المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب التفليس القارئ: ومن لزمه دين مؤجل لم يجز مطالبته به - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌كتاب التفليس القارئ: ومن لزمه دين مؤجل لم يجز مطالبته به

‌كتاب التفليس

القارئ: ومن لزمه دين مؤجل لم يجز مطالبته به لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله ولا يجوز الحجر عليه به لأنه لا يستحق المطالبة به فلم يملك منعه من ماله بسببه فإن أراد سفراً يحل دينه قبل قدومه منه فلغريمه منعه إلا برهن أو ضمين مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله وفي السفر تأخيره وإن لم يكن كذلك ففيه روايتان إحداهما له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه كالأول والثانية ليس له منعه لأنه لا يملك المطالبة به في الحال ولا يعلم أن السفر مانع منها عند الحلول فأشبه السفر القصير وإن كان الدين حالاً والغريم معسراً لم تجز مطالبته لقول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة).

ص: 482

الشيخ: وإن كان ذو عسرة فيها إشكال وهو رفع ذو مع أن المتبادر أن تكون منصوبة والجواب أنها تامة فالمعنى إن كان ذو عسرة أي إن وجد والمعنى أن المدين إذا كان معسراً فَنَظِرَة إلى ميسرة أي فعلى الطالب نَظِرَة أي انظارٌ إلى ميسرة وحذف الخبر هنا من أجل أن يكون الذي يبدر إلى ذهن المخاطب وسمع المخاطب هو الإنظار دون الوجوب لأن كلمة فنظرة وقعها في النفس أعظم من قولنا فعليه نظرة وهذا من بلاغة القرآن وهنا استفدنا أولاً الاختصار وثانياً وقوة وقع الكلام على النفس لو أن فقيراً أتى إلى شخص وقال أريد أن تبيعني شيئاً إلى أجل لأني الآن ليس عندي شيء فقال البائع إلى متى فقال الفقير إلى أن ييسر الله عليَّ فهل هذا الشرط جائز مع أنه مجهول لأنه قال متى يسر الله عليَّ؟ نقول هذا الشرط جائز لا لأنه مجهول أو معلوم لكن لأنه وهو مقتضى العقد إذ أن مقتضى العقد أن الإنسان الفقير إذا بيع عليه فإنه لا يطالب إلا بعد الميسرة فيكون هذا كالتأكيد ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن

رجلاً قدم ببز له من الشام فقالت له عائشة يا رسول الله لو أرسلت إلى فلان قدم له بز من الشام فأرسله إليه وقال له في الأجل إلى ميسرة فأبى الرجل) لم يبيع فدل ذلك على جواز شراء الفقير بأجل إلى ميسرة.

ص: 483

القارئ: ولا يملك حبسه ولا ملازمته لأنه دين لا يملك المطالبة به فلم يملك به ذلك كالمؤجل فإن كان ذا صنعة ففيه روايتان إحداهما يجبر على إجارة نفسه لما روي أن رجلاً دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فداينه الناس ولم يكن وراءه مال فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سرقا وباعه بخمسة أبعرة وروى الدارقطني نحوه وفيه أربعة أبعرة والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه ولأن الإجارة عقد معاوضة فجاز أن يجبر عليه كبيع ماله وإجارة أم ولده والثانية لا يجبر لما روى أبو سعيد أن رجلاً أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تصدقوا عليه) فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) رواه مسلم ولأنه نوع تكسب فلم يجبر عليه كالتجارة.

الشيخ: الرواية الأولى أصح إذا صح الحديث وفيها أيضاً دليل قياس فهذا رجل عليه دين ولكنه قادر على التكسب فهل نجبره أن يتكسب ليقضي دينه؟ الحديث الأول يدل على ذلك لأن الرسول باعه بخمسة أبعرة وهو حر والحر لا يباع فإذا تعذر بيع عينه تعين بيع منافعه وهذا هو الكسب ولأنه قادر على الوفاء بكسبه فلزمه الوفاء به كالقادر على الوفاء بماله ولا فرق وأما الحديث الثاني الذي رواه مسلم فلا يعارضه لأن الجواب عنه سهل فهذه قضية عين يحتمل أن هذا الرجل الذي خسر في بيعاته يحتمل أنه عاجز عن التكسب فلم يجبره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله (لأنه نوع تكسب فلم يجبر عليه كالتجارة) فيقال التجارة لا يلزم بها إذا كان معسراً وهو قادر وإذا قلنا نعم ففرق بينها وبين المنافع التجارة قد يتجر الإنسان ويخسر فيزداد دينه لكن المنافع هو كسبان على كل حال فهو سيعطى أجرة فالقياس هنا فيه نظر والحديث لا يعارض الحديث الأول والقياس مع الحديث الأول هو أن القادر على الوفاء بكسبه كالقادر على الوفاء بماله ولا فرق.

