال النص في هذه المسألة سهل جداً (نهى عن بيع الغرر) والثمن إذا كان مجهولاً فهو غرر وانتهينا.

القارئ: وإن باعه بثمن مطلق في موضع فيه نقد معين انصرف إليه وإن لم يكن فيه نقد معين لم يصح لجهالته.

ص: 163

الشيخ: هذه المسالة لا تقع في الوقت الحاضر فيما أعلم يعني أن يكون في بلد ما نقدان متساويان ويستعملهم الناس على السواء فهنا إذا قدرنا أن هناك دراهم مثلاً تبع السعودية ودراهم تبعٌ لبلد آخر وهي رائجة في البلد على السواء وقلت بعتك بدرهم لا يصح لأنه لا يدري أي الدرهمين المقصود لكن إذا كان من المعروف أن الرائج والأكثر هو الدرهم الفلاني صح ويحمل المطلق عليه.

القارئ: وإن باعه سلعة برقمها أو بما باع به فلان وهما لا يعلمان ذلك أو أحدهما أو بما ينقطع به السعر لم يصح لأنه مجهول.

ص: 164

الشيخ: هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء إذا قال الزبون للتجار بكم هذه السلعة قال التاجر مكتوبٌ عليها الثمن فربما يكون التاجر لا يعرف عنها شيئاً والمشتري أيضاً لا يعرف يقول المؤلف أنه لا يصح البيع والحقيقة أن هذا أولى بالصحة مما إذا قدره البائع لأن المقدَّرَ هنا مقدَّر إما من قِبَل الدولة وإما من قِبَل الشركة فهو مقدر بثمن يشترك فيه الناس كلهم فالصواب أنه إذا باعها برقمها فالبيع صحيح وأنه أولى بالصحة من تعيين البائع الثمن وذلك لأن البائع قد يزيد في الثمن والمشتري لا يدري والمسألة الثانية إذا قال بعتك بما باع به فلان يقول المؤلف لا يصح وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون فلان من العمداء المعتمدين في السوق أو غيرهم من الناس والصواب أنه يصح إذا كان فلان ممن عرف في السوق واعتمد لأن بعض التجار يكون عمدة عند الناس لأنه يعرف الأثمان ويقدر الأشياء بأثمانها والناس ينتابونه ويشترون منه كثيراً فإذا قلت أنا لا أعرف السلع ولا أعرف ثمنها لكن اذهب واسأل فلان فالذي يبيع به فهي لك به يقول المؤلف أنه لا يصح والصواب أنه يصح إذا كان فلان ممن عرف بأنه عمدة وأن الناس ينتابونه وأن أسعاره معتبرة أما لو قال اذهب إلى فلان وأسأله هذا ما يصح لأننا لا ندري ماذا يقدرها به فلان وفلان هذا ليس معروفاً بين الناس وليس عمدة في البيع والشراء أما إذا كان عمدة فالصواب أنه يصح وقول المؤلف (بما ينقطع به السعر) يعني إذا قال البائع للمشتري اذهب وأعرض هذه السلعة في السوق ونادي عليها بالمزيادة فإذا وقفت على سعر ما فهي لك به يقول المؤلف لا يصح لكن نقول هنا أيما أشد غرراً وجهالة أن يقول هي بمائة وربما لا يدري البائع والمشتري عن الثمن أو إذا قال البائع للمشتري اذهب وأعطها من ينادي عليها فإذا أنقطع السعر فهي لك أيهما أقرب إلى موافقة الحقيقة في الثمن؟ الجواب الثاني بلا شك وحينئذ نقول إذا باعه بما ينقطع به السعر

ص: 165

فالصواب أن ذلك جائز إذا قال قائل ربما تكون الأشياء رخصة والبائع يظنها باقية على سعرها الأول فيندم البائع؟ نقول البائع بائع على كل حال ولن يبيع بأكثر من سعر الناس إلا إذا أراد الغش والخداع وإلا فالناس في السوق ولم يمنعوا من المزايدة

كذلك بالعكس لو أن المشتري ظن أنها رخيصة ولكن الأسعار زادت وزاد فيها الناس حتى رَبَت فالمشتري حينئذ سوف يندم لأنه زاد عليه السعر فنقول هو أي المشتري شاري بأي ثمن لأنه يريد أن يدفع حاجته فإذا كان كذلك فإن البائع لم يزد عليه عما في السوق حتى لو ذهب إلى السوق ولم يجد إلا بهذا الثمن فالصواب أنه جائز لكن في مثل هذه الحالة نقول تطييباً للقلوب وإزالةً للضغائن يقول البائع للمشتري إذا أنقطع السعر فأنت بالخيار إن شئت خذها وإن شئت أتركها وكذلك بالنسبة للبائع يقول المشتري للبائع إذا أنقطع السعر فأنت أيضاً بالخيار فحينئذ يحصل المقصود للطرفين ويكون كل واحد منهما وعد الآخر بأخذها.

القارئ: وإن قال بعتك بألف درهم ذهباً وفضة لم يصح لأنه لم يبين القدر من كل واحد منهما.

