الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ هو قول الأعاجم هزار سال نَوْرُوزْ مَهْرَجَانْ «2» وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ: حَبَّبَتْ إِلَيْهِمُ الْخَطِيئَةُ طول العمر، وقال مجاهد بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ أي وما هُوَ بِمُنْجِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ يُحِبُّ طُولَ الْحَيَاةِ، وَأَنَّ الْيَهُودِيَّ قَدْ عَرَفَ مَا له في الآخرة من الخزي، بما ضيع ما عنده من العلم، وقال عوفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ عَادَوْا جبرائيل، قال أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ عُمَرَ: فَمَا ذَاكَ بِمُغِيثِهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَا مُنْجِيهِ مِنْهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الآية: يهود أحرص على الحياة من هؤلاء، وقد ودّ هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة، وليس بمزحزحه من العذاب لو عمر كما أن عَمَّرَ إِبْلِيسُ لَمْ يَنْفَعْهُ إِذْ كَانَ كَافِرًا، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أي خبير بصير بِمَا يَعْمَلُ عِبَادَهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَسَيُجَازِي كل عامل بعمله.
[سورة البقرة (2) : الآيات 97 الى 98]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98)
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ «3» رحمه الله: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بالتأويل جميعا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْيَهُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ زَعَمُوا أَنَّ جِبْرِيلَ عَدُوٌّ لَهُمْ، وَأَنْ مِيكَائِيلَ وَلِيٌّ لَهُمْ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كَانَ سَبَبُ قِيلِهِمْ ذَلِكَ، مِنْ أَجْلِ مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ نُبُوَّتِهِ. (ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ)«4» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ، عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي
(1) تفسير الطبري 2/ 372 طبعة دار المعارف بتحقيق محمود محمد شاكر) .
(2)
في الطبري: «هو قول الأعاجم: سال زه نوروز مهرجان حر» قال الأستاذ شاكر في تعليقه: سألت أحد أصحابنا ممن يعرف الفارسية فقال: إن هذا النص لا ينطبق على قواعد الفارسية، وأنه يظن أن صوابها «زه در مهرجان نوروز هزار سال» . ومعنى «زه» : عش. و «در» ظرف معنى «في» . ومهرجان هو عيد لهم. ونيروز: عيد آخر في أول السنة. «وهزار» : ألف. وسال: سنة. فكأن «حر» التي في آخر الكلام في نص الطبري هي «در» مصحفة. وباقي النصوص الفارسية صحيح، ومعناه: عش ألف سنة.
(3)
تفسير الطبري 1/ 476. [.....]
(4)
هذه عبارة الطبري.
ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ لئن أنا حدثتكم عن شيء فعرفتموه لتتابعنني عَلَى الْإِسْلَامِ» فَقَالُوا: ذَلِكَ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«سَلُوا عَمَّا شئتم» قالوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ، أَخْبَرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟ وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة «1» ، ومن وليه من الملائكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، «عَلَيْكُمْ عَهْدَ اللَّهِ لئن أنا أنبأتكم لتتابعنني؟» فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ «2» مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَقَالَ:«نَشَدْتُكُمْ بِالذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَطَالَ سَقَمُهُ مِنْهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لئن عافاه الله من مرضه لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ: لُحُومَ الْإِبِلِ، وَأَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَهَا» فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وأن ماء المرأة رقيق أصفر، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ الله عز وجل، فإذا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل» قالوا: اللهم نعم، «قال اللهم اشهد، وَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ» ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ:«اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ، قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ فَحَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ «3» أَوْ نُفَارِقُكَ، قَالَ:«فَإِنَّ وَلِيِّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ» قَالُوا: فعندها نفارقك، ولو كَانَ وَلِيُّكَ سِوَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ، قال:«فما يمنعكم أَنْ تُصَدِّقُوهُ» ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ- إلى قوله- لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فَعِنْدَهَا بَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هاشم بن القاسم وعبد الرحمن بْنِ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ به. ورواه أَحْمَدُ أَيْضًا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ عن عبد الحميد بنحوه وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَزَادَ فِيهِ، قَالُوا فَأَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ، قَالَ:«فأنشدكم بِاللَّهِ وَبِأَيَّامِهِ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أنه جبريل وهو الذي يأتيني» قالوا: اللهم نعم، ولكنه عدو لنا، وَهُوَ مَلَكٌ إِنَّمَا يَأْتِي بِالشِّدَّةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، فلولا ذلك اتبعناك، فأنزل الله تعالى فيهم: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ- إِلَى قَوْلِهِ- لا يَعْلَمُونَ وقال
(1) في الطبري: «في النوم» مكان «في التوراة» .
