الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: هذا لا بأس به والفرق بينهما أن السلع مع النقود ليس بينها ربا نسيئة وليست مصارفة فإذا قال المشتري هذه مائة ريال وهو اشترى بخمسين فإن الخمسين تبقى وديعة لأن هذه الخمسين ليس لها عوض بالنسبة لصاحب الدكان.
السائل: في حال أراد المصارفة ولم يجد غير هذا الدكان وصاحب الدكان ليس عنده ما يكفي للصرف مثلاً عنده مائة ويريد صرفها وهو محتاج لخمسين فما العمل؟
الشيخ: يقول لصاحب الدكان خذ هذه المائة واجعلها رهناً عندك وأقرضني خمسين ريالاً.
باب الرهن
القارئ: وهو المال يجعل وثيقة بالدين ليستوفى منه إن تعذر وفاؤه من المدين ويجوز في السفر لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحضر لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه متفق عليه ولأنه وثيقة جازت في السفر فتجوز في الحضر كالضمان والشهادة.
الشيخ: التوثيقات أنواع منها أن يتوثق الإنسان بالكتابة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) هذه التوثقة لابد أن يكون الكاتب معروف الخط وإلا لضاعت فائدته ثانياً التوثقة بالشهادة لقوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) والثالث الإيستيثاق بالرهن لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) والرابع الإستيثاق بالضمان لقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ويدخل في الضمان الكفالة لكن الفرق بينهما أن الكفيل يلتزم بإحضار بدن المكفول لا بالدين الذي عليه والضمان يلتزم بالدين الذي عليه سواء أحضره أم لم يحضره فهذه التوثيقات كلها حماية لحقوق الناس والرهن هو أن الغريم الذي عليه الدين يعطي صاحبه ما يستوثق به وقد يكون أكثر وقد يكون أقل وقد يكون مساوي يعني الرهن قد يكون أقل من الدين وقد يكون أكثر وقد يكون مساوياً وقد يكون حين الرهن أقل من الدين وعند الوفاء أكثر من الدين كما لو رهنه أرضاً على دين مقداره ألف وكانت الأرض عند الرهن لها تساوي خمسمائة وعند الوفاء تساوي ألفين فهي عند عقد الرهن أقل من الدين وعند الوفاء أكثر وقد يكون بالعكس والمهم أنه لابد أن يكون هناك توثقة سواء كان الرهن أكثر من الدين أو أقل أو مساوي ويجوز في الحضر والسفر كما قاله المؤلف رحمه الله وأما قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) فهذا بيان لحال لابد منه وهو أنه إذا كان تعامل رجلان في سفر وليس عندهما كاتب وخاف صاحب الحق أن يضيع حقه فهنا يكون الرهن لأن هذه حاجة واضحة ولذلك أشترط الله عز وجل أن يكون مقبوضاً فقال
(فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي غير السفر لا بأس ألا يقبض كما سيأتي إن شاء الله تعالى أنه القول الراجح وأما الدليل على جواز الرهن في الحضر؟ فما ذكرته عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم أشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه) وفي هذا الحديث جواز معاملة اليهود بالبيع والشراء وفيه أيضاً جواز رهنهم لآلات الحرب لأن الدرع من آلات الحرب لكن عند الأمن من مكرهم أما إذا خيف مكرهم يعني يستعملوا هذا الرهن الذي كان من آلات الحرب في حرب المسلمين فهؤلاء لا يجوز أن يرهنوا.
فصل
القارئ: ويجوز الرهن بعوض القرض للآية وبثمن المبيع للخبر وكل دين يمكن استيفاؤه منه كالأجرة والمهر وعوض الخلع ومال الصلح وأرش الجناية والعيب وبدل المتلف قياساً على الثمن وعوض القرض.
وفي دين السلم روايتان إحداهما يصح الرهن به للآية والمعنى والأخرى لا يجوز لأنه لا يأمن هلاك الرهن بعدوان فيصير مستوفياً حقه من غير المسلم فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيئاً فلا يصرفه إلى غيره).