الشيخ: هذه المسألة فيها تفصيل إذا كان سعر الذهب والفضة واحداً وقال بعتك بمائة ذهباً وفضة نحمل الكلام الآن على المناصفة لأنه قال ذهب وفضة فالعدل أن نجعلهما خمسين من الدنانير وخمسين من من الدراهم والسعر معروف وهو خمسين دينار يعني خمسمائة درهم فيكون الثمن خمسمائة وخمسين درهماً لكن نصفها ذهب فهذا ليس فيه جهالة في الواقع أما إذا كان سعر الذهب يختلف كما هو المعهود الآن فهنا لا يصح أن يقول بعتك بمائة ذهباً وفضة لأن هذا فيه جهالة عظيمة قد يقدر أن قيمة الدينار عشرة فإذا هو بعشرين أو يقدر عشرة فإذا هو بخمسة.

ص: 166

القارئ: وإن باعه بعشرة نقدا أو بخمسة عشرا نسيئة أو بعشرة صححا أو بعشرين مكسرة لم يصح لم يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين في بيعة) حديث صحيح ولأنه لم يعقد على ثمن بعينه أشبه إذا قال بعتك أحد هذين العبدين.

الشيخ: والصواب الصحة إذا قال بعتك هذا الشيء بعشرة نقداً ويسميها مقلدوا الناس بعضهم ببعضاً يسمونها كاشاً ولا أدري كلمة كاش هل هي لغة عربية أو أجنبية وعلى كل حال أقول استعمال كلمة نقد أحسن من استعمال كلمة كاش لأنها هي لغة الفقهاء وهي اللغة العربية وكوننا نجاري الناس لا ينبغي إلا إذا قال العامي ما معنى نقد فحينئذ نقول له كاش ويكون ذلك ترجمة والترجمة جائزة وعلى كل حال إذا قال بعتك هذا الكتاب بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة فقال المشتري قبلت يقول المؤلف أنه لا يصح ويفسر هذا بأنه بيعتين في بيعة والصحيح أنه لا ينطبق عليه الحديث إطلاقاً ولا يدل عليه الحديث لأن هذا بيعة واحدة بثمنين مُخيَّر بينهما فلا يوجد بيعتان في بيعة فالبائع يقول بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة وأخذ المشتري العشرة فليس هناك جهالة فهما لم يتفرقا إلا وقد عُيِّن الثمن ولو قال البائع بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة فأخذه المشتري بعشرين نسيئة ذهب فليس في ذلك شيء ولو قال البائع خذه بعشرة نقداً ولك إلى

الغد وفي الليل جاء المشتري بالعشرة فإنه يصح على القول الراجح وإذا مضى اليومان لزمه بعشرين فالصواب أنه صحيح وأنه لا يدخل في بيعتين في بيعة وأن هذا بيعة واحدة بثمنين مُخيَّر بينهما.

القارئ: ويتخرج أنه يصح بناءاً على قوله في الإجارة وقيل معنى (بيعتين في بيعة) أن يقول بعتك هذا بمائة على أن تبيعني دارك بألف أو على أن تصرفها لي بذهب وأيّاً ما كان فهو غير صحيح.

ص: 167

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف إذا قال بعتك بيتي هذا بشرط أن تبيعني بيتك يقول المؤلف لا يجوز لأنه بيعتان في بيعة وهذا أقرب من الأول أن يكون بيعتين في بيعة لأنك تقول بعت عليك بشرط أن تبيع عليَّ فهاتان بيعتان في بيعة ولكن الصحيح أنه جائز إلا إذا كان حيلة على الربا بأن قال أقرضك مثلاً عشرين ألفاً بشرط أن تبيع عليَّ دارك هذا لا يجوز لأنه قرض جرا نفعاً وكذلك أيضاً إذا تضمن ربا مثل أن يقول أبيع عليك ذهباً مصنوعاً صناعة جديدة على أن تبيع علي ذهبك المصنوع صناعة قديمة وبينهما اختلاف في الميزان فهذا أيضاً لا يصح لأن فيه ربا فضل فالصواب أن اشتراط عقد في عقد جائز ما لم يتضمن محرماً من ربا أو جهالة إذاً كلا المعنيين لا يدخلان في معنى بيعتين في بيعة فما هي (بيعتان في بيعة)؟ نقول فسرها الرسول عليه الصلاة والسلام وليس لنا أن نتجاوز ما فسره لأنه هو المتكلم هو الذي نهى عن بيعتين في بيعة وهو الذي فسرها لنا فقال (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) وقوله (أوكسهما) يعني أنقصهما أو (الربا) يعني إما أن يأخذ بالناقص ولا يكون عليه شيء فهو حلال أو الربا فالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بيّن وفصّل أن بيعتين في بيعة إما أن يأخذ بأنقصهما فيكون حلالاً وإما أن يأخذ بأكثرهما فيكون ربا فلا نتعداه وكيف يكون ذلك؟ أن أبيعك بيتي بمائة ألف إلي سنة فهذه بيعة تامة ثم رجعت إليك فأخذته منك بثمانين نقداً وأعطيتك ثمانين فهذه بيعة فهاتان بيعتان الأولى والثانية وقوله (في بيعه) أي في مبيع فيحمل قوله (في بيعه) أن معناه في مبيع فالمبيع الآن واحد وورد عليه عقدان أول وثان فإن أخذ البائع بالأول فهو الربا وإن أخذ بالثاني فهو أوكسهما وليس بربا وتوضيحاً للمثال بعتك هذا البيت بمائة ألف ريال لمدة سنة ثم أخذته منك بثمانين ألفاً نقداً وأعطيتك ثمانين فالآن أعطيتك ثمانين وفي ذمتك لي مائة ألف فهذا ربا وحقيقة الأمر أن

