المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تفريق الصفقة - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب تفريق الصفقة

الشيخ: الذي لا يحتاج إلى قبض يكون من ضمان المشتري بمجرد تمام العقد ولو كان في مكانه عند البائع وقوله رحمه الله (ما لم يمنعه البائع من قبضه) صحيح فإن منعه البائع من قبضه فالضمان على البائع ويضمنه ضمان غصب يعني يضمنه بمثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان متقوماً وقوله رحمه الله (سواء حبس على قبض الثمن أو غيره) فيه نظر والصواب أنه إذا حبسه على قبض الثمن فلا ضمان عليه وكيف ذلك؟ يعني إذا باعه على شخص ثم راءه يريد أن يماطل فللبائع أن يحبسه أي يحبس المبيع عنده ويقول إذا أتيت بالثمن أعطيتك إياه هذا هو الصواب أما المذهب فلا لا يحبسه وإن حبسه فهو ضامن ويعللون قولهم بأن الواجب عليه أصلاً ألا يبيع على شخص مماطل فلماذا لم يحتاط لنفسه والجواب عن هذا الإيراد أن يقال ليس كل الناس إذا أراد أن يبيع على شخص ذهب يسأل عنه هل هو مماطل أو غير مماطل والأصل دفع الثمن لا المماطلة فيه والذي ذكرناه أنه يجوز حبس المبيع على ثمنه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه وهو الصواب.

‌باب تفريق الصفقة

القارئ: إذا باع ما يجوز بيعه ومالا يجوز بيعه صفقة واحدة كعبد وحر وخل وخمر وعبده وعبد غيره أو دار له ولغيره ففيه روايتان أحدهما تفرق الصفقة فتجوز فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن ويبطل فيمالا يجوز لأن كل واحد منهما له حكم منفرد فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما كما لو باع شقصاً وسيفا والثانية يبطل فيهما لأنه عقد واحد جمع حلالاً وحراماً فبطل كالجمع بين الأختين ويحتمل أن يصح فيما يجوز فيما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كدار له ولغيره ونحوها والقفيزين المتساويين لأن الثمن فيما يجوز بيعه معلوم ويبطل العقد فيما عدا هذا كالعبدين لأن ثمن ما يجوز بيعه مجهول لكون الثمن ينقسم عليهما بالقيمة وقسط الحلال منهما مجهول كما لو صرح به فقال بعتك هذا العبد بقسطه من الثمن لم يصح فكذا هاهنا فإن قلنا يصح.

ص: 214

الشيخ: هذه مسألة تفريق الصفقة والصفقة هي عقد البيع وسميت بذلك لأنهم كان يعتادون أن الرجل إذا باع على أخيه ضرب بيده على يده كأنه يقول تم العقد فالصفقة إذاً هي عقد البيع وعقد البيع إذا جمع بين ما يجوز بيعه ومالا يجوز فما الحكم هل يبطل في الجميع أو يصح فيما يصح ويبطل فيما يبطل؟ ذكر المؤلف الخلاف.

قوله (كعبد وحر) الحر لا يجوز بيعه والعبد يجوز بيعه مثاله قال البائع للمشتري بعتك هذين بألف ريال فالصفقة هنا واحدة والمبيع متعدد بعضه يجوز عقد البيع عليه وبعضه لا يجوز الثانية (خل وخمر) الخل يجوز بيعه والخمر لا يجوز مثاله باعه قارورتين إحداهما خل والثانية خمر بعشرة ريالات قوله (عبده وعبد غيره) عبد غيره أي الذي لم يوكله ببيعه مثاله أمسك عبده وعبد غيره وباعهما جميعاً بثمن واحد عقداً

