الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه.
وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ إذا قدموا من سفرهم، لَمْ يَدْخُلُ الرَّجُلُ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تُدْعَى الْحُمْسَ «1» ، وَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ وَسَائِرُ الْعَرَبِ لَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ فِي الْإِحْرَامِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بُسْتَانٍ، إِذْ خَرَجَ مِنْ بَابِهِ، وخرج معه قطبة بن عامر من الأنصار فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رَجُلٌ تَاجِرٌ، وَإِنَّهُ خَرَجَ مَعَكَ مِنَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ فَعَلْتَهُ، فَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتَ، فقال: إني أَحْمُسُ، قَالَ لَهُ: فَإِنَّ دِينِي دِينُكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ سَفَرًا، وَخَرَجَ مَنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ سَفَرَهُ الذِي خَرَجَ لَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يُقِيمَ وَيَدَعَ سَفَرَهُ، لَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ مِنْ بَابِهِ وَلَكِنْ يَتَسَوَّرُهُ مِنْ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها الْآيَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا اعْتَكَفَ لَمْ يَدْخُلْ مَنْزِلَهُ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَ أَهْلُ يَثْرِبَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ دَخَلُوا مَنَازِلَهُمْ مِنْ ظُهُورِهَا، وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ أَدْنَى إِلَى الْبَرِّ، فَقَالَ اللَّهُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أَيِ اتَّقَوُا اللَّهَ، فَافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَاتْرُكُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ غَدًا إِذَا وقفتهم بين يديه فيجازيكم على التمام والكمال.
[سورة البقرة (2) : الآيات 190 الى 193]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَاّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
(1) الحمس: لأنهم كانوا يتشدّدون في دينهم.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ «1» عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ قَالَ: هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَهُ، وَيَكُفُّ عَمَّنْ كَفَّ عَنْهُ، حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٍ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ «2» بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، حَتَّى قَالَ: هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَةِ: 1] وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ إِنَّمَا هُوَ تَهْيِيجٌ وَإِغْرَاءٌ بِالْأَعْدَاءِ الَّذِينَ هِمَّتُهُمْ قِتَالُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، أَيْ كما يقاتلونكم فاقتلوهم أَنْتُمْ، كَمَا قَالَ: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة: 36] ولهذا قال في الْآيَةِ: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم، كما هِمَّتَهُمْ مُنْبَعِثَةٌ عَلَى قِتَالِكُمْ، وَعَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْ بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصا.
وَقَوْلُهُ: وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أَيْ قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تَعْتَدُوا فِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ارْتِكَابُ الْمَنَاهِي، كَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مِنَ الْمَثُلَةِ وَالْغُلُولِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ، الَّذِينَ لَا رَأْيَ لَهُمْ وَلَا قِتَالَ فِيهِمْ، وَالرُّهْبَانِ وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ، وَتَحْرِيقِ الْأَشْجَارِ، وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَغَيْرُهُمْ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:«اغزوا في سبيل الله وقاتلوا مَنْ كَفَرَ بِالْلَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ «اخرجوا باسم اللَّهِ قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بالله لا تعتدوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» ، وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا الأحلج عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ رِبْعَيِ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: ضَرَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْثَالًا وَاحِدًا وَثَلَاثَةً وَخَمْسَةً وَسَبْعَةً وَتِسْعَةً، وَأَحَدَ عَشَرَ، فَضَرَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَثَلًا وَتَرَكَ سَائِرَهَا، قَالَ «إِنَّ قَوْمًا كَانُوا أَهْلَ ضَعْفٍ وَمَسْكَنَةٍ قَاتَلَهُمْ أَهْلُ تَجَبُّرٍ وعداوة، فَأَظْهَرَ اللَّهُ أَهْلَ الضَّعْفِ عَلَيْهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ فَاسْتَعْمَلُوهُمْ وَسَلَّطُوهُمْ، فَأَسْخَطُوا اللَّهَ عَلَيْهِمْ إِلَى يوم القيامة» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءَ لَمَّا قَدَرُوا عَلَى الْأَقْوِيَاءِ فَاعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ فاستعملوهم
(1) تفسير الطبري 2/ 195.
(2)
تفسير الطبري 2/ 195.
(3)
المسند (ج 1 ص 300) . [.....]
(4)
المسند (ج 5 ص 407) .
فِيمَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ، أَسْخَطُوا اللَّهَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ هَذَا الِاعْتِدَاءِ. وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَلَمَّا كَانَ الْجِهَادُ فِيهِ إِزْهَاقُ النُّفُوسِ وَقَتْلُ الرِّجَالِ، نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّ مَا هُمْ مُشْتَمَلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِالْلَّهِ وَالشِّرْكِ بِهِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ، أَبْلَغُ وَأَشَدُّ وَأَعْظَمُ وَأَطَمُّ مِنَ الْقَتْلِ، وَلِهَذَا قَالَ:
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ قَالَ أَبُو مَالِكٍ: أَيْ مَا أَنْتُمْ مُقِيمُونَ عَلَيْهِ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ. ولهذا قال:
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، يَقُولُ الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ولم يحل إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ، حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» ، يَعْنِي بِذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليه قتاله أهله يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقُتِلَتْ رِجَالٌ مِنْهُمْ عِنْدَ الْخَنْدَمَةِ «1» ، وَقِيلَ صُلْحًا لِقَوْلِهِ «مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سفيان فهو آمن» .
وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ يقول تعالى:
ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدؤوكم بِالْقِتَالِ فِيهِ، فَلَكُمْ حِينَئِذٍ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُهُمْ دَفْعًا لِلصِّيَالِ، كَمَا بَايَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى الْقِتَالِ، لَمَّا تَأَلَّبَتْ عَلَيْهِ بُطُونُ قُرَيْشٍ وَمَنْ وَالَاهُمْ مِنْ أَحْيَاءِ ثَقِيفٍ وَالْأَحَابِيشِ عَامَئِذٍ، ثُمَّ كَفَّ اللَّهُ الْقِتَالَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الْفَتْحِ: 24] وَقَالَ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الْفَتْحِ: 25] .
وَقَوْلُهُ: فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ فَإِنْ تَرَكُوا الْقِتَالَ فِي الْحَرَمِ وَأَنَابُوا إِلَى الإسلام والتوبة، فإن الله يَغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ وَلَوْ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي حَرَمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ لِمَنْ تَابَ مِنْهُ إِلَيْهِ، ثم أمر الله بِقِتَالِ الْكُفَّارِ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أَيْ شِرْكٌ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَالسُّدِّيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ أَيْ يَكُونَ دِينُ اللَّهِ هُوَ الظَّاهِرُ الْعَالِي عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ:«مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عصموا
(1) الخندمة: جبل بمكة.