الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِكُمْ، بَلْ هُوَ عَالِمٌ بِالظَّوَاهِرِ وَالسَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقان، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا، فَإِنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ:{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (1) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَفَاعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فجدالٌ ومعاذيرُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيع، بِهِ (2) وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْب عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الحسن، عن أبي هريرة، بِهِ (3) .
وَقَدْ رَوَى ابنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدِ بن موسى، عن يزيد، بن سليم بْنِ حَيَّانَ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ: عَرْضَتَانِ، مَعَاذِيرُ وَخُصُومَاتٌ، وَالْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي. وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَروبة، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا مِثْلَهُ (4) .
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ
(19)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ سَعَادَةِ مَنْ أَوُتِيَ كِتَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَمِينِهِ، وَفَرَحِهِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ فَرَحِهِ يَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} أَيْ: خُذُوا اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ خَيْرٌ وَحَسَنَاتٌ مَحْضَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ بَدل اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} أَيْ: هَا اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ، وَ "ؤُمْ" زَائِدَةٌ. كَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِمَعْنَى: هَاكُمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبَى حَاتِمٍ حَدَّثَنَا: بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ (5) الْوَاسِطِيُّ، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا
(1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا برقم (2) وذكره المؤلف في مسند عمر (2/618) وقال: "أثر مشهور وفيه انقطاع، وثابت بن الحجاج هذا جزري تابعي صغير لم يدرك، ولم يرو عنه سوى جعفر بن برقان، وله عند أبي داود في السنن حديثان".
(2)
المسند (14/414) وسنن ابن ماجة برقم (4277) وقال البوصيري في الزوائد (3/315) : "هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع، الحسن لم يسمح من أبي موسي. قاله علي لن المديني وأبو حاتم وأبو زرعة".
(3)
سنن الترمذي برقم (2425) .
(4)
تفسير الطبري (29/38) .
(5)
في أ: "بشر بن مطير".
عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: الْمُؤْمِنُ يُعْطَى كِتَابَهُ [بِيَمِينِهِ](1) فِي سِتْرٍ مِنَ اللَّهِ، فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتِهِ، فَكُلَّمَا قَرَأَ سَيِّئَةً تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حَتَّى يَمُرَّ بِحَسَنَاتِهِ فَيَقْرَؤُهَا، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ لَوْنُهُ. ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِذَا سَيِّئَاتُهُ قَدْ بُدِّلَتْ حَسَنَاتٍ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ (2) أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ -غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ-قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقِفُ عَبْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُبْدِي سَيِّئَاتِهِ فِي ظَهْرِ صَحِيفَتِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ عَمِلْتَ هَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ. فَيَقُولُ لَهُ إِنِّي لَمْ أَفْضَحْكَ بِهِ، وَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ. فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} حِينَ نَجَا مِنْ فَضْحه يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ حديثُ ابْنِ عُمَرَ حِينَ سُئِلَ عَنِ النجوى، فقال: سمعت النبي الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُدْنِي اللهُ العبدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فيُقَرِّره بِذُنُوبِهِ كُلِّهَا، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ اللَّهُ: إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. ثُمَّ يُعطَى كتابَ حَسَنَاتِهِ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الْأَشْهَادِ:{هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هُودٍ: 18](3) .
وَقَوْلُهُ: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} أَيْ: قَدْ كُنْتُ مُوقِنًا فِي الدُّنْيَا أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، كَمَا قَالَ:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [الْبَقَرَةِ: 46] .
قَالَ اللَّهُ: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أَيْ: مُرْضِيَّةٍ، {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} أَيْ: رَفِيعَةٌ قُصُورُهَا، حِسَانٌ حُورُهَا، نَعِيمَةٌ دُورُهَا، دَائِمٌ حُبُورُهَا.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ السَّكُوني، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْأَسْوَدِ قَالَ: سمعتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: سَأَلَ رجلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ يَتَزَاوَرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّهُ لَيَهْبِطُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا إِلَى أَهْلِ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى، فَيُحَيُّونَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى يَصْعَدُونَ إِلَى الْأَعْلَيْنَ، تَقْصُرُ بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ"(4)
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "إِنَّ الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"(5) .
وَقَوْلُهُ: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَيْ قَرِيبَةٌ، يَتَنَاوَلُهَا أَحَدُهُمْ، وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى سَرِيرِهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: [حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدُّبُرِيُّ](6) عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سفيان الثوري،
(1) زيادة من م.
(2)
في أ: "موسى بن أبي عبيدة".
(3)
انظر: تفسير الآية: 18 من سورة هود وتخريجه هناك.
(4)
ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (421) من طريق جعفر بن الزبير وبشر بن نمير، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعًا بنحوه، وجعفر بن الزبير وبشر بن نمير متروكان واتهما بالوضع.
(5)
صحيح البخاري برقم (2790) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(6)
زيادة من المعجم الكبير للطبراني (6/272) .