ص: 215

واحداُ فقال بعتك هذين العبدين بعشرة آلاف ريال فالصفقة في هذه الأمثلة كلها جمعت بين ما يصح بيعه ومالا يصح يقول المؤلف فيه روايتان أي عن الإمام أحمد رحمه الله إحداهما تفريق الصفقة (فتجوز فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن ويبطل البيع فيما لا يجوز لأن كل واحد منهما له حكم منفرد فإذا أجتمع بقيا على حكمهما كما لو باع شقص وسيفاً) فلو باع حراً وعبداً بعشرة آلاف الحر شاب نشيط متعلم فاهم والعبد شيخ كبير جاهل فباعهما بعشرة آلاف ريال على القول بالصحة نقول الحر قيمته الحر نقدرها مثلاً بتسعة آلاف وخمسمائة والعبد الكبير الجاهل المركب نقدره بخمسمائة نقول الآن صح بيع العبد بخمسمائة والحر على كل حال لا يصح بيعه وكذلك قوله (خل وخمر) باع قارورة من الخل وقارورة من الخمر بعشرة ريالات كيف نقوم؟ الجواب نقوم الخمر خلاً الخل من الشعير والخمر من العنب أيهما أكثر قيمة لو كان كلاهما خلاً لا شك خل العنب أكثر فالآن هاتان قارورتان إحداهما خمر والثانية خل فباعهما جميعاً بثمن واحد والخمر من العنب والخل من الشعير كيف نقوم؟ ثمانية ريالات وريالين ونمشي على هذا وكذلك (عبده وعبد غيره) والمهم أن الرواية الأولى أن العقد صحيح فيما يصح فيه العقد وباطل فيما يبطل فيه العقد ولكن له الخيار كما سيأتي وأما الرواية الثانية أن العقد لا يصح فيهما جميعاً لأنه أجتمع مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر ونقول البيع غير صحيح وترد السلعة للبائع ويأخذ المشتري الثمن والمذهب الأول وهو تفريق الصفقة فما كان يجوز عقد البيع عليه فبيعه صحيح ومالا فلا وقوله رحمه الله (كما لو باع شقصاً وسيفاً) يعني باع شقصاً وسيفاً بيعاً صحيحاً فيصح في الشقص وفي السيف والشقص يعني النصيب من أرض أو بيت أو ما أشبه ذلك فهو إذا باع على هذا الإنسان نصيبه من هذه الأرض وسيفاً يصح البيع أو لا يصح؟ الجواب يصح ومعلوم أن الشقص سيكون فيه شفعة وعند أخذ الشريك بالشفعة ماذا نصنع؟ نقسط

ص: 216

الثمن عليهما أي على قيمة الشقص وقيمة السيف وهذا هو الذي أوجب للمؤلف أن يأتي بمثال الشقص والسيف وذلك لأن الشقص إذا أخذه الشريك بالشفعة فلابد أن يُقوَّم بقسطه من الثمن والمثال إنسان عنده سيف وهو سيف مشهور بتار من أحسن السيوف يساوي عشرة آلاف وعنده نصيب من الأرض له فيها شريك أي في الأرض شريك فباع نصيبه من الأرض والسيف بعشرين ألف والأرض تساوي خمسة آلاف والسيف يساوي عشرة آلاف فقام الشريك في الأرض وطالب بالشفعة فبكم نقوم الشقص من أجل أن نسقط ثمنه من مجموع الثمن؟ الجواب خمسة آلاف لأن الثمن عشرين ألف والشقص خمسة آلاف والسيف عشرة آلاف فيكون خمسة عشرة ألف يعني أنه نقص الربع قد وقع البيع بعشرين ألف فنوزع العشرين على ثلاثة أثلاث ثلثين للسيف وثلث للشقص فهذا معنى الكلام.

القارئ: كما لو صرح به فقال بعتك هذا العبد بقسطه من الثمن لم يصح فكذا هاهنا فإن قلنا يصح علم المشتري الحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة ولا خيار للبائع بحال وإن لم يعلم المشتري الحال فله الخيار لأن عليه ضرراً في تفريق الصفقة.

