المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌(4)

- ‌7

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌ الْمُجَادَلَةِ

- ‌(1) }

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(7) }

- ‌8]

- ‌(11) }

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌ 21]

- ‌ الْمُمْتَحَنَةِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(14) }

- ‌ الْجُمُعَةِ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌ الْمُنَافِقُونَ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌ التَّغَابُنِ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌ الطَّلَاقِ

- ‌(1) }

- ‌(2)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌ التَّحْرِيمِ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(8) }

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌ الْمُلْكُ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(13)

- ‌(16)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌الْقَلَمِ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(34)

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(48)

- ‌ الْحَاقَّةِ

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(25)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(44)

- ‌(1)

- ‌ الْمَعَارِجِ

- ‌8]

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌ نُوحٍ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌ الْجِنِّ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(25)

- ‌ الْمُزَّمِّلِ

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(19) }

- ‌(20) }

- ‌ الْمُدَّثِّرِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(18)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(48)

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌(1)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(26)

- ‌ الْإِنْسَانِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(13)

- ‌ 23]

- ‌(26)

- ‌ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌(1)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(29)

- ‌(41)

- ‌ النَّبَأِ

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(31)

- ‌(37)

- ‌ النَّازِعَاتِ

- ‌(1)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(27)

- ‌(34)

- ‌ عَبَسَ

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌ الإنْسَانُ

- ‌(3)

- ‌[الرُّومِ:

- ‌20]

- ‌(عَبَسَ

- ‌(33)

- ‌[نُوحٍ:

- ‌27]

- ‌ التَّكْوِيرِ

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌ الِانْفِطَارِ

- ‌(1)

- ‌(13)

- ‌ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(18)

- ‌(29)

- ‌(35)

- ‌(1)

- ‌ الِانْشِقَاقِ

- ‌(16)

- ‌ الْبُرُوجِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌ الطَّارِقِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌ الأعْلَى

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌ الْغَاشِيَةِ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(17)

- ‌ الْفَجْرِ

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌ الْبَلَدِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌الشَّمْسِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌ اللَّيْلِ

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌ الضُّحَى

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الشَّرْحِ

- ‌التِّينِ

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌ الْقَدْرِ

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الْبَيِّنَةُ

- ‌6]

- ‌(8) }

- ‌(1)

- ‌ الْعَادِيَاتِ

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌ الْقَارِعَةِ

- ‌(1)

- ‌ التَّكَاثُرِ

- ‌(1)

- ‌الْعَصْرِ

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الهُمَزة

- ‌ الْفِيلِ

- ‌(1)

- ‌ قُرَيْشٍ

- ‌(1)

- ‌ الْمَاعُونُ

- ‌(1)

- ‌ الْكَوْثَرِ

- ‌(1)

- ‌ الْكَافِرُونَ

- ‌(1) [

- ‌(1)

- ‌ النصر

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الْفَلَقِ

- ‌(1)

- ‌ النَّاسِ

- ‌(4)

الفصل: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ،

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، نَحْوَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.

قُلْتُ: وَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ.

قُلْتُ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُنَجَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر بْنِ اللَّتي ‌

(1)

أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيب السَّجْزيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَية السرَخسِيّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عُمَر بْنِ عِمْرَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ بِجَمِيعِ مُسْنَدِهِ (2) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ

فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَتَسَلْسَلَ لَنَا قِرَاءَتُهَا إِلَى شَيْخِنَا أَبِي الْعَبَّاسِ الْحَجَّارِ، وَلَمْ يَقْرَأْهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا، وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَلْقِينِهَا إِيَّاهُ. وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيُّ، رحمه الله: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَانُ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُنَجَّا بْنُ اللَّتي (3) فَذَكَرَهَ بِإِسْنَادِهِ، وتَسلل (4) لِي مِنْ طَرِيقَةٍ، وَقَرَأَهَا عَلَيَّ بِكَمَالِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

بسم الله الرحمن الرحيم

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) }

تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} غَيْرَ مَرَّةٍ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ؟ إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَعد عدَةً، أَوْ يَقُولُ قَوْلًا لَا يَفِي بِهِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ غُرم لِلْمَوْعُودِ أَمْ لَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا مِنَ السُّنَّةِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّث كَذَبَ، إِذَا وَعَد أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ"(5) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَة مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعها"(6) -فَذَكَرَ مِنْهُنَّ إِخْلَافَ الْوَعْدِ. وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي أَوَّلِ "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ"، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَلِهَذَا أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}

(1) في أ: "الليثي".

