الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أَيْ: هَلَّا تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أَتَوْا بِالطَّاعَةِ حَيْثُ لَا تَنْفَعُ، وَنَدِمُوا وَاعْتَرَفُوا حَيْثُ لَا يَنْجَعُ؛ وَلِهَذَا قَالُوا:{إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} أَيْ: يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى مَا كَانُوا أَصَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ مِنْ حَقِّ الْجُذَاذِ، فَمَا كَانَ جَوَابُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِالْخَطِيئَةِ وَالذَّنْبِ، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} أَيِ: اعْتَدَيْنَا وبَغَينا وَطَغَيْنَا وَجَاوَزْنَا الْحَدَّ حَتَّى أَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا، {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} قِيلَ: رَغِبُوا فِي بَذْلِهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: احْتَسَبُوا ثَوَابَهَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ -قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانُوا مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا ضَرَوَانُ (1) عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ صَنْعَاءَ. وَقِيلَ: كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ-وَكَانَ أَبُوهُمْ قَدْ خَلَّفَ لَهُمْ هَذِهِ الْجَنَّةَ، وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُمْ يَسِيرُ فِيهَا سِيرَةً حَسَنَةً، فَكَانَ مَا اسْتَغَلَّهُ مِنْهَا يَرُدُّ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَيَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَاضِلِ. فَلَمَّا مَاتَ وَرِثَهُ بَنُوهُ، قَالُوا: لَقَدْ كَانَ أَبُونَا أحمقَ إِذْ كَانَ يَصْرِفُ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ أنَّا مَنَعْنَاهُمْ لَتَوَفَّرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا. فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ عُوقِبوا بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا بأيديهم بالكلية، رأس المال الربح وَالصَّدَقَةَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أَيْ: هَكَذَا عَذَابُ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ، وَبَخِلَ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ حَقَّ الْمِسْكِينِ وَالْفُقَرَاءِ (2) وَذَوِي الْحَاجَاتِ، وَبَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} أَيْ: هَذِهِ عُقُوبَةُ الدُّنْيَا كَمَا سَمِعْتُمْ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْجِدَادِ (3) بِاللَّيْلِ، وَالْحَصَادِ بِاللَّيْلِ (4) .
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ
(34)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) }
(1) في أ: "جردان".
(2)
في أ: "حق المسكين والفقير".
(3)
في م، أ، هـ:"الجذاذ" بالذال وهو خطأ والمثبت من سنن البيهقي.
(4)
سنن البيهقي الكبرى (4/133) والجداد -بالدال بالفتح والكسر- قال ابن الأثير في النهاية (1/244) : "هي صرام النخل، وهو قطع ثمرتها، يقال: جد الثمرة يجدها جدا، وإنما نهى عن ذلك لأجل المساكين حتى يحضروا في النهار فيتصدق عليهم منه".