المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب السلم القارئ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌كتاب السلم القارئ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف

‌كتاب السلم

القارئ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل.

الشيخ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة كالدراهم في عوض موصوف بالذمة فيقول اشتريت منك مائة صاع بر بمائة ريال وينقد الريال ولابد أن يكون المسلم فيه مؤجلاً بأجل ولهذا قال المؤلف (إلى أجل) فهنا أولاً مُسلَم ومُسلَم فيه ومُسلِم ومُسلَمٍ إليه فالمُسلِم هو المشتري والمُسْلَم إليه هو البائع والمُسلم هو الثمن والمُسلم فيه هو المثمن والمثمن لابد أن يكون موصوفاً في الذمة فلا يصح الثمن في عين فلو قلت اشتريت منك هذه السيارة بعوض قدره كذا وكذا والبيع مؤجل إلى سنة لا يصح أما إذا أجل الثمن فلا بأس أما أن تكون عين حاضرة فليس هذا بسلم بل هو بيع عين بعين لابد أن يكون السلم موصوفاً في الذمة ولابد أن

ص: 387

يكون إلى أجل وظاهر كلام المؤلف إلى أجل قليل أو كثير لكن الفقهاء رحمهم الله قالوا لابد أن يكون لهذا الأجل تأثير في القيمة يعني له وقع في الثمن _ والمثال مرة أخرى نقول أتيت إلى فلاح عنده نخل فقلت أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من التمر يحل بعد سنة فهذا جائز والدليل أنه قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار وأجاز ذلك وبه نعرف أن حديث عبادة بن الصامت (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يد بيد) أنه يستثنى ما إذا كان أحدهما نقداً أي دراهم أو دنانير فإنه يجوز أن تسلم الدراهم والدنانير في بر أو تمر أو شعير أو ملح ولو إلى أجل وهل في السلم مصلحة للمتعاقدين؟ نعم فيه مصلحة للمتعاقدين فالمشتري يستفيد زيادة المثمن لأنه إذا كان الصاع بريال مثلاً نقداً فهو سيشتريه بأقل من ريال مؤجلاً والبائع يستفيد تعجيل الثمن.

القارئ: وهو نوع من البيع ينعقد بلفظ البيع والسلم والسلف وتعتبر فيه شروط البيع ويزيد بشروط ستة أحدها أن يكون مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرا لأنه بيع بالصفة فيشترط إمكان ضبطها.

الشيخ: قوله رحمه الله (يزيد بشروط ستة) هذه إذا تأملها الإنسان لم تكن ستة فمثلاً اشتراط أن يكون منضبطاً بالصفة هذا متفرع من قولنا يشترط أن يكون المبيع معلوماً.

القارئ: فيصح السلم في المكيل والموزون والمذروع لما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة وهم يسلفون الثمار السنتين والثلاث فقال (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه.

الشيخ: السلم من العقود التي أقرها الإسلام ولكن أدخل عليها شروطاً لأن العقود في الجاهلية منها ما أنكره الإسلام كعقود الربا ومنها ما أقره الإسلام علىما هو عليه كالمضاربة ومنها ما أقره الإسلام وأدخل عليه شروطاً تصححه كالسلم.

ص: 388

القارئ: وقال عبد الله بن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبزى كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والذبيب فقيل أكان لهم زرع أم لم يكن قال ما كنا نسألهم عن ذلك رواه البخاري.

الشيخ: وهذا دليل على أنه يصح السلم في زرع أو تمر حتى إلى غير الفلاح ولكن إذا كان إلى غير الفلاح فكيف يوفي؟ الجواب يشتري إذا حل الأجل ويوفي.

القارئ: فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر وقسنا عليه ما يضبط بالصفة لأنه في معناه ويصح في الخبز واللبأ والشواء لأن عمل النار فيه معتاد ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة فصح السلف

كالمجفف بالشمس وقال القاضي لا يصح في الشواء واللحم المطبوخ لأن عمل النار فيه يختلف فلا ينضبط.

الشيخ: الصحيح الأول لأنه حتى لو أختلف فالاختلاف هنا يسير والشواء معروف أنه يشوى الجزء من اللحم على وجه معروف بين الناس ولا يحتاج إلى تحرير.

السائل: ما معنى اللبأ؟

الشيخ: اللبأ هو اللبن أول ما تلد البهيمة يسمى لبأ لأنه يقع أصفر وإذا أحمي في النار تجمد.

فصل

القارئ: ولا يصح فيما لا ينضبط كالجوهر واللؤلؤ والزبرجد والياقوت والعقيق ونحوها لأنها تختلف اختلافاً متبايناً بالكبر والصغر وحسن التدوير وزيادة ضوئها ولا يمكن تقديرها ببيض العصفور ونحوه لأنها تختلف.

الشيخ: بيع هذه الأشياء يصح لأنها مرئية يراها الإنسان لكن وصفها لا يمكن فهو صعب جداً لكن السلم في الفناجين أو الأسطال أو الأباريق أو الأواني؟ يجوز لأنه يمكن يمكن ضبطها خصوصاً في عهدنا الآن.

القارئ: وفي الحوامل من الحيوان والشاة اللبون والأواني المختلفة الرؤوس والأوساط وجهان أحدهما لا يصح أن يسلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليه والولد واللبن مجهول والثاني يصح لأن الحمل واللبن لا حكم لهما مع الأم بدليل البيع.

ص: 389

الشيخ: قوله (والثاني يصح لأن الحمل واللبن لا حكم لهما مع الأم بدليل البيع) هذا هو الصحيح أنه يصح في الحوامل وذوات اللبن فتقول مثلاً هذه عشرة آلاف ريال بمائة شاة حامل أو بمائة شاة لبون وما أشبه ذلك.

القارئ: والأواني يمكن ضبطها بسعة رأسها وأسفلها وعلو حائطها فهي كالأواني المربعة وما فيه خلط من غيره ينقسم أربعة أقسام أحدها ما خلطه لمصلحته وهو غير مقصود في نفسه كالأنفحة في الجبن والملح في الخبز والشيرج والماء في خل التمر فيصح السلم فيه لأنه يسير للمصلحة الثاني أخلاط متميزة مقصودة كثوب منسوج من شيئين فيصح السلم فيه لأن ضبطه ممكن وفي معناه النبل والنشاب وقال القاضي لا يصح السلم فيهما لأن فيه أخلاطاً ويختلف طرفاه ووسطه فأشبه القسي والأول أصح لأن أخلاطه متميزة ممكن ضبطها والاختلاف فيه يسير معلوم بالعادة فهو كالثياب من جنسين بخلاف القسي.

الشيخ: الأول وهو قوله (ما خلطه يسير لمصلحته) هذا لا بأس به ولا إشكال فيه كالإنفحة في الجبن الجبن هو الحليب المجبن والأنفحة هي عبارة عن اللباء الذي يكون في معدة الوليد فإذا ولدت الشاة طفلاً صغيراً وذبح حين كان يشرب اللباء وأخذت المعدة فاللباء الذي فيها جبن يعني يُجَبِّنُ الأشياء لو وضعت ملعقة صغيرة منه في كأس ثم تحميه على النار جَبَّنَهَا وصار كأنه قطعة ثلج فهذا لا يضر لأنه يسير مقصود وقد جرت العادة بالتسامح فيه وكذلك الملح في الخبز أيضاً لا يضر لأنه لمصلحته وهو يسير وقد جرت العادة به أما الثاني فيقول المؤلف (أخلاط متميزة مقصودة كثوب منسوج من شيئين) هذا أيضاً يصح السلم فيه لأنه يمكن ضبطه لا سيما إذا أراه نموذجاً منه والصحيح ما ذكره المؤلف لا ما قاله القاضي رحمه الله.

القارئ: الثالث المغشوش كالبن المشوب والحنطة فيها والحنطة فيها الزوان فلا يصح السلم فيه لأن غشه يمنع العلم بقدر المقصود فيه فيكون فيه غرر.

ص: 390

الشيخ: هذا صحيح لأن اللبن المشوب من يستطيع أن يقدره؟ الجواب لا أحد يستطيع، قال الشاعر يصف قوماً استضافهم:

حتى إذا جن الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

يعني جاءوا بلبن مشوب حتى صار مثل.