ص: 168

هذا البيع يراد به إعطاء ثمانين بمائة فإن قلت اشتريته منك بثمانين ولا شيء لي عندك فهنا أخذت بأوكسهما وليس في ذلك شيء عليه نقول إن البيعتين في بيعة المنهي عنهما هما مسألة العينة كما فسرها بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكما هو صريح الحديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا).

السائل: يقولون في نفس الحديث أن الذي يقول بع هذا بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة أنه باع العشرة والسلعة هذه لا تجاوز ثمنها عشرة دراهم فعشرة دراهم هذه باعها بعشرين كأنه أربا؟

الشيخ: أنت لم تبع العشرة لأنك ما أخذتها بعشرة ثم عدت وقلت اجعلها مؤجلة بعشرين لكن لو أخذت بعشرة ثم أنقطع الخيار ثم بعد ذلك رجعت وقلت أنا أخذتها منك بعشرة ظناً مني أني أدركت اليوم عشرة لكن لم أدرك اجعلها عشرين إلى سنة فهذا حرام لأنه أستقر عليك الثمن بعشرة فلا يجوز أن تجعله عشرين في مقابل الآجل لكن نقول من الأصل أنا ما أخذتها بعشرة أنا خُيِّرتُ بين ثمنين وأخذت بالعشرة ومسائل الخلاف يجب على الإنسان أن يتحرى فيها الدقة فلا يأخذ الشيء مسلّماً كما مر علينا في مسائل كثيرة في البيع كالبيع بما يبيع الناس والبيع بالرقم البيع والبيع كما يبيع فلان المشهور المعتمد فكل هذه المسائل يقول المؤلف لا يصح وإذا تأملت وجدت أنها أولى بالصحة من الثمن المقطوع من جانب البائع.

القارئ: وإن باع بثمن معين تعين لأنه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فعلى هذا إن وجده مغصوباً بطل العقد وإن وجده معيباً فرده أنفسخ العقد لرد المعقود عليه فأشبه رد المبيع وعن أحمد أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض فتنعكس هذه الأحكام.

ص: 169

الشيخ: الثمن يتعين بالتعيين كما يتعين المبيع فإذا قلت مثلاً لشخص أعطني بالعشرة هذه التي يدي دفاتر مثلاً فالآن الورقة التي بيدي تتعين ولا أستطيع أن أبدلها لأن العقد وقع عليها بعينها فالنقد يتعين بالتعيين كما يتعين المبيع وهذه الرواية هي المذهب وهي الصحيحة وقيل أن الثمن لا يتعين بالتعيين وأن للمشتري الذي عين الثمن أن يبدله ويغيره لأن الثمن الذي هو النقد الدراهم والفضة مثلاً لا يُرَاد أعيانها ولا يهتم إذا سقطت الورقة النقدية فأخذها وأعطاه ورقة أخرى لا يهتم بهذا لأن الثمن واحد فلذلك أختلف العلماء هل تتعين بالتعيين أولا وهذا فيما إذا كان الثمن نقداً يعني دراهم أو فضة أما إذا كان الثمن عيناً فلا شك أنه يتعين بالتعيين رواية واحدة مثل أن أقول اشتريت سيارتك بهذه السيارة فهنا الثمن سيارة وفي عين فتتعين بذاتها ولا إشكال فيه ولهذا نقول الفرق بين الثمن والمثمن ما دخلت عليه الباء فهو الثمن هذه القاعدة ما دخلت عليه الباء فهو الثمن مثلاً اشتريت منك سيارة بهذه السيارة فالثمن هنا السيارة الثانية ولو قلت اشتريت منك العشرة دراهم التي بيدك بهذا الكتاب فالكتاب هنا هو الثمن ولأنه هو الذي دخلت عليه الباء فكل ما دخلت عليه الباء فهو الثمن ويتعين الثمن بالتعيين كما يتعين المثمن وهذا كلام المؤلف رحمه الله، ثم قال المؤلف (فعلى هذا إن وجده مغصوباً بطل العقد) يعني إن وجد الثمن الذي عينه مغصوباً بطل العقد لأنه وقع على مالا يملكه المشتري ومعنى مغصوباً يعني أن المشتري غصب هذا الثمن مثلاً غصب عشرة ريالات وجاء بها إلي وأشترى بها مني حاجة وعينها عند العقد فتبين أنها مغصوبة يقول المؤلف يبطل البيع لأن المشتري لا يملكها ثم قال المؤلف (وإن وجده معيباً فرده أنفسخ العقد) يعني إن