ص: 217

الشيخ: هذه المسألة إذا قلنا بتفريق الصفقة وهو القول الراجح إن شاء الله فالمشتري له الخيار بين أن يأخذ ما يصح العقد عليه بقسطه من الثمن وبين أن يرد البيع لأن تفريق الصفقة عليه قد يضره قد يكون مثلاً أشترى هاتين العلبتين على أنهما خل لأنه عنده ضيوف يريد أن يكرمهم ولكن تبين أن واحدة منهما خمر وحينئذ لا يتم الإكرام فيقول فات مقصودي فنقول لك الخيار رد البيع كله وأما البائع يقول المؤلف لا خيار له لأنه عالم بالحال كما إن المشتري إذا علم بالحال فليس له الخيار يعني لو أن المشتري علم أن أحد المبيعين لا يصح عقد البيع عليه فلا خيار له كما لو عرف أن هذا الرجل باع عبده وعبد غيره فإنه لا خيار له لدخوله على بصيرة المؤلف يقول البائع يقول لا خيار له بالحال بناءً على أنه عالم لكن إذا كان جاهلاً كرجل تاجر لا يدري عن كل أمواله فله الخيار أيضاً والمهم أن الأولى أن نأتي بعبارة أعم فنقول لمن جهل الحال الخيار ليشمل ذلك البائع والمشتري لكن صحيح أن البائع في الغالب لا يخفى عليه الأمر لكن قد يخفى فإذا أتينا بعبارة وللجاهل في الحال الخيار صار هذا هو العدل فإن كان الجاهل هوالبائع فله الخيار وإن كان الجاهل هو المشتري فله الخيار.

القارئ: وإن اشترى معلوماً ومجهولاً بطل العقد فيهما لأن ما يخص المعلوم من الثمن مجهول.

الشيخ: علم من قوله (لأن ما يخص المعلوم من الثمن مجهول) أنه لو قدر لكل واحد منهما ثمناً فقال بعتك هذا الجمل وجمل آخر في المرعى كل واحد بعشرة فهل يجوز في المعلوم أو لا يجوز؟ الجواب التعليل يدل على الجواز مادام أنه قدر لكل واحد منهما ثمناً فيصح في المعلوم ولا يصح في المجهول.

ص: 218

القارئ: ولو باع قفيزين من الحلال بثمن واحد فتلف أحدهما قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي منهما سواء كانا من جنس واحد أو جنسين لأن حدوث الجهل بثمن الباقي منهما لا يوجب جهالة المبيع حال العقد قال القاضي ويثبت للمشتري خيار الفسخ لتفريق الصفقة عليه فأشبه ما قبلها.

فصل

القارئ: فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كبيع وإجارة أو صرف.

الشيخ: البيع والإجارة واضح أنهما مختلفان حكماً لأن البيع يقع على العين والإجارة تقع على المنافع والصرف أيضاً يختلف عن البيع لأن الصرف بيع نقد بنقد وله شروط والبيع ليس كذلك وإن كان الصرف نوعاً من البيع في الواقع لأنه بيع نقد بنقد لكن له أحكام خاصة فلهذا قال أنه يختلف الحكم بينه وبين البيع غير الصرف.

القارئ: فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كبيع وإجارة أو صرف بعوض واحد صح فيهما لأن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة كما لو جمع بين ما فيه شفعة ومالا شفعة فيه وفيه وجه آخر لا يصح لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فبطل فيهما فإن البيع فيه خيار ولا يشترط التقابض فيه في المجلس.

الشيخ: والصرف لا خيار فيه وكذلك يشترط فيه التقابض في المجلس.

القارئ: ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع والصرف يشترط له التقابض وينفسخ العقد بتلف العين في الإجارة.

ص: 219

الشيخ: لأن تلف المبيع يكون على نصيب المشتري إلا ما كان من ضمان البائع كما سبق ولا ينفسخ العقد وكذلك أيضاً الصرف لا ينفسخ بتلف المبيع والإجارة تنفسخ بتلف المؤجر ولهذا قال (وينفسخ العقد بتلف العين في الإجارة) وعلى كل حال هذه المسألة إذا جمع بين شيئين في عقد لا بأس به مثل أن يقول أجرتك بيتي وبعتك عليك السيارة بكذا وكذا فهنا إجارة للبيت وبيع للسيارة أو قال أجرتك هذا البيت وبعت عليك هذا البيت يصح لأن أحد البيتين ثبت ملكه بالبيع والثاني ثبت ملكه بالإجارة لكن لو شرط قال بعتك بيتي بشرط أن تستأجر البيت الثاني فالمذهب لا يصح والصحيح أنه يصح وعلى هذا فإذا جمع بين عقدين بلا شرط فهو صحيح وإن جمع بينهما بشرط فعلى المذهب غير صحيح والصواب أنه صحيح والتعليل واضح وهو أن ما جاز جمعه بلا شرط جاز جمعه بشرط لأنه لا يترتب على ذلك مفسدة.

