الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذهَبت فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: مَا رأيتُ شَيْئًا. قَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ تُجَامعنا.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ (1) .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيرة؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ". (2) .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير، عَنِ ابْنِ عُمَر وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمزَفَّت، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَيِ: اتَّقُوهُ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ؛ فَإِنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَأَبَاهُ، وَارْتَكَبَ مَا عَنْهُ زَجَرَهُ وَنَهَاهُ.
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
(8)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) }
(1) المسند (1/433) وصحيح البخاري برقم (4887) وصحيح مسلم برقم (2125) .
(2)
صحيح البخاري برقم (7288) وصحيح مسلم برقم (1337) .
(3)
سنن النسائي الكبرى برقم (11578) .
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
(10) }
يَقُولُ تَعَالَى مُبَيِّنًا حَالَ الْفُقَرَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِمَالِ الْفَيْءِ أَنَّهُمْ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} أَيْ: خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَخَالَفُوا قَوْمَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أَيْ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَدَقوا قَوْلَهُمْ بِفِعْلِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ سَادَاتُ الْمُهَاجِرِينَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مَادِحًا لِلْأَنْصَارِ، وَمُبَيِّنًا فَضْلَهُمْ وَشَرَفَهُمْ وَكَرَمَهُمْ وَعَدَمَ حَسَدهم، وَإِيثَارَهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ، فَقَالَ:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: سَكَنُوا دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْ قَبْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَآمَنُوا قَبْلَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.
قَالَ عُمَرُ: وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ [مِنْ](1) بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ كَرَامَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبوّءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلُ، أَنْ يَقْبَلَ من محسنهم،
(1) زيادة من أ.
وأن يعفو (1) عن مسيئهم. رواه البخاري هاهنا أَيْضًا (2) .
وَقَوْلُهُ: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} أَيْ: مِنْ كَرَمهم وَشَرَفَ أَنْفُسِهِمْ، يُحبّون الْمُهَاجِرِينَ (3) وَيُوَاسُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَونا المَؤنة، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمُهَنَّإِ، حَتَّى لَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ! قَالَ:"لَا مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ ودَعَوتُمُ اللَّهَ لَهُمْ"(4) .
لَمْ أَرَهُ فِي الْكُتُبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَنْصَارَ أَنْ يُقطع لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ، قَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ تُقطع لِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ: "إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ [بَعْدِي] (5) أَثَرَةٌ".
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (6)
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتِ الْأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ. قَالَ: لَا. فَقَالُوا: تَكْفُونَا المؤنَةَ ونَشرككُم فِي الثَّمَرَةِ؟ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ (7) .
{وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} أَيْ: وَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا لِلْمُهَاجِرِينَ فِيمَا فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ وَالشَّرَفِ، وَالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ وَالرُّتْبَةِ.
قَالَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} يَعْنِي: الْحَسَدَ.
{مِمَّا أُوتُوا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي فِيمَا أَعْطَى إِخْوَانَهُمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ. وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا جُلوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَطَّلِعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنظُف (8) لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّق (9) نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَقَالَتِهِ (10) أيضًا، فطلع
(1) في م: "وأن يعفى".
(2)
صحيح البخاري برقم (4888) .
(3)
في أ: "يحبون من هاجر إليهم".
(4)
المسند (3/200) .
(5)
زيادة من صحيح البخاري.
(6)
صحيح البخاري برقم (3794) .
(7)
صحيح البخاري برقم (2325) .
(8)
في م: "ينفض".
(9)
في م: "قد علق".
(10)
في م::مثل حاله".
ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالَتِهِ الْأُولَى (1) فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَلَّا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي (2) إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فعلتُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ الثَّلَاثَ اللَّيَالِي (3) فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعارّ تَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَب وَلَا هَجْر (4) وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مرَار (5) يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ الْمِرَارَ (6) فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عملكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ (7) عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ. فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أجدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشّا، وَلَا أحسدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا تُطَاقُ (8) .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، عَنْ سُوَيد بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ (9) وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنْ رَوَاهُ عُقَيْلٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ (10) . فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} يَعْنِي {مِمَّا أُوتُوا} الْمُهَاجِرُونَ. قَالَ: وَتَكَلَّمَ فِي أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ تَرَكُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ وَخَرَجُوا إِلَيْكُمْ". فَقَالُوا: أَمْوَالُنَا بَيْنَنَا قَطَائِعُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ غَيْرُ ذَلِكَ؟ ". قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ الْعَمَلَ، فَتَكْفُونَهُمْ وَتُقَاسِمُونَهُمُ (11) الثَّمَرَ". فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ (12)
وَقَوْلُهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (13) يَعْنِي: حَاجَةً، أَيْ: يُقَدِّمُونَ الْمَحَاوِيجَ عَلَى حَاجَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَيَبْدَءُونَ بِالنَّاسِ قَبَلَهُمْ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: " أفضلُ الصَّدَقَةِ جَهدُ الْمُقِلِّ". وَهَذَا الْمَقَامُ
(1) في م: "الأول".
(2)
في أ: "أن توريني".
(3)
في م: "الليالي الثلاث".
(4)
في م، أ:"ولا هجرة".
(5)
في م: "مرات".
(6)
في م: "المرات".
(7)
في م: "كبير".
(8)
في م: "لا نطيق"، وفي أ:"لا تطيق".
(9)
المسند (3/166) وسنن النسائي الكبرى برقم (10699) .
(10)
انظر: تحفة الأشراف للمزى (1/395) وكلام الحافظ بن حجر في النكت الظراف بهامشه.
(11)
في م: "ويقاسمونكم".
(12)
رواه الطبري في تفسيره (28/28) .
(13)
ذكر في "م" بقية الآية.
أَعْلَى مِنْ حَالِ الَّذِينَ وَصَف اللهُ بِقَوْلِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} (1)[الْإِنْسَانِ: 8] . وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [الْبَقَرَةِ: 177] .
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يُحِبُّونَ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ، وَهَؤُلَاءِ آثَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَعَ خَصَاصَتِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ إِلَى مَا أَنْفَقُوهُ. وَمِنْ هَذَا الْمَقَامِ تَصَدَّقَ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه، بِجَمِيعِ مَالِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ ". فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَهَذَا (2) الْمَاءُ الَّذِي عُرض (3) عَلَى عِكْرِمَةَ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِدَفْعِهِ إِلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ جَرِيحٌ مُثْقَلٌ أحوجَ مَا يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثلث، فَمَا وَصَلَ إِلَى الثَّالِثِ حَتَّى مَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَلَمْ يَشْرَبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، رضي الله عنهم وَأَرْضَاهُمْ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضيل بْنُ غَزوان، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي الجهدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَلَا رَجُلٌ يُضَيّفُ هَذَا اللَّيْلَةَ، رحمه الله؟ ". فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدّخريه شَيْئًا. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قوتُ الصِّبْيَةِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصبيةُ العَشَاء فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ ونَطوي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ. ففعلَت، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ، عز وجل -أَوْ: ضَحِكَ-مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ". وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (4) .
وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، بِهِ نَحْوَهُ (5) . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَسْمِيَةُ هَذَا الْأَنْصَارِيِّ بِأَبِي طَلْحَةَ، رضي الله عنه.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أَيْ: مَنْ سَلِمَ مِنَ الشُّحِّ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ.
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْفَرَّاءُ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ مِقْسَم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلم ظلماتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُحَّ، فَإِنَّ الشّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ واستَحلُّوا مَحَارِمَهُمْ".
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ عَنِ القَعْنَبِيّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، بِهِ (6) .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا الظُّلْم؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الفُحْش، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ، وَإِيَّاكُمْ والشُّحَّ؛ فَإِنَّهُ أهلكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا".
(1) في أ: "حبه مسكينًا".
(2)
في م: "وهكذا".
(3)
في م: "اعرضوه".
(4)
صحيح البخاري برقم (4889) .
(5)
صحيح البخاري برقم (3798) وصحيح مسلم برقم (2054) وسنن الترمذي برقم (3304) وسنن النسائي الكبرى برقم (11582) .