ص: 170

وجد البائع أن هذا الثمن معيباً فمثلاً وجد الورقة النقدية مزيفة أو مشققة ثم ردها فإنه ينفسخ العقد ثم قال المؤلف (وعن أحمد أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض فتنعكس الأحكام) معناه إذا قلنا أن الثمن لا يتعين بالتعين فقال المشتري للبائع اشتريت منك هذا الكتاب بهذه الدراهم التي بيدي ثم تم البيع وأخذ البائع الثمن وتبين أن الثمن مغصوب أو مسروق فالعقد على هذا القول صحيح ويلزم المشتري بعوضه يعني بأن يعطي البائع عشرة أخرى من عنده وكذلك إذا وجد البائع بعد إن استلم الثمن المعين وجده معيباً ثم رده للمشتري فإنه لا يبطل ويلزم المشتري بدله.

القارئ: وإن باعه بثمن في الذمة لم يتعين فإذا قبضه فوجده مغصوباً لم يبطل العقد وإن رده لم ينفسخ لأن الثمن في الذمة.

الشيخ: قوله (بثمن في الذمة) لا يلزم أن يكون مؤجلاً فإذا قلت اشتريت منك كتاباً بعشرة ريالات والريالات معي في جيبي وبعد أن تم البيع أخرجت من جيبي عشرة وأعطيتك إياها فهذا ثمن في الذمة لأن العشرة التي في جيبي عند العقد لم تعين فتكون في الذمة فلا يلزم من كلمة الذمة أن يكون الثمن مؤجلاً.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع الملامسة والمنابذة لما روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين الملامسة والمنابذة) والمنابذة أن يقول إذا نبذة إليَّ هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره متفق عليه ولأنه إذا علق البيع على نبذ الثوب ولمسه فقد علقه على شرط وهو غير جائز.

ص: 171

الشيخ: الملامسة والمنابذة ثبت النهي عنها وكما ذكر المؤلف مثالها ليس فيها ملامسة من الجانبين فاللمس من جانب واحد بأن يقول أيُّ ثوب تلمسه فهو عليك بكذا فهذا لا يصح لأن فيه غرر وجهالة فربما يلمس ثوباً يساوي مائة أو ثوباً يساوي عشرة فهو مجهول وبناءاً على ذلك لو كانت الثياب مستوية القيمة لا يختلف أحدها عن الآخر فإن ذلك جائز فإذا قال قائل الحديث عام؟ قلنا إن السنة يفسر بعضها بعضاً وحديث أبي هريرة (نهى عن بيع الغرر) يدل بمفهومه على أن كل بيع لا غرر فيه فهو جائز فيحمل النهي عن الملامسة عن ملامسة فيها غرر، ولو أننا أبقينا كل نص على عمومه لتناقضت السنة بل يخص عموم السنة بما يخصها نعم وأما المنابذة فمثالها لو قال أيُّ ثوب تنبذه عليَّ فهو بمائة فهذا لا يصح ومعنى تنبذه أي ترمي به عليَّ فلا يصح لأنه ربما يرمي عليه ثوباً يساوي خمسة ريالات أو عشرة وهو يريده بمائة وربما يخطئ فيرمي عليه ثوباً يساوي مائتين ففيه جهالة لكن نجد الآن في بعض الدكاكين يقولون كل شيء بثلاثة ريالات هل هو من هذا النوع؟ لا لأنه لا يمكن أن يجد ما يساوي أكثر من ثلاثة ريالات كأنهم يقولون كل الذي في الدكان لا يوجد شيء يساوي أكثر من ثلاثة ريالات فلا توجد جهالة والإنسان يختار ما شاء

ويشبه هذا ما ذكرناه من قبل أن يقول البائع للمشتري مثلاً أدخل في قطيع الغنم وخذ منه ما شئت بمائة ريال والبائع يدري أنه لا يمكن أن تزيد الواحدة عن مائة ريال فهذا لا بأس به لعدم وجود الجهالة.

القارئ: وإذا باعه قبل نشره فقد باعه مجهولا فيكون غررا.

الشيخ: هذا صحيح وأما مسألة تعليق البيع بالشرط فليس به بأس مادام الشرط معلوماً مثل أن يقول بعت عليك سيارتي بعشرة آلاف إن رضي أبي ثم ذهب إلى الأب فقال رضيت فالبيع صحيح لأن هذا ليس بربا ولا ظلم ولا غرر.

ص: 172

القارئ: ولا يجوز بيع الحصاة لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة) رواه مسلم وهو أن يقول ارمِ هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا وقيل هو أن يقول بعتك من هذه الضيعة بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا وكذا وكلاهما غير صحيح لأنه غرر.