القارئ: الرابع أخلاط مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين فلا يصح السلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليه وفي معناه القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والغزل والتوز فلا يصح السلم فيها للعجز عن مقادير ذلك وتميز ما فيه منها وفيه وجه آخر أنه يصح السلم فيها كالثياب.

الشيخ: الواقع أن هذه الأشياء التي ذكرت في القسم الثالث والرابع إذا تطورت الصناعة وصار هذا الخلط المقصود مضبوطاً تماماً فلا بأس فلو ورد في الأسواق أخلاط من الطيب لكنها معروفة بالدقة فلا بأس والآن يوجد شيء يسمى الند وهو عبارة عن أطياب مخلوطة فإذا أسلم إليه مالاً بعيدان الند فلا بأس وإن كانت مخلوطة لكنها معروفة لا تختلف وكل هذه الشروط تُأخذ من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه (وسلم نهى عن بيع الغرر).

فصل

القارئ: وفي الحيوان روايتان أظهرهما صحة السلم فيه لأن أبا رافع قال (أستسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا) رواه مسلم ولأنه يثبت في الذمة صداقاً فصح السلم فيه

كالثياب والثانية لا يصح لأنه يختلف اختلافاً متباينا مع ذكر أوصافه الظاهرة فربما تساوى العبدان في الصفات المعتبرة وأحدهما يساوي أمثال أصحابه وإن استقصى صفاته كلها تعذر تسلميه.

ص: 391

الشيخ: في هذا نرجع إلي ما سبق فإذا أمكن وصفه فلا بأس فالحيوان يمكن وصفه وإذا اختلف لا يختلف إلا يسيراً لكن العبيد صعب جداً فمثلاً لو قال أسلمت إليك عشرة آلاف في عبد صفته كذا وكذا فهذا لا يكفي مهما قال أولاً لأنه قد يكون نادراً وثانياً أن وجه الإنسان يختلف اختلافاً عظيماً فبعض الناس تجد وجهه مبتسماً وصدره منشرحاً وإذا رأيته سرك وبعض الناس بالعكس فمثلاً قلت أسلمت لك كذا وكذا في عبد سنه كذا وطوله كذا وعرضه كذا ولونه كذا وعيناه كذا ووجهه كذا فهل يمكن أن الإنسان يدرك أن يأتي بهذا على الوصف المطلوب؟ الجواب لا يمكن أبداً وربما كان هناك عبدان متفقان في الصفات والسن والجسم وكل شيء لكن أحدهما إذا رأيته ربما لا تنام من الحزن والآخر إذا رأيته انشرح صدرك وسررت به فهنا ينبغي أن يقال إذا كان الحيوان إنساناً فلا يصح السلم فيه لصعوبة وصفه وإن كان حيواناً فالأمر سهل حتى الحيوان إذا لم يطب لك فإن كان مما يأكل فما أحسن أن تذبحه وتأكله وإن كان لا يأكل فالبيع.

القارئ: وفي المعدود من الجوز والبيض والبطيخ والرمان والبقل ونحوه روايتان إحداهما لا يصح لذلك والثانية يصح لأن التفاوت يسير ويمكن ضبطه بعضه بالصغر والكبر وبعضه بالوزن وفي الرؤوس والأطراف والجلود من الخلاف مثل ما فيما قبله.

فصل

القارئ: الشرط الثاني معرفة قدره بالكيل إن كان مكيلا وبالوزن إن كان موزونا وللذرع إن كان مذروعاً لحديث ابن عباس ولأنه عوض غير مشاهد يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن.

الشيخ: حديث ابن عباس (فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وحتى لو فرض أنه لم يأتي هذا القيد في الحديث فإنه داخل في العموم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع الغرر).

القارئ: ويجب أن يكون ما يقدر به معلوماً عند العامة فإن قدره بإناء أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح لأنه قد يهلك فيجهل قدره وهذا غرر لا يحتاج العقد إليه.

ص: 392

الشيخ: أي لابد أن يسلم في مكيال معلوم عند العامة كالصاع والمد وما أشبه ذلك فلو قال أسلمت إليك مائة ريال بملء هذا الإناء مائة مرة فلا يصح لأن الإناء ربما يتلف أو يسرق أو يخفيه أحدهما فيؤدي ذلك إلى التنازع فلا يصح وكذلك الصنجة أي ما يقدر الشيء به وزناً لابد أن تكون معلومة والمعلوم عندنا الآن في الوزن هو الكيلو.

القارئ: وإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا فعنه لا يصح لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات وعنه ما يدل على الجواز لأنه يخرجه عن الجهالة وهو الغرض ولابد من تقدير.

الشيخ: هذه الرواية هي الصحيحة أنه يجوز أن يسلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً وعمل الناس الآن في المكيل الوزن فصعب على الإنسان أن يكيل آلاف الأصواع ولهذا يقدرونها الآن بالوزن فالصواب أنه يجوز أن يسلم في البر وزناً وفي السكر كيلاً السكر لأن السكر يقدر بالوزن فإذا قدره بالكيل فلا بأس.

القارئ: ولابد من تقدير المذروع بالذرع فأما المعدود فيقدر بالعدد وقيل بالوزن لأنه يتباين والأول أولى لأنه يقدر به عند العامة والتفاوت يسير ويضبط بالصغر والكبر ولهذا لا تقع القيمة بين الجوزتين والبيضتين.

الشيخ: المعنى أنه لا وقع في القيمة فيقال مثلاً في البيض كل عشرة بريال وإن اختلفت بعض الشيء ولكن الحمد لله الآن مسألة المعدود أصبحت أمراً ظاهراً فهذه الأشياء الآن تقدر بألات معروفة مضبوطة تماماً فإذا قلت مثلاً مائة ساعة موديل كذا نوع كذا فهي منضبطة تماماً.

القارئ: فإن كان يتفاوت كثيراً كالرمان والبطيخ والسفرجل والبقول قدره بالوزن لأنه أضبط لكثرة تفاوته وتباينه ولا يمكنه ضبطه بالكيل لتجافيه في المكيال ولا بالحزم لأنه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة فتعين بالوزن لتقديره.

ص: 393

الشيخ: خلاصة هذا الشرط أنه لابد أن يكون معلوم القدر بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والعد في المعدود والذرع في المذروع وإن خالف بأن جعل المكيل موزوناً أو الموزون مكيلاً فلا بأس على القول الراجح أما المعدود فإن ظهر التفاوت كثيراً فإنه لا يجوز لأنه يؤدي إلى التنازع وإن كان يسيراً فلا بأس وأما المذروع فلابد من ذرعه لا يمكن ضبطه إلا بالزرع.

فصل

القارئ: الشرط الثالث أن يجعلا له أجلاً معلوما فإن أسلم حالاً لم يصح لحديث ابن عباس.

الشيخ: حديث ابن عابس هو قوله صلى الله عليه وسلم (إلى أجل معلوم) وهذا مبني على أن هذه الجملة (إلى أجل معلوم) يعود فيها الشرط إلى المعنيين جميعاً وهما الأجل وكونه معلوماً وقال بعض العلماء إن هذا يعود إلى قوله (معلوم) فقط في قوله (إلى أجل معلوم) يعني أنه إذا كان مؤجلاً فليكن الأجل معلوماً وبناءً على هذا القول لا يشترط التأجيل فيصح السلم في الشيء الحال بأن يقول هذه مائة ريال بمائة صاع ولا يقدر أجلاً فهذا لا بأس به على القول بأن الشرط يعود إلى أن يكون الأجل معلوماً لا إلى أجل معلوم.

القارئ: ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق ولا يحصل الرفق إلا بالأجل فلا يصح بدونه كالكتابة فإن كان بلفظ البيع صح حالا قال القاضي ويجوز التفرق قبل قبض رأس المال لأنه بيع ويحتمل أن لا يجوز لأنه بيع دين بدين.