فصل

ص: 484

القارئ: وإن كان موسراً فلغريمه مطالبته وعليه قضاؤه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) متفق عليه فإن أبى فله حبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليُّ الواجد يحل عقوبته وعرضه) من المسند فإن لم يقضه باع الحاكم ماله وقضى دينه لما روي أن عمر رضي الله عنه قال إن أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال سابق الحاج فادَّان معرضاً فمن

كان له عليه مال فليحضر فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه رواه مالك في الموطأ بنحوه فإن غيب ماله حبسه وعزره حتى يظهره.

الشيخ: قوله (فادَّان) يعني تدين وقوله (عزره حتى يظهره) يفيد أنه يكرر التعزير ولو كل يوم حتى يظهره وهذا ليس كالتعزير على فعل محرم لأن التعزير على فعل محرم لا يكرر إذ أنه إذا عزر على فعل محرم انتهى عنه وانتهى الموضوع لكن التعزير على ترك واجب يكرر حتى يقوم بالواجب.

القارئ: ولا يجوز الحجر عليه مع إمكان الوفاء لعدم الحاجة إليه وإن تعذر الوفاء وخيف من تصرفه في ماله حجر عليه إذا طلبه الغرماء لئلا يدخل الضرر عليهم.

ص: 485

الشيخ: المدين ينقسم إلى أقسام الأول ألا يكون عنده شيء يوفي به فهذا يجب انظاره ويحرم طلبه ومطالبته وحبسه وتعزيره دليل ذلك (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة) الثاني أن يكون عنده مال يكافئ الدين أو يزيد عليه فهذا يلزم بالوفاء بدون حجر وللحاكم أن يبيع ما شاء من ماله ويوفي به ودليله قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مطل الغني ظلم) والظلم لا يجوز إقراره إلا إذا رضي المظلوم فالحق له والثالث أن يكون ماله دون دين يعني أن الدين أكثر فهذا يحجر عليه إذا طلب الغرماء ذلك أو بعضهم والحجر هو أن يمنع من التصرف في ماله أي في عين ماله سواء كان المال عيناً قائمة أو في الذمة فلا يجوز أن يبرئ من الدين الذي في ذمة المعسر أو الغني لأن هذا يضر بالغرماء واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الحجر يثبت سواء حكم به الحكم أم لا ولكن الحجر في التبرع خاصة وأن من دينه قدر ماله يحرم عليه أن يتبرع بالمال لا بصدقة ولا بوقف ولا بهدية ولا بهبة وأما التصرف بالبيع والشراء على وجه لا يضر به فهذا جائز أما إذا بلغ الحاكم وحكم بالحجر عليه منع من التصرف بماله مطلقاً فيقبض على يده فلا يتصرف لا بتبرع ولا بغيره.

فصل

ص: 486

القارئ: فإن ادعى الإعسار من لم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن عرف له مال أو كان الحق لزمه في مقابلة مال كثمن مبيع أو قرض لم يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل بقاء المال ويحبس حتى يقيم البينة فإن قال غريمي يعلم إعساري فعلى غريمه اليمين أنه لا يعلم ذلك وإن أقام البينة على تلف المال فعليه اليمين معها أنه معسر لأنه صار بهذه البينة كمن لم يعرف له مال وإن شهدت بإعساره فادعى غريمه أن له مالاً باطناً لم تلزمه يمين لأنه أقام البينة على ما أدعى وتسمع البينة على التلف وإن لم يكن ذا خبرة باطنة لأنه أمر يعرف بالمشاهدة ولا تسمع على الإعسار إلا من أهل الخبرة بحاله لأنه من الأمور الباطنة فإن كان في يده مال

فأقر به لغيره سئل المقر له فإن كذبه بيع في الدين وإن صدقه سلم إليه فإن قال الغريم أحلفوه أنه صادق لم يستحلف لأنه لو رجع عن الإقرار لم يقبل منه وإن طلب يمين المقر له احلفناه لأنه لو رجع قبل رجوعه.