الشيخ: بيع الحصاة سواء فُسر بهذا أو هذا فهو بيع مجهول مثل أن يكون دكان فيه أنواع من البضائع فقال البائع للمشتري ارمِ حصاة على هذه البضائع أي بضاعة تقع عليها الحصاة فهو بكذا فهذا لا يجوز لأنه مجهول لكليهما أما البائع فظاهر لأنه لا يدري ماذا يصوب المشتري الحصاة إليه وأما المشتري فقد يخطئ أحياناً يرمي الإنسان الحصاة يريد هدفاً معين ثم تصيب غيره إذاً هو مجهول لهذا ولهذا فلذلك نهي عنه لما فيه من الغرر وكذلك أيضاً الحصاة من الضيعة الضيعة مثل البستان أو الأرض أو ما أشبه ذلك قال البائع للمشتري خذ الحصاة هذه وارمها والمدى الذي تصل إليه فهو عليك بكذا فلا يجوز لأنه غرر حتى لو كان المشتري يعرف من نفسه أنه رجل قوي وأنه إذا رمى الحصاة ستبلغ ثلاثمائة متر مثلاً فلا يصح لأنه وإن كان هذا ظنه بنفسه لكن ربما تخلل يده عند الرمي أو ربما يقابلها ريح شديدة تردها عما أراد أو أي سبب من الأسباب ففيه جهالة فهو للبائع قطعاً مجهول وللمشتري الغالب أنه مجهول لأنه لا يستطيع أن يحدد مدى ما تصل إليه الحصاة إذا رمى بها وكل هذه الأشياء التي جاء بها الحديث كلها في الحقيقة عبارة عن أمثلة للقاعدة العامة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر).

السائل: شخص أراد شراء شيء بمائة درهم مثلاً ثم تذكر أن معه صرف في جيبه بعد أن عين هذه الدراهم فردها مرة أخرى بعد إن أستلم المبيع ثم أعطى البائع من الصرف الذي في جيبه؟

الشيخ: هذا ينبني على الروايتين إن قلنا إنها تتعين بالتعيين فإنه لا يملك أن يبدلها وإن قلنا لا تتعين ملك ذلك.

ص: 173

السائل: إذا كان الثمن بعد الرمي يعني يقول المشتري لصاحبه سأرمي هذه الحجر فإذا بلغ المحل الفلاني أبيعه مثلاً بمائة.

الشيخ: هذا ما في مانع إذا كان العقد بعد الرمي لكن لا أحد يفعل هذا إلا أنه فيه خبل لأنه كيف سيجعل الحصاة هي التي تعين ما يريد.

السائل: في بعض البضائع تكون مغلفة محطوطة في كيس أو كرتون وإذا فتحت الكرتون يجب أن تدفع قيمتها ويكون اسم البضاعة مكتوب بالخارج؟

الشيخ: لو تغيرت عما كتب عليها في الكرتون أرجعتها.

السائل: بعض الكتب تجيء مغلفة ما ندري ما اسم الكتاب أو المادة التي فيه؟

الشيخ: لا هذا ما يصلح إذا صرت ما تدري ماذا يوجد في الكتاب لكن لابد أن تعرف مثلاً أنه كتاب سبل السلام شرح بلوغ المرام ومغلف فهذا إذا اختلف فلك رده لأنه عين.

القارئ: ولا يجوز بيع حبل الحبلة لما روى ابن عمر قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة) متفق عليه، قال أبو عبيد هو بيع ما يلد حمل الناقة وقيل هو بيع السلعة بمثن إلى أن يلد حمل الناقة وكلاهما لا يجوز لأنه على التفسير الأول بيع معدوم مجهول وعلى الثاني بيع الثاني بثمن إلى أجل مجهول.

ص: 174

الشيخ: هذا واضح بيع حبل الحبلة له تفسيران الأول أن يبيعه ولد حمل هذه الناقة فهذا لا يجوز لأنه معدوم ومجهول قد تلد ناقة وقد لا تلد قد تلد جملاً ولأن الناقة قد تموت وقد تحيا وقد تلد اثنين أو ثلاثة فالمهم أنه لا يجوز لأنه مجهول معدوم أو قال بعتك هذا بثمن إلى أن يلد حمل الناقة فهذا أيضاً لا يجوز لأننا لا ندري متى تلد فهو أشد جهالة وكذلك لو قال إلى أن تلد الناقة فلا يجوز لأن الثمن مؤجل بأجل مجهول وهذا يؤدي إلى النزاع والاختلاف أما لو قال اشتريت منك هذا الثوب إلى ميسرة حتى يرزقني الله فإنه يجوز لأن قوله حتى يرزقني الله إنما هو تأكيد إذ أنه لا يلزمه أن يسلم الثمن إلا إذا رزقه الله مادام البائع يعلم أنه فقير فإن مقتضى العقد ألا يطالبه بالثمن إلا إذا رزقه الله فيكون هذا الشرط تأكيداً ولهذا قالت عائشة (يا رسول الله إن فلان قَدِم له بَزٌّ من الشام فلو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى ميسرة) فأرسل إليه النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يقبل وامتنع أن يبيعه لأنه يريد أن يأخذ الثمن ويرجع إلى أهله.