الشيخ: ما قاله القاضي هو الصحيح والعمل عليه الآن فتجد الرجل يقول لصاحبه أرسل لي كذا وكذا من الحاجات وهو لم يقبضها ولا يعطيه الثمن ثم بعد ذلك يعطيه الثمن فيقول مثلاً بكم تبيع الكيس من الرز فقول البائع أبيعه بمائة فيقول له أرسل لنا كيساً ولا يسلمه الثمن وكذلك البائع لم يحضر المبيع بعد فما قاله القاضي هو الصحيح وهو عليه العمل الآن.

ص: 394

القارئ: ويشترط في الأجل ثلاثة أمور أحدها كونه معلوماً لقول الله تعالى (إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى) وللخبر فإن جعله إلى المحرم أو يوم منه أو عيد الفطر ونحوها جاز لقول الله تعالى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاس) وإن قدره بغير ذلك مما يعرفه الناس ككانون وعيد للكفار يعرفه المسلمون جاز لأنه معلوم لا يختلف وقال ابن أبي موسى لا يصح لأنه لا يعرفه كثير من الناس.

الشيخ: المؤلف قيد ذلك بأن يعرفه المسلمون مثل شهر كانون فلا بأس لأن كانون علم على شهر معين لكن عيد الكافر ينبغي ألا يصح الأجل إليه لأن العيد شعار ديني عند الكفار فلا يجوز أن تجعل آجال بيوع المسلمين إلى هذا الشعار الديني وإذا قال العلماء يصح أو لا يصح فهل يلزم من قولهم لا يصح أنه حرام؟ الجواب نعم إلا يلزم ذلك فكل شيء فاسد فهو حرام نص على هذا أهل العلم وهو حقيقة لأنه إذا كان فاسداً ثم إنك عملت به صار هذا مضاد للشرع فالقاعدة أن كل فاسد حرام سواء من الشروط أو العقود أوغيرها.

القارئ: وإن كان مما لا يعرفه المسلمون كالشعانين وعيد الفطير لم يصح وجهاً واحداً لأن المسلمين لا يعرفونه ولا يجوز تقليد أهل الذمة فبقي مجهولاً.

الشيخ: كلام المؤلف جيد في قوله (لا يجوز تقليد أهل الذمة) هذا جيد جداً فمثلاً عيد الميلاد معلوم عند المسلمين لكنه شعار ديني فلا يجوز أن تجعل آجل البيوع والإيجارات وما أشبهها إلى عيد الميلاد وشبهه من الأعياد الدينية عندهم.

القارئ: وإن جعلا الأجل إلى مدة معلومة كشهر معين تعلق بأولها ولو قال محله في رمضان فكذلك لأنه لو قال لزوجته أنت طالق في رمضان طلقت في أوله ولو أحتمل غير الأول لم يقع الطلاق بالشك.

ص: 395

الشيخ: المعنى أنه لو أحتمل غير الأول أي غير أول الشهر لكان احتماله في آخر الشهر مشكوكاً فيه ولا يقع الطلاق بالشك لكن لو أن إنسان عكس قال مادام الأمر محتملاً أن يكون في أول الشهر أو أخره فإيقاعه في أول الشهر مشكوك فيه أيضاً فلا يمكن أن نجزم إلا في آخر الشهر ولو قال قائل إذا كان محله في رمضان فقولوا في الوسط أي وسط رمضان فلا وكس ولا شطط فلا نضر البائع ولا نضر المشتري ولو قيل بهذا لكان جيداً.

القارئ: وإن جعله اسماً يتناول شيئين كربيع تعلق بأولهما وإن قال ثلاثة أشهر أنصرف إلى الهلالية لأن الشهور في لسان الشرع فإن كان أثناء الشهر كمل بالعدد ثلاثين والباقي بالأهلة.

الشيخ: والصواب أنه بالأهلة مطلقاً سواء في أثناء الشهر أو في أول الشهر ومثل ذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فالصواب أنه لا فرق بين أن يكون ابتداء المدة في أثناء الشهر أو من أوله فهي تكمل كلها بالأهلة.

السائل: البلاد التي يكون فيها المسلمون ينطقون بغير العربية يستعملون الشهور غير العربية فما الحكم؟

الشيخ: لا مانع إذا كانوا لا يعرفون إلا أشهر أخرى غير عربية فلا بأس وإن كان ينبغي أن ينقلوا إلى الأشهر العربية.

السائل: بالنسبة للآجال التي يقال فيها إلى رأس السنة مثلاً لكن هم لا يقصدون عيد الكفار؟

الشيخ: إذا لم ينص على العيد وقال على رأس السنة فلا بأس لأن حتى أعياد الكفار بالنسبة لرأس السنة تختلف بعض الأعياد تتقدم رأس السنة بأربعة أيام أوخمسة أيام وبعضها يتأخر فالمهم إذا لم يقيد بالعيد فلا بأس.

السائل: ما الفرق بين قولهم في الأجل إلى رمضان أو في رمضان؟

الشيخ: إذا قال إلى رمضان فهو يحل في آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان وإذا قال في رمضان ينبغي أن يقال أنه إذا قال في رمضان أن يحل في وسط الشهر.

ص: 396

القارئ: الأمر الثاني أن يكون مما لا يختلف فإن جعله إلى الحصاد والجذاذ والموسم لم يصح لأن ابن عباس قال: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ولأن ذلك يختلف ويفرب ويبعد فلم يجز جعله أجلاً كقدوم زيد وعنه أنه قال أرجو أن لا يكون به بأس لأن ابن عمر كان يبتاع إلى العطاء ولأنه لا يتفاوت تفاوتاً كثيرا فإن أسلم إلى العطاء يريد به وقته وكان معلوماً جاز وإن أراد نفس العطاء لم يصح لأنه يختلف.

الشيخ: هذه المسألة في تأجيل السلم بالحصاد والجذاذ فيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله رواية أنه لا بأس به وراوية أخرى أنه لا يجوز والصواب أنه جائز ولا بأس به لأن وقت الحصاد معلوم والاختلاف فيه يسير ومثل هذا جرت العادة بالتسامح فيه ومثله كذلك قدوم الحجاج في الزمن الأول فإن قدوم الحجاج في الزمن الأول يكون متقارباً أما الآن فإن الحجاج يختلفون اختلافاً كثيراً فلا يصح التأجيل به وأما ما روي عن ابن عباس (لا تبايعوا للحصاد والدياس) فلعله أراد أن يبيع نفس الذي جذ ونفس الذي ديس فيكون النهي مصباً على العين لا على الأجل لأن الفلاح ربما يقول أنا أؤجل السلم حتى أحصد ويعني بذلك أنه يبيع ما حصد أو حتى أحز ويعني بذلك جذاذه وهذا لا شك أنه مجهول أما الحصاد بمعنى وقت الحصاد فالصواب الرواية الثانية عن أحمد أن ذلك جائز وكذلك إذا أسلم إلى العطاء يعني عطاء الديوان ومثله عندنا الآن في الوقت الحاضر الرواتب فهذا لا بأس به لأن الاختلاف فيها يسير أما إذا أراد نفس العطاء فهذا لا يصح لأنه قد يحصل في وقته وقد لا يحصل.

القارئ: الأمر الثالث أن تكون مدة لها وقع في الثمن كالشهر ونصفه ونحوه فأما اليوم ونحوه فلا يصح التأجيل به لأن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق ولا يتحقق إلا بمدة طويلة.

ص: 397

الشيخ: قوله (المرفق) يعني مكان الرفق أو ليتحقق الرفق وهذا الشرط فيه نظر وذلك لأن الحديث يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (إلى أجل معلوم) وأجل نكرة تشمل الكثير والقليل ولكن من المعلوم عادة أنه لابد أن يكون الأجل طويلاً لأن باذل الدراهم سيخفض من القيمة فإذا كان الصاع يساوي درهماً فإنه سوف يخفف من القيمة فلا يعطيه إلا درهماً إلا ربعاً مثلاً إذ أن المبيع سوف يتأخر تسليمه وهذا هو الأغلب أنه لابد أن يكون بأجل له وقع في الثمن والتمثيل بالشهر ونصفه ونحوه أيضاً يختلف فأحياناً تكون السلع غير مستقرة فيكون الأجل القليل له وقع في الثمن وأحياناً تكون مستقرة فلا يكون له وقع في الثمن إلا إذا كان في مدة طويلة وكذلك أيضاً ربما يكون عقد السلم قرب الموسم كموسم الحج مثلاً

فهنا لا شك أن المدة القليلة سيكون لها وقع في الثمن بمناسبة الموسم لأن الموسم ترتفع به الأسعار والخلاصة أن القول الراجح أنه لا يشترط الأجل ولا كونه له وقع في الثمن وأن السلم يصح حتى في الحال وسبق الكلام على هذا.