ص: 487

الشيخ: هذه المسألة فيها نظر إذا أقر أنه لفلان

الخ، والصواب التفصيل أنه إذا أقر أنه لفلان وكان هناك شبهة بأن كان فلان من أصدقائه الخاصين وكان هذا المدين لا يبالي أقضى دينه أم لا فهنا لا يكفي الإقرار بل لصاحب الدين أن يُحَلِّفَهُ ويُحَلِّفَ مَنْ أُقِرَّ لَهُ أيضاً لاحتمال أنه كاذب وهذه تقع كثيراً فيمن عندهم النعرة القبلية فتجد الواحد منهم يشهد ويحلف لصاحبه وإن كان يعلم أنه كاذب لأنه من قبيلته ولأنه صديقه وما أشبه ومثل هذه المسائل التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله يذكرونها على سبيل العموم وعلى سبيل الإطلاق لكن تقيد بالقرائن بلا شك لا سيما في المعاملات نعم العبادات يتوقف فيها على ما جاءت به الشريعة لكن في المعاملات يعمل بالقرائن ولهذا عمل شاهد يوسف بالقرينة لما قالت امرأة العزيز حين هرب منها يوسف عليه الصلاة والسلام ووجد سيدها عند الباب (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) اتهمته مع أنها هي التي تدعوه إلى نفسها ثم الحاكم حكم وقال إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فهي صادقة وهو كاذب وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فهو صادق وهي كاذبة والقرينة هنا هي شق الثوب إذا كان من الأمام فمعناه أنه هو الذي طلبها وشقت ثوبه للفرار منه وإذا كان من الخلف فمعناه أنه هو الذي هرب وليس منه طلب بل هي التي لحقته وجرت القميص حتى تمزق فهذا عمل بالقرائن ومن العمل بالقرائن قصة داود وسليمان وهي قصة غريبة خرجت امرأتان بابنين لهما فأكل الذئب ابن الكبيرة فادعت الكبيرة أن ابن الصغيرة ابنها والصغيرة تنفي ذلك وتقول هو ابني ثم تحاكمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام فأخذ بدعوى الكبيرة اجتهاداً منه وقال هذه الصغيرة الشابة يأتيها الولد في المستقبل وهذه عجوز كبيرة تحتاج إلى ولد فحكم به للكبيرة ثم خرجت المرأتان ومرتا بسليمان ولعلهما مازالتا في نزاع فأخبرتا سليمان بما

ص: 488

حكم به داود فقال لا أنا أشق الولد نصفين ودعا بالسكين نصف تأخذه الكبيرة ونصف تأخذه الصغيرة فرحبت الكبيرة بهذا الحكم ووافقت أما الصغيرة فقالت يا نبي الله هو لها مالي فيه دعوى فحكم به لصغيرة كيف عرف أنه للصغيرة؟ لأنها أشفقت عليه وقالت ولدي يبقى حياً وإن لم يكن عندي أما الكبيرة فكان ولدها قد تلف فقالت يتلف هذا معه ألا يشبه هذا ما حدث في زماننا الآن بمحكمة التمييز؟ نقول فيها نوع شبه وعلى كل حال أنا أقول إن القرائن يعمل بها لكن القرائن ليست مبنية على التهمة بل على الحقيقة فالقرائن لها أثرها فما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الفصل من الدعاوي هو حكم عام لكن القضية المعينة يجب أن يكون لها الحكم الذي تقضيه القرائن والأحوال.

فصل

القارئ: فإن كان ماله لا يفي بدينه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم لما روى كعب بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله) رواه سعيد بن منصور بنحوه عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء فلزم ذلك كقضائهم ويستحب الإشهاد على الحجر ليعلم الناس حاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة.

ص: 489

الشيخ: تبين لنا الآن أن الدين والمال إن كان المال أكثر فلا حجر وإن كان مساوياً فلا حجر وإن كان الدين أكثر فهنا يثبت الحجر لكن بسؤال الغرماء أو بعضهم والحجر معناه أن نمنع المفلس من التصرف في ماله لا في ذمته لأن ماله الآن تعلق به حق الغرماء فنقول لا تبع ولا تشتري ولا تهب ولكن هل يثبت الحجر بمجرد أن يزيد الدين على ماله ونقول الآن لا يجوز لك تتصرف يضر بالغرماء أو لابد من الحجر؟ فيه قولان للعلماء والصحيح أنه لا يحل له أن يتبرع بشيء من ماله مادام دينه أكثر من ماله وذلك لأن وفاء الدين واجب والتبرع بالمال ليس بواجب حتى وإن كان صدقة فإذا قال أريد أن أعطي هذا الفقير عشرة ريال نقول لا تعطه عشرة ريال فإذا قال الدين كثير مائة ألف قلنا لا تعطه عشرة ريالات ولكن أعطهن الغريم الذي يطلبك ويبقى عليه مائة ألف إلا عشرة ريال وهلمجرا تنقص شيئاً فشيئاً حتى تنتهي.

القارئ: ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها منع تصرفه في ماله فلا يصح بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غير ذلك لأنه حجر ثبت بالحاكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه وفي العتق روايتان إحداهما لا يصح لذلك ولأن حق الغرماء تعلق بماله فمنع صحة عتقه كما لو كان مريضاً.

الشيخ: قوله (كما لو كان مريضاً) يعني كما لو كان السيد مريضاً مرض الموت وأعتقه فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث فقط.