الشيخ: الصحيح بلا شك أنه يجوز الرهن بدين السلم وأما كونه إذا هلك أستوفي من الرهن فلا بأس ولا مانع من ذلك وحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) سبق أنه ضعيف وأنه إن صح فالمعنى لا يصرفه إلى سلم آخر فالمعنى (إلى غيره) أي من أنواع السلم.
فصل
القارئ: ولا يجوز الرهن بمال الكتابة لأنه غير لازم فإن للعبد تعجيز نفسه ولا يمكن استيفاؤه من الرهن لأنه لو عجز صار هو والرهن لسيده.
الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله في الكتابة واضح لكن ما هي الكتابة؟ الكتابة أن يشتري العبد نفسه من سيده بمال مؤجل وهي جائزة بل واجبة إذا طلبها العبد وعلمنا أن فيه خيراً كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) فيأتي العبد ويقول لسيده أنا أريد أن أشتري نفسي منك فيجيبه السيد فلا بأس بل هو مأمور بذلك إن علم فيه خيراً والخير قال العلماء الصلاح في الدين والقدرة على الكسب فإذا حصلت الكتابة وقال السيد للعبد أعطني رهناً يقول المؤلف لا يصح لأننا إذا فرضنا أن العبد عجز فإنه يرجع الرهن والعبد للسيد فلا فائدة وهذا واضح لكن يشكل عليه من أين للعبد المال حتى يرهنه؟ لأن المال الذي في يده لسيده فيقال ربما يتبرع أحداً من الناس ويعطيه ما يرهنه للسيد فإذا كانت الصورة هذه فالصحيح جواز الرهن لأننا إذا قدرنا أن العبد عجز للسيد أن يستوفيه من الرهن الذي تبرع به الرجل الآخر وإذا استوفاه عتق العبد ولا يملك تعجيز نفسه في هذه الحال فلهذا تصوير هذه المسألة فيه صعوبة وذلك لأننا نقول إن كان الرهن من العبد فهذا غير ممكن لأنه لا يملك وإن كان من غيره فما المانع فإذا قالوا أنه يمكن أن العبد يعجز نفسه ويقول عجزت فلا يثبت العتق؟ نقول إذا قال عجزت وكان الرهن من غيره فإن السيد يستوفي من هذا الرهن ويعتق العبد.
السائل: لو استوفى السيد المال من الرهن الذي تبرع به رجلٌ آخر للعبد فلمن يكون الولاء؟
الشيخ: يكون الولاء للسيد لأنه هو الذي أعتقه والرهن إنما جعل للاستيفاء فقط إلا إذا باعه عليه فهذا شيء آخر.
القارئ: ولا يجوز بما يحمل العاقلة من الدية قبل الحول لأنه لم يجب ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب فإنه يحتمل حدوث ما يمنع وجوبه ويجوز الرهن به بعد الحول لأنه دين مستقر.
الشيخ: العاقلة هي العصبة أو ذكور العصبة الذين يحملون الدية فيما إذا قتل الإنسان خطاءاً يعني لو إنسان دهس رجلاً فإن الدية تكون على عاقلته فإذا قال أولياء الميت المقتول نحن نريد أن تعطونا رهناً فإنه لا يلزمهم ولا يصح الرهن لأنه ربما في أثناء السنة يفتقر أحدهم أو يموت أما بعد تمام الحول واستقرار الدية على العاقلة فإنه يجوز الرهن لأن العاقلة تؤجل عليهم الدية ثلاث سنوات فمثلاً إذا مضى سنة ثبتت الدية فإذا جاء أولياء المقتول وطالبوا بها وقالوا أعطونا إياها قالوا ليس عندنا الآن شيء لكن نعطيكم رهناً يجوز أو لا؟ يجوز لأن الدية الآن ثبتت واستقرت فأما إذا كان قبل السنة فلا يجوز لأنهم يقولون لا يلزمنا أن نسلم قبل السنة لأنه ربما يوجد مانع يمنع من وجوب الدية علينا.