(2)

في أ: "سنده".

(3)

في أ: "الليثي".

(4)

في أ: "وتسلسل".

(5)

صحيح البخاري برقم (33) وصحيح مسلم برقم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

صحيح البخاري برقم (34) وصحيح مسلم برقم (58) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما.

ص: 105

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أحمدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [فِي بَيْتِنَا](1) وَأَنَا صَبِيٌّ قَالَ: فَذَهَبْتُ لِأَخْرُجَ لِأَلْعَبَ، فَقَالَتْ أُمِّي: يَا عَبْدَ اللَّهِ: تَعَالَ أُعْطِكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعطِيه؟ ". قَالَتْ: تَمْرًا. فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبت عَلَيْكِ كِذْبة"(2)

وَذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، رحمه الله، إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْوَعْدِ غُرم عَلَى الْمَوْعُودِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ:"تَزَوَّجْ وَلَكَ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا". فتزوجَ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبْ مُطْلَقًا، وَحَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ تَمَنَّوْا فَرضِيَّة الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فُرِضَ نَكَلَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النِّسَاءِ: 77، 78] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} الْآيَةَ [مُحَمَّدٍ: 20] وَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنَاهَا، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ يَقُولُونَ: لَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل-دَلَّنَا عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ، فنعملَ بِهِ. فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إيمانٌ بِهِ (3) لَا شَكَّ فِيهِ، وَجِهَادُ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ الَّذِينَ خَالَفُوا الْإِيمَانَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِهِ. فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَادُ كَرِهَ ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ؟. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ (4) .

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيّان: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَا بِهِ. فَدَلَّهُمُ اللَّهُ عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ، فَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} فَبَيَّنَ لَهُمْ، فَابْتُلُوا يَوْمَ أُحُدٍ بِذَلِكَ، فَوَلَّوْا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُدْبِرِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ؟ وَقَالَ: أَحَبُّكُمْ إِلَيَّ مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِي.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ الْقِتَالِ، يَقُولُ الرَّجُلُ:"قَاتَلْتُ"، وَلَمْ يُقَاتِلْ (5) وَطَعَنْتُ" وَلَمْ يَطْعَنْ وَ "ضَرَبْتُ"، وَلَمْ يَضْرِبْ وَ "صَبَرْتُ"، وَلَمْ يَصْبِرْ.

وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ (6) تَوْبِيخًا لِقَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ: "قَتَلْنَا، ضَرَبْنَا، طَعَنَّا، وَفَعَلْنَا". وَلَمْ يَكُونُوا فعلوا ذلك.

(1) زيادة من المسند.

(2)

المسند (3/447) وسنن أبي داود برقم (4991) .

(3)

في م: "إيمان بالله".

(4)

تفسير الطبري (28/56) .

(5)

في م: "ولم أقاتل".

(6)

في م: "أنزلت".

ص: 106

وَقَالَ ابْنُ يَزِيدَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، كَانُوا يَعدون الْمُسْلِمِينَ النصرَ، وَلَا يَفُون لَهُمْ بِذَلِكَ.

وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} ؟، قَالَ: فِي الْجِهَادِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالُوا فِي مَجْلِسٍ: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ، لِعَمِلْنَا بِهَا حَتَّى نَمُوتَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِيهِمْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: لَا أَبْرَحُ (1) حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَمُوتَ. فَقُتِلَ شَهِيدًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ مُسْهِر (2) عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ (3) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ أَبُو مُوسَى إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ. أَنْتُمْ قُرَّاءُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَخِيَارُهُمْ. وَقَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ، فَأُنْسِيْنَاهَا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} فَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى بِمَحَبَّةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اصْطَفُّوا مُوَاجِهِينَ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَدِينُهُ هُوَ الظَّاهِرُ الْعَالِي عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، قَالَ مُجالد أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِي الودَّاك، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمُ: الرَّجُلُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، وَالْقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِلصَّلَاةِ، وَالْقَوْمُ إِذَا صَفُّوا لِلْقِتَالِ".