القارئ: فإن أسلم في جنس إلى أجلين أو آجال مثل أن يسلم في خبز ولحم يأخذ كل يوم أرطالاً معلومة جاز لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى آجال كبيوع الأعيان ويجوز أن يسلم في جنسين إلى أجل واحد لما ذكرنا.

الشيخ: يعني يجوز أن يسلم في جنس واحد إلي أكثر من أجل فيقول أسلمت إليك ألف ريال بمائة صاع من البر نصفها يحل في رجب والنصف الثاني في شوال فهذا جائز وكذلك العكس أن يسلم في شيئين إلى أجل واحد كأن يقول أسلمت إليك مائة ريال بخمسين صاعاً من البر وخمسين صاعاً من الشعير تحل في رجب فهذا جائز.

السائل: ما هو الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) وبين إجازتنا أن يعقد على الشيء عقد سلم وهو حال؟

ص: 398

الشيخ: في السلم هو على شيء موصوف في الذمة فالفرق أن قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) يقصد العين أما الموصوف في الذمة فهذا غير معين ولهذا نطالب الذي باع الشيء الموصوف بالذمة نطالبه بإيجاده على كل حال وأما الشيء المعين لو تلف ما نطالبه به.

فصل

القارئ: الشرط الرابع أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله مأمون الانقطاع فيه لأن القدرة على التسليم شرط ولا تتحقق إلا بذلك فلو أسلم في العنب إلى شباط لم يصح لأنه لا يوجد فيه إلا نادراً.

الشيخ: شباط شهر إفرنجي يرافق الشتاء فلو أسلم في العنب إلى شباط فهذا لا يمكن أن يوجد فيه عنب في شباط وذلك في عصر المؤلف رحمه الله أما في عصرنا فيوجد وذلك بخزنه في المبردات والثلاجات وعلى كل حال نرجع للأصل لابد أن يكون المسلم فيه موجوداً وقد الحلول في مكانه وهذا المهم لأنه لو أسلم في شيء لا يمكن وجوده في وقته في ذلك المكان صار في هذا تعجيز ومغامرة لكن لابد أن يوجد وهنا نتعرض لمسألة يستعملها المقاولون في البناء يقول مثلاً أبني لي هذا البيت في خلال ستة أشهر فإن انتهت الستة فعليك خصم كل يوم مائة ريال أو ألف ريال أو ما يتفقان عليه فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ الجواب نقول إن ضرب مدة يمكن فيها انتهاء البناء فهذا جائز وإن ضرب مدة لا يمكن فيها انتهاء البناء فهذا لا يجوز

لأنه في المسألة الأخيرة يكون المقاول مغامراً ومن المعلوم أنه إذا قصر مدة الإنشاء فسيكون السعر أعلى وحينئذ يكون إما غانماً وإما غارماً وأما إذا كانت المدة في وقت يمكن أن ينتهي فيه البناء فهذا لا بأس به.

القارئ: ولا يصح السلم في ثمرة بستان بعينه ولا قرية صغيرة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى وقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما من حائط بني فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى رواه ابن ماجه.

ص: 399

الشيخ: هذا الحديث ليس فيه دلالة على ما ذهب إليه المؤلف لأن كونه من حائط بني قد يكون معجوزاً عنه حين حلول الأجل لكن إذا أراد أن يسلم إليه بتمر من بستانه فإن بستانه يستطيع أن يوفي منه أما من بيع من حائط فحائط بني فلان قد يكون المسلم إليه قادراً على تحصيله وقد يكون غير قادر ولهذا ينبغي أن يكون في ذلك تفصيل فيقال إن عينه مما يملكه المسلم إليه فلا بأس به وإن كان من حائط آخر فإنه لا يجوز لأنه داخل في بيع ما ليس عنده ولا يتمكن من الوفاء وهذا القول الذي ذكرته هو الذي عليه عمل الناس اليوم وفيما سبق كان الفلاحون يأتون إلى التجار ويسلم التجار إليهم دراهم في تمر من نخيلهم أو في حب من زرعهم وهذا لا بأس به فصار في هذا على القول الراجح تفصيل وهو أنه إن عينه من بستانه الذي يملكه فلا بأس بذلك وإن عينه من بستان آخر فإنه لا يجوز لكن لو قال من حائط بني فلان أو ما يماثله فهل يجوز؟ نعم يجوز لأننا علمنا من قوله من حائط بني فلان أو ما يماثله أنه أراد هذا النوع الطيب.

القارئ: ولأنه لا يؤمن تلفه فلم يصح كما لو قدره بمكيال معين ولا يصح السلم في عين لذلك ولأن الأعيان لا تثبت في الذمة.

السائل: ما حكم السلم في العين؟

الشيخ: السلم في العين لا يصح لأنه إذا أسلم في العين ملكها المشتري وإذا ملكها فكيف تبقى؟ فنقول بدلاً من أن تقول سلم أذكر أنه بيع فقل بعت عليك هذا الشيء ويبقى عنده حسب الشرط.

السائل: السلم إذا كان إلى أجل مثلاً إلى سنة فإنه حينئذ ربما يرتفع سعر الشيء الذي أسلم فيه وربما ينخفض جداً فيكون المسلم إما غانماً أو غارماً؟

الشيخ: هذا لا بأس به وليس غانماً أو غارماً لأن الغانم والغارم بمقتضى العقد أما هذا فهو غانم وغارم بحسب السعر وكما يقول العوام حظه ونصيبه.

فصل

ص: 400

القارئ: الشرط الخامس أن يضبط بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة والكبر والصغر والطول والقصر والعرض والسمك والنعومة والخشونة واللين والصلابة والرقة والصفاقة والذكورية والأنوثية والسن والبكارة والثيوبة واللون والبلد والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك مما يقبل هذه الصفات ويختلف بها.

الشيخ: يقول المؤلف (أن يضبط صفاته التي يختلف الثمن بها ظاهراً) يعني وأما الصفات اليسيرة التي لا يختلف بها الثمن إلا قليلاً فلا يشترط قال الإمام أحمد كل سلم يختلف فلا يمكن أن تضبط الصفات ضبطاً كاملاً كأنما تشاهدها يقول المؤلف (فيذكر الجنس والنوع) والصحيح أن ذكر النوع كافي عن ذكر الجنس لأن الجنس أعم والنوع أخص فمثلاً يقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من البر حنطة والبر كما هو معروف أنواع منه الحنطة والمعيَّا والصماء والقيمي والجرباء فهذه خمسة أنواع فعلى قول المؤلف لابد أن تذكر الجنس والنوع فتقول مثلاً أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من البر حنطة لكن نحن نقول إذا ذكر الأخص شمل الأعلى فلا يشترط ذكر الجنس فيكفي ذكر النوع لأنه إذا ذكر النوع تحدد الجنس قطعاً ثم قال المؤلف يذكر (الجودة والرداءة والكبر والصغر) وهذا صحيح لابد أن يقول جيد أو رديء وكذلك في الكبر والصغر لابد أيضاً أن يذكر أنه من النوع الكبير أو من النوع الصغير أو من النوع المتوسط وقوله (الطول والقصر) هذا فيما لو أسلم بحيوان أو بإنسان رقيق أما المذروع فلابد أن يحدد الذرع وقوله (العرض والسمك) والعرض والسمك هذا فيما لو أسلم في خشب أو غيره وقوله (النعومة والخشونة) هذا مثاله القماش وقوله (اللين والصلابة

الخ) وعلى كل حال الصحيح في هذا الشرط أن يذكر الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً هذا هو الضابط.