القارئ: ولا يجوز بالجعل في الجعالة قبل العمل لعدم الوجوب ويجوز بعده وقال القاضي يحتمل جواز الرهن به قبل العمل لأن مآله إلى الوجوب.
الشيخ: قول القاضي أصح لأنه إن وجب الجعل فالرهن يُؤَمِّن وإن لم يجب فإنه يعاد الرهن لصاحبه.
القارئ: ولا يصح الرهن بما ليس بثابت في الذمة كالثمن المتعين والأجرة المتعينة والمنافع المعينة نحو أن يقول أجرتك داري هذه شهرا لأن العين لا يمكن استيفاؤها من الرهن ويبطل العقد بتلفها.
الشيخ: قوله (لا يصح الرهن بما ليس بثابت في الذمة كالثمن المتعين) الثمن المتعين مثل أن يقول اشتريت منك مائة صاع بهذه السيارة فهنا لا حاجة لأن السيارة الآن أصبحت ملكاً للبائع فلا حاجة إلى الرهن كذلك (الأجرة المتعينة) بأن قال استأجرت منك هذه الدار بهذه الدراهم لكنها ما تثبت إلا بعد استيفاء المنفعة فلا يصح أن نجعل فيها رهناً لأنها هي عينها ثابتة للمؤجر.
السائل: نريد توضيحاً للمسألة الأولى؟
الشيخ: توضيحاً للمسألة الأولى نقول إذا اشترى منه شيئاً بثمن مؤجل وهذا الثمن المؤجل هو هذه السيارة التي عينها لكن لا يسلمها إلا بعد سنة لأنها ثمن مؤجل نقول لا حاجة للرهن هنا لأن نفس الثمن معين وسيبقى للبائع ملكاً له لكن لا يجب تسلميه على المشتري إلا إذا تمت المدة.
القارئ: وقياس هذا أنه لا يصح الرهن بالأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم لتعذر استيفاء العين من الرهن.
الشيخ: الصواب جواز الرهن بالأعيان المضمونة كالمغصوب فلو أن رجلاً أقر بالغصب وقال إنه قد غصب السيارة الفلانية فقال صاحبها أدني إياها قال الآن هي ليست حاضرة لكن آتي بها بعد أسبوع مثلاً فقال صاحب السيارة لا أطلقك حتى ترهنني شيئاً فهنا لا مانع في الواقع من ذلك لأن الأصل الضمان وكذلك العارية فالعارية سبق أنها على المذهب من الأعيان المضمونة بكل حال فإذا جاء إنسان وقال أعرني كذا وكذا فقال لا أعيرك إلا إذا رهنتني فالمؤلف يقول لا يصح الرهن والصواب أنه يصح وكذلك يقول المؤلف في المقبوض على وجه السوم أنه لا يصح الرهن فيه والصواب أنه يصح فعلى هذا يكون الرهن صحيح سواء وثق لدين أو وثق لعين وهذا هو الأرجح أن الأعيان المضمونة لا بأس أن يكون فيها رهن وكذلك الديون في الذمم لا بأس أن يكون فيها رهن.
القارئ: وإن جعله بقيمتها كان رهناً بما لم يجب ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب وقال القاضي قياس المذهب صحة الرهن بها لصحة الكفالة بها.
الشيخ: ما قاله القاضي وهو الصحيح كل شيء تصح به الكفالة يصح به الرهن لأن المقصود بالرهن هو التوثقة.
فصل
القارئ: ويصح الرهن بالحق بعد ثوبته لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) إلى قوله (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ومع ثبوته وهو أن يشترط الرهن في عقد البيع أوالقرض لأن الحاجة داعية إليه فإنه لو لم يشترطه يلزم الغريم الرهن وإن رهن قبل الحق لم يصح في ظاهر المذهب اختاره أبو بكر والقاضي لأنه تابع للدين فلا يجوز قبله كالشهادة واختار أبو الخطاب صحته فإذا دفع إليه رهناً على عشرة دراهم يقرضها إياه ثم أقرضه لزم الرهن لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبله كالضمان.
