الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ
الآية.
وَقَالَ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قال: غزونا مع سليمان «1» بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ بَلَنْجَرَ «2» فَحَاصَرْنَا أَهْلَهَا، فَفَتَحْنَا الْمَدِينَةَ وَأَصَبْنَا سَبَايَا، وَاشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يَهُودِيَّةً بِسَبْعِمِائَةٍ، فَلَمَّا مَرَّ بِرَأْسِ الْجَالُوتِ نَزَلَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، يَا رَأْسَ الْجَالُوتِ، هَلْ لَكَ فِي عَجُوزٍ هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ دِينِكَ تَشْتَرِيهَا مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَخَذْتُهَا بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَإِنِّي أُرْبِحُكَ سبعمائة أخرى، قال: فإني قد حلفت أن لا أَنْقُصَهَا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لي فيها، قال: والله لتشرينها مِنِّي أَوْ لَتَكْفُرَنَّ بِدِينِكَ الذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، فَقَرَأَ فِي أذنه مما فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّكَ لَا تَجِدُ مَمْلُوكًا مِنْ بني إسرائيل إلا اشتريته، فأعتقه وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ قَالَ: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالَ: نعم: فَجَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ أَلْفَيْنِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ.
وَقَالَ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ يَعْنِي الرَّازِيَّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ مَرَّ عَلَى رَأْسِ الْجَالُوتِ بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ يُفَادِي مِنَ النساء من لم يقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليه العرب، فقال عبد الله: أَمَا إِنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَكَ فِي كِتَابِكَ أَنْ تَفَادِيَهُنَّ كُلَّهُنَّ وَالذِي أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَهَذَا السِّيَاقُ ذَمَّ الْيَهُودِ فِي قِيَامِهِمْ بِأَمْرِ التَّوْرَاة التِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا وَمُخَالَفَةِ شَرْعِهَا مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ وَشَهَادَتِهِمْ لَهُ بِالصِّحَّةِ، فَلِهَذَا لَا يُؤْتَمَنُونَ عَلَى مَا فِيهَا وَلَا عَلَى نَقْلَهَا، ولا يصدقون فيما كتموه من صفة الرسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ ومخرجه ومهاجره وغير ذلك من شؤونه التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، وَالْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ يَتَكَاتَمُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أَيْ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ شَرْعَ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ جزاء على مخالفتهم كِتَابِ اللَّهِ الذِي بِأَيْدِيهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ أَيِ اسْتَحَبُّوهَا عَلَى الْآخِرَةِ وَاخْتَارُوهَا فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ أَيْ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أَيْ وَلَيْسَ لَهُمْ نَاصِرٌ يُنْقِذُهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه.
[سورة البقرة (2) : آية 87]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)
يَنْعَتُ تبارك وتعالى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْعُتُوِّ وَالْعِنَادِ والمخالفة والاستكبار على الأنبياء، وأنهم
(1) في معجم البلدان: فتحها عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي. وفي فتوح البلدان للبلاذري: سلمان بن ربيعة الباهلي.
(2)
بلنجر: مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب. (معجم البلدان: 1/ 489) .
إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَى مُوسَى الْكِتَابَ وَهُوَ التَّوْرَاةُ، فَحَرَّفُوهَا وَبَدَّلُوهَا وَخَالَفُوا أَوَامِرَهَا وَأَوَّلُوهَا، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِشَرِيعَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ [المائدة: 44] : ولهذا قال تعالى: وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ قَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: أَتْبَعْنَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْدَفْنَا وَالْكُلُّ قَرِيبٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [الْمُؤْمِنُونَ: 44] حَتَّى خَتَمَ أَنْبِيَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَجَاءَ بِمُخَالَفَةِ التَّوْرَاةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَلِهَذَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِهِ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فيها فتكون طيرا بإذن الله، وإبراء الْأَسْقَامَ، وَإِخْبَارِهِ بِالْغُيُوبِ، وَتَأْيِيدِهِ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عليه السلام مَا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَاشْتَدَّ تَكْذِيبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ، وَحَسَدُهُمْ وَعِنَادُهُمْ لِمُخَالَفَةِ التَّوْرَاةِ فِي الْبَعْضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ عِيسَى: وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 50] ، فَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تُعَامِلُ الْأَنْبِيَاءَ أَسْوَأَ الْمُعَامَلَةِ، فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَهُ، وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَهُ، وَمَا ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم، وبالإلزام بِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ التِي قَدْ تَصَرَّفُوا فِي مُخَالَفَتِهَا، فلهذا كان ذلك يشق عليهم فكذبوهم، وَرُبَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ هُوَ جِبْرِيلُ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَابَعَهُ على ذلك ابن عباس ومحمد بن كعب وإسماعيل بن خَالِدٍ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَقَتَادَةُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشُّعَرَاءِ:
193] مَا قَالَ الْبُخَارِيُّ «1» وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَضَعَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ أَيِّدْ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ كَمَا نَافَحَ عَنْ نبيك» فهذا من البخاري تعليقا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابن سيرين وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ موسى الفزاري، ثلاثتهم، عن أبي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة به. قال التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي الزِّنَادِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أبي هريرة: أن عمر بن الخطاب مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَنْشُدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ، أَسْمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِحَسَّانَ
(1) صحيح البخاري (صلاة باب 68 وبدء الخلق باب 6) .
«اهْجُهُمْ- أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» وَفِي شِعْرِ حسان قوله: [الوافر]
وجبريل رسول الله فينا
…
وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ «1»
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ:
«أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَبِأَيَّامِهِ عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبرائيل وَهُوَ الذِي يَأْتِينِي؟» قَالُوا: نَعَمْ، وَفِي صَحِيحِ ابن حبان، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أنه لن تموت نفس حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، فَاتَّقَوُا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» . أَقْوَالٌ أُخَرُ- قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضحاك، عن ابن عباس وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ: هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ الذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى. وَقَالَ ابْنُ جرير «2» : حدثت عن المنجاب فذكره، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ «3» عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا قَالَ: وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: الرُّوحُ هُوَ حَفَظَةٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ:
الْقُدْسُ هُوَ الرَّبُّ تبارك وتعالى، وهو قول كعب، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: الْقُدُسُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرُوحُهُ: جِبْرِيلُ، وهو قول كعب، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: الْقُدُسُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرُوحُهُ: جِبْرِيلُ. فعلى هذا يكون القول الأول، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْقُدْسُ الْبَرَكَةُ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابن عباس: القدس: الطهر، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ: أَيَّدَ اللَّهُ عِيسَى بِالْإِنْجِيلِ رُوحًا كَمَا جَعَلَ الْقُرْآنَ رُوحًا، كِلَاهُمَا رُوحٌ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشُّورَى: 52] ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «4» :
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الرُّوحُ فِي هذا الموضع: جبرائيل، فإن الله تعالى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ كَمَا أَخْبَرَ في قوله تَعَالَى إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ [الْمَائِدَةِ: 110، فَذَكَرَ أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الرُّوحُ الذِي أَيَّدَهُ بِهِ هُوَ الْإِنْجِيلُ، لَكَانَ قَوْلُهُ: «إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب والحكمة والتوراة
(1) الرواية المشهورة «ليس له كفاء» مكان «ليس به خفاء» . والبيت لحسان في ديوانه ص 75 ولسان العرب (كفأ، جبر) وكتاب العين 5/ 414 وتهذيب اللغة 10/ 389 وتاج العروس (كفأ، جبر) وأساس البلاغة (كفأ) .
(2)
تفسير الطبري 1/ 449.
(3)
تفسير القرطبي 2/ 24.
(4)
تفسير الطبري 1/ 449.