المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابما يصح رهنه وما لا يصح - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌بابما يصح رهنه وما لا يصح

القارئ: ولأنه وثيقة بدين ليس بعوض عنه فلم يسقط بهلاكه كالضامن وإن كان الرهن فاسداً لم يضمنه لأن مالا يضمن بالعقد الصحيح لا يضمن بالعقد الفاسد وإن وقت الرهن فتلف بعد الوقت ضمنه لأنه مقبوض بغير عقد وإن رهنه مغصوبا لم يعلم به المرتهن فهل للمالك تضمين المرتهن؟ فيه وجهان أحدهما لا يُضَمِّنُهُ لأنه دخل على أنه أمين والثاني يُضَمِّنُهُ لأنه قبضه من يد ضامنه فإذا ضمنه رجع على الراهن في أحد والوجهين لأنه غرَّه والثاني لا يرجع لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه.

الشيخ: قاعدة المذهب في هذا أنه له أن يُضَمِّنَ هذا وهذا لكن يستقر الضمان على الراهن لأنه هو الذي غصبه وهو بيد المرتهن أمانة.

القارئ: وإن ضمن الراهن فهل يرجع على المرتهن؟ على وجهين إن قلنا يرجع المرتهن لم يرجع الراهن وإن قلنا لا يرجع ثَمَّ رجع هاهنا وإن أنفك الرهن بقضاء أو إبراء بقي الرهن أمانة لأن قبضه حصل بإذن مالكه لا لتخصيص القابض بنفعه فأشبه الوديعة.

الشيخ: رحم الله الفقهاء ما أبقوا للقضاة شيء فكل شيء مذكور.

السائل: المرتهن بعد ما قبض الرهن من الراهن حصل حجر على الراهن لفلسه فهل له أن يوفي دينه أو يسترد خلال أمواله؟

الشيخ: يستحق أن يستوفي دينه من الرهن لأن الرهن الآن رهن صحيح وقبضه المرتهن فصار لازماً.

فصل

القارئ: إذا حل الدين فوفاه الراهن أنفك الرهن وإن لم يوفه وكان قد أذن في بيع الرهن بيع واستوفي الدين من ثمنه وما بقي فله وإن لم يأذن طولب بالإيفاء أو ببيعه فإن أبى أو كان غائبا فعل الحاكم ما يراه إجباره على البيع أو القضاء أو بيع الرهن بنفسه أو بأمينه والله أعلم.

الشيخ: هذه هي فائدة الرهن أنه إذا حل الدين ولم يوفِ يباع الرهن ويستوفى من ثمنه.

‌باب

ما يصح رهنه وما لا يصح

القارئ: يصح رهن كل عين يصح بيعها لأن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يحصل مما يجوز بيعه.

ص: 446

الشيخ: أما مالا يجوز بيعه كما لو رهنه كلب صيد فإنه لا يصح الرهن مع أن كلب الصيد ربما يكون عند الراهن أغلى من آلاف لكن يقولون لا يصح رهنه لماذا؟ لأنه لا يباع فلا تحصل فائدة للمرتهن بذلك، كذلك لو رهنه ولده الصغير قال أعطيك ولدي رهناً قالوا لا يصح لأن الولد لا يمكن بيعه فلو قَبِلَ لكان معناه أنه يغذي له ولده مجاناً.

القارئ: ويصح رهن المشاع لأنه يجوز بيعه فجاز رهنه كالمفرز.

الشيخ: المفرز يعني الذي أفرز من غيره يعني قُصِدَ فيشبه كلمة المقصود.

القارئ: ثم إن اتفقا على جعله في يد المرتهن أو يد عدل وديعة للمالك أو بأجرة جاز وإن اختلفا جعله الحاكم في يد عدل وديعة لهما أو يؤجره لهما محبوسا قدر الرهن للمرتهن وإن رهن نصيبه من جزء من المشاع وكان مما لا ينقسم جاز وإن جازت قسمته احتمل جواز رهنه لأنه يصح بيعه واحتمل أن لا يصح لاحتمال أن يقتسماه فيحصل المرهون في حصة الشريك.

الشيخ: الصواب الجواز بلا شك.

القارئ: ويصح رهن العبد المرتد والجاني لأنه يجوز بيعهما وفي رهن القاتل في المحاربة وجهان بناءً على بيعه.

