الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} أَيْ: بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، تُثْنى يَدُهُ إِلَى وَرَائِهِ وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِهَا كَذَلِكَ، {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} أَيْ: خَسَارًا وَهَلَاكًا، {وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} أَيْ: فَرِحًا لَا يُفَكِّرُ فِي الْعَوَاقِبِ، وَلَا يَخَافُ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَعْقَبَهُ ذَلِكَ الْفَرَحُ الْيَسِيرُ الْحُزْنَ الطَّوِيلَ، {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} أَيْ: كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَلَا يُعِيدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا. والحَوْرُ: هُوَ الرُّجُوعُ. قَالَ اللَّهُ: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} يَعْنِي: بَلَى سَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا بَدَأَهُ، وَيُجَازِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، فَإِنَّهُ {كَانَ بِهِ بَصِيرًا} أَيْ: عَلِيمًا خَبِيرًا.
{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ
(16)
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) }
رُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وعُبادة بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي هُرَيرة، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمَكْحُولٍ، وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، وبُكَيْر (1) بْنِ الْأَشَجِّ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الماجَشُون أَنَّهُمْ قَالُوا: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ ابْنِ خُثَيم (2) عَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: الشَّفَقُ: الْبَيَاضُ (3) .
فَالشَّفَقُ هُوَ: حُمْرَةُ الْأُفُقِ إِمَّا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ-كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ-وَإِمَّا بَعْدَ غُرُوبِهَا-كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ (4) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.
قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَإِذَا ذَهَبَ قِيلَ: غَابَ الشَّفَقُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّفَقُ: بَقِيَّةُ ضَوْءِ الشَّمْسِ وحمرتُها فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ العَتمَة. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ: الشَّفَقُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ"(5) .
فَفِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْخَلِيلُ. وَلَكِنْ صَحَّ عن مجاهد أنه
(1) في أ: "وبكر".
(2)
في أ: "خيثم".
(3)
تفسير عبد الرزاق (2/292) .
(4)
في م: "كما هو المعروف".
(5)
صحيح مسلم برقم (612) .
قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الشَّفَقُ: الشَّمْسُ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا قَرْنهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أَيْ: جَمَعَ. كَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِالضِّيَاءِ وَالظَّلَامِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِالنَّهَارِ مُدْبِرًا، وَبِاللَّيْلِ مُقْبِلًا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّفَقُ اسْمٌ لِلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ. وَقَالُوا: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ (1) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ:{وَمَا وَسَقَ} وَمَا جَمَعَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَمَا جَمَعَ مِنْ نَجْمٍ وَدَابَّةٍ. وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: (2)
مُستَوسقات لَوْ تَجِدْنَ سَائقا
…
قَدْ قَالَ عِكْرِمَةُ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} يَقُولُ: مَا سَاقَ مِنْ ظُلْمَةٍ، إِذَا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} إِذَا اسْتَوَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا اجْتَمَعَ، إِذَا امْتَلَأَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا اسْتَدَارَ.
وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ إِذَا تَكَامَلَ نُورُهُ وَأَبْدَرَ، جَعَلَهُ مُقَابِلًا لِلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ.
وَقَوْلُهُ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حَالًا بَعْدَ حَالٍ-قَالَ هَذَا نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم.
هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ (3) ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَدَ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَأَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم، فَيَكُونُ قَوْلُهُ:"نَبِيُّكُمْ" مَرْفُوعًا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ مِنْ "قَالَ" وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَا يَأْتِي عَامٍ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: يَعْنِي نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ. وَهَذَا لَفْظُهُ (4) .
(1) تفسير الطبري (30/76) .
(2)
البيت في تفسير الطبري (30/76) وقد ذكره المبرد في الكامل: إن لنا قلائصا حقائقا
…
مستوسقات لو يجدن سائقا
وهو منسوب لابن صرمة.
(3)
صحيح البخاري برقم (4940) .
(4)
تفسير الطبري (30/78) .
وقال علي ابن أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حَالًا بَعْدَ حَالٍ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ ومُرَة الطّيِّب، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ [وَمَسْرُوقٌ وَأَبُو صَالِحٍ](1) .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حَالًا بَعْدَ حَالٍ. قَالَ: هَذَا، يَعْنِي الْمُرَادُ بِهَذَا نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّ "هَذَا" وَ "نَبِيُّكُمْ" يُكَوَّنَانِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَعَلَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الرُّوَاةِ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وغُنْدَر: حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قراءةُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَامَّةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ:"لَتَرْكَبَنّ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: لتركَبن يَا مُحَمَّدُ سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءً. وَهَكَذَا رُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ:{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ.
قُلْتُ: يَعْنُونَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالسُّدِّيُّ (2) عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} مَنْزِلًا عَلَى مَنْزِلٍ. وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ-وَزَادَ:"وَيُقَالُ: أَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ، وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ".