القارئ: ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجيء المطر وقدوم زيد وطلوع الشمس لأنه غرر.

الشيخ: الصواب في هذا التفصيل إذا علق البيع على شرط مستقبل فإن كان معلوماً فلا بأس وإن كان مجهولاً فلا والمؤلف مثَّل بأمثلة يقول كمجيء المطر وهذا غير معلوم وكذلك قدوم زيد غير معلوم أما طلوع الشمس فهو معلوم وعلى هذا فإذا وقته بطلوع الشمس فلا بأس لأنه معلوم والتعليق لا يؤدي إلى الجهالة فإذا قال قائل ماذا تقولون لو تلف المبيع فيما بين هذا العقد وبين طلوع الشمس؟ نقول لو تلف فإنه على ضمان البائع لأن العقد معلق بطلوع الشمس فيبقى في يد المشتري أمانة لا يلزمه الضمان.

القارئ: ولأنه عقد معاوضة فلم يجوز تعليقه على شرط مستقبل كالنكاح.

ص: 175

الشيخ: هنا قاس شيئاً مختلف فيه على مختلف فيه فالنكاح من قال أنه لا يصح إذا كان معلقاً فهو قياس على قياس مختلف فيه وهذا لا ينفع لأن من شرط القياس اتفاق الخصمين على حكم الأصل وهذا له أمثلة عند الفقهاء رحمهم الله منها مثلاً قالوا لا يجوز رمي الجمرات بحصى قد رُمي به كما لا يجوز استعمال الماء إذا استعمل في طهارة واجبة فالمذهب إذا استعمل الماء في طهارة واجبة فإنه يكون طاهر غير مطهر فيقولون إذا رَمى بحصاة رُمي بها فإنه لا يصح الرمي قياساً على ما إذا توضأ بماء قد توضئ به فنقول نحن لا نسلم بالأصل الذي قستم عليه وإذا لم نسلم بالأصل لم نسلم بالمقيس ولذلك كان الصحيح أنه يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات بحصاة رمي بها لأنها حصاة وقد أورد بعض العلماء على هذا أنه إذا قلتم بهذا القول لزم من قولكم أن يكفي الحجاج حصاة واحدة؟ نقول نحن ملتزمون دع الحاج يأخذ الحصاة ويرميها سبعة مرات عن نفسه ويجئ آخر نفسه كذلك والحجاج مليونين مثلاً لكن هذا إلزام بأشياء لا يمكن أن تكون ولكن نحن نلتزم وماذا يضر وعلى كل حال هذا جاء استطراداً ونقول إن القياس يشترط فيه ثبوت الأصل عند الخصم الذي تريد أن تحتج عليه أما فإذا أنكر الأصل فكيف تقيس عليه ما هو فرعه.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع العنب والعصير لمن يتخذه خمرا ولا السلاح لأهل الحرب أو لمن يقاتل به في الفتنة ولا الأقداح لمن يشرب فيها الخمر لأنه معونة على المعصية فلم يجوز كإيجاره داره لبيع الخمر.

ص: 176

الشيخ: لو قال لأنه معونة على المعصية وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) أما (فلم يجز كإيجار داره) فعدل إلى القياس مع وجود النص وهذا تقصير في الاستدلال فالواجب إذا وجد النص ألا نعدل عنه وأن نستدل به وعلى كل حال كل شيء علمت أنه يراد به فعل محرم فلا يجوز لك بيعه فإن قلت أنا لا أدري؟ قلنا ما الذي يغلب على ظنك لأنه أحياناً لا يدري الإنسان مائة بالمائة فنقول إذا غلب على ظنك أن هذا الرجل إنما اشترى هذا الشيء للمعصية حَرُمَ عليك البيع فإن ترددت فالأصل الحل وإن غلب على ظنك أنه اشتراها لمباح فهو حلال.

القارئ: ولا يجوز بيع العبد المسلم لكافر لأنه يمنع من استدامة ملكه عليه فلم يصح عقده عليه كالنكاح.

الشيخ: استثنى بعض العلماء من ذلك من يعتق عليه أي يعتق على الكافر فإنه إذا باع العبد على كافر يعتق عليه بالشراء فلا بأس لأن هذا من مصلحة العبد والذي يعتق عليه بالشراء هو إما أنه ذو رحم منه وإما أنه قد علق عتقه بملكه إياه على القول بجواز تعليق العتق بالملك ومثال الأول أن تبيع شخص كافر عبداً مسلماً والعبد أخ لهذا الكافر فهنا إذا بعته عليه فبمجرد ما يقول قبلت يعتق وحينئذ لا ضرر على العبد بل في بيعه فائدة وهي عتقه ومثال الثاني أن يقول الكافر إن اشتريت فلاناً فهو حر فهنا يجوز بيعه عليه لأنه بمجرد شرائه يعتق عليه.