(2)
لفظ «الله» غير موجود في الطبري.
(3)
في الطبري «نتابعك» .
الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا القاسم، أخبرنا عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إسرائيل على بنيه إذ قال: والله على ما نقول وكيل، قال «هاتوا» قالوا: فأخبرنا عَنْ عَلَامَةِ النَّبِيِّ؟ قَالَ:
«تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا ينام قلبه» قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة؟ وَكَيْفَ يُذْكَّرُ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «يَلْتَقِي الْمَاءَانِ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ أَنَّثَتْ» قَالُوا:
أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: «وكان يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا أَلْبَانَ كَذَا وَكَذَا» قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي الْإِبِلَ فَحَرَّمَ لُحُومَهَا، قَالُوا: صَدَقْتَ، قَالُوا:
أَخْبِرْنَا مَا هَذَا الرَّعْدُ؟ قَالَ: «مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ عز وجل مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ بيديه أو في يديه مِخْرَاقٌ مِنْ نَارٍ يَزْجُرُ بِهِ السَّحَابَ يَسُوقُهُ حيث أمره الله تعالى» قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: «صوته» قالوا: صدقت، قالوا: إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبُكَ؟ قَالَ:«جِبْرِيلُ عليه السلام» قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ الذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا لَوْ قُلْتَ مِيكَائِيلُ الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان، فأنزل اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي القاسم بن أبي بزة أن يهودا سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَاحِبِهِ الذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، قَالَ:«جِبْرِيلُ» قالوا: فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال، فنزلت: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الْآيَةَ.
قَالَ ابن جرير «2» : قال مجاهد: قالت يهود: يا محمد ما نزل جبريل إلا بشدة وحرب وقتال فإنه لَنَا عَدُوٌّ، فَنَزَلَ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الآية. قال البخاري «3» : قوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ قال عكرمة: جبرا وميكا وإسراف: عبد. إيل: اللَّهُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ «4» فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أهل الجنة، وما ينزع الوالد إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟
قَالَ: «أَخْبَرَنِي بهذه «5» جبرائيل آنِفًا» قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: ذَاكَ عدو اليهود من
(1) المسند (ج 1 ص 274) .
(2)
تفسير الطبري 1/ 478.
(3)
صحيح البخاري (تفسير سورة البقرة باب 3) .
(4)
اخترف في أرضه أو بستانه: أقام وقت اجتناء التمر في الخريف.
(5)
في البخاري «بهنّ» .
الْمَلَائِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ «وأما أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، نَزَعَ الْوَلَدُ، وَإِذَا سبق ماء المرأة نَزَعَتْ» قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأنك رَسُولُ اللَّهِ. يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ «1» ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سيدنا، قال:«أرأيتم إن أسلم» قالوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدا رسول الله. قالوا: هو شرنا وابن شرنا وانتقضوه، فقال: هَذَا الذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ- انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبٌ مِنْ هذا السياق كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
وحكاية البخاري كما تقدم عَنْ عِكْرِمَةَ هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ إِيلَ هُوَ اللَّهُ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الطَّحَّانِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ قَيْسٍ بن عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ اسمه عبد الله، وميكائيل اسمه عبد اللَّهِ، إِيلُ: اللَّهُ، وَرَوَاهُ يَزِيدُ النَّحْوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ كَمَا سَيَأْتِي قريبا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِيلُ عِبَارَةٌ عَنْ عَبْدٍ، وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى هِيَ اسْمُ اللَّهِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ إِيلَ لَا تَتَغَيَّرُ فِي الْجَمِيعِ فَوِزَانُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَبْدُ الْمَلِكِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ عَبْدُ السَّلَامِ عَبْدُ الْكَافِي عَبْدُ الْجَلِيلِ، فَعَبْدُ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَسْمَاءُ المضاف إليها، وكذلك جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِ الْعَرَبِ يُقَدِّمُونَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين عمر بن الخطاب فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: نَزَلَ عُمَرُ الرَّوْحَاءَ، فَرَأَى رِجَالًا يَبْتَدِرُونَ أَحْجَارًا يُصَلُّونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلّى هاهنا، قال: فكره ذَلِكَ، وَقَالَ إِنَّمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد فصلّى، ثُمَّ ارْتَحَلَ فَتَرَكَهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: كنت أشهد اليهود يوم مدارسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن ومن القرآن كَيْفَ يُصَدِّقُ التَّوْرَاةَ، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ قَالُوا: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ قُلْتُ وَلِمَ ذلك؟
(1) أي موصوفون بالبهتان، وهو الكذب.