الشيخ: قول أبو الخطاب هو الصواب وعلى هذا فيجوز الرهن قبل ثبوت الحق وبعده ومعه لكن إذا كان بعده فإنه لا يلزم المدين يعني لو قال الدائن بعد أن ثبت الدين في ذمة المدين لو قال أعطني رهناً وكان الدين مؤجلاً فقال المدين لا أعطيك فله الحق لكن لو اتفقا على الرهن فلا بأس.
فصل
القارئ: ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن.
الشيخ: الراهن هو الذي أعطى الرهن وهو المدين والمرتهن هو الذي أخذ الرهن وهو الدائن والرهن لا يلزم في حق المرتهن لأن الحق له فإذا شاء بعد أن يرهن الشيء قال للراهن خذ رهنك أنا لا أريد الرهن ذمتك تكفيني.
القارئ: لأن العقد لحظه وحده فكان له فسخه كالمضمون له ويلزم من جهة الراهن لأن الحظ لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن ولأنه وثيقة فأشبه الضمان
الشيخ: صحيح هذا فيكون هذا العقد لازم من طرف جائز من طرف آخر.
القارئ: ولا يلزم إلا بالقبض لقول الله تعالى (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ولأنه عقد إرفاق فأفتقر إلى القبض كالقرض وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياساً على البيع والأول المذهب لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض.
الشيخ: الصواب أنه يلزم بمجرد العقد إذا كان المرهون معيناً بأن قال رهنتك بيتي أو سيارتي أو ما أشبه ذلك فإنه يلزم وإن كان الراهن ساكناً للبيت أو مستعملاً للسيارة وهذا الذي عليه العمل من قديم الزمان وأما الآية الكريمة فإن الآية في قضية معينة خاصة (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) بل إن الآية تدل على أنه لا يشترط القبض في الرهن لكن في هذه الحال المعاملة في سفر وليس هناك كاتب فمتى تكون التوثقة؟ هل بمجرد الرهن أو لابد من القبض؟ لابد من القبض لأننا لو قلنا بأن الرهن يفيد بلا قبض لقلنا لا نحتاج إلى رهن لأن المدين مادمنا واثقين منه فإننا لا نحتاج إلى رهن فالآية ليس فيها دليل لأن الآية في قضية معينة فهي فيمن تداين في سفر فطلب صاحب الدين رهناً فقال المدين أرهنك سيارتي ولكن السيارة معه لا يستفيد لأنه لو كان يريد أن يثق به في رهن لم يقبض لو وثق به من الأول ولا يحتاج إلى رهن فلا تتم التوثقة في هذه الصورة إلا إلا بقبض الرهن والله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى شيء نتوثق به ولا يمكن أن نتوثق في هذه الصورة إلا بالقبض فالصواب أن القبض ليس شرطاً للزوم ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا عقد الرهن عليه فيجيب عليه الوفاء به ولا فرق بين أن يكون مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما وأما مسألة القرض فالقرض إذا لم يقبض فهو عِدة إذا قال أنا أقرضتك مثلاً مائة ريال ولم يسلمه إياها فهذه عِدة والعِدة على المذهب لا يلزمه الوفاء بها كما لو أراد أن يتصدق بدراهم جعلها في يده ليتصدق بها على فقير ثم لما رأى الفقير لم يتصدق فهل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز لأن الفقير لم يقبض المال والفرق بين القرض وبين الرهن واضح جداً الرهن المقصود به التوثقة وهي حاصلة سواء قبض أم لم يقبض لكن لا نشك أن من كمال التوثقة أن يقبضه وهذا لا إشكال فيه
لكن إذا
كان لم يقبضه وكان الرهن واضحاً مثل أن رهن الإنسان بيته وهو ساكن فيه فالمذهب لا يلزم الرهن ويجوز لصاحب البيت أن يبيع البيت وأن يتصرف فيه بما شاء لكن لو قلنا بهذا القول لفسدت معاملة الناس لأن أكثر الناس الآن يرهنون بيوتهم وسياراتهم وهم ساكنون في البيت ومستعملون للسيارة فلو قلنا إن هذا الرهن لا يلزم لتلاعب الناس قال أرهنك بيتي بمائة ثم إذا فارق المجلس باع البيت هذا غير صحيح والمهم أن الصواب أنه لازم بالعقد والجواب عن الآية أن الله سبحانه وتعالى ذكر أعلى التوثقة في سورة معينة والدليل على لزومه بالعقد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
القارئ: وإذا كان الرهن في يد الراهن لم يجز قبضه إلا بإذنه لأنه له قبل القبض فلا يملك المرتهن إسقاط حقه بغير إذنه كالموهوب.