القارئ: والثانية يصح لأنه عتق من مالك رشيد صحيح أشبه عتق الراهن.

الشيخ: هذا قياس على شيء لا يسلم المؤلف رحمه الله قال (لو أن المحجور عليه أعتق عبداً) ولنفرض أن العبد نصف ماله فمعناه أنه ضيع على الغرماء نصف ما يستحقون ويقول أن القول الثاني صحيح وقاسه على الراهن وهو المدين الذي رهنه عبده ثم أعتقه فالمذهب أن العتق ينفذ والصحيح أنه لا ينفذ لا عتق الراهن ولا عتق المحجور عليه.

ص: 490

القارئ: وإن أقر بدين أو عين في يده كالقصار والحائك يقر بثوب لم يقبل إقراره لذلك ويلزم في حقه يتبع به بعد فك الحجر عنه وإن توجهت عليه يمين فنكل عنها فهو كإقراره.

الشيخ: قوله (لذلك) يعني لتعلق حق الغرماء بماله والصورة هذه واضحة إنسان بعد أن حجر عليه قال هذا الثوب الذي عندي لفلان فلا يقبل إقراره بالنسبة للغرماء ويقبل إقراره بالنسبة لصاحب الثوب فيُطَالَب به بعد فك الحجر عنه ويقول المؤلف رحمه الله (كالقصار والحائك) مع أن الغالب أن القصار صادق والقصار هو الذي يفصل الثياب فإذا حجرنا على هذا القصار الذي يفصل الثياب وهو يقول هذا الثوب لفلان فلا شك أن القرينة تدل على صدقه ومع ذلك يقولون لا تقبل لكن لو أن صاحب الثوب جاء يدعيه مع إقرار القصار فهنا ينبغي أن يقال إن الإقرار صحيح وأن الثوب يعطى لصاحبه أما على المذهب فيكون الثوب يدخل في ماله ويباع ويُعْطَى الغرماء ويضمن لصاحب الثوب بعد فك الحجر.

القارئ: وإن تصرف في ذمته بشراء أو اقتراض أو ضمان أو كفالة صح لأنه أهل للتصرف والحجر إنما تعلق بماله دون ذمته ولا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لأن من علم منهم بفلسه فقد رضي بذلك ومن لم يعلم فهو مفرط ويتبعونه بعد فك الحجر عنه كالمقر له.

الشيخ: قوله (يتبعونه) أي أصحاب الديون الذين أقر لهم بعد الحجر.

القارئ: وهل للبائع والمقرض الرجوع في أعيان أموالهما إن وجداها على وجهين أحدهما لهما ذلك للخبر ولأنه باعه في وقت الفسخ فلم يسقط حقه منه كما لو تزوجت المرأة معسراً بنفقتها والثاني لا فسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة أشبها من أشترى معيباً يعلم عيبه.

الشيخ: الصحيح أنهما يرجعان بعين مَالِهِمَا نعم لو عَلِما أنه محجور عليه فقد فرطا أما إذا جهلا وهو رجل معروف يبيع ويشتري مع الناس ثم تبين أنه محجور عليه فلابد أن يرجعا بمالهما.

القارئ: وإن جنى المفلس.

ص: 491

الشيخ: قوله (المُفَلَّسُ) يعني الذي حكم بتفليسه بفتح اللام.

القارئ: وإن جنى المفلس جناية توجب مالاً لزمه وشارك صاحبه الغرماء لأنه حق ثبت بغير رضى مستحقه فوجب قضاؤه من المال كجناية عبده وإن ثبت عليه حق بسبب قبل الفلس ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه غريم قديم فهو كغيره.

فصل

القارئ: الحكم الثاني أنه يتعلق حقوق الغرماء بعين ماله فليس لبعضهم الاختصاص بشيء منه سوى ما سنذكره ولو قضى المفلس أو الحاكم بعضهم وحده لم يصح لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولو جُنِيَ عليه جناية أوجبت مالاً أو ورث مالاً تعلقت حقوقهم به وأن

أوجبت قصاصاً لم يملكوا إجباره على العفو إلى مال لأن فيه ضرر بتفويت القصاص الواجب لحكمة الأحياء.

الشيخ: مثال ذلك هذا الذي حجر عليه جنى عليه جاني وقطع يده عمداً واليد فيها نصف الدية فقال الغرماء اعفوا إلى دية قال لا أنا أريد القصاص وهو إذا أقتص لم يحصل على على مال فهل يلزمونه على أن يعفوا إلى المال؟ لا، لا يلزمونه وذلك لأن الإنسان يريد القصاص للتشفي فلا يتشفى بكونه يأخذ دية.