ص: 401

القارئ: الشرط الخامس أن يضبطه بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة والكبر والصغر والطول والقصر والعرض والسمك والنعومة والخشونة واللين والصلابة والرقة والصفاقة والذكورية والأنوثية والسن والبكارة والثيوبة واللون والبلد والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك مما يقبل هذه الصفات ويختلف بها ويرجع فيما لا يعلم منها إلى تفسير أهل الخبرة فإن شرط الأجود منها لم يصح لأنه يتعذر عليه الوصول إليه فإن وصل إليه كان نادرا وإن شرط الأردأ فيه وجهان أحدهما لا يصح لذلك والثاني يصح لأنه يمكنه تسليم المسلم أو خير منه من جنسه فيلزم المسلم قبوله.

الشيخ: إذا قال المسلم أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع بر أجود ما يكون فإن هذا لا يصح لتعذر الوصول إليه لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود والأجود فوقه أجود وإلى ما لا نهاية فيتعذر الوفاء وإن أمكن فإنه لا يكون إلا نادراً ولكن بعض العلماء قال إنه يصح أن يقول الأجود ويحمل قوله الأجود على أجود ما يكون في السوق في البلد الذي هو فيه وهذا القول هو الصحيح لأن هذا هو المتعارف عليه فأنا إذا قلت أجود ما يكون أو من أجود ما يكون فليس معناه أني أريد أن تطوف بأقطار الدنيا حتى تصل إلى شيء ليس فوقه شيء بل المراد أجود ما يكون في السوق وهذا شيء متعارف عليه ولا يختلف فيه اثنان ولهذا كان القول الراجح أنه لا بأس به فإذا أحضره المُسلَم إليه وقال هذا أجود ما يكون فقال المُسلِم لا انظر الدكان الفلاني فيه أجود منه فنقول الآن للمُسْلِم أن يطالب المُسْلَم إليه بالأجود أما إذا قال اذهب إلى السوق لن تجد أحسن منه فهذا ما الذي يمنع منه، ثم قال المؤلف رحمه الله (إذا شرط الأردأ فيه وجهان) فذكر المؤلف الخلاف في الأردأ ولم يذكر الخلاف في الأجود لما سيأتي.

ص: 402

وليعلم أنه إذا شرط الأردأ فإنه كالأجود في وجوده لأنه ما من رديء إلا وهناك ما هو أردأ منه إذا أحضر له ما هو أجود مما وصف فإنه يلزم المسلم قبوله لأنه أوفاه خيراً من حقه وإذا أوفاه خيراً من حقه لزمه القبول ولهذا لو أنك بعت عليه بقرة وشرط أنها ذات لبن وأنها يحلب منها في اليوم والليلة صاع فأتيت إليه ببقرة يحلب منها في اليوم والليلة صاعان وقال لا الشرط الذي بيني وبينك صاع فهل يلزمه أن يقبل ما تحلب صاعين؟ الجواب نعم يلزمه لأن الزيادة في الصفات يلزم قبولها وهذه هي جادة المذهب أن الزيادة في الصفات يلزم قبولها فإذا اتفق هو وإياه على سلم في أردأ ما يكون فهل يجوز أو لا؟ فيه وجهان المذهب أنه لا يجوز وهناك وجه آخر أنه يجوز وهو في الحقيقة مبني على المذهب لأنه إذا جاء بأردأ ما يكون في السوق فقال المسلم الذي دفع الثمن أنا أشترط عليه الأردأ فإنه لا يلزم المسلم إليه أن يطوف البلاد كلها حتى يجد ما هو أردأ لأنه من المعلوم أنه ما من رديء إلا ودونه ما هو أردأ منه لكن نقول إذا جاء بأجود مما يجب في ذمته لزم القبول حتى لو فرض أنه في البلد نفسه لم يأتِ بالأردأ فإنه يلزمه القبول لأنه إذا أتاه بما هو أجود مما وصف فهذا خير له ولا يرده إلا رجل سفيه والخلاصة الآن نقول إنه إذا أشترط الأجود فعلى كلام المؤلف لا يصح وإن شرط الأردأ ففيه وجهان والصحيح أن شرط الأردأ والأجود كلاهما جائز.

القارئ: وإن أسلم في جارية وابنتها لم يصح لأنه يتعذر وجودهما على ما وصف وإن استقصى صفات السلم بحيث يتعذر وجوده لم يصح لأنه يعجز عن تسليمه.

ص: 403

الشيخ: نستفيد من قولهم رحمهم الله (أنه إذا وصفه بصفات يندر وجودها ويعز وجودها فإنه لا يصح) نستفيد فائدة يستعملها الآن البناءون فيتفق المقاول والتاجر مثلاً على أن يبني له بيتاً في خلال ستة أشهر فإن لم ينجز ذلك في خلال ستة شهر خصم عليه كل يوم مائة وهذا يفعلونه حماية لهم لئلا يتلاعب المقاول لأنه ربما يتفق معه على ستة أشهر ثم يأخذ مقاولات كثيرة ولا يتمكن فهل يجوز هذا الشرط لأنه إذا جاز هذا الشرط ربما يستوعب الخصم نصف ما تمت به المقاولة أو أكثر فهل يجوز هذا الشرط؟ نقول فيه

تفصيل إن حدد مدة يمكن في العادة والعرف أن ينجزه فيها فلا بأس أما إذا حدد مدة لا يمكن فيها ذلك فهذا لا يجوز فمثلاً إذا اتفق معه على أن يبني له فيلا فيها حجر وغرف علوية وسفلية فهذه يقيناً لا يمكن أن يبينها في خلال ستة أشهر مع ذلك جعل المدة ستة أشهر فهل يجوز هذا الشرط؟ الجواب لا لأنه مغامر أما إذا كان يمكن وأنه إذا بناها بناءاً مستمراً وحسب العادة والعرف أمكن ذلك فلا بأس بهذا الشرط وهذا الحكم الذي ذكرناه يمكن أخذه من قول الفقهاء هنا (إن الأوصاف النادرة في السلم لا يجوز اشتراطها).

القارئ: الشرط السادس أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل تفرقهما.

الشيخ: رأس مال هو الثمن أي الدراهم التي يبذلها المشتري.

القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلف فليسلف في كيل معلوم) والإسلاف التقديم ولأنه إنما سمي سلماً وسلفاً لما فيه من تقديم رأس المال فإذا تأخر لم يكون سلما فلم يصح ولأنه يصير بيع دين بدين فإن تفرقا قبل قبضه بطل وإن تفرقا قبل قبض بعضه بطل فيما لم يقبض وفي المقبوض وجهان بناءً على تفريق الصفقة ويجوز أن يكون في الذمة ثم يعينه في المجلس ويسلمه.

ص: 404

الشيخ: الشرط هو قبض الثمن وليس تعيين الثمن فإذا قال أسلمت إليك ألف ريال بخمسمائة صاع والدراهم الآن ليست معه لكن جاء بها غلامه وهما بمجلس العقد ثم سلمها لها هل هذا جائز أو لا؟ نقول المؤلف يقول أن يقبض الثمن وليس أن يعنيه فإذا قال أسلمت إليك ألف ريال بخمسمائة صاع وليست الدراهم في يده لكن جاء بها الغلام ثم سلمها له فإن هذا جائز لأنه قبض الثمن ولو أنه قال أسلمت إليك هذه الدراهم بمائة صاع بر فهل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز من باب أولى لأن هذه المسألة الأخيرة التي فرضناها فيها تعيين الثمن والمسالة الأولى في الذمة ثم أحضر الثمن.

القارئ: ويجب أن يكون معلوماً كالثمن في البيع فإن كان معيناً فظاهر كلام الخرقي أنه يكتفى برؤيته لأنه ثمن عرض معين أشبه ثمن المبيع وقال القاضي لابد من وصفه لقول أحمد ويصف الثمن ولأنه عقد لا يمكن إتمامه وتسليم المعقود عليه في الحال ولا يؤمن أنفساخه فوجب معرفة رأس المال بالصفات ليرد بدله كالقرض في الشركة فعلى هذا لا يجوز أن يكون رأس المال إلا ما يجوز أن يسلم فيه لأنه يعتبر ضبط صفاته فأشبه المسلم فيه.