الشيخ: المذهب أنه إذا كان الرهن بيد الراهن والراهن هو المطلوب فإنه إذا قال المرتهن للراهن أعطني الرهن لأني لا أثق بك ولا آمنك فرفض الراهن يقول المؤلف (لم يجز قبضه إلا بإذنه) وهذه مشكلة لأنه إذا قال لا أعطيك إياه فإنه يحتاج أن يرفع الأمر للقاضي فتحدث خصومة ونزاع فإذا قلنا باللزوم بدون قبض استراح الجميع حتى نفس الراهن يصبح لا يهمه أن يكون الرهن بيده أو بيد هذا المرتهن إذا كان لا ينتفع بالرهن كما لو رهن الرجل ساعة أو رهنت المرأة حليها وما أشبه ذلك.
القارئ: وإن كان في يد المرتهن فظاهر كلامه لزومه بمجرد العقد لأن يده ثابتة عليه وإنما يعتبر الحكم فقط فلم يحتج إلى قبض كما لو منع الوديعة صارت مضمونة وقال القاضي وأصحابه لا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها.
الشيخ: قوله (فظاهر كلامه) يعني كلام الإمام أحمد وعلى كل حال على ما قلنا فالصواب أنه يلزم بمجرد العقد ولا يحتاج أن نقول تمضي مدة يمكن أن يقبضه فيها أو لا.
القارئ: ولو كان غائباً لا يصير مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله.
الشيخ: إذا كان غائباً فإنه لا يكون مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله وهذه واضحة.
القارئ: وقال القاضي وأصحابه لا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها ولو كان غائباً لا يصير مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها لأن العقد يفتقر إلى القبض ولا يحصل القبض إلا بفعله أو إمكانه ثم هل يفتقر إلى إذن الراهن في القبض على وجهين أحدهما لا يفتقر إليه لأن إقراره عليه كإذنه فيه والثاني يفتقر لأنه قبض يلزم به عقد غير لازم فافتقر إلى الإذن كما لو لم يكن في يده.
السائل: إذا اشترط القبض في السفر فهناك إشكال فمثلاً زيد وعمرو سافرا إلى مكان معين وأقترض زيد من عمرو مبلغ على أن يرهنه سيارته فإذا اشترطنا القبض وأخذ عمرو السيارة فإنه انتفع بها والقاعدة أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا؟ فما الجواب على هذا الإشكال؟
الشيخ: لا هو لن ينتفع بها وعلى المذهب تبقى السيارة معطلة وإذا استعملها فإنه يكتب عليه أجرتها وتكون الأجرة تابعة للرهن.
السائل: قلنا بأن الرهن لا يحتاج إلى قبض وإنما يكفي فيه مجرد العقد الآن أحسن الله إليك صندوق التنمية العقاري ما يحصل فيه قبض ما يحصل فيه قبض ومع هذا تضيع الحقوق الناس ما يسددون الناس لا يسددون فتضيع الحقوق؟
الشيخ: لو اشترطنا القبض للزم من ذلك أن البنك العقاري يقبض جميع هذا البيوت التي دفعها.