القارئ: ولا يجبر على قبول هبة ولا صدقة ولا قرض عرض عليه ولا المرأة على التزوج لأن فيه ضرر بلحوق المنة أو التزوج من غير رغبة ولو باع بشرط الخيار لم يجبر على ما فيه الحظ من رد أو إمضاء لأن الفلس يمنعه إحداث العقود لا امضاؤها وليس للغرماء الخيار لأن الخيار لم يشرط لهم وإن وهب هبة بشرط الثواب لزم قبوله لأنه عوض عن مال فلزم قبوله كثمن المبيع ولا يملك إسقاط ثمن مبيع ولا أجرة ولا أخذه رديئاً ولا قبض المسلم فيه دون صفته إلا بإذن الغرماء لما ذكرناه.

الشيخ: الخلاصة أنه لا يجوز أن يتصرف تصرفاً يضر بالغرماء وأما لا يضر بهم فلا بأس لأنه لم يحجر عليه لسفه حتى نقول إن تصرفه غير صحيح وإنما حجر عليه لمصلحة الغرماء فما أضر بهم منع وما لم يضر بهم لم يمنع ولهذا يصح إقراره في ذمته واستدانته في ذمته وما أشبهها.

ص: 492

القارئ: وإن أدعى مالاً له به شاهد حلف وثبت المال وتعلقت حقوقهم به وإن نكل لم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن دعواهم لهذا المال غير مسموعة فلا يثبت بأيمانهم كالأجانب ولأنهم لو حلفوا لحلفوا على إثبات مال لغيرهم وكذلك الحكم في غرماء الميت إذا لم يحلف الوارث لم يحلفوا لما ذكرنا.

فصل

القارئ: والحكم الثالث أن للحاكم بيع ماله وقضاء دينه ويستحب أن يحضره عند البيع لأنه أعرف بثمن ماله وجيده ورديئه فيتكلم عليه وهو أطيب لقلبه ويحضر الغرماء لأنه أبعد من التهمة وربما رغب بعضهم في شراء شيء فزاد في ثمنه أو وجد عين ماله فأخذها فإن لم يفعل جاز.

الشيخ: لكن إذا زاد أحد الغرماء في الثمن وخيف منه ألا يوفي بناءاً على أن له ديناً على هذا المحجور عليه ففي هذه الحال لا نقبل منه الزيادة لأن هذه الزيادة ستعود بالنقص على بقية الغرماء إلا إذا نقد الثمن أو أتى برهن أو ضمين.

القارئ: لأن ذلك موكول إليه ويقيم منادياً ينادي على المتاع فإن عين الغرماء أو المفلس منادياً ثقة.

الشيخ: في النسخة الأولى (فإن عين المفلس والغرماء) الواو يعني اتفق الاثنان على منادي ثقة أما على النسخة الثانية (أو) إن عين المفلس أو الغرماء أي أحدهما لكن إذا اختلفوا فلابد أن يتدخل القاضي.

القارئ: فإن عين الغرماء أو المفلس منادياً ثقة أمضاه الحاكم وإن لم يكن ثقة رده لأن للحاكم نظرا فإنه ربما ظهر غريم آخر وإن اختلفوا في المنادي قدم الحاكم أوثقهما وأعرفهما فإن تطوع بالنداء ثقة لم يستأجر لأن فيه بذل الأجرة من غير حاجة وإن عدم بذلت الأجرة من مال المفلس لأن البيع حق عليه ويقدم على الغرماء بها لأنه لو لم يعط لم يناد وكذلك أجرة من يحفظ المتاع والثمن ويحمله.

الشيخ: هؤلاء مقدمون على الغرماء لأن عملهم يتعلق بنفس المال وهو لمصلحة الغرماء فلا نقول إنهم يشاركون الغرماء في الدين ويوزع عليهم بالقسط بل نقول يقدمون لأنهم يعملون لمصلحة الغرماء.

ص: 493

القارئ: ويباع كل شيء في سوقه لأن أهل السوق أعرف بقيمة المتاع وأرغب وطلابه فيه أكثر فإن باعه في غيره بثمن مثله جاز لأنه ربما أداه اجتهاده إلى ذلك لمصلحة فيه ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد لأن في تأخيره هلاكه ثم بالحيوان لأنه يحتاج إلى العلف ويخشى عليه التلف ثم بالأثاث لأنه يخشى تلفه وتناله اليد ثم بالعقار لأنه أبعد تلفاً وتأخيره أكثر لطالبيه فيزداد ثمنه.

السائل: وإذا أقر بعد الحجر عليه بدين فهل يدخل صاحب الدين مع الغرماء؟

الشيخ: إذا ثبت في ذمته دين قبل الحجر عليه فصاحب الدين يشارك الغرماء لكن بشرط أن تكون هناك بينة على أن الدين ثبت في ذمته قبل الحجر عليه.