وَقَالَ السُّدِّيُّ نفسهُ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} أَعْمَالُ مَنْ قَبْلِكُمْ مَنْزِلًا بَعْدَ مَنْزِلٍ.
قُلْتُ: كَأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَذْو القُذَّة بالقُذَّة، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحر ضَبِّ لَدَخَلْتُمُوهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:"فَمَنْ؟ "(3) وَهَذَا مُحْتَمَلٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: فِي كُلِّ عِشْرِينَ سَنَةً، تُحْدِثُونَ أَمْرًا لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: السَّمَاءُ تَنْشَقُّ ثُمَّ تَحْمَرُّ، ثُمَّ تَكُونُ لَوْنًا بَعْدَ لَوْنٍ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:{طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: السَّمَاءُ مَرةً كَالدِّهَانِ، وَمَرَّةً تَنْشَقُّ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي حَالًا بَعْدَ حَالٍ. ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ جَابِرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عن ابن عباس.
(1) زيادة من م.
(2)
في م: "عن السدي".
(3)
تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية: 34 من سورة التوبة.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: قَوَمٌ كَانُوا فِي الدُّنْيَا خَسِيسٌ أَمْرُهُمْ، فَارْتَفَعُوا فِي الْآخِرَةِ، وَآخَرُونَ كَانُوا أَشْرَافًا فِي الدُّنْيَا، فَاتَّضَعُوا فِي الْآخِرَةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حَالًا بَعْدَ حَالٍ، فَطِيمًا بعد ما كان رضيعًا، وشيخًا بعد ما كَانَ شَابًّا.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} يَقُولُ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ، رَخَاءً بَعْدَ شِدَّةٍ، وَشِدَّةً بَعْدَ رَخَاءٍ، وَغِنًى بَعْدَ فَقْرٍ، وَفَقْرًا بَعْدَ غِنًى، وَصِحَّةً بَعْدَ سَقَمٍ، وسَقَما بَعْدَ صِحَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَاهِرٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ شَمِر، عَنْ جَابِرٍ-هُوَ الْجُعْفِيُّ-عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَفِي غَفْلَةٍ مِمَّا خُلِقَ لَهُ؛ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ خَلْقَهُ قَالَ لِلْمَلِكِ: اكْتُبْ رِزْقَهُ، اكْتُبْ أَجَلَهُ، اكْتُبْ أَثَرَهُ، اكْتُبْ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا، ثُمَّ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْمَلَكُ وَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكا آخَرَ فَيَحْفَظُهُ حَتَّى يُدْرِكَ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْمَلَكُ، ثُمَّ يُوكِلُ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، فَإِذَا حَضَره الموتُ ارْتَفَعَ ذَانِكَ الْمَلَكَانِ، وَجَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَإِذَا دَخَلَ قَبْرَهُ رَدَّ الرُّوحَ فِي جَسَدِهِ، ثُمَّ ارْتَفَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَجَاءَهُ مَلَكا الْقَبْرِ فَامْتَحَنَاهُ، ثُمَّ يَرْتَفِعَانِ، فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ انْحَطَّ عَلَيْهِ مَلَكُ الْحَسَنَاتِ وَمَلَكُ السَّيِّئَاتِ، فَانْتَشَطَا كِتَابًا مَعْقُودًا فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ حَضَرَا مَعَهُ: واحدٌ سَائِقًا وَآخَرُ شَهِيدًا"، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عز وجل:{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قَالَ: "حَالًا بَعْدَ حَالٍ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ قُدَّامَكُمْ لَأَمْرًا عَظِيمًا لَا تَقدرُونه، فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ"(1) .
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَإِسْنَادُهُ فِيهِ ضُعَفَاءُ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَاللَّهُ-سبحانه وتعالى-أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ ابن جرير بعد ما حَكَى أَقْوَالَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ: وَالصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَتَرْكَبَنّ أَنْتَ-يَا مُحَمَّدُ-حَالًا بَعْدَ حَالٍ وَأَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ مِنَ الشَّدَائد. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ-وَإِنْ كَانَ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَجَّها (2) -جَميعَ النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ مِنْ شَدَائِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهِ أَحْوَالًا (3) .
وَقَوْلُهُ: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} أَيْ: فَمَاذَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ وَمَا لَهُمْ إِذَا قَرَأَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتِ الرَّحْمَنِ (4) وَكَلَامَهُ-وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ-لَا يَسْجُدُونَ إِعْظَامًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا؟.
وَقَوْلُهُ: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} أَيْ: مِنْ سَجِيَّتِهِمُ التَّكْذِيبُ وَالْعِنَادُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَقِّ.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يكتمون في صدورهم.
(1) عزاه السيوطي في الدر المنثور (7/600) لابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية.
(2)
في م: "متوجها".
(3)
تفسير الطبري (30/80) .
(4)
في أ: "آيات الله".