المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب خلاف المتراهنين - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب خلاف المتراهنين

الشيخ: لا بل في هذه الأمانة فقط فلو فرضنا أن شخصاً أعطاك وديعة صرة من ذهب فحفظتها وصرة من فضة فاستنفقتها فهنا زالت الأمانة في صرة الفضة فقط.

‌باب خلاف المتراهنين

القارئ: إذا قال رهنتني كذا فأنكر أو اختلفا في قدر الدين أو قدر الرهن فقال رهنتني هذين قال بل هذا وحده أو قال رهنتني هذا بجميع الدين قال بل نصفه أو قال رهنتنيه بالحال قال بل بالمؤجل فالقول قول الراهن لأنه منكر والأصل عدم ما أنكره ولأن القول قوله في أصل العقد فكذلك في صفته.

الشيخ: كلها هذه واضحة المسائل ولا يخفى أن كل مَنْ قلنا القول قوله فلابد من اليمين.

القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا قال بل ثوبي هذا لم يثبت الرهن في الثوب لرد المرتهن له.

الشيخ: الاختلاف في رد الدين قلنا فيما سبق أنه إذا أدعى أحدهما ما كان بعيداً فلابد من البينة أما مالا يحتمل فهو أصلاً مرفوض لا تسمع الدعوة فيه.

القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا قال بل ثوبي هذا لم يثبت الرهن في الثوب لرد المرتهن له وحلف الراهن على العبد وخرج بيمينه وإن قال أرسلت وكيلك فرهن عبدك على ألفين قبضها مني فقال ما أذنت له في رهنه إلا بألف سئل الرسول فإن صدق الراهن حلف على أنه ما رهنه إلا بألف ولا قبض غيرها ولا يمين على الراهن لأن الدعوى على غيره وإن صدق المرتهن حلف الراهن وعلى الرسول ألف لأنه أقر بقبضها ويبقى العبد رهناً على ألف واحدة ومن توجهت عليه اليمين فنكل فهو كالمقر سواء.

الشيخ: يقصد أنه يقضى عليه بالنكول كأنه أقر إذ أنه لا يندفع الحق عنه إلا باليمين قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اليمين على من أنكر).

فصل

القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا بألف فقال بل بعتكه بها أو قال بعتنيه بألف فقال بل رهنتكه بها حلف كل واحد منهما على نفي ما أدعي فسقط ويأخذ السيد عبده وتبقى الألف بغير رهن.

فصل

ص: 476

القارئ: وإن قال الراهن قبضت الرهن بغير إذني فقال بل بإذنك فالقول قول الراهن لأنه منكر وإن قال أذنت لك ثم رجعت قبل القبض فأنكر المرتهن فالقول قوله لأن الأصل عدم الرجوع وإن كان الرهن في يد الراهن فقال المرتهن قبضته ثم غصبتنيه فأنكر الراهن فالقول قوله لأن الأصل معه وإن أقر بتقبيضه ثم قال احلفوه لي أنه قبض بحق ففيه وجهان أحدهما يحلف لأن ما ادعاه محتمل والثاني لا يحلف لأنه مكذب لنفسه وإن رهنه عصيراً ثم وجد خمرا فقال المرتهن إنما اقبضني خمرا فلي فسخ البيع وقال الراهن بل كان عصيرا فقال أحمد رضي الله عنه فالقول قول الراهن لأنه يدعي سلامة العقد وصحة القبض فظاهر حال المسلم استعمال الصحيح فكان القول قول من يدعيه كما لو اختلفا في شرط يفسد المبيع ويحتمل أن القول قول المرتهن بناءً على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب.

ص: 477

الشيخ: وهذه قاعدة مفيدة وهي أنهما إذا اختلفا في صحة العقد أو فساده فالقول قول من يدعي الصحة لأن الأصل في عقود المسلمين السلامة لكن اختلفوا فيما إذا أدعى أحد المتعاقدين أنه عقد وهو صغير لم يبلغ فقال بعضهم إن القول قول من يدعي الصِّغَر لأن الأصل عدم البلوغ وقال بعضهم القول قول من يدعي الصحة لأن الأصل السلامة وهذا فيما إذا كان الصغير حين الإدعاء بالغاً أما إذا كان صغيراً فالأمر ظاهر لا يزال صغيراً لكن لو قال أنا بعتك سيارتي وأنا لم أبلغ فقال بل إنك بالغ فمنهم من يقول القول المشتري لأنه يدعي سلامة العقد وصحته وهذا هو الأصل في عقود المسلمين ومنهم من يقول القول قول البائع الذي يدعي الصِّغَر لأن الأصل عدم البلوغ وهنا الاختلاف في شرط سابق أما لو كان الاختلاف في شرط لاحق مثل أن يقول بعتنيه بعد آذن الجمعة الثاني فلا يصح والثاني قال بل قبله فيصح فالقول قول من يدعي أنه قبله لأن الأصل الصحة والسلامة والراجح عندي في مسألة الصغر أنه ينظر إلى القرائن إذا كانت مدة العقد بعيدة ويمكن أن يكون قد باعه قبل أن يبلغ فالقول قول من يدعيه وأما إذا كانت قريبة والاحتمال قوي فالأصل الصحة.

القارئ: ولو كان الرهن حيواناً فمات واختلفا في حياته وقت الرهن أو القبض فحكمه حكم العصير وإن أنكر المرتهن قبضه فالقول قوله لأن الأصل معه وإن وجده معيباً واختلفا في حدوثه ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في البيع.