الشيخ: عندنا الآن الدراهم والدنانير معلومة فبمجرد أن أقول لك مائة ريال سعودي مثلاً تعرف أنه على هذا الوصف أي الريال لكن فيما سبق الدراهم والدنانير تختلف صغراً وكبراً وثقلاً وخفة ولذلك لابد من وصفها والتعليل الذي ذكره القاضي جيد لأنه يخشى أن ينفسخ العقد فإذا أنفسخ العقد فالمشتري بأي ثمن

يرجع؟ فلابد من وصفه وعلى هذا فنقول لابد من وصف الثمن إذا كان يختلف أما إذا كان لا يختلف فالتعيين كافٍ.

السائل: هل يصح أن يشترط المشتري فيقول إن نفع هذا الدواء فإن العقد ينفذ وإلا رجعت عليك بثمن الدواء؟

الشيخ: هل الدواء يلزم منه الشفاء؟ لا يلزم وعليه فالشرط فاسد لأنه شرط لا يقدر عليه.

فصل

ص: 405

القارئ: وكل مالمين جاز النساء بينهما جاز إسلام أحدهما في الآخر وما لا فلا فعلى قولنا يجوز النساء في العروض لأنه يصح إسلام عرض في عرض وفي ثمن فإن أسلم عرضاً في آخر بصفته فجاءه به عند المحل ففيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزم قبوله كغيره والثاني لا يلزم قبوله لأنه يفضي إلى كون الثمن هو المثمن وإن أسلم صغيراً في كبير فحل السلم وقد صار الصغير على صفة الكبير فعلى الوجهين.

ص: 406

الشيخ: الإسلام يكون بالنقد فيسلم النقد ويكون المسلم فيه عرضاً هذا واضح دارهم ببر وقد يسلم عرضاً في عرض مثل أن يسلم براً ببر أو تمراً بتمر فهذا صحيح لكن يبقى عندنا أن المؤلف يقول (كل مالين جاز النساء بينهما جاز إسلام أحدهما في الآخر) وعلى هذا فيكون التمثيل بغير ما يجري فيه الربا فلو أنه أسلم مثلاً ساعة بساعة فهذا عرض بعرض فعند حلول الأجل أتى بنفس الساعة التي هي العرض فهل يلزمه القبول أو لا؟ يقول المؤلف (فيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزم قبوله كغيره والثاني لا يلزم قبوله لأنه يفضي إلي كون الثمن هو المثمن) المثال بصورة أخرى أسلمت إليك مثلاً قلم أعطيتك هذا القلم وقلت خذ القلم على أن تأتني بقلم صفته كصفة هذا القلم تماماً فلما حل الأجل وإذا القلم لم يتغير ولم يحصل عليه شيء ينقص القيمة فأتى بالقلم نفسه الذي أنا أعطيته إياه فهل يلزمني قبوله؟ هذا محل الوجهين أحدهما يلزم لأنه أتى بالمسلم فيه على صفته والثاني لا يصح لأنه كون يسلم إليه قلم بقلم يقتضي أن العوض غير المعوض فإذا رد إليَّ ما أسلمته إليه صار الثمن هو المثمن كذلك ثم قال المؤلف (وإن أسلم صغير في كبير فحل السلم وقد صار الصغير على صفة الكبير فعلى الوجهين) مثاله أسلم إليه طفلاً من الضأن وقال أسلمت إليك هذا الطفل من الضأن وله أربعة أشهر بشاة لها ثمانية أشهر والأجل بيننا أربعة أشهر فلمَّا مضت المدة فإذا الطفل الأول الذي له أربعة أشهر قد صار له ثمانية أشهر فجاء به إلي وقال هذا بيني وبينك فهل يصح أو لا يصح؟ يقول المؤلف على الوجهين ففي وجه يصح وفي وجه لا يصح والظاهر لي أنه لا يصح للتضاد والتضاد هو أن الثمن غير المثمن عند جميع الناس

ص: 407

فكيف يصح أن يكون الثمن هو المثمن وأي فائدة في أن أعطيك طفل الضأن ثم يكبر ثم تأتي به لي دعه عندي ويكبر فعلى كل حال القول الراجح أنه لا يصح وأن للمسلم أن يقول للمسلم إليه لا أقبل.

فصل

القارئ: ولا يشترط وجود المسلم فيه قبل المحل لا حين العقد ولا بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فلم ينههم عنه وفي الثمار ما ينقطع في أثناء السنة فلو حرم لبينه ولأنه يثبت في الذمة ويوجد عند المحل فصح السلم فيه كالموجود في جميع المدة.

الشيخ: إذا أسلم براً بشعير فإنه لا يجوز لأن كل شيئين حرم النساء بينهما حرم إسلام أحدهما بالآخر لاشتراط القبض.

السائل: ما الفرق بين المَحَل والمَحِل؟

الشيخ: المَحَل هو مكان الحلول والمحِل هو زمانه.

فصل

القارئ: ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره في حديث ابن عباس ولا في حديث زيد بن سعنة ولأنه عقد معاوضة أشبه البيع ويكون الإيفاء في مكان العقد كالبيع فإن كان السلم في موضع لا يمكن الوفاء فيه كالبرية تعين ذكر مكان الإيفاء ولأنه لابد من مكان لا قرينة تعين فوجب تعيينه بالقول وإن كان في موضع يمكن الوفاء فيه فشرطه كان تأكيدا وإن شرطاً مكاناً سواه ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه ينافي مقتضى العقد والثانية يصح لأنه عقد بيع فصح شرط مكان الإيفاء فيه كالبيع وبهذا ينتقض دليل الأولى.

ص: 408

الشيخ: مكان الوفاء هل يشترط في السلم بأن يقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع على أن يكون الوفاء في مكة هل هذا شرط؟ نقول ليس بشرط لأن أصل وجوب الوفاء في مكان العقد فمثلاً نحن الآن في عنيزة لا يحتاج أن نقول الوفاء في عنيزة لأن عنيزة بلد يمكن الوفاء فيه فيحمل المطلق على ما يعلم بقرينة الحال ويكون الوفاء في البلد الذي عقد فيه السلم فإن أراده في غيره وقال أنا أريد أن توفيه بمكة مثلاً ففيه روايتان لكن الصحيح أنه لا بأس بذلك لكن إن عقده في مكان لا يمكن الوفاء فيه كأن يعقد في لجة البحر أو في برية فهل يشترط ذكر مكان الوفاء؟ المؤلف يقول يشترط ذكر مكان الوفاء والصحيح أن في هذا تفصيلاً فإن كنا نعلم أن هذا التاجر المُسْلِم له بلد معين تجارته فيه فلا حاجة لذكر المكان لأن قرينة الحال

تدل على أن الوفاء في مكان تجارة هذا الرجل فإذا كان الرجل من أهل المدينة وعقد السلم في البر بين مكة والمدينة وهو قد أتى من مكة إلى المدينة ومتجره في المدينة فإننا نعلم علم اليقين أن هذا الرجل لا يريد أن يكون الوفاء بالبر ولا يريد أن يكون الوفاء في مكة إنما يريد أن يكون الوفاء في المدينة فيكتفى بظاهر الحال أما إذا كان الرجل في كل مكان له تجارة فلابد أن يذكر مكان الوفاء.

فصل

القارئ: يجب تسليم السلم عند المحل على أقل ما وصف به سليماً من العيوب والغش فإن كان في البر قليل تراب أو دقيق تبن لا يأخذ حظاً من الكيل وجب قبوله لأنه لا يقنصه وإن نقص الكيل لم يلزم قبوله لأنه دون حقه وإن أحضره بصفته وجب قبوله وإن تضمن ضررا لأنه حقه فوجب قبوله كالوديعة فإن أمتنع دفعه إلى الحاكم وبرئ لذلك.

ص: 409

الشيخ: إذا أراد المسلم إليه أن يوفي على أقل ما وصف برئت ذمته وعلى أكثر تبرأ من باب أولى لكن إذا جاء الذي عليه الحق بأحسن مما وجب عليه فهل يلزم من له الحق القبول؟ المؤلف يرى أنه يلزم القبول وسبق الإشارة إلى هذه بقاعدة عامة وهي أن الصفات لا يشترط قبولها لكن لو فرض أن هذا الرجل الذي أتى بأكثر مما يجب عليه أنه صاحب مَن (أي أنه يمن على الناس) وخشي صاحب الحق أن يجعل من ذلك مِنَّةً عليه يقطع بها رقبته كلما حل الذكر فهنا نقول لا يجبر على القبول لما عليه من الضرر.

