الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْسِيرُ سُورَةِ
النَّازِعَاتِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا
(1)
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) }
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَأَبُو الضُّحَى، والسُّدي:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} الْمَلَائِكَةُ، يَعْنُونَ حِينَ تُنْزَعُ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بعُنف فَتُغرق فِي نَزْعِهَا، وَ [مِنْهُمْ](1) مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بِسُهُولَةٍ وَكَأَنَّمَا حَلَّته مِنْ نَشَاطٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالنَّازِعَاتِ} هِيَ أَنْفُسُ الْكُفَّارِ، تُنزع ثُمَّ تُنشَط، ثُمَّ تَغْرَقُ فِي النَّارِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} الْمَوْتُ.وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} هِيَ النُّجُومُ.
وَقَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَباح فِي قَوْلِهِ: {وَالنَّازِعَاتِ} وَ {النَّاشِطَاتِ} هِيَ الْقِسِيُّ فِي الْقِتَالِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ. ورُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَأَبِي صَالِحٍ مثلُ ذَلِكَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} الْمَوْتُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هِيَ السُّفُنُ.
وَقَوْلُهُ: {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} رُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ؛ قَالَ الْحَسَنُ: سَبَقَتْ إِلَى الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الْمَوْتُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الْخَيْلُ فِي سبيل الله.
(1) زيادة من م.
وَقَوْلُهُ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} قَالَ عَلِيٌّ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ-زَادَ الْحَسَنُ: تُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. يَعْنِي: بِأَمْرِ رَبِّهَا عز وجل. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا، وَلَمْ يَقْطَعِ ابْنُ جَرِيرٍ بِالْمُرَادِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ حَكَى فِي {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، وَلَا أَثْبَتَ وَلَا نَفَى.
وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَمًّا النَّفْخَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَمَّا الْأُولَى-وَهِيَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} -فَكَقَوْلِهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ} [الْمُزَّمِّلِ: 14]، وَالثَّانِيَةُ-وَهِيَ الرَّادِفَةُ-فَهِيَ كَقَوْلِهِ:{وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الْحَاقَّةِ: 14] .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتَيْ كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ:"إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أهَمَّك مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلِهِ (1) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلْثُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ".
وَقَوْلُهُ: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَائِفَةٌ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.
{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} أَيْ: أَبْصَارُ أَصْحَابِهَا. وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهَا؛ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ: ذَلِيلَةٌ حَقِيرَةٌ؛ مِمَّا عَايَنَتْ مِنَ الْأَهْوَالِ.
وَقَوْلُهُ: {يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} ؟ يَعْنِي: مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْمَعَادِ، يَسْتَبْعِدُونَ وقوعَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَصِيرِ إِلَى الْحَافِرَةِ، وَهِيَ الْقُبُورُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَبَعْدَ تَمَزُّقِ أَجْسَادِهِمْ وَتَفَتُّتِ عِظَامِهِمْ وَنَخُورِهَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا:{أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} ؟ وَقُرِئَ: "نَاخِرَةً".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: أَيُّ بَالِيَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعَظَمُ إِذَا بَلِيَ ودَخَلت
الرِّيحُ فِيهِ. {قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ}
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ: الْحَافِرَةُ: الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْحَافِرَةُ: النَّارُ. وَمَا أَكْثَرُ أَسْمَائِهَا! هِيَ النَّارُ، وَالْجَحِيمُ، وَسَقَرُ، وَجَهَنَّمُ، وَالْهَاوِيَةُ، وَالْحَافِرَةُ، وَلَظَى، والحُطَمة.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَئِنْ أَحْيَانَا اللَّهُ بعد أن نموت لنخسرن.
(1) المسند (5/136) ، وسنن الترمذي برقم (2457) ، وتفسير الطبري (30/21) .