القارئ: فإن أسلم في يده أو في يد موروثه ثم انتقل إليه بالإرث أجبر على إزالة ملكه عنه لأن في تركه في ملكه صغارا فإن باعه أو وهبه لمسلم أو أعتقه جاز وإن كاتبه ففيه وجهان أحدهما يجوز لأنه يصير كالخارج عن ملكه في التصرفات والثاني لا يجوز لأنه يزيل الملك فلم يقبل كالتزويج.

ص: 177

الشيخ: وهذا هو الصحيح أن المكاتبة لا تكفي لأنه ربما يعجز الرقيق عن الوفاء وحينئذ يعود إلى الرق فلا فائدة منها فالصواب إذا قال أنا أكاتبه قلنا لا بل يجب أن تزيل ملكك عنه فوراً إما ببيع أو هبة أو غيرهما.

القارئ: وإن ابتاع الكافر مسلماً يعتق عليه بالشراء ففيه روايتان أحدهما لا يصح لأنه عقد يملك به المسلم والثانية يجوز لأن ملكه يزول حال ثبوته فلا يحصل به صغار وإن حصل فقد حصل له من الكمال بالحرية فوق ما لحقه برق لحظة وإن قال الكافر لمسلم أعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه ففيه وجهان بناءاً على ما ذكرناه لأنه بقدر بيعه للكافر وتوكيل البائع في عتقه.

الشيخ: العبارة عندي (لأنه يُقَدَّر بيعه) والعبارة غير واضحة وعلى كل حال كما قلنا إذا قال أعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه فقال المسلم لعبده المسلم أنت حر عن فلان الكافر فهذا لا يضره شيئاً وليس فيه صغار بل فيه مصلحة.

فصل

القارئ: ولا يجوز أن يُفَرَّق في البيع بين ذوي رحم محرم قبل البلوغ لما روى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من فَرَّقَ بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) حديث حسن وعن علي رضي الله عنه قال وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما فعل غلامك) فأخبرته فقال (رده رده) رواه الترمذي وقال حديث حسن، فإن فرق بينهما فالبيع باطل رضيت الأم ذلك أم كرهته نص عليه لأنه فيه إسقاطاً لحق الولد وهل يجوز التفريق بينهما بعد البلوغ فيه روايتان أحدهما لا يجوز لعموم الخبر والثانية يجوز لأن سلمة بن الأكوع أتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه بامرأة وأبنتها في غزوة فنفله أبو بكر ابنتها ثم استوهبها النبي صلى الله عليه وسلم من سلمة فوهبها له رواه مسلم وهذا تفريق ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له أختان مارية وسيرين فأمسك مارية ووهب أختها لحسان بن ثابت.

فصل

ص: 178

القارئ: ولا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ليمضي ويشتريها ويسلمها لما روى حكيم بن حزام أنه قال لنبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل يأتي لي يلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) حديث صحيح ولأنه بيع مالا يقدر على تسلميه أشبه بيع الطير في الهواء.

الشيخ: هذه المسألة وهي بيع مالا يملك تنقسم إلى قسمين الأول أن يبيع عليه عيناً معينة ثم يذهب ويشتريها فهذه لا إشكال في تحريمها لأنه لا يقدر على ذلك مثل أن يأتي إنسان ويقول أنا قد أعجبتني دار فلان فقال له البائع اشتراه مني وهو لايملكه فاشتراه منه ثم ذهب البائع الذي لايملك الدار واشتراها من صاحبها فهذا لا يصح لأنه وقع العقد على ما لايملك وهذا لا إشكال فيه لكن إذا باع عليه موصوفاً بأن قال بعني السلعة الفلانية وهي ليست عنده لكن البائع أضمر أنه سيشتريها مثل أن يأتي إليه المشتري يقول أنا أريد منك صحيح البخاري وهو ليس عند البائع فباعه عليه وذهب البائع واشتراه من المكتبة وأعطاه المشتري فهذا ظاهر حديث حكيم أنه لا يجوز لأنه باع ما لم يملك ولكن هذا يشكل عليه مسألة السَّلم فالسَّلم كان الصحابة يبيع الإنسان التمر أو نحوه ويأخذ الدراهم ولكنه مؤجل فيقول البائع للمشتري

ص: 179

أعطني ألف ريال بألف كيلو تمر مثلاً بعد ستة أشهر فهذا جائز وهو السَّلم الذي كان الصحابة يفعلونه وهنا المُسْلَم إليه باع ما ليس في ملكه وبعض العلماء فرق وقال إن السَّلم مؤجل وهذا حال والسَّلم الحال لا يصح وهذا واضح إذا قلنا بأن السَّلم الحال لا يصح لكن على القول بأن السَّلَم يصح ولو حالاً يبقى الإشكال وتَخلُّصاً من هذا كله أن نقول عِدْهُ ولا تبيع عليه ولا تعقد معه بل قل أنا آتي لك بصحيح البخاري بعد العصر مثلاً وإذا أتيت به عقدنا البيع فهذا لا بأس به ولا حرج فيه لكن المشكل أن يعقد البيع لأنه قد يعجز عنه فربما يقول أنا أبيع عليك البخاري بكذا ظناً منه أنه سوف يُحَصِّلُه ثم إذا ذهب إلى المكتبة قال صاحب المكتبة انتهى ما عندنا شيء وحينئذ يبقى إشكال ونزاع فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع ما ليس عنده) فصار بيع ما ليس عنده له صورتان الأولى أن يبيع شيئاً معيناً وهذا لا إشكال في منعه وأنه غير جائز لأنه ليس ملكاً وليس قادراً عليه إذ قد يمتنع مالكه من البيع والثانية أن يبيع عليه موصوفاً في الذمة ليس عنده ويذهب ويشتريه فهذا هو ظاهر حديث حكيم بن حزام والحديث يقول (لا تبع ما ليس عندك) ووجه النهي في هذا ليس لأنه باع ما لا يملك ذلك لأنه باع شيئاً في ذمته لكن الحكمة من النهي أنه قد يظن أنه قادر على إحضاره ثم لا يستطيع فيحصل الغرر والتغرير والنزاع والخصومة.