القارئ: فإن كان أجود من حقه في الصفة لزم قبوله لأنه زاده خيرا وإن طلب عن الزيادة عوضاً لم يجز لأنها صفة ولا يجوز إفراد الصفات بالبيع.

الشيخ: لو أن المؤلف قال لم يجب لكان أولى أما قوله (لم يجز) نقول ما المانع وأما قوله (لأنها صفة ولا يجوز إفراد الصفات بالبيع) فيقال نعم هي صفة تزيد بها القيمة فإذا جاء بأجود وقال هذا أجود مما اتفقنا عليه ولكني أريد أن تعطيني عوضاً عنه لأن ما اتفقنا عليه الصاع بدرهم واحد وهذا الصاع بدرهم ونصف فأريد أن تعطيني عوضاً عن زيادة الصفة المؤلف يقول لا يجوز والصحيح أنه جائز ما المانع لكن لا يجب المعاوضة فهنا ثلاثة أشياء فهل يجب على المُسْلِم أن يعطي المُسْلَم إليه إذا أتاه بأجود أن يعطيه معاوضة على الزائد؟ الجواب لا يجب وهل يلزمه قبوله؟ على المذهب يلزمه القبول ثم هل يجوز أن يأخذ المسلم إليه عوضاً عن هذه الصفة الجيدة؟ المؤلف يرى أنه لا يجوز والصحيح أنه يجوز لأن الصفة الجيدة لابد أن تزيد بها القيمة وكلام المؤلف ضعيف في هذه المسألة والصواب أن يقال لم يجب قبوله ولكن لو قبل وأعطاه زيادة فلا بأس.

السائل: لم أفهم صورة المسألة؟

ص: 410

الشيخ: أنا مثلاً أعطيتك مائة ريال على مائة صاع بر من الوسط تسلمها لي بعد سنة فلما حل الأجل أعطيتني بر من الجيد فأنا أقبل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى خياراً رباعياً لكن لو قلت أنت أنا أعطيتك من الجيد فأريد أن تعطيني الفرق بين الجيد والوسط فعلى كلام المؤلف لا يجوز والصحيح أنه جائز.

القارئ: وإن جاءه بأردأ من حقه لم يجب قبوله وجاز أخذه وإن أعطاه عوضاً عن الجودة الفائتة لم يجز لذلك ولأنه بيع جزء من السلم قبل قبضه.

الشيخ: هذه المسالة فيها نظر وقوله (إذا جاءه بأردأ من حقه لم يجب قبوله) هذه واضحة يعني كأن الشرط أنه بر من أجود أنواع البر فجاءه ببر رديء فلا يجب عليه أن يقبل لأن العقد خالي ما اتفق عليه الطرفان لكن إذا قال خذ هذا الرديء وأعطيك الفرق بين الجيد والرديء فعلى كلام المؤلف لا يجوز وهذه عكس المسألة التي قبلها والصحيح أنه يجوز فإذا قال ما عندي إلا هذا وأنا لا أشك إن هذا أقل مما اتفقنا عليه لكن خذه وأعطيك الفرق فالمؤلف يرى أنه لا يجوز والصواب أنه جائز لأنه ليس فيه ظلم ولا غرر ولا ربا.

القارئ: وإن أعطاه غير المسلم فيه لم يجز أخذه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود ولأنه بيع للسلم قبل قبضه فلم يجز كما لو أخذه عنه ثمناً وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى فيمن أسلم في بر فرضي مكانه شعيراً مثل كيله جاز ولعل هذا بناءً على رواية كون البر والشعير جنسا والصحيح غيرها.

ص: 411

الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز أن يصرف السلم إلى غيره وأنه إذا أعطاه غير المسلم فيه واتفقا على ذلك فلا بأس لكن إذا كان يجري بينه وبين المسلم فيه الربا وجب القبض قبل التفرق مثال ذلك رجل أسلم في مائة صاع بر وعند حلول الأجل قال المسلم إليه أنا ليس عندي بر لكن أعطيك بدله تمراً واتفقا على ذلك فعلى ما مشى عليه الأصحاب العقد باطل ولا يجوز وهو الذي قاله المؤلف وعلى القول الراجح العقد صحيح لكن يجب أن يقبض التمر في مجلس العقد لماذا؟ لأن التمر والبر يجري بينهما ربا النسيئة فلو اتفقا على العقد ثم لم يقبض التمر إلا بعد مجلس العقد صار ذلك باطلاً ودليل هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله ابن عمر قال (كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير ونأخذها بالدراهم ونبيعها بالدنانير فقال صلى الله عليه وسلم لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيئا) وهذا بيع دين بدين لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط فنقول دين السلم كغيره فيجوز أن يأخذ عن البر تمراً لكن بشرط التقابض قبل التفرق وألا يكسب يعني ألا يأخذ تمراً عوضه أكثر

ص: 412

من البر لأنه إذا أخذ تمراً عوضه أكثر من البر فقد كسب فيما لم يدخل في ضمانه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، فإن قال قائل بماذا تجيبون عن حديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)؟ قلنا الحديث إن صح فعلى العين والرأس وإن لم يصح فلا حجة فيه لكن إذا صح فإن معنى قوله (فلا يصرفه إلى غيره) أي في سلم غيره والسياق واضح (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) أي إلى سلم غيره لأن هذا لا يمكن أن يصرفه إلا بزيادة وإذا صرفه بزيادة صار هذا فعل الجاهلية إما أن توفي وإما أن تربي مثال ذلك أسلم مائة ريال بمائة صاع وحل الأجل فالواجب على المسلم إليه الآن مائة صاع قال عندك مائة صاع سنصرفه إلى سلم آخر فاجعل المائة ريال التي أعطيتك في مائة صاع رز فهذا لا يجوز لأنه لا يمكن أن يعمل بهذه المعاملة إلا بزيادة لأنه سوف يتأخر التسليم وهو سيأخذ عن هذا التأخير زيادة فيكون هنا أولاً أنه ربح فيما لم يدخل في ضمانه وثانياً أنه يشبه ربا الجاهلية الذي يقولون فيه إما أن تقضي وإما أن تربي والخلاصة أنه إذا صح الحديث فالجواب عنه أي فلا يصرفه إلي سلم آخر لأنه في هذه الحال لابد أن يزيد فيكون داخلاً في الربا من وجه ورابحاً فيما لم يدخل في ضمانه من وجه آخر وكلاهما منهي عنه وأما إذا صرفه في الحاضر قال بدل التمر أعطيك بر أو بدل البر أعطيك تمراً فما المانع وليعلم أن الأصل في البيوع الحل إلا ما قام الدليل على منعه لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فأي صورة من البيع يقول لك فيها إنسان ما إنها حرام فإنك تقول له أين الدليل لكن أي صورة تقول إنها حلال فليس عليك دليل يعني لا تطالب بالدليل لأن الأصل الحل والقاعدة أن كل ما كان الأصل فيه شيئاً معيناً فما خرج عن الأصل فعلى من أخرجه الدليل.

ص: 413

القارئ: وإن أعطاه غير نوع السلم جاز قبوله ولا يلزم وقال القاضي يلزم قبوله إذا لم يكن أدنى من النوع الذي شرطه لأنه من جنسه فأشبه الزائد في الصفة من نوع واحد والأول أصح لأنه لم يأتِ بالمشروط فلم يلزم قبوله كالأدنى بخلاف الزائد في الصفة فإنه أحضر المشروط مع الزيادة ولأن أحد النوعين يصلح لما لا يصلح له الآخر بخلاف الصفة.

