المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تَفْسِيرُ سُورَةِ‌ ‌ الْفَجْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ، - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌(4)

- ‌7

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌ الْمُجَادَلَةِ

- ‌(1) }

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(7) }

- ‌8]

- ‌(11) }

- ‌(12)

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌ 21]

- ‌ الْمُمْتَحَنَةِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(14) }

- ‌ الْجُمُعَةِ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌ الْمُنَافِقُونَ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌ التَّغَابُنِ

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌ الطَّلَاقِ

- ‌(1) }

- ‌(2)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(12) }

- ‌ التَّحْرِيمِ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(8) }

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌ الْمُلْكُ

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(13)

- ‌(16)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌الْقَلَمِ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(34)

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(48)

- ‌ الْحَاقَّةِ

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(25)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(44)

- ‌(1)

- ‌ الْمَعَارِجِ

- ‌8]

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌ نُوحٍ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌ الْجِنِّ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(11)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(25)

- ‌ الْمُزَّمِّلِ

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(19) }

- ‌(20) }

- ‌ الْمُدَّثِّرِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(18)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(48)

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌(1)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(26)

- ‌ الْإِنْسَانِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(13)

- ‌ 23]

- ‌(26)

- ‌ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌(1)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(29)

- ‌(41)

- ‌ النَّبَأِ

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(31)

- ‌(37)

- ‌ النَّازِعَاتِ

- ‌(1)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(27)

- ‌(34)

- ‌ عَبَسَ

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌ الإنْسَانُ

- ‌(3)

- ‌[الرُّومِ:

- ‌20]

- ‌(عَبَسَ

- ‌(33)

- ‌[نُوحٍ:

- ‌27]

- ‌ التَّكْوِيرِ

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌ الِانْفِطَارِ

- ‌(1)

- ‌(13)

- ‌ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(18)

- ‌(29)

- ‌(35)

- ‌(1)

- ‌ الِانْشِقَاقِ

- ‌(16)

- ‌ الْبُرُوجِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌ الطَّارِقِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌ الأعْلَى

- ‌(1)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌ الْغَاشِيَةِ

- ‌(1)

- ‌(8)

- ‌(17)

- ‌ الْفَجْرِ

- ‌(1)

- ‌(15)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌ الْبَلَدِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌الشَّمْسِ

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌ اللَّيْلِ

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌ الضُّحَى

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الشَّرْحِ

- ‌التِّينِ

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌ الْقَدْرِ

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الْبَيِّنَةُ

- ‌6]

- ‌(8) }

- ‌(1)

- ‌ الْعَادِيَاتِ

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌ الْقَارِعَةِ

- ‌(1)

- ‌ التَّكَاثُرِ

- ‌(1)

- ‌الْعَصْرِ

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الهُمَزة

- ‌ الْفِيلِ

- ‌(1)

- ‌ قُرَيْشٍ

- ‌(1)

- ‌ الْمَاعُونُ

- ‌(1)

- ‌ الْكَوْثَرِ

- ‌(1)

- ‌ الْكَافِرُونَ

- ‌(1) [

- ‌(1)

- ‌ النصر

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌(1)

- ‌ الْفَلَقِ

- ‌(1)

- ‌ النَّاسِ

- ‌(4)

الفصل: تَفْسِيرُ سُورَةِ‌ ‌ الْفَجْرِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ،

تَفْسِيرُ سُورَةِ‌

‌ الْفَجْرِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثار وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ صَلَاةً، فَجَاءَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ فطَول، فَصَلَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: مُنَافِقٌ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ الْفَتَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أُصَلِّي مَعَهُ فَطَوّل عَلَيّ، فَانْصَرَفْتُ وصليتُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَعَلَّقْتُ نَاضِحِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أفَتَّان يَا مُعَاذُ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِن {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} {وَالْفَجْرِ} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}

(1)

.