الشيخ: قوله (رهن القاتل في المحاربة) نقول في هذه الحال سوف يقتل على كل حال لكن الفقهاء يصورون الأِشياء البعيدة والأشياء التي قد تكون مستحيلة.

القارئ: ويصح رهن المدبر في ظاهر المذهب لظهوره في بيعه ويصح رهن من علق عتقه بصفة توجد بعد حلول الدين لإمكان استيفائه من ثمنه وإن كانت الصفة توجد قبل حلول الدين لم يجز رهنه لأنه يمكن استيفاؤه من ثمنه وإن كانت تحتمل الأمرين احتمل أن يصح رهنه لأن الأصل بقاء العقد والعتق قبله مشكوك فيه فهو كالمدبر واحتمل أن لا يصح رهنه لأنه يحتمل العتق قبل حلول الأجل وهذا غرر لا حاجة إليه.

ص: 447

الشيخ: مثل أن يعلق عتق العبد بنزول المطر والدين مؤجل مثلاً إلى ستة أشهر فهنا لا يدري متى ينزل المطر قد ينزل المطر قبل تمام الستة أشهر فيعتق ولا يتمكن المرتهن من استيفاء الحق وسبق لنا في مثل هذه الأمور بالنسبة للرهن أنها جائزة لأنه إما غانم وإما سالم اللهم إلا في بيع شُرِطَ فيه الرهن فهنا لا شك أنه سيكون غارماً إذا لم يحصل مقصوده.

القارئ: فإن مات سيد المدبر وهو يخرج من الثلث أو وجدت الصفة عتق وبطل الرهن، ولا يصح رهن المكاتب لتعذر استدامة قبضه ويتخرج أن يصح إن قلنا استدامة القبض غير مشترطة وأنه يصح بيعه ويكون ما يؤديه من نجوم كتابته رهناً معه وإن عتق بقي ما أداه رهناً.

الشيخ: الصحيح أن استدامة القبض في الرهن غير مشترطة وعمل الناس اليوم على هذا فتجد الفلاح يستدين من الرجل على ثمره والنخل بيده والرجل يرهن سيارته وهي في يده فالعمل الآن على أن القبض ليس بشرط وهو الصحيح.

القارئ: وإن عتق بقي ما أداه رهناً كالقن إذا مات بعد الكسب وجميع هذه المعاني عيوب لها حكم غيرها من العيوب.

فصل

القارئ: ويصح رهن ما يسرع إليه الفساد لأنه مما يجوز بيعه وإيفاء دينه من ثمنه فأشبه الثياب فإن كان الدين يحل قبل فساده بيع وقضي من ثمنه وإن كان يفسد قبل الحلول وكان مما يمكن إصلاحه بالتجفيف كالعنب جفف ومؤنة تجفيفه على الراهن لأنه من مؤنة حفظه فأشبه نفقة الحيوان وإن كان مما لا يجفف فشرطا بيعه وجعلا ثمنه رهناً فعلا ذلك وإن لم يشرطاه ففيه وجهان أحدهما يصح الرهن ويباع كما لو شرطاه لأن الحال تقتضي ذلك لكون المالك لا يعرض ملكه للتلف فحمل مطلق العقد عليه كما يحمل على تجفيف العنب والثاني لا يصح لأن

ص: 448

البيع إزالة ملكه قبل حلول الحق فلم يجبر عليه كغيره وإن شرط أن لا يباع فسد وجهاً واحدا لأنه إن وفى بشرطه لم يمكن إيفاء الدين من ثمنه وإن رهنه عصيراً صح لذلك فإن تخمر خرج من الرهن لأنه لا قيمة له فإن عاد خلاً عاد رهنا لأن العقد كان صحيحاً فلما طرأ عليه معنى أخرجه عن حكمه ثم زال المعنى عاد الحكم كما لو ارتد أحد الزوجين ثم عاد في العدة عادت الزوجية وإن كان استحالته قبل القبض لم يعد رهنا لأنه ضعيف فأشبه الردة قبل الدخول.

الشيخ: والصواب أنه يعود رهناً لأن المانع زال وسبق أيضاً أن الصحيح عدم اشتراط القبض وإذا لم يشترط فكأنه استحال بعد القبض.

