الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُرْسِيَّ غَيْرُ الْعَرْشِ، وَالْعَرْشَ أَكْبَرُ مِنْهُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآثَارُ وَالْأَخْبَارُ، وَقَدِ اعْتَمَدَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَلَا يُكْرِثُهُ حِفْظُ السموات والأرض، وما فِيهِمَا، وَمَنْ بَيْنَهُمَا، بَلْ ذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِ، يَسِيرٌ لَدَيْهِ، وَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، الرَّقِيبُ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، والأشياء كلها حقيرة بين يديه، الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، وَهُوَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْحَسِيبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الرَّقِيبُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ كقوله: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ [الرَّعْدِ: 9] وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الْأَجْوَدُ فِيهَا طَرِيقَةُ السَّلَفِ الصَالِحٍ، إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تشبيه.
[سورة البقرة (2) : آية 256]
لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
يَقُولُ تَعَالَى: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ أَيْ لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، جَلِيٌّ دَلَائِلُهُ وَبَرَاهِينُهُ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ، بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ، دَخَلَ فِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَمَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلَبَهُ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّينِ مُكْرَهًا مَقْسُورًا، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ المرأة [من الأنصار]«2» تَكُونُ مِقْلَاتًا «3» ، فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ، كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ بُنْدَارٍ بِهِ، وَمِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبي محمد الحرشي مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عن سعيد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ من
(1) تفسير الطبري 3/ 15.
(2)
الزيادة من الطبري.
(3)
المقلات: التي لا يعيش لها ولد.
بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، يُقَالُ لَهُ الْحُصَيْنِيُّ، كَانَ لَهُ ابْنَانِ نَصْرَانِيَّانِ وَكَانَ هُوَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أَسْتَكْرِهَهُمَا، فَإِنَّهُمَا قَدْ أَبَيَا إِلَّا النَّصْرَانِيَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَى السُّدِّيُّ نَحْوَ ذَلِكَ، وَزَادَ: وَكَانَا قَدْ تَنَصَّرَا عَلَى يَدَيْ تُجَّارٍ قَدِمُوا مِنَ الشَّامِ يَحْمِلُونَ زَيْتًا، فَلَمَّا عَزَمَا عَلَى الذَّهَابِ مَعَهُمْ، أَرَادَ أَبُوهُمَا أَنْ يَسْتَكْرِهَهُمَا، وَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَبْعَثَ فِي آثَارِهِمَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أُسَقَ، قَالَ: كُنْتُ فِي دِينِهِمْ مَمْلُوكًا نَصْرَانِيًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَآبَى، فَيَقُولُ لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ وَيَقُولُ: يَا أُسَقُ، لَوْ أَسْلَمْتَ لَاسْتَعَنَّا بِكَ عَلَى بَعْضِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ هَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ إِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُدْعَى جَمِيعُ الْأُمَمِ إِلَى الدُّخُولِ فِي الدِّينِ الْحَنِيفِ، دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَى أَحَدٌ مِنْهُمُ الدُّخُولَ فِيهِ، وَلَمْ يَنْقَدْ لَهُ أَوْ يَبْذُلِ الْجِزْيَةَ، قُوتِلَ حَتَّى يُقْتَلَ، وَهَذَا مَعْنَى الْإِكْرَاهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [الْفَتْحِ: 16] وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 93] وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التَّوْبَةِ: 123] وَفِي الصَّحِيحِ «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ» يَعْنِي الْأَسَارَى الَّذِينَ يَقَدَمُ بِهِمْ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فِي الْوَثَائِقِ وَالْأَغْلَالِ وَالْقُيُودِ وَالْأَكْبَالِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْلِمُونَ، وَتَصْلُحُ أَعْمَالُهُمْ وَسَرَائِرُهُمْ فَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ «أَسْلِمْ» ، قَالَ: إِنِّي أَجِدُنِي كَارِهًا، قَالَ:«وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا» فَإِنَّهُ ثُلَاثِيٌّ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِسْلَامِ، بَلْ دَعَاهُ إِلَيْهِ، فأخبره أَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ قَابِلَةً لَهُ، بَلْ هِيَ كَارِهَةٌ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُكَ حُسْنَ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ.
وَقَوْلُهُ: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَيْ مَنْ خَلَعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ، وَوَحَّدَ اللَّهَ فَعَبَدَهُ وحده، وشهد أنه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى أَيْ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمْرِهِ، وَاسْتَقَامَ على الطريق المثلى، والصراط المستقيم، قال أبو قاسم الْبَغَوِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْبَلَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن حسان، هو ابن
(1) المسند (ج 1 ص 181) .
قائد الْعَبْسِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّ الْجِبْتَ السَّحَرُ، وَالطَّاغُوتَ الشَّيْطَانُ، وَإِنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْجُبْنَ غَرَائِزُ تَكُونُ فِي الرِّجَالِ، يُقَاتِلُ الشُّجَاعُ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ، وَيَفِرُّ الْجَبَانُ مِنْ أُمِّهِ، وَإِنَّ كَرَمَ الرَّجُلِ دِينُهُ، وَحَسَبَهُ خُلُقُهُ، وَإِنْ كَانَ فَارِسِيًّا أَوْ نَبَطِيًّا. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ حسان بن قائد الْعَبْسِيِّ عَنْ عُمَرَ، فَذِكَرَهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الطَّاغُوتِ: إِنَّهُ الشَّيْطَانُ، قَوِيٌّ جِدًّا، فَإِنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ شَرٍّ كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالتَّحَاكُمِ إِلَيْهَا، وَالِاسْتِنْصَارِ بِهَا.
وَقَوْلُهُ: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها أَيْ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ مِنَ الدِّينِ بِأَقْوَى سَبَبٍ، وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم، هي فِي نَفْسِهَا مُحْكَمَةٌ مُبْرَمَةٌ قَوِيَّةٌ وَرَبْطُهَا قَوِيٌّ شَدِيدٌ، وَلِهَذَا قَالَ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها الآية، قال مجاهد: العروة الْوُثْقَى يَعْنِي الْإِيمَانُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْإِسْلَامُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: العروة الْوُثْقَى الْقُرْآنُ. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: هُوَ الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا. وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي قَوْلِهِ: لَا انْفِصامَ لَها دُونَ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها ثُمَّ قَرَأَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرَّعْدِ: 11] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا ابن عوف عن محمد بن قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْجَزَ فِيهِمَا، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا خَرَجَ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ فَحَدَّثْتُهُ، فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ، قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ، قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ، إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قصصتها عَلَيْهِ، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. قَالَ ابن عون فذكر من خضرتها وسعتها- وفي وَسَطُهَا عَمُودُ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ في السماء، في أعلى عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِيَ اصْعَدْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ هُوَ الْوَصِيفُ- فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَقَالَ:
اصْعَدْ، فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَالَ: اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ فَقَالَ «أَمَّا الرَّوْضَةُ، فَرَوْضَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ» قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى وَسِيَاقٌ آخَرُ قَالَ الْإِمَامُ أحمد «2» : أنبأنا حسن بن موسى وعثمان، قالا: أنبأنا
(1) المسند (ج 5 ص 452) .
(2)
المسند (ج 5 ص 452، 453) . [.....]