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) }

أَمَّا الْفَجْرُ فَمَعْرُوفٌ، وَهُوَ: الصُّبْحُ. قَالَهُ عَلَيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: الْمُرَادُ بِهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً، وَهُوَ خَاتِمَةُ اللَّيَالِي الْعَشْرِ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ الَّتِي تُفْعَلُ عِنْدَهُ، كَمَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ النَّهَارِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:"مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" -يَعْنِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ -قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"(2) .

(1) سنن النسائي الكبرى برقم (11673) .

(2)

صحيح البخاري برقم (969) .

ص: 390

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْعَشْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، حكاه أبو جعفر ابن جَرِيرٍ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ (1) وَقَدْ رَوَى أَبُو كُدَيْنة، عَنْ قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظِبْيان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} قَالَ: هُوَ الْعَشْرُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ.

وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا عَيَّاش بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي خَير بْنُ نُعَيم، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ".

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، بِهِ (2) وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، بِهِ (3) وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ، وَعِنْدِي أَنَّ الْمَتْنَ فِي رَفْعِهِ نَكَارَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، لِكَوْنِهِ التَّاسِعَ، وَأَنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ لِكَوْنِهِ الْعَاشِرَ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ أَيْضًا.

قَوْلٌ ثَانٍ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنِي عقبة بن خالد، عن واصل ابن السَّائِبِ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قلتُ: صَلَاتُنَا وِتْرَنَا هَذَا؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْوَتْرَ لَيْلَةُ الْأَضْحَى.

قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ النُّعْمَانِ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ-عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي بِمَكَّةَ قال: سمعتُ عبد الله ابن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي عَنِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. فَقَالَ: الشَّفْعُ قَوْلُ اللَّهِ، عز وجل:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} وَالْوَتْرُ قَوْلُهُ: {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الْبَقَرَةِ: 203] .

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُرْتَفِعِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: الشَّفْعُ أَوْسَطُ أَيَّامِ (4) التَّشْرِيقِ، وَالْوَتْرُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيرة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وهو وتر يحب الوتر"(5) .

قَوْلٌ رَابِعٌ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْخَلْقُ كُلُّهُمْ شَفْعٌ، وَوِتْرٌ، أَقْسَمَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الأول.

(1) في أ: "إلى واحد".

(2)

المسند (3/327) وسنن النسائي الكبرى برقم (1671) .

(3)

تفسير الطبري (30/108) .

(4)

في أ: "الشفع الأيام من".

(5)

صحيح البخاري برقم (6410) وصحيح مسلم برقم (2677) .

ص: 391

وَقَالَ العَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قَالَ: اللَّهُ وِتْرٌ وَاحِدٌ، وَأَنْتُمْ شَفْعٌ. وَيُقَالُ: الشَّفْعُ صَلَاةُ الْغَدَاةِ، وَالْوَتْرُ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ.

قَوْلٌ خَامِسٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ:{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قَالَ: الشَّفْعُ الزَّوْجُ، وَالْوَتْرُ: اللَّهُ عز وجل.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: اللَّهُ الْوَتْرُ، وَخَلْقُهُ الشَّفْعُ، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ:{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ شَفْعٌ، السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَنَحْوُ هَذَا. وَنَحَا مُجَاهِدٌ فِي هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذَّارِيَاتِ:49] أَيْ: لِتَعْلَمُوا أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ وَاحِدٌ.

قَوْلٌ سَادِسٌ: قَالَ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ:{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} هُوَ الْعَدَدُ، مِنْهُ شَفْعٌ وَمِنْهُ وَتْرٌ.

قَوْلٌ سَابِعٌ: فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رَوَاهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ وابنُ جَرير مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَرُوي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَبَرٌ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: حَدَّثَنِي عَبد اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي عَيَّاشُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي خَيْرُ (1) بْنُ نُعَيم، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "الشَّفْعُ الْيَوْمَانِ، وَالْوَتَرُ الْيَوْمُ الثَّالِثُ"(2) .