الشيخ: إذا أتاه بشيء من نوعه لكن الجنس واحد التمر أنواع فإذا أسلم إليه في تمر سكري لكنه أحضر له تمر شقر فالنوع الآن اختلف فإن كان تمر الشقر أردأ فلا شك أنه لا يلزم المُسْلِم أن يقبله لأنه دون حقه وإن كان مثله أو أحسن فإن القول الراجح كما رجحه المؤلف أنه لا يلزمه القبول لأنه اختلف النوع حتى وإن كان هذا النوع أغلى من النوع الذي شُرط لأنه قد يصلح هذا النوع من التمر لشيء والنوع الآخر لا يصلح فالتمور الآن منها مالا يصلح أن تكنزه يعني تجبنها ومنها ما يصلح فتختلف والمهم أنه إذا جاءه بنوع غير ما شرط فإنه لا يلزمه القبول وإن قبله فلا بأس.

فصل

القارئ: فإن أحضره قبل محله أو في غير مكان الوفاء فاتفقا على أخذه جاز وإن أعطاه عوضاً عن ذلك أو نقصه من السلم لم يجز لأنه بيع الأجل والحمل وإن عرضه عليه فأبى أخذه لغرض صحيح مثل أن تلزمه مؤنة لحفظه أو حمله أو عليه مشقة أو يخاف تلفه أو أخذه منه لم يلزم أخذه وإن أباه لغير غرض صحيح لزمه لأنه زاده خيراً فإن أمتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذه لما روي أن أنساً كاتب عبداً له على مال فجاءه به قبل الأجل فأبى أن يأخذه فأتى عمر رضي الله عنه فأخذه منه وقال أذهب فقد عتقت ولأنه زاده خيراً.

الشيخ: خلاصة ذلك أن المدين إذا أتى بالدين قبل حلوله فهل يلزم الدائن أن يقبله؟ الجواب يلزمه إلا أن يكون في ذلك ضرراً عليه.

فصل

ص: 414

القارئ: وإذا قبضه بما قدره به من كيل أو غيره برئ صاحبه وإن قبضه جزافا قدره فأخذ قدر حقه ورد الفضل أو طالب بتمام حقه إن كان ناقصا وهل له التصرف في قدر حقه قبل تقديره على وجهين أحدهما له ذلك لأنه قَدْرُ حقه وقد أخذه ودخل في ضمانه والثاني ليس له ذلك لأنه لم يقبضه القبض المعتبر.

الشيخ: والظاهر الأول فالظاهر أن له أن يتصرف في مقدار حقه فإذا أتى إليه بكيس وقال خذ حقك منه وأردد الباقي فله أن يتصرف بقدر حقه ويعتبر تصرفه قبضاً فمثلاً هو يطلبه عشرون صاعاً وهذا الكيس يبلغ ثلاثين صاعاً فله أن يبيع منه عشرة أصواع أو خمسة عشر صاعاً لأنه على قدر حقه.

القارئ: وإن اختلفا في القبض فالقول قول المسلم لأنه منكر وإن اختلفا في حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر.

فصل

القارئ: وإن تعذر تسليم السلم عند المحل فللمسلم الخيار بين أن يصبر إلى أن يوجد وبين فسخ العقد والرجوع برأس ماله إن كان موجودا أو مثله إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن

مثليا وقيل ينفسخ العقد بالتعذر لأن السلم في ثمرة هذه العام وقد هلكت فأنفسخ العقد كما لو أشترى قفيزاً من صبرة فهلكت والأول أصح.

الشيخ: قوله (الأول أصح) ما هو الأول؟ الجواب أي أنه يخير المسلم بين الفسخ أو الصبر لأنه حقه فإن شاء فسخ وإن شاء صبر فإذا كان الأنفع له أن يفسخ فسخ وأخذ الثمن وإن كان الأنفع له أن يصبر صبر

ص: 415

القارئ: لأن السلم في الذمة لا في عين وإنما لزمه الدفع من ثمرة هذا العام لتمكنه من دفع الواجب منها فإن تعذر البعض فله الخيرة بين الصبر بالباقي وبين الفسخ في الجميع وله أخذ الموجود والفسخ في الباقي في أصح الوجهين لأنه فسخ في بعض المعقود عليه أشبه البيع وفي الآخر لا يجوز لأن السلم يقل فيه الثمن لأجل التأجيل فإذا فسخ في البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي فسخ فيه فلم يجز كما لو شرطه في ابتداء العقد وتجوز الإقالة في السلم كله إجماعا وتجوز في بعضه لأن الإقالة معروف جاز في الكل فجاز في البعض كالإبراء وعنه لا يجوز لما ذكرنا في الفسخ والأول أصح لأن باقي الثمن يستحق به باقي العوض فإذا فسخ العقد رجع بالثمن أو ببدله إن كان معدوما وليس له صرفه في عقد آخر قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) وقال القاضي يجوز أخذ العوض عنه لأنه عوض مستقر في الذمة فأشبه القرض فعلى هذا يصير حكمه حكم القرض على ما سيأتي.

الشيخ: سبق الكلام على هذا الحديث وأنه يجوز أن يأخذ عوض السلم ما شاء إلا أنه إذا كان يجري بينهما ربا النسيئة وجب القبض قبل التفرق.

السائل: لو أسلم في بر وأعطاه شعيراً؟

الشيخ: لا يجوز لأن الشعير والبر صنفان.

فصل

القارئ: ولا يجوز بيع السلم قبل قبضه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وعن بيع ما لم يضمن) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه لا يحل.

الشيخ: الصواب جواز بيعه لكن على نفس المسلم إليه أما على غيره فإنه لا يجوز لأنه قد يتعذر القبض فإذا أسلمت مائة ريال بمائة صاع بر في ذمة رجل ثم جاء الرجل وقال إنني لم أحصل البر فبعه عليَّ أشتريه منك فالصواب أن هذا جائز لأنه ليس فيه غرر ولا ربا ولا ربح فيما لم يضمن وأما إذا باعه على غيره فهذا لا يجوز لأنه قد يتعذر الاستيفاء.

السائل: لو باعه على المسلم إليه فهل يشترط عدم الربح؟

ص: 416

الشيخ: نعم يشترط ألا يربح وأن يقبضه في مجلس العقد إذا كان يجري بينهما النساء.

القارئ: ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه ولا تجوز التولية فيه ولا الشركة لما ذكرنا في الطعام ولا الحوالة به لأنها إنما تجوز بدين مستقر والسلم بعوض الفسخ.

الشيخ: الصواب جواز الحوالة به والحوالة به أن يكون للمسلم إليه دين في ذمة شخص فيقول المُسْلَم إليه للمُسلِم أحلتك بما في ذمتي لك على فلان فلا مانع في ذلك وأما قوله أنه دين غير مستقر فيقال جميع الديون غير مستقرة فمن يضمن أن فلان الذي عليه الدين يوفني على كل حال؟

القارئ: ولا تجوز الحوالة على من عليه سلم لأنها معاوضة بالسلم قبل قبضه.

الشيخ: الصحيح جواز الحوالة عليه وليست بيعاً حتى الناس لا يسمون الحوالة بيع فإذا كان لإنسان على شخص مسلم إليه مائة صاع وآخر يطلب المُسلِم مائة صاع فقال أحلتك بالمائة صاع على ما في ذمة المسلم إليه فلا مانع في ذلك إذا قبل.

القارئ: ولا يجوز بيع السلم من بائعه قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) ولأنه بيع للمسلم فيه فلم يجز كبيعه من غيره.

الشيخ: سبق لنا أن الصحيح جواز بيعه ممن هو عليه لكن بشرط ألا يربح وشرط آخر هو التقابض قبل التفرق إذا باعه في شيء يجري بينهما ربا النسيئة وذكرنا قاعدة وهي أن الأصل في البيوع الحل فأي إنسان يقول هذا حرام نقول هات الدليل وذكرنا أيضاً سابقاً أن الأصول التي ينبني عليها النهي في البيوع ثلاثة وهي الغرر والظلم والربا والربا من الظلم لكن قد يأتي أحياناً ربا بلا ظلم.

فصل

القارئ: وإذا قبضه فوجده معيبا فله رده وطلب حقه لأن العقد يقتضي السلامة وقد أخذ المعيب عما في الذمة فإذا رده رجع إلى ما في الذمة وإن حدث به عيب عنده فهو كما لو حدث العيب في المبيع بعد قبضه على ما مضى.

ص: 417