المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب البيع القارئ: البيع حلال لقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌كتاب البيع القارئ: البيع حلال لقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)

‌كتاب البيع

القارئ: البيع حلال لقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وهو نوعان.

الشيخ: البيع حلال كما قال المؤلف رحمه الله واستدل له بقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وتحليل البيع من محاسن الشريعة وذلك لأن الإنسان ربما يحتاج إلى دراهم وليس عنده إلا عروض فكيف يحصل الدراهم؟ يحصلها إذا باع ما عنده من العروض من عقارات أو سيارات أو أقمشة أو أطعمة فيحصل الدراهم كذلك أيضاً ربما يكون الإنسان الذي عنده الدراهم محتاجاً إلى شيء معين من الأموال كسيارة أو نحوها بماذا يحصلها؟ يحصلها بالبيع فالبيع من محاسن الشريعة وقد يجب البيع أحياناً وقد يجب الشراء أحياناً فيجب الشراء مثلاً على من وجد ماء يباع وليس معه ماء وهو يريد الصلاة فهنا يجب عليه أن يشتري ويجب البيع على من كان عنده فضل وأحتاج إليه آخر كإنسان عنده ماء يحتاج إليه آخر فيبيعه عليه وجوباً فالمهم أن البيع الأصل فيه الحل لكن قد يجب أحياناً وقد يجب الشراء أحياناً ولم يعرفه المؤلف لأنه ظاهر لكن عرفه غيره من الفقهاء فقالوا هو (مبادلة مال بمال على التأبيد غير ربا وقرض) فقولنا (على التأبيد) خرج به الإجارة لأن الإجارة غير مؤبدة وقولنا (غير ربا) خرج به الربا فليس ببيع ولو صار فيه تبادل مال بمال وقولنا (وقرض) خرج به القرض أيضاً فإن القرض وإن كان مبادلة مال بمال لكنه ليس بيعاً فأنت تعطيني ريال قرضاً وأعطيك بدله ريالاً هذا تبادل ولكن ليس على سبيل المعاوضة بل هو على سبيل الإحسان والإرفاق فلا يكون بيعاً.

القارئ: وهو نوعان أحدهما الإيجاب والقبول فيقول البائع بعتك أو ملكتك أو لفظاً بمعناهما.

الشيخ: قوله وهو نوعان ليس المراد به البيع نوعان وإنما ما ينعقد به البيع نوعان الإيجاب وهو اللفظ الصادر من البائع والقبول وهو اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه.

القارئ: فيقول البائع بعتك أو ملكتك أو لفظاً بمعناهما ثم يقول المشتري ابتعت أو قبلت أو نحوهما.

ص: 122

الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أن البيع ليس له صيغة معينة بل كلما دل على البيع أنعقد به والصواب أن هذا ثابت في جميع العقود تنعقد بما دل عليها دون تحديد لفظ معين حتى النكاح لو قال مثلاً لشخص ملكتك بنتي فقال قبلت يصح مع أنه ما ذكر التزويج وكذلك الوقف لو قال هذا على فلان وعياله ليس هناك حاجة أن يقول وقفت لأن هذا معروف على فلان وعياله يعني وقف فالصواب إذاً أن الجميع العقود تنعقد بما دل عليها عرفاً بدون تحديد لفظ.

القارئ: فإن تقدم القبول الإيجاب بلفظ الماضي فقال ابتعت هذا منك بكذا فقال بعتك صح لأن المعنى حاصل فأشبه التعبير بلفظ آخر.

الشيخ: إذا حصل المقصود سواء تقدم الإيجاب أو تأخر مع أن الأصل أن الإيجاب هو المتقدم لكن لو حصل العكس مع فهم المعنى فلا بأس.

القارئ: وإن تقدم بلفظ الطلب فقال بعني فقال بعتك صح لأنه تقدم القبول أشبه لفظ الماضي وعنه لا يصح لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح فلم يصح متقدماً كلفظ الاستفهام.

الشيخ: هذه الرواية ضعيفة لأن الرجل إذا قال بعتك كذا فقال بعني ما أحد يقول هذا أي إذا تقدم الإيجاب وقال بعتك كذا ماذا يقول المشتري؟ يقول اشتريت أما قوله بعني ما أحد يقول ذلك وقياس بعني السابقة للإيجاب على بعني التابعة للإيجاب قياس مع الفارق العظيم بعني هذا بمائة فقال نصيبك ولم يقل بعتك ولا بعت عليك بل قال نصيبك فينعقد البيع ومعنى نصيبك يعني هذا نصيبك ولا يكون نصيباً له إلا بعد تمام عقد البيع فالمهم أننا لا ننظر إلى اللفظ بكل لفظ دل عليه سواء كان سابق أو لاحق.

القارئ: وإن أتى بلفظ الاستفهام فقال أبعتني ثوبك فقال بعتك لم يصح متقدماً ولا متأخرا لأنه ليس بقبول ولا استدعاء.

ص: 123

الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله لكن هذا في خرم للقاعدة لأنك إذا قلت ابعتني ثوبك بعشرة فقال بعتك ماذا يفهم الناس؟ أنه تم البيع فالصواب أن هذه الصورة لا ينبغي أن تخرج عما سبق فيقال كل ما دل على العقد فهو نافذ لكن على كل حال كلما كان العقد أبين وأضح كان أحسن لئلا يحصل نزاع في المستقبل فيحصل خصومة وملاحاة.

