الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّالِثَةُ هِيَ هَذِهِ [ {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ](1)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزلْنَا} يَعْنِي: الْقُرْآنَ، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أَيْ: فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ خَافِيَةٌ.
وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وينَفُذَهم الْبَصَرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هُودٍ: 103] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الْوَاقِعَةِ: 49، 50]
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَغْبِنُونَ أَهْلَ النَّارِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَا غَبْنَ أعظمُ مِنْ أَنْ يُدْخَلَ هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ، ويُذْهَب بِأُولَئِكَ إِلَى النَّارِ.
قُلْتُ: وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مثلُ هَذِهِ (2) غَيْرَ مَرَّةٍ.
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(11)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الْحَدِيدِ: 22] وَهَكَذَا قَالَ هاهنا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَمْرِ اللَّهِ، يَعْنِي: عَنْ قَدَرِهِ (3) وَمَشِيئَتِهِ.
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أَيْ: وَمَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَعَلِمَ أَنَّهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَاسْتَسْلَمَ لِقَضَاءِ اللَّهِ، هَدَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وعَوَّضه عَمَّا فَاتَهُ مِنَ الدُّنْيَا هُدى فِي قَلْبِهِ، وَيَقِينًا صَادِقًا، وَقَدْ يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ خَيْرًا مِنْهُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يَعْنِي: يَهْدِ قَلْبَهُ لِلْيَقِينِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.
(1) زيادة من م فصل 1.
(2)
في م: "هذا"، وفي أ:"ذلك".
(3)
في أ: "عن قدرته".
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظِبْيان قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلْقَمَةَ فَقُرِئَ عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (1) وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (2)
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يَعْنِي: يَسْتَرْجِعُ، يَقُولُ:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [الْبَقَرَةِ: 156]
وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ، لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ"(3)
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاح؛ أَنَّهُ سَمِعَ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:"إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقٌ بِهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". قَالَ: أُرِيدُ أهونَ مِنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "لَا تَتَّهِمِ اللَّهَ فِي شَيْءٍ، قَضَى لَكَ بِهِ". لَمْ يُخَرِّجُوهُ (4)
وَقَوْلُهُ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أمرٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهُ فِيمَا شَرَعَ، وَفِعْلُ مَا بِهِ أَمَرَ وَتَرْكُ مَا عَنْهُ نَهَى (5) وَزَجَرَ، ثُمَّ قَالَ:{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أَيْ: إِنْ نَكَلْتُمْ عَنِ الْعَمَلِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّل مِنَ الْبَلَاغِ، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتم مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ (6)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَقَالَ:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} فَالْأَوَّلُ خَبَرٌ عَنِ التَّوْحِيدِ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الطَّلَبِ، أَيْ: وَحِّدُوا الْإِلَهِيَّةَ لَهُ، وَأَخْلِصُوهَا لَدَيْهِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل: 9] .
(1) تفسير الطبري (28/79) .
(2)
في م: "وابن أبي حاتم في تفسيرهما".
(3)
الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم (2999) من حديث صهيب الرومي، رضي الله عنه.
(4)
المسند (5/318) .
(5)
في م: "ما ينهي عنه".
(6)
رواه البخاري في صحيحه معلقًا (13/503)"فتح".