هَكَذَا وَرَدَ هَذَا الْخَبَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ اللَّفْظِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَمَا رَوَاهُ هُوَ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُمَا: هِيَ الصَّلَاةُ، مِنْهَا شَفْعٌ كَالرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّنَائِيَّةِ، وَمِنْهَا وَتْرٌ كَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ، وَهِيَ وَتْرُ النَّهَارِ. وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْوِتْرِ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ.

وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ:{وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قَالَ: هِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، مِنْهَا شَفْعٌ وَمِنْهَا وَتْرٌ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَمَوْقُوفٌ، وَلَفْظُهُ خَاصٌّ بِالْمَكْتُوبَةِ. وَقَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُهُ عَامٌّ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ -هُوَ الطَّيَالِسِيُّ-حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ: أَنَّ شَيْخًا (3) حَدَّثَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِل عَنِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، فَقَالَ:"هِيَ الصَّلَاةُ، بَعْضُهَا شَفْعٌ، وَبَعْضُهَا وَتْرٌ"(4) .

هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بُنْدَار، عَنِ عَفَّانَ وَعَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، كِلَاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ -وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى-عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ، عن

(1) في أ: "حدثني القطراني".

(2)

تفسير الطبري (30/109) .

(3)

في أ: "أن جبيرا".

(4)

المسند (4/437) .

ص: 392

شَيْخٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (1) وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيّ وَأَبِي دَاوُدَ، كِلَاهُمَا عَنْ همام، عن قتادة، عن عمران بن عصام، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ (2) .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ، عَنْ عِمْرَانَ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ (3) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ الضُّبَعِيِّ -شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ-عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ، هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي تَفْسِيرِهِ، فَجَعَلَ الشَّيْخَ الْبَصْرِيَّ هُوَ عِمْرَانَ بْنَ عِصَامٍ [الضُّبَعِيَّ](4) .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قَالَ:"هِيَ الصَّلَاةُ مِنْهَا شَفْعٌ، وَمِنْهَا وَتْرٌ"(5) .

فَأَسْقَطَ ذِكْرَ الشَّيْخِ الْمُبْهَمِ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْنُ عِصَامٍ الضُّبَعِيُّ أَبُو عُمَارَةَ الْبَصْرِيُّ، إِمَامُ مَسْجِدِ بَنِي ضُبَيعة وَهُوَ وَالِدُ أَبِي جَمْرَة (6) نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ. رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ، وَابْنُهُ أَبُو جَمْرَةَ (7) وَالْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حبَّان فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ (8) وَذَكَرَهُ خَلِيفَةُ ابن خَيَاط فِي التَّابِعِينَ (9) مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ شَرِيفًا نَبِيلًا حَظِيًّا عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، ثُمَّ قَتَلَهُ يَوْمَ الزَّاوِيَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ (10) وَثَمَانِينَ لِخُرُوجِهِ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ. وَعِنْدِي أَنَّ وَقْفَهُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمْ يَجْزِمِ ابْنُ جَرِيرٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ.

وَقَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (11) قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ إِذَا ذَهَبَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} حَتَّى يُذْهِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِ زَيْدٍ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} إِذَا سَارَ.

وَهَذَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَيْ: ذَهَبَ. ويحتمل أن يكون المراد إذا سار،

(1) تفسير الطبري (30/109) .

(2)

سنن الترمذي برقم (3342) .

(3)

في أ: "أخبرنا هشام".

(4)

زيادة من أ.

(5)

تفسير الطبري (30/109) .

(6)

في أ: "أبي حمزة".

(7)

في أ: "أبي حمزة".

(8)

الثقات (5/234) .

(9)

في أ: "المتابعين".

(10)

في م: "سنة ثنتين".

(11)

في م: "يسرى".