القارئ: الثاني المعاطاة مثل أن يقول أعطني بهذا خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه فيصح لأن الشرع ورد بالبيع وعلق عليه أحكاماً ولم يعين له لفظا فعلم أنه ردهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعا والناس في أسواقهم وبيعاتهم على ذلك وحكي عن القاضي أنه يصح في الأشياء اليسيرة دون الكثيرة لأن العرف إنما جرى في اليسير والحكم في الهبة والهدية والصدقة كالحكم في البيع وذلك لاستواء الجميع في المعنى.

الشيخ: المعاطاة ذكر المؤلف لها صورتين الأولى أن يقول أعطني بهذا خبزاً والخبز كم بالريال؟ أربعة فأخذ أربعة خبز وأعطاه إياه فالآن عندنا معاطاة من جانب البائع لأن المشتري قال أعطني الصيغة صيغة قبول أو قال خذ هذا الثوب بدينار فأخذه وهذه تقع كثيراً في المزيادة يقول من يأخذ هذا من يأخذ هذا الثوب بريال من يأخذ بعشرة فيجيء واحد يأخذه ويسلم العشرة فالمعاطاة هنا من المشتري وقد تكون المعاطاة من الجانبين يكون مثلاً سلعة مكتوب عليها الثمن ريال موضوعة على الدكان فيأتي إنسان فيأخذ السلعة ويضع الريال بدون كلام لا من البائع ولا من المشتري فهذا معاطاة من الجانبين البائع ما تكلم والمشتري ما تكلم لكن هذا معروف فهذا الرجل ما وضع هذه السلعة أمام دكانه وكتب على كل سلعة رقم ثمنها إلا وهو يريد أن يَسْلَمَ من أعطني لا تعطني بكم وما أشبه ذلك إذن البيع ينعقد بالمعاطاة وهي كل فعل دل

ص: 124

على العقد كما إن الإيجاب والقبول كل لفظ دل على الإيجاب أو دل على القبول فالمعاطاة كل فعل دل على العقد وأما تقيد القاضي بأنه في الشيء اليسير فهذا في الحقيقة وإن لم يقيد لأن الناس لا يبيعون بالمعاطاة الشيء الكثير فلا يجئ واحد عنده مثلاً عقار يسوى مليون ريال يبيعه بالمعاطاة بل يبيعه بالإيجاب والقبول والكتابة والإشهاد فالناس دون أموالهم وإنما نحن نقول ينعقد بالمعاطاة هذا في الأصل لأنه لم يرد لفظ معين من الشرع حتى نتبعه.

فصل

القارئ: ويشترط له الرضا لقول الله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) إلا فيما يجب فإن أكره على بيع غير واجب لم يصح لعدم الرضا المشترط وإن أكره على بيع واجب صح لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد ولا يصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والسكران والنائم والمبرسم لأنه قول يعتبر له الرضا فلم يصح من غير عاقل كالإقرار.

ص: 125

الشيخ: يقول إلا فيما يجب والذي يجب مر علينا في زاد المستقنع وذلك في المحجور عليه المحجور عليه لفلس يجبر على أن يبيع ماله ويستوفى دينه إذن الرضا لابد منه والرضا شرط في جميع العقود حتى في النكاح على القول الراجح حتى في البكر حتى في أبيها لا يجوز أن تزوج امرأة إلا برضاها بكراً كانت أم ثيبة وسواء كان الولي أباها أم غيره جميع العقود لابد فيها من الرضا قال تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فإذا أكره الإنسان على البيع فإنه لا يصح ولا ينعقد ومثله الإجارة وعلى هذا فلو أن الحكومة فرضت على المؤجر سنوات معينة وتمت وقال صاحب الملك للمستأجر أخرج فقال أبداً عندي قانون أني ما أخرج فهل يحل لهذا المستأجر أن يبقى بغير رضا المؤجر؟ لا لأنه يوجد الآن في بلاد أخرى غير بلادنا أنه إذا أستأجر الإنسان العقار مدة معينة لا يخرج فنقول للمستأجر أنت إن بقيت بعد تمام المدة التي قدرها المؤجر فإنك غاصب ولا تصح صلاتك على قول كثير من العلماء في هذا البيت لأن من شرط صحة الصلاة أن لا تكون في بقعة مغصوبة فصلاته غير صحيحة ويُخشى إن مِتَّ فيه ألا يختم لك بحسن الخاتمة لأنك غاصب والغاصب آثم فلا يحل لك أن تبقى فإذا قال هذا القانون القانون في المادة الثالثة والخمسون مثلاً أن من أجر بيتاً فإنه لا يمكن أن يُخرٍج المستأجر إلا برضا المستأجر فماذا نقول؟ نقول هل هذا القانون قانون سماوي؟ لا إذن أضرب به عرض الحائط أو اجعله تحت القدمين أنت الآن لا يمكن أن ينفعك واضع هذا القانون يوم القيامة إذا قيل لك لما سكنت في بيت أخيك بغير حق لا ينفعك فالقانون لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال أبداً إلا ما كان موافقاً للكتاب والسنة قوله ولا يصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والسكران إلى أخره المراد بالطفل من لم يصل إلى حد التميز فإن كان مميزاً صح تصرفه فيما جرت به العادة كالبيضة والرمانة والبطيخة وما أشبه ذلك مما جرى به

ص: 126