(2)
تفسير الطبري 1/ 478.
قالوا: لأنك تَغْشَانَا وَتَأْتِينَا، فَقُلْتُ: إِنِّي آتِيكُمْ فَأَعْجَبُ مِنَ القرآن كَيْفَ يُصَدِّقُ التَّوْرَاةَ وَمِنَ التَّوْرَاةِ كَيْفَ تُصَدِّقُ القرآن، قَالَ: وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، ذَاكَ صَاحِبُكُمْ فَالْحَقْ بِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وما استرعاكم من حقه، وما استودعكم من كتابه، هل تعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا، فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه، قالوا: فَأَنْتَ عَالِمُنَا وَكَبِيرُنَا فَأَجِبْهُ أَنْتَ، قَالَ: أَمَا إذا نشدتنا بما نشدتنا، فإنا نعلم أنه رسول الله، قلت: ويحكم إذا هلكتم، قالوا: إنا لم نهلك، قُلْتُ: كَيْفَ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ الله وَلَا تَتْبَعُونَهُ وَلَا تُصَدِّقُونَهُ؟ قَالُوا: إِنَّ لَنَا عَدُوًّا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَسِلْمًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّهُ قرن بنبوته عدونا من الملائكة، قُلْتُ: وَمَنْ عَدُوُّكُمْ، وَمَنْ سِلْمُكُمْ؟ قَالُوا:
عَدُوُّنَا جبريل، وسلمنا ميكائيل، قالوا: إن جبرائيل مَلَكُ الْفَظَاظَةِ وَالْغِلْظَةِ وَالْإِعْسَارِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْعَذَابِ وَنَحْوِ هذا، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة وَالتَّخْفِيفِ وَنَحْوِ هَذَا، قَالَ: قُلْتُ:
وَمَا مَنْزِلَتُهُمَا مِنْ رَبِّهِمَا عز وجل؟ قَالُوا: أَحَدُهُمَا عَنْ يمينه والآخر عن يساره، قال: فقلت:
فو الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهُمَا وَالذِي بَيْنَهُمَا لَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُمَا، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمَا، وما ينبغي لجبرائيل أَنْ يُسَالِمَ عَدُوَّ مِيكَائِيلَ، وَمَا يَنْبَغِي لِمِيكَائِيلَ أن يسالم عدو جبرائيل، قال: ثُمَّ قُمْتُ فَاتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَلَحِقْتُهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ خَوْخَةٍ «1» لِبَنِي فُلَانٍ، فَقَالَ:«يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا أُقْرِئَكَ آيَاتٍ نَزَلْنَ قَبْلُ» فَقَرَأَ عَلِيَّ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ حتى قرأ الآيات، قال: قلت: بأبي وأمي أنت يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ جئت أنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْكَ بِالْخَبَرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ، أَنْبَأَنَا عَامِرٌ، قَالَ:
انْطَلَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَجِدُونَ مُحَمَّدًا فِي كُتُبِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قال: فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قال: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ رَسُولًا إِلَّا جَعَلَ له من الملائكة كفلا وإن جبرائيل كَفَلَ مُحَمَّدًا وَهُوَ الذِي يَأْتِيهِ، وَهُوَ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمِيكَائِيلُ سِلْمُنَا لَوْ كَانَ مِيكَائِيلُ الذِي يَأْتِيهِ أَسْلَمْنَا، قَالَ: فَإِنِّي أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا مَنْزِلَتُهُمَا عند الله تعالى؟ قَالُوا: جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، قَالَ عُمَرُ: وَإِنِّي أَشْهَدُ مَا يَنْزِلَانِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِيكَائِيلُ لِيُسَالِمَ عَدُوَّ جبرائيل، وما كان جبرائيل لِيُسَالِمَ عَدُوَّ مِيكَائِيلَ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهُمْ إِذْ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: هَذَا صَاحِبُكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَتَاهُ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ وَهَذَانَ الْإِسْنَادَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عُمَرَ، وَلَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ فإنه لم يدرك زمانه، والله أعلم.