ص: 393

أَيْ: أَقْبَلَ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: {وَالْفَجْرِ} فَإِنَّ الْفَجْرَ هُوَ إِقْبَالُ النَّهَارِ وَإِدْبَارُ اللَّيْلِ، فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (1) عَلَى إِقْبَالِهِ كَانَ قَسَمًا بِإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِ النَّهَارِ، وَبِالْعَكْسِ، كَقَوْلِهِ:{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التَّكْوِيرِ:17، 18] . وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: { [وَاللَّيْلِ] إِذَا يَسْرِ} (2) أَيْ: يَجْرِي.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} يَعْنِي: لَيْلَةَ جَمْع. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} قَالَ: اسْرِ يَا سَارِ وَلَا تَبِينَ إِلَّا بجَمْع.

وَقَوْلُهُ: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أَيْ: لِذِي عَقْلٍ وَلُبٍّ وَحِجَا [وَدِينٍ](3) وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْلُ حجْرًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ مِنْ تَعَاطِي مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَمِنْهُ حجْرُ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الطَّائِفَ مِنَ اللُّصُوقِ بِجِدَارِهِ الشَّامِيِّ. وَمِنْهُ حِجْرُ الْيَمَامَةِ، وحَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا مَنَعَهُ التَّصَرُّفَ، {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الْفُرْقَانِ:22] ، كُلُّ هَذَا مِنْ قَبِيلٍ وَاحِدٍ، وَمَعْنًى مُتَقَارِبٍ، وَهَذَا الْقَسَمُ هُوَ بِأَوْقَاتِ الْعِبَادَةِ، وَبِنَفْسِ الْعِبَادَةِ مِنْ حَجٍّ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرَبِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا [إِلَيْهِ عِبَادُهُ](4) الْمُتَّقُونَ الْمُطِيعُونَ لَهُ، الْخَائِفُونَ مِنْهُ، الْمُتَوَاضِعُونَ لَدَيْهِ، الْخَاشِعُونَ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ وَعِبَادَتَهُمْ وَطَاعَتَهُمْ قَالَ بَعْدَهُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} وَهَؤُلَاءِ كَانُوا مُتَمَرِّدِينَ عُتَاةً جَبَّارِينَ، خَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ مُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِ، جَاحِدِينَ لِكُتُبِهِ. فَذَكَرَ تَعَالَى كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ وَدَمَّرَهُمْ، وَجَعَلَهُمْ أَحَادِيثَ وعبَرا، فَقَالَ:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} وَهَؤُلَاءِ عَادٌ الْأَوْلَى، وَهُمْ أَوْلَادُ عَادِ بْنِ إِرَمَ بْنِ عَوص بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُمُ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَسُولَهُ هُودًا، عليه السلام، فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ، فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ آمَنُ مَعَهُ مِنْهُمْ، وَأَهْلَكَهُمْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الْحَاقَّةِ:7، 8] وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّتَهُمْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ، لِيَعْتَبِرَ بِمَصْرَعِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (5) عَطْفُ بَيَانٍ؛ زِيَادَةُ تَعْرِيفٍ بِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {ذَاتِ الْعِمَادِ} لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْكُنُونَ بُيُوتَ الشِّعر الَّتِي تُرْفَعُ بِالْأَعْمِدَةِ الشِّدَادِ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ (6) خِلْقَةً وَأَقْوَاهُمْ بَطْشًا، وَلِهَذَا ذكَّرهم هُودٌ بِتِلْكَ النِّعْمَةِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنْ يَسْتَعْمِلُوهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ، فَقَالَ:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ [لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] } (7)[الأعراف:69] . وقال تعالى:

(1) في م: "يسرى".

(2)

زيادة من م، أ.

(3)

زيادة من م.

(4)

زيادة من م، أ.

(5)

في م: "بعاد إرم".

(6)

في م: "زيادتهم".

(7)

في م، أ، هـ:"ولا تعثوا في الأرض مفسدين" والصواب ما أثبتناه.