السائل: لو كان لشخص دين على أحد فهل يجوز له أن يستأجره إن كان أهلاً لهذا العمل؟

الشيخ: له أن يستأجره وإذا انتهى العمل قال مثلاً أجرتك خمسة آلاف وأنا أطلبك خمسة آلاف لكن بشرط أن يكون عند هذا المُسْتَأجَر ما يقوم بنفقته فإن لم يكن عنده ما يقوم بنفقته صار معسراً ويجب إنظاره.

السائل: لو كان عليه بعض الديون ولكن بعضها مؤجل بأجل بعيد فهل كل الآجال تحل عند الفلس؟

الشيخ: إذا كان بعض الديون مؤجل وبعضها غير مؤجل أو بعضها مؤجل بأجل بعيد فهذه ذكروا أنه لا يحل المؤجل ويبقى في ذمته حتى ييسر الله عليه.

القارئ: ومن وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها ومن اكترى من المفلس دارا أو ظهراً بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به.

الشيخ: قوله (من وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها) عين ماله أي بأن يكون باعه بالأمس سيارة مثلاً وحجر عليه اليوم والسيارة مازالت معه والبيع بالأمس صحيح فهذا الذي وجد عين ماله مقدم على الغرماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به).

ص: 494

القارئ: ومن اكترى من المفلس دارا أو ظهراً بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به لأنه استحق عينه قبل إفلاسه فأشبه ما لو اشترى منه عبدا وإن اكترى منه ظهراً في الذمة فهو أسوة الغرماء لأن دينه في الذمة أشبه سائر الغرماء وإن كان في المتاع رهن أو جانٍ قدم المرتهن والمجني عليه بثمنه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف سائر الغرماء وحق المجني عليه يقدم على حق المرتهن فعلى غيره أولى وإن فضل منه فضل رده على التركة وإن لم يف بحقهما فلا شيء للمجني عليه لأنه لا حق له في غير الجاني ويضرب المرتهن مع الغرماء بباقي دينه لأن حقه متعلق بالذمة مع تعلقه بالعين وإن بيع له متاع فهلك ثمنه واستحق المبيع رجع المشتري بثمنه وهل يقدم على الغرماء فيه وجهان أحدهما يقدم لأن في تقديمه مصلحة فإنه لو لم يقدم تجنب الناس شراء ماله خوفاً من الاستحقاق فيقل ثمنه فقدم به كأجرة المنادي والثاني لا يقدم لأنه حق لزمه بغير رضى صاحبه أشبه أرش جنايته ثم يقسم ما أجتمع من ماله بين الغرماء على قدر ديونهم.

الشيخ: إذا ضاق المال فإنه ينسب الموجود للدين فإذا كان الموجود نصف الدين أعطي كل واحد نصف دينه فإذا قدرنا أن الدين عشرة آلاف والموجود خمسة يعطى كل واحد نصف دينه قَلَّ أو كثر فمن له ألف يعطى خمسمائة ومن له ريالان يعطى ريالاً.

القارئ: فإن ظهر غريم بعد القسمة نقضت وشاركهم لأنه غريم لو كان حاضراً لشاركهم فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم كما لو ظهر للميت غريم بعد قسم ماله وإن أكرى داره عاما وقبض

أجرتها فقسمت ثم أنهدمت الدار رجع المكتري على المفلس بأجرة ما بقي وشاركهم فيما اقتسموه لأنه دين وجب بسبب قبل الحجر فشارك به الغرماء كما لو انهدمت قبل القسمة.

فصل

ص: 495

القارئ: الحكم الرابع أن ما وجد عين ماله عنده فهو أحق بها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به) متفق عليه وله الخيار بين أخذه أو تركه وله أسوة الغرماء سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر لأن الإعسار ثبت للفسخ فلا يوجبه كالعيب.

الشيخ: بالنسبة لمن وجد عين ماله فإن قيمة عين ماله إما أن تكون أكثر أو أقل أو مساوية فإذا كانت أقل مثل أن يكون باعها بألف والآن تساوي خمسمائة وقال أريد أن أخذها بخمسمائة واضرب مع الغرماء بما بقي فليس له ذلك بل يقال له إما أن تأخذها ولا شيء لك وإما أن تضم إلى بقية المال وإذا كانت أكثر وأراد أن يأخذها فله ذلك بأن يكون باعها بخمسة والآن تساوي عشرة فله ذلك مع أنه سوف يكون فيه إضرار على الغرماء فلو قال الغرماء لهذا الرجل الذي وجد عين ماله نحن ندفع لك الثمن الذي بعتها به ودعاه ندخلها مع المال حتى يكثر فالظاهر أن لهم ذلك وأن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فهو أحق به) يعني عند التزاحم وضيق المال أما إذا لم يكن تزاحم ولا ضيق مال وقيل للرجل نسلمك ما بعت به فالظاهر أنه ليس له الحق في أن يأخذ السلعة.