مسألة: إذا أذن صاحب الحق في بيع الرهن سواء كان الرهن بيت أو سيارة أو أي شيء فإن أشترط أن تكون قيمته رهناً بدله صارت رهناً فتؤخذ القيمة وتوضع مثلاً في بنك أو غيره وتبقى تحت تصرف المرتهن وإن لم يشترط ذلك فإن أذنه في البيع فسخ للرهن.
فصل
القارئ: وإذا أذن في القبض ثم رجع عنه قبل القبض أو قبل مضي مدة يتأتى القبض فيها لما في يده فهو كمن لم يأذن لأن الإذن قد زال.
الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله ولكن سبق لنا أن القبض ليس بشرط وإذا لم يكن شرطاً صار فرضه على المسألة لا حاجة إليه لكن على القول بأنه شرط نقول هل يجوز أن يمتنع من الأذن بعد أن أذن أو لا؟ الجواب لا يجوز لأنه لما أذن صار كالعقد المشروط فيه القبض فلا يجوز له أن يرجع.
القارئ: وإن أذن فيه ثم جن أو أغمى عليه زال الإذن لخروجه عن كونه من أهله ويقوم ولي المجنون مقامه إن رأى الحظ في القبض أذن فيه وإلا فلا.
الشيخ: وفي الإغماء إذا زال الإغماء فإنه يأذن من جديد.
القارئ: وإن تصرف الراهن في الرهن قبل قبضه بعتق أو هبة أو بيع أو جعله مهراً بطل الرهن لأن هذه التصرفات تمنع الرهن فأنفسخ بها وإن رهنه بطل الأول لأن المقصود منه ينافي الأول.
الشيخ: يخشى أن هذا المتحيل إذا رهنه وأذن في القبض ثم رجع فيه ثم رهنه آخر فالرهن الأول يبطل فيُخشى أيضاً أن الرهن الثاني يبطل ثم يحصل بذلك تلاعب بالناس فهذا القول الذي بنى عليه المؤلف قول ضعيف والصواب أنه إذا أذن في القبض فليس له أن يرجع.
القارئ: وإن دَبَّرَهُ أو أجره أو زوَّج الأمة لم يبطل الرهن لأن هذه التصرفات لا تمنع البيع فلا تمنع صحة الرهن وإن كاتب العبد وقلنا يصح رهن المكاتب لم يبطل بكتابته لأنه لا ينافيها وإن قلنا لا يصح رهنه بطل بها لتنافيهما.
فصل
القارئ: وإن مات أحد المتراهنين لم يبطل الرهن لأنه عقد لا يبطله الجنون أو مآله إلى اللزوم فلم يبطله الموت كبيع الخيار ويقوم وارث الميت مقامه في الإقباض والقبض فإن لم يكن على الراهن دين سوى دين الرهن فلوارثه إقباضه وإن كان عليه دين سواه فليس له إقباضه لأنه لا يملك تخصيص بعض الغرماء برهن وعنه له إقباضه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف غيره والأول أولى لأن حقوق الغرماء تعلقت بالتركة قبل لزوم حقه فلم يجز تخصيصه به بغير رضاهم.
الشيخ: وعلى القول بأنه لا يشترط القبض يثبت حق المرتهن بالرهن ولو كان هناك غرماء.
القارئ: كما لو أفلس الراهن فإن أذن الغرماء في إقباضه جاز لأن الحق لهم فإذا قبضه لزم سواء مات قبل الإذن في القبض أو بعده.
فصل
القارئ: وإن حجر على الراهن قبل القبض لم يملك إقباضه فإن كان الحجر لسفه قام وليه مقامه كما لو جن وإن كان لفلس لم يجز لأحد إقباضه إلا بإذن الغرماء لأن فيه تخصيص المرتهن بثمنه دونهم.