(6)
المسند (3/323) وصحيح مسلم برقم (2578) .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، بِهِ (1) .
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ [بْنِ الْهَادِ](2) عَنْ سُهَيل بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ اللِّجْلَاجِ (3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:"لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ودخانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا، وَلَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا"(4) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا أَكَادُ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ يَدِي شَيْئًا! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَيْسَ ذَلِكَ (5) بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، إِنَّمَا الشُّحُّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ (6) الْبُخْلُ، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْبُخْلُ" (7)
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي". لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي إِذَا وُقِيتُ شُحَّ نَفْسِي لَمْ أَسْرِقْ وَلَمْ أَزْنِ وَلَمْ أَفْعَلْ"، وَإِذَا الرَّجُلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رضي الله عنه، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (8)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا إسماعيل ابن عَيّاش، حَدَّثَنَا مُجَمع بْنُ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَريء مِنَ الشُّحِّ مَن أَدَّى الزَّكَاةَ، وقَرَى الضَّيْفَ، وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ"(9) .
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} هَؤُلَاءِ هُمُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ فُقَرَاؤُهُمْ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ الْأَنْصَارُ، ثُمَّ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ، كَمَا قَالَ فِي آيَةِ بَرَاءَةٌ:{وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم} [التوبة: 100] فالتابعون لهم بإحسان
(1) المسند (2/159) وسنن أبي داود برقم (1698) وسنن النسائي الكبرى برقم (11583) .
(2)
زيادة من م، أ.
(3)
في م: "الجلاح".
(4)
رواه النسائي في السنن (6/13) .
(5)
في م: "ليس ذاك".
(6)
في م: "ذاك".
(7)
رواه الطبري في تفسيره (28/29) من طريق جامع به.
(8)
تفسير الطبري (28/29) .
(9)
تفسير الطبري (28/29) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (10842) من طريق محمد بن إسحاق به، وروي مرسلاً، رواه الطبراني في المعجم الكبير (4/188) من طريق عمرو بن يحيى وإبراهيم بن إسماعيل، وابن حبان في الثقات (4/202) من طريق ابن المبارك، كلهم عن مجمع ابن يحيى، عن عمه مرسلاً.
هُمُ: الْمُتَّبِعُونَ لِآثَارِهِمُ الْحَسَنَةِ وَأَوْصَافِهِمُ الْجَمِيلَةِ، الدَّاعُونَ لَهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي هذه الآية الكريم:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ} أَيْ: قَائِلِينَ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا} أَيْ: بُغْضًا وَحَسَدًا {لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وَمَا أَحْسَنَ مَا اسْتَنْبَطَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الرَّافِضِيَّ الَّذِي يَسُبُّ الصَّحَابَةَ لَيْسَ لَهُ فِي مَالِ الْفَيْءِ نَصِيبٌ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِمَا مَدَحَ اللَّهُ بِهِ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَسَبُّوهُمْ! ثُمَّ قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} الْآيَةَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَية، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُمِرْتُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَسَبَبْتُمُوهُمْ. سمعتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَلْعَنَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا". رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ (1) ..
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ، رضي الله عنه:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، قُرى [عَرَبِيَّةٌ: فَدَك وَكَذَا] (2) وَكَذَا، فَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ فِيهَا حَقٌّ -قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: حَظٌّ-إِلَّا بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ. كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ (3) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن عكرمة ابن خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثان قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} حَتَّى بَلَغَ {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَةِ: 60] ، ثُمَّ قَالَ هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ] } (4)[الْأَنْفَالِ: 41]، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} حَتَّى بَلَغَ لِلْفُقَرَاءِ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ} {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} ثُمَّ قَالَ: اسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الآية المسلمين عامة،
(1) معالم التنزيل للبغوي (8/08) وله شاهد في صحيح مسلم برقم (3022) عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: "يَا ابن أختي، أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم".
(2)
زيادة من م، أ، وسنن أبي داود.
(3)
سنن أبي داود برقم (2966)
(4)
زيادة من م.