القارئ: ولا يفتقر إلى حاكم للخبر ولأنه فسخ ثبت بنص السنة فلم يفتقر إلى حاكم كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد وفيه وجهان أحدهما أن الخيار على التراخي لأنه رجوع لا يسقط إلى عوض فكان على التراخي كالرجوع في الهبة والثاني هو على الفور اختاره القاضي لأن في تأخيره إضرار بالغرماء لتأخير حقوقهم ولأنه خيار يثبت في البيع لنقص في العوض أشبه الرد بالعيب.

ص: 496

الشيخ: الرد بالعيب سبق أن الصواب فيه أنه على التراخي لكنه يُضْرَبُ له أجلٌ بحيث لا يضر بالغرماء فيقال له أنت الآن أحق بسلعتك ولكن هل تريد السلعة أو تضرب مع الغرماء؟ فقال أمهلوني وكلما قالوا له في ذلك قال أمهلوني فهنا يقال له لا يمكن بل يقال له لك يوم أو يومان إما أن تختار هذا أو هذا.

القارئ: فإن حكم حاكم بسقوط الخيار فقال أحمد رضي الله عنه ينقض حكمه لأنه يخالف صريح السنة ويحتمل أن لا ينقض لأنه مختلف فيه.

الشيخ: الاحتمال الثاني أصح وذلك إذا كان الذي نقضه عنده علم ونعلم أنه فعل ذلك اجتهاداً أما إذا كُنَّا لا نعلم أو اتهمنا هذا القاضي أنه أراد المحاباة للغرماء فلا شك أنه لا يمكن أن يسقط الخيار وهذا المثال ذكروه في باب القضاء أن القاضي لا ينقض حكمه في هذا ولو نقل هذا الاحتمال إلى هناك لأنه قد يغيب عن ذهن الإنسان ما ذكره الموفق هنا.

القارئ: ولو بذل الغرماء لصاحب السلعة ثمنها ليتركها لم يلزمه قبوله للخبر ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر المستحق على قبوله كما لو أعسر بنفقة زوجته فبذلها غيره.

الشيخ: هذا فيه نظر لأنه كونه يأبى لا شك أن فيه إضرار على الغرماء وكذلك الزوجة إذا أعسرت زوجها بنفقتها وقام بعض المحسنين وقال أنا أعطيك النفقة فليس لها الفسخ لأنها أصبح الآن ليس عليها ضرر فإن قالت فيه المنة قلنا المنة ليست عليكِ في هذه الحال بل المنة على الزوج وعلى هذا فيكون المقيس والمقيس عليه كلاهما فيه نظر.

ص: 497

القارئ: وسواء ملكها المفلس ببيع أو قرض لعموم الخبر ولو أصدق امرأة مالا وأفلست قبل دخوله بها ثم ارتدت أو طلقها ووجد عين ماله فهو أحق بها ولو أستأجر شيئاً فأفلس قبل مضي شيء من المدة فللمؤجر الرجوع فيه لأنه وجد عين ماله وإن كان بعد مضي المدة فهو غريم بالأجرة وإن كان بعد مضي شيء منها فهو غريم لأن المدة كالمبيع ومضي بعضها كتلف بعضه وقال القاضي له الفسخ فإن كان للمفلس زرع فعليه تبقيته بأجرة مثله.

فصل

القارئ: ولا يملك الرجوع إلا بشروط خمسة أحدها أن يجدها سالمة فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء لقوله عليه السلام (من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به) والذي تلف بعضه لم توجد عينه فإن كان المبيع عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما أو بعضه ففي السالم منهما روايتان أحدهما له الرجوع فيه بقسطه لأنه وجده بعينه والثانية لا يرجع لأنه لم يجد المبيع بعينه أشبه العين الواحدة وإن كان المبيع شجرة مثمرة فتلفت ثمرتها فله أسوة الغرماء لأنهما كالعين الواحدة إلا أن تكون الثمرة مؤبرة حين البيع فاشترطها المبتاع فهما كالعينين لأن الثمرة لا تتبع الأصل فهي كالولد المنفصل وإن نقص المبيع صفة مثل أن هُزِلَ أو نسي صناعة أو كبر أو كان ثوباً فخلق لم يمنع الرجوع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين المال فيتخير بين أخذه ناقصا أو يكون أسوة الغرماء بكل الثمن وإن فقئت عينه فهو كتلف

بعضه وإن شج أو جرح أو افتضت البكر فكذلك في قول أبي بكر لأنه نقص جزء ينقص قيمته فأشبه ما لو فقئت عينه وقال القاضي قياس المذهب أن له الرجوع لأنه فقد صفة فهو كالهزال ثم إن كان لا أرش له لكونه حصل بفعل الله تعالى أو فعل المفلس فلا شيء للبائع مع الرجوع وإن كان له أرش فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من ثمنه فينظر ما نقص من قيمته فيرجع بقسطه من الثمن لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن والأرش للمفلس على الجاني.