فصل

القارئ: إذا كان لرجل على آخر ألف برهن وألف بغير رهن فقضاه ألفا وقال قضيت دين الرهن فقال هي عن الألف الآخر فالقول قول الراهن سواء اختلفا في لفظه أو نيته لأنها تنتقل منه فكان القول قوله في صفة النقل وهو أعلم بنيته ولو دفعها بغير لفظ ولا نية فله صرفها إلى أيهما شاء كما لو دفع زكاة أحد الألفين فإن أبرأه المرتهن من أحدهما فالقول قول المرتهن لذلك وإن أطلق فله صرفها إلى أيهما شاء ذكره أبو بكر.

ص: 478

الشيخ: من أوضح ما يكون طيب هذا الراهن قضاء ألف وكان عليه ألفان أحدهما برهن والثاني بغير رهن فقال الدائن أنت دفعت الألف الذي بغير رهن ليبقى الألف الثاني برهن ويكون الرهن عند المدفوع إليه عند الدائن وقال الدافع وهو الراهن بل قضيت الألف التي فيها الرهن من أجل أن يفك الرهن ويأخذ رهنه فالقول قول الراهن لأنه هو الغارم ولأنه أعلم بنيته وعكس هذه المسألة إذا كما لو كان للمرتهن دينان أحدهما برهن والرهن في يد المرتهن والثاني بلا رهن فأبرأه من أحد الألفين ثم قال المرتهن بعد ذلك أبرئتك من الألف التي ليس فيها رهن ليبقى الألف الباقي برهن وقال الراهن بل ابرئتني من الألف التي فيها الرهن لأجل أن يفك رهنه فالقول قول المرتهن لأنه هو الذي أبرئه فالقول قوله فإذا قال أنا أريد الدين الذي فيه رهن قلنا القول كقولك ويبقى الدين الثاني في مقابل الرهن.

فصل

القارئ: وإن كان عليه ألفان لرجلين فأدعى كل واحد منهما أنه رهنه عبده بدينه فأنكرهما حلف لهما وإن صدق أحدهما أو قال هو السابق سلمه إليه وحلف للآخر وإن نكل والعبد في يد أحدهما فعليه للآخر قيمته تجعل رهنا لأنه فوته على الثاني بإقراره للأول أو بتسليمه إليه وقال القاضي هل يرجح صاحب اليد أو المقر له يحتمل وجهين فإن قال لا أعلم المرتهن منهما أو السابق حلف على ذلك والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه وإن كان في أيديهما أو يد غيرهما فالحكم في ذلك كالحكم فيما إذا ادعيا ملكه.

فصل

القارئ: فإن ادعى على رجلين أنهما رهناه عبدهما بدينه فأنكراه فالقول قولهما وإن شهد كل واحد منهما على الآخر قبلت شهادته لأنه لا يجلب بهذه الشهادة نفعاً ولا يدفع بها ضرراً وإن أقر أحدهما وحده لزم في نصيبه وتسمع شهادته على صاحبه لما ذكرناه.

فصل

ص: 479

القارئ: وإن ادعى المرتهن هلاك الرهن بغير تفريط فالقول قوله لأنه أمين فأشبه المودع وإن ادعى الرد ففيه وجهان أحدهما يقبل قوله لذلك والثاني لا يقبل لأنه قبضه لنفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر.

الشيخ: هذا فيه إشارة لمن يقبل قوله في الرد والذي يقبل قوله في الرد إن كانت العين عنده لمصلحة مالكها المحضة فالقول قوله في الرد كالوديعة وإذا كانت لمصلحة القابض المحضة فلا يقبل قوله كالعارية فالعارية بيد المستعير لمصلحة المستعير فإذا أدعى الرد لم يقبل قوله والثالث أن تكون لمصلحتهما جميعاً كالعين المستأجرة فالعين المستأجرة فيها مصلحة للمؤجر وهو مالك العين وفيها مصلحة للمستأجر وهو مالك المنفعة فهل يقبل قوله في الرد؟ فيه قولان في المذهب منهم من رجح بأن القول قول من هي بيده ومنهم من قال بالعكس ومثل هذا ينبغي أن يقال إنه ينظر إلى القرائن ولو ضعفت فمن شهدت له قرينة بالصدق قبل قوله فالأحوال ثلاثة.

القارئ: وإن أعتق الراهن الجارية أو وطئها فأدعى أنه بإذن المرتهن فأنكره فالقول قول المرتهن لأن الأصل معه فإن نكل قضي عليه وإن صدقه فأتت بولد فأنكر المرتهن مدة الحمل فالقول قوله لأن الأصل عدمها وإن وطئها المرتهن بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بالشبهات ولا مهر لأنه حق للسيد فسقط بإذنه والولد حر يلحقه بنسبه لأنه من وطء شبهة ولا تصير أم ولد لأنه لا ملك له فيها وإن لم تكن له شبهة فعليه الحد والمهر وولده رقيق.

السائل: إذا اتفقت القرائن فكيف نرجح بين أقوال المدعين؟

الشيخ: لا يمكن أن تتفق القرائن أبداً فلابد أن أحدهما يكون أقوى أمناً وإيماناً من الآخر واتفاقها نادر جداً.

السائل: لو تلفت العارية واتفقا في سبب التلف لكن اختلفا هل حدث ذلك بتفريط أو لا فما هو الحكم؟

ص: 480

الشيخ: المذهب في العارية أنه ضامن بكل حال سواء فرط أم لم يفرط والصحيح أن العارية كغيرها من الأمانات إن تعد أو فرط ضمن وإلا فلا ضمان عليه.

السائل: فإن اختلفا في السبب هل يعد تفريطاً أو لا فإلى ماذا نرجع؟

الشيخ: إذا اختلفا في كون هذا الشيء تفريطاً أم لا واتفقا على ما حصل لكن أدعى الذي عنده أنه ليس تفريط وأدعى المالك أنه تفريط فإننا نرجع إلى العرف.

ص: 481