الشيخ: الفرق بين الحجر لسفه والحجر لفلس أن السفه زوال الرشد مثل أن يختل عقل هذا الرجل فيحجر عليه لسفه والفلس كثرة الديون بحيث تكون الديون أكثر من ماله الموجود فهنا يحجر عليه بطلب الغرماء.
فصل
القارئ: ومتى امتنع الراهن من إقباضه وقلنا إن القبض ليس بشرط في لزومه أجبره الحاكم وإن قلنا هو شرط لم يجبره وبقي الدين بغير رهن وهكذا إن انفسخ الرهن قبل القبض إلا أن يكون مشروطاً في بيع فيكون للبائع الخيار بين فسخ البيع وإمضائه لأنه لم يُسَلَّم له ما شَرَطَ فأشبه ما لو شرط صفة في المبيع فبان بخلافها وإن قبض الرهن فوجده معيبا فله الخيار لأنه لم يُسَلَّم له ما شَرَطَ فإن رضيه معيبا فلا أرش له لأن الرهن إنما لزم فيما قبض دون الجزء الفائت وإن حدث العيب أو تلف الرهن في يد المرتهن فلا خيار له لأن الراهن قد وفى له بما شرطه فإن تعيب عنده ثم أصاب به عيباً قديما فله رده وفسخ البيع لأن العيب الحادث عنده لا يجب ضمانه على المرتهن وخرجه القاضي على الروايتين في البيع وإن علم بالعيب بعد تلفه لم يملك فسخ البيع لأنه قد تعذر عليه رد الرهن لهلاكه.
فصل
القارئ: ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع ديونه لأنه وثيقة به فكان وثيقة بكل جزء منه كالضمان فإن رهن شيئاً من رجلين أو رهن رجلان رجلاً شيئا فبريء أحدهما أو برئ الراهن من دين أحدهما انفك نصف الرهن لأن الصفقة التي في أحد طرفيها عاقدان فلا يقف انفكاك أحدهما على إنفكاك الآخر كما لو فرق بين العقدين وإن أراد الراهن مقاسمة المرتهن في الأولى أو أراد الراهنان القسمة في الثانية ولا ضرر فيها كالحبوب والادهان أجبر الممتنع عليها وإن كان فيها ضرر لم يجبر عليها كغير الرهن ويبقى الرهن مشاعا.
فصل
القارئ: واستدامة القبض كابتدائه في الخلاف في اشتراطه للآية ولأنها إحدى حالتي الرهن فأشبهت الابتداء فإن قلنا باشتراطه فأخرجه المرتهن عن يده باختياره إلى الراهن زال لزومه وبقي كالذي لم يُقْبَض مثل أن أجره إياه أو أودعه أو أعاره أو غيرِ ذلك فإن رده الراهن إليه
عاد اللزوم بحكم العقد السابق لأنه أقبضه باختياره فلزم به كالأول وإن أزيلت يد المرتهن بعدوان كغصب ونحوه فالرهن بحاله لأن يده ثابتة حكما فكأنها لم تزل.
الشيخ: هذه ربما قد يكون فيها خديعة الراهن أقبض المرتهن الرهن ثم جاءه يوم من أيام على سرعة وقال يا فلان أعرني هذا وهو قد رهنه إناءً ثم قام المرتهن فأعطاه إياه إعارةً لأنه ظن أنه حين جاء بهذه العجلة أنه في ضرورة فحينئذ يزول لزوم الرهن ويبقى الرهن بالخيار إن شاء أذن له ورد عليه وإن شاء أبقاه ومثل هذه الحيلة لا يمكن الحياد عنها إلا إذا قلنا بالقول الراجح أنه لا يشترط للزومه القبض.
فصل
القارئ: والرهن أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه لم يضمنه ولم يسقط شيء من دينه لما روى الأثرم عن سعيد بن المسيب قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرهن لا يَغْلَق، والرهن ممن رهنه.
الشيخ: هنا لو قلنا بأنه يسقط الدين لكان أغلق.