فصل

القارئ: ويصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع الأخضر مطلقا وبشرط التبقية لأن الغرر يقل فيه لاختصاصه بالوثيقة مع بقاء الدين بحاله بخلاف البيع قال القاضي ويصح رهن المبيع المكيل والموزون قبل قبضه لأن قبضه مستحق للمشتري فيمكنه قبضه ثم يقبضه وإنما منع من بيعه لئلا يربح فيما لم يضمنه وهو منهي عنه وإن رهنه ثمرة إلى مَحِلٍ تحدث فيه أخرى لا تتميز فالرهن باطل لأنه مجهول حين حلول الحق فلا يمكن إمضاء الرهن على مقتضاه وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز لأنه لا غرر فيه فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحا لكن إن سمح الراهن ببيع الجميع أو اتفقا على قدر منه جاز وإن اختلفا وتشاحا فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر.

فصل

القارئ: ويصح رهن الجارية دون ولدها لأن الرهن لا يزيل الملك فلا يحصل التفريق فيه فإن احتيج إلى بيعها بيع ولدها معها لأن التفريق بينهما محرم والجمع بينهما جائز فتعين وللمرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية منه وكونها ذات ولد عيب لأنه ينقص من ثمنها.

فصل

القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه غير ما ذكرنا.

الشيخ: قوله (غير ما ذكرنا) أي الثمرة والزرع قبل بدو صلاحه والزرع قبل اشتداد حبه ورهن الجارية بدون ولدها.

ص: 449

القارئ: كالوقف وأم الولد والكلب ونحوها.

الشيخ: أم والولد غير مسألة المملوك مع الجارية لأن المملوك مع الجارية كلاهما ملك أما أم الولد فهي التي أتت بولد من سيدها والولد حينئذ حرٌ لا يمكن بيعه.

القارئ: لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود ولا يصح رهن مالا يقدر على تسلميه ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه لأن الصفات مقصودة في الرهن لإيفاء الدين كما تقصد في البيع للوفاء بالثمن.

الشيخ: وسبق أن القول الراجح في هذه الأمور الجواز إلا في بيع شرط فيه الرهن فمثلاً ما لا يقدر على تسلميه إن قدرنا على التسليم فالمرتهن غانم وإن لم نقدر فليس بغارم لأن ثمن المبيع لم ينقص ولم يتضرر فمثلاً إذا قال أنا أرهنك الحمام التي تطير في الجو وهي ملكه تأوي إلى بيتها في آخر النهار فالمذهب لا يصح والصواب أن هذا جائز لأنه ليس عليه ضرر فإما أن ينتفع المرتهن وإما أن لا يتضرر.

السائل: الجارية لو وضعت بيد المرتهن فإنه قد يطأها فما الحكم في ذلك؟

الشيخ: توضع عنده وإذا كان المرتهن غير ثقة فإنها توضع عند آخر أمين أما إذا كان المرتهن ثقة ومعروف بالصلاح والعفة وعنده أهله وأولاده والجارية ستكون عنده في البيت فلا مانع ومع ذلك إذا خيف فإنه تكون عند إنسان أمين وسبق لنا وعلى القول الراجح أن الجارية يمكن أن تبقى عند سيدها.

السائل: أم الولد إذا مات ولدها أو كبر فهل يجوز أن يرهنها؟

الشيخ: يجوز أن يرهنها إذا قلنا بجواز بيعها وإن قلنا بعدم الجواز لا يجوز الرهن لأنه لا يستفيد.

السائل: وضع البطاقة الشخصية أو وضع الرخصة رهناً ما حكمه؟

الشيخ: لو رهن بطاقته الشخصية أو نحوها مما ليس بمال لكن الإنسان محتاج لها فالمذهب لا يصح والقول الثاني أنه يصح لأننا نقول عقود التوثقة يسامح فيها بالغرر وذكرنا هذا في القواعد الفقهية وشرحناه.

ص: 450

السائل: قول المؤلف رحمه الله (إن احتيج إلى بيعها بيع ولدها معها لأن التفريق بينهما محرم والجمع بينهما جائز) كيف يكون التفريق محرم والجمع جائز؟

الشيخ: قصده أنه غير ممنوع قصده ومعلوم أن عدم التفريق بينهما واجب.