القارئ: وإن جمع بين نكاح وبيع بعوض واحد فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري بمائة صح.

الشيخ: لو قال زوجتك بنتي وبعتك داري بمائة يصح وتكون المائة عوضاً عن المبيع وصداقاً للمرأة.

القارئ: صح في النكاح لأنه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان.

الشيخ: والصواب الصحة لكن لو طلق قبل الدخول فسوف تستحق المرأة نصف المهر فكيف نعرف؟ الجواب يقسط يعني يؤتى بأناس أهل خبرة ويقال كم يساوي البيت وكم صداق مثل هذه المرأة ويقسط العوض على ذلك

القارئ: وإن جمع بين بيع وكتابة فقال لعبده بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة بطل البيع وجهاً واحدا لأنه باع عبده لعبده فلم يصح كبيعه إياه من غير كتابة وهل تبطل الكتابة يُخرَّج على الروايتين في تفريق الصفقة.

ص: 220

الشيخ: الصحيح أنه يجوز وتفرق الصفقة وخلاصة هذا الفصل أنه إذا جمع بين عقدين فإن الجمع صحيح إذا لم يكن بشرط وإذا كان بشرط فالمذهب لا يصح والصحيح أنه يصح ما لم يتضمن محظوراً شرعياً فإن تضمن محظوراً شرعياً بأن قال بعتك بيتي هذا فقال اشتريته منك بمائة بشرط أن أقرضك كذا وكذا وكان ثمن البيت أكثر من قيمته الحقيقة فهنا نقول أنه ربح في قرض فلا يجوز.

السائل: قلنا إنه لو باع خمراً وعصيراً صفقة واحدة يصح في العصير ويبطل في الخمر ونقدر الخمر عصيراً ثم نقسط الثمن على ذلك فلماذا لا نقول نبقي خمر على ما هي عليه ونقدر ثمنها خمراً عند من يبيعهاكأهل الذمة؟

الشيخ: لا يجوز لأن بيع الخمر غير صحيح والبيع الآن على مسلم فلا يمكن أن نقدر القيمة على أنها خمر وكل شيء محرم فإنه لا يجوز اعتباره حتى الأمة مثلاً لو أن الإنسان قتل أمة غير مغنية وأمة مغنية فهل نقوم قيمتها على أنها مغنية أوغير مغنية؟ الجواب نقدرها على أنها غير مغنية لأن كل ما زاد بوصف محرم فلا عبرة به.

فصل

القارئ: ولو باع رجلان عبداً لهما بثمن واحد صح لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة ولو كان لكل واحد منهما قفيز وكانا من جنس واحد فباعاهما صفقة واحد صح لذلك وإن كان المبيع مما لا ينقسم عليه الثمن مثل أن كان لكل واحد منهما عبد فباعاهما صفقة واحدة أو وكلّا رجلاً فباعهما أو وكل أحدهما الآخر فباعهما بثمن واحد لم يصح لأن كل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن فلم يصح كما لو صرح به ويحتمل أن يصح بناءً على تفريق الصفقة أو كما لو كاتب عبدين كتابة واحد بعوض واحد.

الشيخ: هذا هو الصحيح الاحتمال الثاني هو الصحيح لأنه لا توجد جهالة وغاية ما هنالك أنه إذا لم يصطلحا أن يُؤتى بأهل الخبرة ويقال بكم تقدرون عبد فلان وبكم تقدرون عبد الآخر فمثلاً إذا كان ثمن

ص: 221