(1) في الطبري: مخرفة لبني فلان» . والمخرفة: البستان. والخوخة: باب صغير وسط باب كبير نصب حاجزا بين دارين، ومخترق ما بين كل دارين.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ ذات يوم إلى اليهود، فلما انصرف ورحبوا به، فقال لهم عمر: وأما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فِيكُمْ، وَلَكِنْ جِئْتُ لِأَسْمَعَ مِنْكُمْ، فَسَأَلَهُمْ وَسَأَلُوهُ، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبرائيل، فَقَالُوا: ذَاكَ عَدُوُّنَا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ يُطْلِعُ محمدا على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب وَالسَّنَةُ، وَلَكِنْ صَاحِبُ صَاحِبِنَا مِيكَائِيلُ، وَكَانَ إِذَا جاء جاء بالخصب والسلم، فقال لهم عمر: هل تعرفون جبرائيل، وَتُنْكِرُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم؟ فَفَارَقَهُمْ عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَوَجَّهُ نَحْوَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُحَدِّثَهُ حَدِيثَهُمْ، فَوَجَدَهُ قَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ (نَزَّلَهُ) عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ الآيات.
ثُمَّ قَالَ «1» : حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا أبو جعفر، حدثنا قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ أَقْبَلَ إِلَى اليهود يوما فذكر نحوه. وهذا في تفسير آدم وهو أَيْضًا مُنْقَطِعٌ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي الدَّشْتَكِيَّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عبد الرحمن، عن عبد الرحمن وهو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ يَهُودِيًّا لقي عمر بن الخطاب، فقال: إن جبرائيل الذِي يَذْكُرُ صَاحِبَكُمْ عَدُوٌّ لَنَا، فَقَالَ عُمَرُ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ قَالَ: فَنَزَلَتْ على لسان عمر رضي الله عنه. ورواه عبد بن حميد عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أبي جعفر هو الرازي. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثني هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابن أبي ليلى في قوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ للمسلمين: لو أن ميكائيل كان هو الذي ينزل عليكم لتبعناكم، فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبرائيل ينزل بالعذاب والنقمة، فإنه عدو لنا، قال:
فنزلت هذه الآية. حدثنا يعقوب، أخبرنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ قال: قالت اليهود:
إن جبرائيل عدو لنا. لِأَنَّهُ يَنْزِلُ بِالشِّدَّةِ وَالسَّنَةِ، وَإِنَّ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بالرخاء والعافية والخصب، فجبرائيل عدو لنا. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الآية.
وأما تفسير الآية فَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ من عادى جبرائيل فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ الذِي نَزَلَ بِالذِّكْرِ الْحَكِيمِ عَلَى قَلْبِكَ مِنَ اللَّهِ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ ملكي، وَمَنْ عَادَى رَسُولًا فَقَدْ عَادَى جَمِيعَ الرُّسُلِ، كما أن من آمن برسول يَلْزَمُهُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ، وَكَمَا أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِرَسُولٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ
(1) أَيْ الطبري. وهذا الحديث والذي قبله في تفسير الطبري 1/ 479.
(2)
تفسير الطبري 1/ 48. [.....]