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الوَدَّاك جَبْرِ بْنِ نَوْفٍ، بِهِ (4) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْن، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ -يَعْنِي ابْنَ شَيْبَانَ-حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير قَالَ: قَالَ مُطرَف: كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ كُنْتُ أَشْتَهِي لِقَاءَهُ، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْكَ حَدِيثٌ، فَكُنْتُ أَشْتَهِي لِقَاءَكَ، فَقَالَ: لِلَّهِ أَبُوكَ! فَقَدْ لَقِيتَ، فَهَاتِ. فَقُلْتُ: كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْكَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَكُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةً وَيُبْغِضُ ثَلَاثَةً؟ قَالَ: أَجَلْ، فَلَا إِخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: فَمَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: رَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَرَجَ مُحْتَسِبًا مُجَاهِدًا فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَقُتِلَ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ، ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} وذكر الحديث.

(1) في أ: "فما أبرح".

(2)

في أ: "شهر".

(3)

في أ: "الديلمي".

(4)

المسند (3/80) وسنن ابن ماجة برقم (200) وقال البوصيري في الزوائد (1/87) : "هذا إسناد فيه مقال، مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقرونًا بغيره قال ابن عدى: عامة ما يرويه غير محفوظ".

ص: 107

هَكَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا السِّيَاقِ، وَبِهَذَا اللَّفْظِ، وَاخْتَصَرَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعَي بْنِ حِرَاش، عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيان، عَنْ أَبِي ذَرّ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَأَتَمَّ (1) وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: "عَبْدَيِ الْمُتَوَكِّلُ الْمُخْتَارُ لَيْسَ بفَظّ وَلَا غَليظ وَلَا صَخَّاب فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَابَةَ، وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ، وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يحمَدُون اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ، لَهُمْ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ بالسحَر، يُوَضّون أَطْرَافَهُمْ، وَيَأْتَزِرُونَ عَلَى أَنْصَافِهِمْ، صَفُّهُمْ فِي الْقِتَالِ مِثْلُ صَفِّهِمْ فِي الصَّلَاةِ". ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} رُعَاةُ الشَّمْسِ، يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُمْ، وَلَوْ على ظهر دابة" رواه بن أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ إِلَّا أَنْ يُصَافَّهُمْ، وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} مُلْتَصِقٌ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، مِنَ الصَّفِّ فِي الْقِتَالِ.

وَقَالَ مقاتل بن حيان: مُلْتَصِقٌ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} مُثَبّت، لَا يَزُولُ، مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} أَلَمْ تَرَ إِلَى صَاحِبِ الْبُنْيَانِ، كَيْفَ لَا يُحِبُّ أَنْ يَخْتَلِفَ بُنْيَانُهُ؟ فَكَذَلِكَ اللَّهُ عز وجل [يُحِبُّ أَنْ](2) لَا يَخْتَلِفَ أَمْرُهُ، وَإِنَّ اللَّهَ صَفَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي قِتَالِهِمْ وَصَفَّهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، فَعَلَيْكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِمَنْ أَخَذَ بِهِ. أَوْرَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمرو السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ (3) قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ عَلَى الْخَيْلِ، وَيَسْتَحِبُّونَ الْقِتَالَ عَلَى الْأَرْضِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَحْرِيَّةَ (4) يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي التفتُّ فِي الصَّفِّ فَجَثُوا في لَحيي (5)

(1) سنن الترمذي برقم (2568) وسنن النسائي (5/84، 3/207) وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح".

(2)

زيادة من م، أ.

(3)

في أ: "عن أبي يحيى به".

(4)

في أ: "أبو بحيرة".

(5)

تفسير الطبري (28/57) .

ص: 108