ص: 498

السائل: ذكرتم بارك الله فيكم أن حديث (من وجد متاعه بعينه

الخ) المراد به عند التزاحم فما المراد بقولنا عند التزاحم؟

الشيخ: المراد تزاحم الدين والقيمة بحيث يتنازع الغرماء مع صاحب السلعة فهو يقول هذا عين مالي أريد أخذه سواء زاد أو نقص وهم يقولون له نعطيك الثمن ويدخل في المال والمؤلف يرى أن القول قول صاحب السلعة لظاهر الخبر ونحن نرى أن صاحب السلعة ليس له حق وتوجيهنا للحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيه ضرر فإن كان فيه ضرر على المفلس وعلى الغرماء فلا يمكن ذلك فيقيد الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) فما دام أن صاحب السلعة مثلاً قد باعها بمائة ريال وهي الآن تساوي مئتين فلا يضره شيء إذا دفعوا له مائة.

فصل

القارئ: فإن كان المبيع زيتاً فخلطه بزيت آخر أو لتَّ به سويقاً أو صبغاً فصبغ به ثوبا أو مسامير فسمر بها باباً أو حجراً فبنى به أو لوحاً فجعله في سفينة أو سقف أو نحو ذلك لم يكن له الرجوع لأنه لا يقدر على أخذ عين ماله في بعض الصور ولا يقدر في بعضها إلا بإتلاف مال المفلس ولا يزال الضرر بالضرر.

الشيخ: كلام المؤلف هنا هو في رجوع البائع بعين ماله إذا حجر على المشتري.

القارئ: وإن كانت حنطة فطحنها أو زرعها أو دقيقاً فخبزه أو زيتاً فعمله صابوناً أو غزلاً فنسجه أو ثوباً فجعله قميصا أو حباً فصار زرعاً أو بيضاً فصار فرخاً أو نوىً فنبت شجراً أو نحوه مما يزيل أسمه فلا رجوع له لأنه لم يجد متاعه بعينه لتغير اسمه وصفته.

الشيخ: وهذه هي الحكمة من كون الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال (متاعه بعينه) معناه أنه ما تغير بزيادة ولا نقص ولا تغيير.

فصل

ص: 499

القارئ: وإن اشترى ثوباً فصبغه أو قصره أو سويقاً فلته بزيت فلصاحبهما الرجوع فيهما لأن عين مالهما قائمة مشاهدة لم يتغير أسمها ولا صفتها ويصير المفلس شريكهما بما زاد عن قيمتهما لأن ما حصل من زيادة القيمة بالصبغ وغيره فهي للمفلس لأنها حصلت بفعله في ملكه وإن نقص الثوب لم يمنع الرجوع لأنه نقص صفة فهو كالهزال وإن لم يزد بالقصارة سقط حكمها لعدم أثرها في الزيادة وإن اشترى أرضاً فزرعها ثم أفلس فللبائع الرجوع فيها لما ذكرنا ويكون الزرع مبقى إلى الحصاد بغير أجرة لأن العوض في مقابلة الأرض لا في مقابلة المنفعة فإذا فسخ عادت إليه الرقبة دون المنفعة المستثناة شرعاً كما لو باعه أمة فزوجها ثم رجع فيها دون منفعة بضعها.

فصل

القارئ: الشرط الثاني أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فإن قبض بعضه فلا رجوع له لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء) رواه أبو داود ولأن في الرجوع بالباقي تبعيض الصفقة على المفلس فلم يجز كما لو يقبض شيئا.

فصل

القارئ: الشرط الثالث أن لا يتعلق بها حق غير المفلس فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع لأنه تعلق بها حق غيره أشبه ما لو أعتقها وإن رهنها سقط الرجوع لذلك وإن تعلق بها أرش جانية سقط الرجوع لأنه يقدم على حق المرتهن فهو أولى بالمنع ويتوجه أن لا يمنع لأنه لا يمنع تصرف المشتري بخلاف الرهن فعلى هذا إن شاء رجع فيها ناقصة بعيب الجناية وإن شاء فله أسوة الغرماء فإن كان دين الرهن أو أرش الجناية بقدر بعضه منع الرجوع في الجميع لأنه منع الرجوع في بعضها فمنعه في جميعها كبيع بعضها وقال القاضي يرجع في باقيها بقسطه لأنه

ص: 500