الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 105] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنَا، بَعْدَ مَا أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ وَالْبَيِّنَاتِ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرِقٍ:"أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَأَنَّ النَّصَارَى اخْتَلَفُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً". قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي"(1) .
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} كَقَوْلِهِ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ: 25] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: حُنَفَاءُ، أَيْ: مُتَحنفين عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ. كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النَّحْلِ: 3
6]
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ الْحَنِيفِ فِي سُورَةِ "الْأَنْعَامِ"(2) بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
{وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} وَهِيَ أَشْرَفُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، {وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ (3) وَالْمَحَاوِيجِ. {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أَيْ: الْمِلَّةُ الْقَائِمَةُ الْعَادِلَةُ، أَوِ: الْأُمَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ الْمُعْتَدِلَةُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}
(1) جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة، وأنس، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن عوف المزني، وعوف بن مالك، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"هو حديث صحيح مشهور" وانظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1/447-450) .
(2)
عند تفسير الآية: 161.
(3)
في أ: "الفقير".
{جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ
(8) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مَآلِ الْفُجَّارِ، مِنْ كَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمُشْرِكِينَ الْمُخَالِفِينَ لَكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُرْسَلَةِ: أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: مَاكِثِينَ، لَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا وَلَا يَزُولُونَ {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} أَيْ: شَرُّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي بَرَأَهَا اللَّهُ وَذَرَأَهَا.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْأَبْرَارِ -الَّذِينَ آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِأَبْدَانِهِمْ-بِأَنَّهُمْ خير
الْبَرِيَّةِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، عَلَى تَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْبَرِيَّةِ (1) عَلَى الْمَلَائِكَةِ؛ لِقَوْلِهِ:{أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}
ثُمَّ قَالَ: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أَيْ: بِلَا انْفِصَالٍ وَلَا انْقِضَاءٍ وَلَا فَرَاغٍ.
{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وَمَقَامُ رِضَاهُ عَنْهُمْ أَعْلَى مِمَّا أُوتُوهُ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، {وَرَضُوا عَنْهُ} فِيمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ الْعَمِيمِ.
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أَيْ: هَذَا الْجَزَاءُ حَاصِلٌ لِمَنْ خَشِيَ اللَّهَ وَاتَّقَاهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَعَبَدَهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرَهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ -مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُلَّمَا كَانَتْ هَيْعَة اسْتَوَى عَلَيْهِ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "رَجُلٌ فِي ثُلَّة مِنْ غَنَمِهِ، يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ (2) الْبَرِيَّةِ؟ ". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "الَّذِي يَسأل بِاللَّهِ، وَلَا يُعطي بِهِ"(3) .
آخِرُ تفسير سورة "لم يكن"(4) .
(1) في أ: "من البشر".
(2)
في أ: "بخير".
(3)
المسند (2/396) وقال الهيثمي في المجمع (5/279) : "أبو معشر -نجيح- ضعيف، وأبو معشر (كذا فيه، والصواب: أبو وهب) مولى أبي هريرة لم أعرفه".
(4)
في م: "آخر تفسيرها".
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا زُلْزِلَتْ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدفي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ (1) لَهُ: "اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَاتِ الر". فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: كَبُرَ سِنِّي وَاسْتَدَّ (2) قَلْبِي، وغَلُظ لِسَانِي. قَالَ:"فَاقْرَأْ مِنْ ذَاتِ (3) حم"، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى. فَقَالَ:"اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ"، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي -يَا رَسُولَ اللَّهِ-سُورَةً جَامِعَةً. فَأَقْرَأَهُ: " إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا " حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ الرجلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزْيَدُ عَلَيْهَا أَبَدًا. ثُمَّ أَدْبَرَ الرِّجْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ! أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ! " ثُمَّ قَالَ: "عَلَيّ بِهِ". فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: "أمرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ". فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلَّا مَنيحَة أُنْثَى فَأُضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: "لَا وَلَكِنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ شِعْرِكَ، وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَكَ، وَتَقُصُّ شَارِبَكَ، وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ، فَذَاكَ تَمَامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ، عز وجل".
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ (4) بِهِ (5) .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الحَرشي الْبَصْرِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سلْم (6) بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُناني، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأَ " إِذَا زُلْزِلَتِ " عدلَت لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ (7)(8) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْحَرَشِيِّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ (9) عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعدلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، وَ " إِذَا زُلْزِلَتِ " تَعدلُ رُبْعَ الْقُرْآنِ". هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْر، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْعَنْزِيُّ، حَدَّثَنَا عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " " إِذَا زُلْزِلَتِ " تَعْدلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ، وَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، وَ " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ". ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَمَانِ بن المغيرة (10) .
(1) في م: "فقال".
(2)
في م: "واشتد".
(3)
في أ: "من ذوات".
(4)
في أ: "المقبري".
(5)
المسند (2/169) وسنن أبي داود برقم (1399) وسنن النسائي (7/212) .
(6)
في أ: "مسلم".
(7)
في م، أ:"مسلم".
(8)
سنن الترمذي برقم (2893) .
(9)
في م، أ:"مسلم".
(10)
سنن الترمذي برقم (2894) .