ص: 394

{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فُصِّلَتْ:15]، وَقَالَ هَاهُنَا:{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أَيِ: الْقَبِيلَةُ الَّتِي لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهَا فِي بِلَادِهِمْ، لِقُوَّتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ وَعِظَمِ تَرْكِيبِهِمْ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: إِرَمَ: أُمَّةٌ قَدِيمَةٌ. يَعْنِي: عَادًا الْأُولَى، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ، والسُّدِّيُّ: إِنَّ إِرَمَ بَيْتُ مَمْلَكَةِ عَادٍ. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالْكَلْبِيُّ فِي قَوْلِهِ:{ذَاتِ الْعِمَادِ} كَانُوا أَهْلَ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ: {ذَاتِ الْعِمَادِ} لِطُولِهِمْ.

وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ ابنُ جَرِيرٍ، وَرَدَّ الثَّانِي فَأَصَابَ.

وَقَوْلُهُ: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أَعَادَ ابْنُ زَيْدٍ الضميرَ عَلَى الْعِمَادِ؛ لِارْتِفَاعِهَا، وَقَالَ: بَنَوْا عُمُدا بِالْأَحْقَافِ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَأَمَّا قَتَادَةُ وَابْنُ جَرِيرٍ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْقَبِيلَةِ، أَيْ: لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي الْبِلَادِ، يَعْنِي فِي زَمَانِهِمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: الَّتِي لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَإِنَّمَا قَالَ:{لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ الْمِقْدَامِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ فَقَالَ:"كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْتِي عَلَى صَخْرَةٍ فَيَحْمِلُهَا عَلَى الْحَيِّ فَيُهْلِكُهُمْ"(1) .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ. قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابًا -قَدْ سَمَّى حَيْثُ قَرَأَهُ-: أَنَا شَدَّادُ بْنُ عَادٍ، وَأَنَا الَّذِي رَفَعْتُ الْعِمَادَ، وَأَنَا الَّذِي شَدَدْتُ بِذِرَاعِي نَظَرَ وَاحِدٍ، وَأَنَا الَّذِي كَنَزْتُ كَنْزًا عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

قُلْتُ: فَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ سَوَاءٌ كَانَتِ الْعِمَادُ أَبْنِيَةً بَنَوْهَا، أَوْ أَعْمِدَةَ بُيُوتِهِمْ لِلْبَدْوِ، أَوْ سِلَاحًا يُقَاتِلُونَ بِهِ، أَوْ طُولَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ -فَهُمْ قَبِيلَةٌ وَأُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ، وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ، الْمَقْرُونُونَ بِثَمُودَ كَمَا هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} مَدِينَةٌ إِمَّا دِمَشْقُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةَ، أَوِ إِسْكَنْدَرِيَّةُ كَمَا رُوي عَنِ القُرَظي (2) أَوْ غَيْرُهُمَا، فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ كَيْفَ يَلْتَئِمُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} إِنْ جَعَلَ ذَلِكَ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَّسِقُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ. ثُمَّ الْمُرَادُ إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ إِهْلَاكِ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِعَادٍ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ الَّذِي لَا يُرَد، لَا أَنَّ المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم.

(1) ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في فتح الباري لابن حجر (8/701) .

(2)

في أ: "القرطبي".

