الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ لَا تَسْجُدُ لِلْمَلِكِ؟ قَالَ: إِنَّا لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل. قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ، فَأَمَرَنَا أَلَّا نَسْجُدَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ؟ قَالُوا: نَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ البَتُول، الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَر وَلَمْ يَفْرضْها (1) وَلَدٌ. قَالَ: فَرَفَعَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، وَاللَّهِ مَا يَزِيدُونَ عَلَى الَّذِي نَقُولُ فِيهِ، مَا يُسَاوِي هَذَا. مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ وَأُوَضِّئُهُ. وأمَرَ بِهَدِيَّةِ الآخرَين فَرُدَّتْ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ تَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَ بَدْرًا، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفَرَ لَهُ حِينَ بلَغه مَوْتُهُ (2)
وَقَدْ رُويت هَذِهِ القصةُ عَنْ جَعْفَرٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما، وَمَوْضِعُ ذَلِكَ كِتَابُ السِّيرَةِ. وَالْمَقْصِدُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام لَمْ تَزَلْ تَنْعَتُهُ وَتَحْكِيهِ فِي كُتُبِهَا عَلَى أُمَمِهَا، وَتَأْمُرُهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَنَصْرِهِ وَمُوَازَرَتِهِ إِذَا بُعِثَ. وَكَانَ مَا اشْتَهَرَ الْأَمْرُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَالِدِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ، حِينَ دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، وَكَذَا عَلَى لِسَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا:"أَخْبِرْنَا عَنْ بَدْء أَمْرِكَ" يَعْنِي: فِي الْأَرْضِ، قَالَ:"دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ" أَيْ: ظَهَرَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ أَثَرُ ذَلِكَ وَالْإِرْهَاصُ بِذِكْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ جَرِيرٍ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} أَحْمَدُ، أَيِ: الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَقَادِمَةِ، المنَّوه بِذِكْرِهِ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ، لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ الْكَفَرَةُ وَالْمُخَالِفُونَ:{هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
(7)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ} أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَفْتَرِي الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ (3) وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا وَشُرَكَاءَ، وَهُوَ يُدْعَى إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(1) في أ: "ولم يعترضها".
(2)
المسند (1/461) .
(3)
في م: "يفتري على الله الكذب".