القارئ: فإن باع مال غيره بغير إذنه ففيه روايتان أحدهما لا يصح لذلك والثانية يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه جاز وإن أبطله بطل لما روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فأخبرته فقال (بارك الله لك في صفقة يمينك) رواه الإمام أحمد والأثرم ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فوقف على إجازته كالوصية.

ص: 180

الشيخ: هذه المسألة يسميها العلماء تصرف الفضولي يعني أن تبيع ملك غيرك فالمشهور من المذهب أنه لا يصح حتى لو أذن له وحتى لو كنت تعلم أنه يرغب أن يبيعها فإنه لا يصح لأنك لست مالكاً ولا وكيلاً والقول الثاني أنه يصح ويقف على إجازة المالك ودليله كما ذكر المؤلف فإن عروة بن الجعد رضي الله عنه اشترى وباع أشترى شاتين وقد وُكِّلَ أن يشتري شاة واحدة وباع شاة بعد أن دخلت ملك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأجازه النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقل رد البيع فدل ذلك على أن تصرف الفضولي إذا وافق صاحبه فإنه ينفذ وهذا القول هو الراجح لكن المشكل إذا أبى والمشتري قد أشترى على أن الملك ملك من باع عليه وحينئذ يقع شقاق ونزاع فماذا نصنع؟ نقول إذا كان الذي باع قد آذن المشتري بأنه ملك فلان فلا عذر للمشتري لأنه دخل على بصيرة وإن لم يؤذنه فإن هذا الذي تصرف تصرفاً فضولياً يغرم ما فات على المشتري لأن المشتري قد يفوته بعض الشيء والذي نرى في هذه المسألة

أنه لا يجوز للإنسان أن يتسرع في بيع أملاك الناس لكن لو فرضنا أنك تعلم أن صاحبك الذي أنت له بمثل الأخ وأنه حريص على بيع ملكه وبعته له فإن هذا لا بأس به مثال ذلك تعلم أن صاحبك يريد بيع سيارته وأنه يرغب رغبة أكيدة فجاء إنسان واشترها منك وبعتها عليه ثم أخبرت صاحبك فقال جزاك الله خيراً أنا أرغب هذا فهذا لا بأس أن تُقدم على بيعها لأنك تعلم علم اليقين أن صاحبك سيرضى بذلك.

ص: 181

القارئ: وإن اشترى بعين مال غيره شيئاً بغير إذنه فهو كبيعه فإن أشترى له شيئاً بغير إذنه بثمن في ذمته ثم نقد ثمنه من مال الغير صح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غير ويقف على إجازة المشتري له لأنه قصد الشراء له فإن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم من اشتراه لأنه لا يلزمه ما لم يأذن فيه والبيع صحيح ويلزم المشتري فإن باع مال غيره وهو حاضر فلم ينكر ذلك فهو كبيعه في غيبته فإن السكوت ليس بإذن فإنه محتمل كغير الإذن فلا يتعين كونه إذنا والله أعلم.

الشيخ: ولو قيل في هذه المسألة إذا باع لغيره وهو حاضر وسكت فإنه يُنظر إلى قرائن الأحوال لأنه ربما يبيع مالا لغيره وهو حاضر ويسكت لأن هذا الغير لا يحب أن يبيعه على شخص ما إما لاحترامه له وتعظيمه إياه فلا يحب أن يقع بينه وبينه عقد بيع أو لأنه قد يعتب عليه أنه يهبه إياه مثل أن يكون قريباً له جداً ويخشى إن باشر البيع أن صاحبه يعتب عليه بأن يقول لماذا لم يعطني إياه مجاناً فينبغي أن يقال في هذه المسألة إذا باع ماله وهو حاضر وسكت إن دلت القرينة على أنه راضي فالبيع صحيح وإلا فلا لأنه قد يكون حاضراً ولا يستطيع أن يتكلم أو يكون غافلاً أو ما أشبه ذلك وهذا كله بناءاً على عدم جواز تصرف الفضولي أما على القول بأنه يجوز فالمسألة واضحة أنه إذا أجاز ولو كان ساكتاً فإنه يصح.

ص: 182