الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه ينبغي الوقوف عليه)
قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ يونس: بِسُورَةٍ مِثْلِهِ يَعُمُّ كُلَّ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ طَوِيلَةً كَانَتْ أم قَصِيرَةً لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا هِيَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، فَالْإِعْجَازُ حَاصِلٌ فِي طِوَالِ السُّوَرِ وَقِصَارِهَا، وَهَذَا ما لا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا بَيْنَ النَّاسِ سَلَفًا وَخَلَفًا. وقد قال الرازي في تفسيره: فإن قيل قوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يَتَنَاوَلُ سُورَةَ الْكَوْثَرِ وسورة العصر، وقل يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ مُمْكِنٌ فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِ هَذِهِ السُّوَرِ خارج عن مقدار الْبَشَرِ كَانَ مُكَابَرَةً وَالْإِقْدَامُ عَلَى هَذِهِ الْمُكَابَرَاتِ مِمَّا يَطْرُقُ بِالتُّهْمَةِ إِلَى الدِّينِ (قُلْنَا)«1» فَلِهَذَا السَّبَبِ اخْتَرْنَا الطَّرِيقَ الثَّانِيَ وَقُلْنَا إِنْ بَلَغَتْ هذه السور فِي الْفَصَاحَةِ حَدَّ الْإِعْجَازِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، كَانَ امْتِنَاعُهُمْ مِنَ المعارضة مع شدة دواعيهم إلى توهين أَمْرِهِ مُعْجِزًا، فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَحْصُلُ الْمُعْجِزُ. هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعْجِزَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْبَشَرُ مُعَارَضَتَهَا طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ قَصِيرَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [الْعَصْرِ: 1- 2] وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: مَاذَا أُنْزِلَ عَلَى صَاحِبِكُمْ بِمَكَّةَ فِي هَذَا الْحِينِ؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ سُورَةٌ وَجِيزَةٌ بَلِيغَةٌ فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ فَفَكَّرَ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: وَلَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ مِثْلُهَا، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: يَا وَبْرُ يَا وَبْرُ إِنَّمَا أَنْتَ أُذُنَانِ وَصَدْرٌ، وَسَائِرُكَ حَقْرٌ فَقْرٌ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى يَا عَمْرُو؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ تكذب.
[سورة البقرة (2) : آية 25]
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا أَعَدَّهُ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ الْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، عَطَفَ يذكر حَالِ أَوْلِيَائِهِ مِنَ السُّعَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ الَّذِينَ صَدَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَهَذَا مَعْنَى تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ مَثَانِيَ عَلَى أَصَحِّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ كَمَا سَنَبْسُطُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الإيمان ويتبع بِذِكْرِ الْكُفْرِ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ حَالَ السُّعَدَاءِ ثُمَّ الْأَشْقِيَاءِ أَوْ عَكْسِهِ، وَحَاصِلُهُ ذِكْرُ الشَّيْءِ ومقابله. وأما ذِكْرُ الشَّيْءِ وَمُقَابِلُهُ. وَأَمَّا ذِكْرُ الشَّيْءِ وَنَظِيرُهُ فَذَاكَ التَّشَابُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فلهذا قال تعالى:
(1) القائل هنا هو الرازي.