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النِّسَاءِ: 150- 151] ، فَحَكَمَ عليهم بالكفر المحقق إذا آمَنُوا بِبَعْضِ الرُّسُلِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ عادى جبرائيل فإنه عدو لله، لأن جبرائيل لَا يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَنْزِلُ بِأَمْرِ رَبِّهِ، كَمَا قَالَ: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مَرْيَمَ: 64]، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشُّعَرَاءِ: 192- 193- 194] ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ «1» فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ» وَلِهَذَا غَضِبَ الله لجبرائيل على من عاداه، فقال تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ هُدًى لِقُلُوبِهِمْ وَبُشْرَى لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ [فُصِّلَتْ:
44] : وَقَالَ تَعَالَى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الْإِسْرَاءِ: 82] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ يَقُولُ تَعَالَى: مَنْ عَادَانِي وَمَلَائِكَتِي وَرُسُلِي، وَرُسُلُهُ تَشْمَلُ رُسُلَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الْحَجِّ: 75] . وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ وَهَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، فَإِنَّهُمَا دخلا في الملائكة في عُمُومِ الرُّسُلِ، ثُمَّ خُصِّصَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ السِّيَاقَ في الانتصار لجبرائيل، وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَقَرَنَ مَعَهُ مِيكَائِيلَ فِي اللَّفْظِ، لِأَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ جبرائيل عدوهم، وميكائيل وليهم، فأعلمهم الله تعالى أن مَنْ عَادَى وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَدْ عَادَى الْآخَرَ وعادى الله أيضا، ولأنه أيضا ينزل على أنبياء الله بَعْضَ الْأَحْيَانِ، كَمَا قُرِنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر، هذا بِالْهُدَى وَهَذَا بِالرِّزْقِ، كَمَا أَنَّ إِسْرَافِيلَ مُوَكَّلٌ بالنفخ في الصور لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عكرمة وغيره أَنَّهُ قَالَ، جِبْرَ، وَمِيكَ، وَإِسْرَافِ: عُبَيْدُ، وَإِيلُ: اللَّهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي رجاء، عن عمير مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرَّحْمَنِ وَقِيلَ جِبْرِ: عَبْدُ، وَإِيلُ: اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَتُدْرُونَ مَا اسْمُ جِبْرَائِيلَ مِنْ أَسْمَائِكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: اسْمُهُ عَبْدُ الله، وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عز
(1) صحيح البخاري (رقاق باب 38) .
وجل. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ ومجاهد وَالضَّحَّاكِ وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، نَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: اسم جبرائيل فِي الْمَلَائِكَةِ خَادِمُ اللَّهِ، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ فَانْتَفَضَ، وَقَالَ: لَهَذَا الْحَدِيثُ أحب إلى من كل شيء في دفتر كان بين يديه. وفي جبرائيل وَمِيكَائِيلَ لُغَاتٌ وَقِرَاءَاتٌ «1» تُذْكَرُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْقِرَاءَاتِ، وَلَمْ نُطَوِّلْ كِتَابَنَا هَذَا بِسَرْدِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَدُورَ فَهْمُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، أَوْ يَرْجِعَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَبِاللَّهِ الثِّقَةُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ فِيهِ إِيقَاعُ الْمُظْهَرِ مَكَانَ الْمُضْمَرِ حَيْثُ لم يقل: فإنه عدو، بل قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ كَمَا قَالَ الشاعر: [الخفيف]
لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ
…
نَغَّصَ الموت ذا الغنى والفقيرا «2»
وقال الآخر: [الكامل]
لَيْتَ الْغُرَابَ غَدَاةَ يَنْعَبُ دَائِبًا
…
كَانَ الْغُرَابُ مقطع الأوداج «3»
وإنما أظهر لله هذا الِاسْمَ هَاهُنَا لِتَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى وَإِظْهَارِهِ، وَإِعْلَامِهِمْ أن من عادى وليا لله فَقَدْ عَادَى اللَّهَ، وَمَنْ عَادَى اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لَهُ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ عَدُوَّهُ فَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ «من عادى لي وليا فقد آذنته بالمحاربة» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إِنِّي لِأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يثأر الليث الحرب» وفي الحديث الصحيح «من كنت خصمه خصمته» .
(1) انظر تفسير القرطبي 2/ 37- 38 وتفسير الرازي 3/ 177- 181.
(2)
البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 65 والأشباه وللنظائر 8/ 30 وخزانة الأدب 1/ 378 وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 36 ولسوادة بن عدي في شرح أبيات سيبويه 1/ 127 وشرح شواهد المغني 2/ 176 والكتاب 1/ 62.
(3)
البيت بلا نسبة أيضا في الطبري 1/ 485. وهو لجرير في ديوانه ص 89 وأمالي ابن الشجري 1/ 243.