ص: 395

وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، مِنْ ذِكْرِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قُصُورُهَا وَدَوْرُهَا وَبَسَاتِينُهَا، وَإِنَّ حَصْبَاءَهَا (1) لَآلِئٌ وَجَوَاهِرُ، وَتُرَابُهَا بَنَادِقُ الْمِسْكِ، وَأَنْهَارُهَا سَارِحَةٌ، وَثِمَارُهَا سَاقِطَةٌ، وَدُورُهَا لَا أَنِيسَ بِهَا، وَسُورُهَا (2) وَأَبْوَابُهَا تَصْفَرُّ، لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ. وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ فَتَارَةٌ تَكُونُ بِأَرْضِ الشَّامِ، وَتَارَةٌ بِالْيَمَنِ، وَتَارَةٌ بِالْعِرَاقِ، وَتَارَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ -فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ، مِنْ وَضْعِ بَعْضِ زَنَادِقَتِهِمْ، لِيَخْتَبِرُوا بِذَلِكَ عُقُولَ الْجَهَلَةِ مِنَ النَّاسِ أَنْ تُصَدِّقَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ -وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قِلابة-فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ ذَهَبَ فِي طَلَبِ أَبَاعِرَ لَهُ شَرَدَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتِيهُ فِي ابْتِغَائِهَا، إِذْ طَلَعَ عَلَى مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ لَهَا سُورٌ وَأَبْوَابٌ، فَدَخَلَهَا فَوَجَدَ فِيهَا قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَدِينَةِ الذَّهَبِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَنَّهُ رَجَعَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ، فَذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قِصَّةَ {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} هَاهُنَا مُطَوَّلَةً جِدًّا، فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَيْسَ يَصِحُّ إِسْنَادُهَا، وَلَوْ صَحَّ إِلَى ذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ فَقَدْ يَكُونُ اخْتَلَقَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ أَصَابَهُ نَوْعٌ مِنَ الهَوَس وَالْخَبَالِ (3) فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا يُخْبِرُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالطَّامِعِينَ وَالْمُتَحَيِّلِينَ، مِنْ وُجُودِ مَطَالِبَ تَحْتَ الْأَرْضِ، فِيهَا قَنَاطِيرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْوَانِ الْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ (4) وَاللَّآلِئِ وَالْإِكْسِيرِ الْكَبِيرِ، لَكِنْ عَلَيْهَا مَوَانِعُ تَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَالْأَخْذِ مِنْهَا، فَيَحْتَالُونَ عَلَى أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ وَالضَّعَفَةِ وَالسُّفَهَاءِ، فَيَأْكُلُونَهَا بِالْبَاطِلِ فِي صَرْفِهَا فِي بَخَاخِيرَ وَعَقَاقِيرَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانَاتِ، ويَطْنزون بِهِمْ. وَالَّذِي يُجْزَمُ بِهِ أَنَّ فِي الْأَرْضِ دَفَائِنَ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامِيَّةً وَكُنُوزًا كَثِيرَةً، مَنْ ظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَمْكَنَهُ تَحْوِيلُهُ (5) فَأَمَّا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي زَعَمُوهَا فَكَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ وَبُهْتٌ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُونَ إِلَّا عَنْ نَقْلِهِمْ أَوْ نَقْلِ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى الْهَادِي لِلصَّوَابِ.

وقولُ ابْنِ جَرِيرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {إِرَمَ} قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً كَانَتْ عَادٌ تَسْكُنُهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تُصرَف فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ السِّيَاقِ إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْقَبِيلَةِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ:{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} يَعْنِي: يَقْطَعُونَ الصَّخْرَ بِالْوَادِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَنْحِتُونَهَا وَيَخْرِقُونَهَا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَمِنْهُ يُقَالُ:"مُجْتَابِي النِّمَارَ". إِذَا خَرَقُوهَا، وَاجْتَابَ الثَّوْبَ: إِذَا فَتَحَهُ. وَمِنْهُ الْجَيْبُ أَيْضًا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [الشُّعَرَاءِ:149] . وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا قَوْلَ الشَّاعِرِ:

(1) في أ: "وأن حصباؤها" وهو خطأ.

(2)

في م: "وسررها".

(3)

في م: "والخيال".

(4)

في م: "والياقوت".

(5)

في م: "تحويلها".