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أَيْ مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا وَغُرَفِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ أنهارها تجري في غَيْرِ أُخْدُودٍ، وَجَاءَ فِي الْكَوْثَرِ أَنَّ حَافَّتَيْهِ قباب اللؤلؤ المجوف، ولا منافاة بينها فطينها الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ، نَسْأَلُ اللَّهَ من فضله إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرِئَ عَلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تفجر تَحْتِ تِلَالِ أَوْ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ الْمِسْكِ» وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنْهَارُ الجنة تفجر من جبل المسك.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (قَالُوا: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ)، قَالَ: إِنَّهُمْ أَتَوْا بِالثَّمَرَةِ فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهَا قَالُوا: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قبل في الدُّنْيَا، وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم نصره ابْنُ جَرِيرٍ «1» ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ قَالَ: مَعْنَاهُ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ، وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُونَ مَا أَشْبَهَهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ مِنْ قَبْلِ هَذَا، لِشَدَّةٍ مُشَابَهَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا «2» لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً. قَالَ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصِّيصَةِ «3» عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: يؤتى أحدهم بالصفحة مِنَ الشَّيْءِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا ثُمَّ يُؤْتَى بِأُخْرَى فيقول:
هذا الذي أتينا بِهِ مِنْ قَبْلُ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كُلْ فَاللَّوْنُ وَاحِدٌ وَالطَّعْمُ مُخْتَلِفٌ «4» . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ يَسَافٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:
عُشْبُ الْجَنَّةِ الزَّعْفَرَانُ وَكُثْبَانُهَا الْمِسْكُ، وَيَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْوِلَدَانُ بِالْفَوَاكِهِ فَيَأْكُلُونَهَا، ثُمَّ يُؤْتَوْنَ بِمِثْلِهَا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَذَا الَّذِي أتيتمونا آنفا به، فتقول لهم الوالدان: كلوا فاللون وَاحِدٌ وَالطَّعْمُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً قَالَ: يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، ويختلف في الطعم. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنِ السُّدِّيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً يَعْنِي فِي اللَّوْنِ وَالْمَرْأَى وليس يشتبه في
(1) الطبري 1/ 206.
(2)
أضاف الطبري: «ومن علة قائلي هذا القول أن ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله» .
(3)
المصيصة: مدينة من ثغور بلاد الشام بين انطاكية وبلاد الروم.
(4)
الطبري 1/ 207.
الطَّعْمِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً قَالَ: يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنْيَا غَيْرَ أَنَّ ثَمَرَ الْجَنَّةِ أَطْيَبُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يُشْبِهُ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ، وفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجنة إلا الأسماء، ورواه ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ في قوله تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً قَالَ: يَعْرِفُونَ أَسْمَاءَهُ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا التُّفَّاحُ بِالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانُ بِالرُّمَّانِ، قَالُوا فِي الْجَنَّةِ: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا يَعْرِفُونَهُ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ فِي الطَّعْمِ «1» .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ قَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْقَذَرِ وَالْأَذَى، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْحَيْضِ وَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالنُّخَامِ وَالْبُزَاقِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْأَذَى وَالْمَأْثَمِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا حَيْضَ وَلَا كَلَفَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي صَالِحٍ وَعَطِيَّةَ وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: الْمُطَهَّرَةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ خُلِقَتْ حَوَّاءُ عليها السلام، فَلَمَّا عَصَتْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي خَلَقْتُكِ مُطَهَّرَةً وَسَأُدْمِيكِ كَمَا أَدْمَيْتِ هَذِهِ الشَّجَرَةَ- وَهَذَا غَرِيبٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُورِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عُمَرَ الْبَزِيعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ قَالَ مِنَ الْحَيْضِ وَالْغَائِطِ وَالنُّخَاعَةِ «3» وَالْبُزَاقِ. هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ- وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ بِهِ، وَقَالَ:
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ بْنَ عُمَرَ الْبَزِيعِيَّ هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبَسْتِيُّ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ (قُلْتُ) وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ فِيها خالِدُونَ هَذَا هُوَ تَمَامُ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُمْ مَعَ هَذَا النَّعِيمِ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ مِنَ الْمَوْتِ وَالِانْقِطَاعِ فَلَا آخِرَ لَهُ وَلَا انْقِضَاءَ بَلْ فِي نَعِيمٍ سَرْمَدِيٍّ أَبَدِيٍّ عَلَى الدَّوَامِ، وَاللَّهُ المسؤول أَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ بر رحيم.
(1) الطبري 1/ 210 والدر المنثور 1/ 82- 83. [.....]
(2)
تفسير الطبري 1/ 212.
(3)
في الدر المنثور: «والنخامة» .