السائل: قول المؤلف (وإن اختلفا جعله الحاكم في يد عدل وديعة لهما أو يؤجره لهما) من المقصود بقوله (يؤجره)؟

الشيخ: المعنى يؤجره الحاكم لأن الرهن لا يمكن أن يكون بيد المرتهن ولا بيد الراهن أما إذا أمكن أن يكون بيد المرتهن وجب.

السائل: ما حكم بيع أمهات الأولاد؟

الشيخ: الصحيح أنه يجوز بيع أمهات الأولاد.

فصل

القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه غير ما ذكرنا كالوقف وأم الولد والكلب ونحوها لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود ولا يصح رهن مالا يقدر على تسلميه ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه لأن الصفات مقصودة في الرهن لإيفاء الدين كما تقصد في البيع للوفاء بالثمن.

الشيخ: سبق أن الصحيح جواز رهن مالا يقدر على تسلميه لأن المرتهن إن حصل له الرهن فقد غنم وإن لم يحصل فقد سلم أما الوقف وأم الولد والكلب فلا فائدة في رهنها أصلاً لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبيعها أما الذي لا يقدر على تسلميه أو المجهول فهو إذا قدر عليه باعه.

القارئ: ولا رهن مال غيره بغير إذنه ويتخرج جوازه ويقف على إجازة مالكه كبيعه.

الشيخ: هذا التخريج جيد لأن الصحيح جواز تصرف الفضولي في كل شيء إلا مالا يمكن شرعاً فلو بعت سيارة أخيك أو بيته أو أجرته ورضي بذلك فالعقد صحيح.

القارئ: فإن رهن عيناً يظنها لغيره وكانت ملكه ففيه وجهان أحدهما يصح لأنه صادف ملكه والثاني لا يصح لأنه عقده معتقداً فساده.

الشيخ: والمذهب الصحة لأن العبرة بما في نفس الأمر فلو أن إنسان رهن بيتاً لحي ثم تبين أن هذا الحي قد مات وأن وارثه هو هذا الذي رهن البيت فالرهن صحيح لأنه تبين ملكه.

ص: 451

القارئ: ولا يصح رهن المرهون من غير إذن المرتهن لأنه لا يملك بيعه في الدين الثاني فإن رهنه عند المرتهن بدين آخر مثل أن رهنه عبداً على ألف ثم استدان منه ديناً آخر وجعل العبد رهناً بهما لم يصح لأنه رهن مستحق بدين فلم يجز رهنه بغيره كما لو رهنه عند غير المرتهن.

الشيخ: الصحيح في هذه المسألة الجواز فالصحيح أنه يجوز زيادة دين الرهن المسألة الأخيرة هذه يعبر عنها بزيادة دين الرهن والصواب أنه جائز فلو أن شخصاً استدان من آخر عشرة آلاف وأرهنه سيارته ثم استدان منه خمسة آلاف وأرهنه السيارة فالصواب جواز هذا لأن السيارة مشغولة برهن المرتهن نفسه فإذا رضي أن يزيد في الدين فلا بأس وهذا هو الذي عليه عمل الناس من قديم ولهذا يأتي الفلاح ويستدين من

التاجر ويحرث ثم يحتاج ويستدين أخرى ويقول هذا داخل في الرهن السابق والحكام عندنا يحكمون بهذا بأن الرهن صحيح.

فصل

القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه من أرض الشام والعراق ونحوهما مما فتح عنوة في ظاهر المذهب لأنها وقف وما فيها من بناء من ترابها فحكمها حكمها وما جدد فيها من غراس وبناء من غير ترابها إن أفرده بالرهن ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه تابع لما لا يجوز رهنه فهو كأساسات الحيطان والثانية يجوز لأنه مملوك غير موقوف وإن رهنه مع الأرض بطل في الأرض وفي الغراس والبناء وجهان بناءً على تفريق الصفقة.

الشيخ: هذا أظنه نسخ من زمان والظاهر أنه مازال أهل الشام والعراق يتبايعون الأراضي بيع المال وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان حتى من وقت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

السائل: قوله (من غير ترابها) ما معناه؟

الشيخ: يعني أنهم يحفرون الأرض ثم يأتون بتراب من الخارج ويزرعون عليه لكن هذا غير ممكن.

فصل

ص: 452