ص: 396

أَلَا كُلّ شَيْءٍ -مَا خَلا اللَّهَ-بائدٌ

كَما بَاد حَيٌّ مِنْ شَنِيفٍ وَمَارِدِ

هُم ضَرَبُوا فِي كُلِّ صَمَّاء صَعدة

بِأَيْدٍ شِدَاد أَيَّدَاتِ السَّواعد (1)

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا عَرَبًا، وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ بِوَادِي الْقُرَى. وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ "عَادٍ" مُسْتَقْصَاةً فِي سُورَةِ "الْأَعْرَافِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ} قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَوْتَادُ: الْجُنُودُ الَّذِينَ يَشُدُّونَ لَهُ أَمْرَهُ. وَيُقَالُ: كَانَ فِرْعَوْنُ يُوتِدُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ فِي أَوْتَادٍ مِنْ حَديد يُعَلِّقُهُمْ بِهَا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ يُوتِدُ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ. وَهَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ. قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَرْبِطُ الرَّجُلَ، كُلُّ قَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِهِ فِي وَتَدٍ ثُمَّ يُرْسِلُ عَلَيْهِ صَخْرَةً عَظِيمَةً فَتَشْدَخُهُ (2) .

وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ مَطَالٌّ وَمَلَاعِبٌ، يَلْعَبُ لَهُ تَحْتَهَا، مِنْ أَوْتَادٍ وَحِبَالٍ.

وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: قِيلَ لِفِرْعَوْنَ {ذِي الأوْتَادِ} ؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَ لِامْرَأَتِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى ظَهْرِهَا رَحًى عَظِيمَةً حَتَّى مَاتَتْ.

وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} أَيْ: تَمَرَّدُوا وَعَتَوْا وَعَاثُوا فِي الْأَرْضِ بِالْإِفْسَادِ وَالْأَذِيَّةِ لِلنَّاسِ، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} أَيْ: أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ، وَأَحَلَّ بِهِمْ عُقُوبَةً لَا يَرُدُّهَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْمَعُ وَيَرَى. يَعْنِي: يَرْصُدُ (3) خَلْقَهُ فِيمَا يَعْمَلُونَ، وَيُجَازِي كُلًّا بِسَعْيِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَسَيُعْرَضُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ، فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِعَدْلِهِ، وَيُقَابِلُ كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ. وَهُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا -وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَفِي صِحَّتِهِ-فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْبَيْسَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَدَى الْحَقِّ أَسِيرٌ. يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْكُنُ رَوْعُهُ وَلَا يَأْمَنُ اضْطِرَابُهُ حَتَّى يُخَلَّف جِسْرَ جَهَنَّمَ خَلْفَ ظَهْرِهِ. يَا مُعَاذُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَيَّدَهُ الْقُرْآنُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِ، وَعَنْ أَنْ يَهْلَكَ فِيهَا هُوَ بِإِذْنِ اللَّهِ، عز وجل، فَالْقُرْآنُ دَلِيلُهُ، وَالْخَوْفُ مَحَجَّتُهُ، وَالشَّوْقُ مَطِيَّتُهُ، وَالصَّلَاةُ كَهْفُهُ، وَالصَّوْمُ جَنَّتُهُ، وَالصَّدَقَةُ فِكَاكُهُ، وَالصِّدْقُ أَمِيرُهُ، وَالْحَيَاءُ وَزِيرُهُ، وَرَبُّهُ، عز وجل، مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمِرْصَادِ"(4) .

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يُونُسُ الْحَذَّاءُ وَأَبُو حَمْزَةَ مَجْهُولَانِ، وَأَبُو حَمْزَةَ عَنْ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ. وَلَوْ كَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ لَكَانَ حَسَنًا. أَيْ: لَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ لَكَانَ حَسَنًا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حاتم:

(1) تفسير الطبري (30/113) .

(2)

في أ: "فشخده".

(3)

في أ: "يراصد".

(4)

ورواه أبو نعيم في الحلية (10/31) من طريق إسحاق بن أبي حسان، عن أحمد بن أبي الحواري به، ورواه أبو نعيم في الحلية (1/26) من طريق عبد الملك بن أبي كريمة، عن أبي حاجب، عن عبد الرحمن، عن معاذ مرفوعا بنحوه.

ص: 397