الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحوال، فلم يحصل مِنْهُ شَيْءٌ وَخَانَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ، ولهذا قال تعالى: وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ وَهُوَ الرِّيحُ الشَّدِيدُ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ أَيْ أَحْرَقَ ثِمَارَهَا وَأَبَادَ أَشْجَارَهَا، فَأَيُّ حَالٍ يَكُونُ حَالُهُ؟
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَرَبَ الله مَثَلًا حَسَنًا وَكُلُّ أَمْثَالِهِ حَسَنٌ، قَالَ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ يقول صنعه فِي شَيْبَتِهِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَوَلَدُهُ وَذُرِّيَّتُهُ ضِعَافٌ عِنْدَ آخَرِ عُمُرِهِ، فَجَاءَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فاحترق بُسْتَانَهُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوَّةً أَنْ يَغْرِسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ نَسْلِهِ خَيْرٌ يَعُودُونَ به عليه، وكذلك الكافر يكون يوم القيامة إذا رُدَّ إِلَى اللَّهِ عز وجل، لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ فَيُسْتَعْتَبُ، كَمَا لَيْسَ لِهَذَا قُوَّةٌ فَيَغْرِسُ مِثْلَ بُسْتَانِهِ، وَلَا يَجِدُهُ قَدَّمَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا يَعُودُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يُغْنِ عَنْ هَذَا وَلَدُهُ، وَحُرِمَ أَجْرَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إليه، كما حرم هذا جنته عند ما كان أَفْقَرِ مَا كَانَ إِلَيْهَا عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِ ذُرِّيَّتِهِ. وَهَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ فِي دُعَائِهِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي وَانْقِضَاءِ عُمُرِي» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ أَيْ تَعْتَبِرُونَ وَتَفْهَمُونَ الْأَمْثَالَ وَالْمَعَانِي وَتُنْزِلُونَهَا عَلَى الْمُرَادِ مِنْهَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: 43] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269)
يَأْمُرُ تَعَالَى: عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِنْفَاقِ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّدَقَةُ هَاهُنَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي التِّجَارَةَ بِتَيْسِيرِهِ إِيَّاهَا لَهُمْ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالسُّدِّيُّ مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ يَعْنِي الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ الَّتِي أَنْبَتَهَا لَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُمْ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ أَطِيبِ الْمَالِ وَأَجْوَدِهِ وَأَنْفَسِهِ، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وَهُوَ خَبِيثُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلا طيبا، ولهذا قال: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أَيْ تَقْصِدُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ أَيْ لَوْ أُعْطِيتُمُوهُ مَا أَخَذْتُمُوهُ، إِلَّا أَنْ تَتَغَاضَوْا فِيهِ، فَاللَّهُ أَغْنَى عَنْهُ مِنْكُمْ، فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ مَا تَكْرَهُونَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ أَيْ لَا تَعْدِلُوا عَنِ الْمَالِ الْحَلَالِ وَتَقْصِدُوا إِلَى الْحَرَامِ فَتَجْعَلُوا نفقتكم منه.
وَيُذْكَرُ هَاهُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ، عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسْلِمُ عَبْدٌ، حَتَّى يُسْلِمَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَلَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَأْمَنَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ قَالُوا وَمَا بَوَائِقُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ غِشُّهُ وَظُلْمُهُ، وَلَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ فَيُنْفِقَ مِنْهُ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ فَيُقْبَلَ مِنْهُ وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كان إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحوا الْخَبِيثَ» وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» رحمه الله: حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، فِي قَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، كَانَتِ الأنصار إذا كانت أَيَّامَ جِذَاذِ النَّخْلِ أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ الْبُسْرِ فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْلٍ، بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْكُلُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُ، فَيَعْمِدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى الْحَشَفِ فَيُدْخِلُهُ مَعَ أَقْنَاءِ الْبُسْرِ، يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ الحاكم:
صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ البراء رضي الله عنه، وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ قَالَ: نَزَلَتْ فِينَا، كنا أصحاب نخل فكان الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ بِقَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، فَيَأْتِي الرَّجُلُ بِالْقِنْوِ فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذا جاء فضربه بعصاه فسقط مِنْهُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، فَيَأْكُلُ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُونَ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي بِالْقِنْوِ فِيهِ الحشف والشيص، فيأتي بِالْقِنْوِ قَدِ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ، فَنَزَلَتْ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ لَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَى مَا أَخَذَهُ إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَّا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ وَاسْمُهُ غَزْوَانُ، عَنِ الْبَرَاءِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، ثُمَّ قال وهذا حديث حسن غريب.
(1) المسند (ج 1 ص 387) .
(2)
تفسير الطبري 3/ 82.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنَ التمر: الجعرور «1» والحبيق، وَكَانَ النَّاسُ يَتَيَمَّمُونَ شِرَارَ ثِمَارِهِمْ، ثُمَّ يُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ، فَنَزَلَتْ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بن حسين عن الزهري، ثُمَّ قَالَ: أَسْنَدَهُ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجُعْرُورِ ولون الحبيق، أن يؤخذ فِي الصَّدَقَةِ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مغفل، فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قَالَ: كَسْبُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ خَبِيثًا، وَلَكِنْ لَا يَصَّدَّقُ بِالْحَشَفِ وَالدِّرْهَمِ الزَّيْفِ «2» وَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ «لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ» . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَّا أُطْعِمَهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ «لَا تُطْعِمُوهُمْ مما لَا تَأْكُلُونَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ، لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ مِنْ حَقِّهِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يَقُولُ:
لَوْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ حَقٌّ فَجَاءَكُمْ بِحَقٍّ دُونَ حَقِّكُمْ، لَمْ تَأْخُذُوهُ بِحِسَابِ الْجَيِّدِ حَتَّى تَنْقُصُوهُ، قَالَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَحَقِّي عَلَيْكُمْ مِنْ أَطْيَبِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفَسِهِ؟ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَزَادَ: وَهُوَ قَوْلُهُ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آلِ عِمْرَانَ: 92] ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَا ذكره غير واحد.
وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أَيْ وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالصَّدَقَاتِ وَبِالطَّيِّبِ مِنْهَا، فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا، وما ذاك إلا أن يساوي الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، كَقَوْلِهِ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ
(1) الجعرور والحبيق: من أردأ أنواع التمر.
(2)
الدرهم الزيف، والدراهم الزيوف: التي تكون نسبة الفضة فيها منقوصة، أي أقل من المقدار الشرعي والمتعارف عليه.
(3)
المسند (ج 6 ص 105) .
[الْحَجِّ: 37] وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ وَجَمِيعُ خَلْقِهِ فَقُرَاءُ إِلَيْهِ، وَهُوَ وَاسِعُ الْفَضْلِ، لَا يَنْفَدُ مَا لَدَيْهِ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ وَاسِعُ العطاء، كريم جواد، ويجزيه بِهَا، وَيُضَاعِفُهَا لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، مَنْ يُقْرَضُ غَيْرُ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ، وَهُوَ الْحَمِيدُ أَيِ الْمَحْمُودُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
وَقَوْلُهُ: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إن لِلشَّيْطَانِ لَلَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً «1» ، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لمة الملك فإيعاد بالخير والتصديق بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ» ثُمَّ قَرَأَ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا الْآيَةَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيِ التفسير من سننهما جَمِيعًا، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ هَنَّادٍ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ، يَعْنِي سَلَّامَ بْنَ سُلَيْمٍ، لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، كَذَا قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عن محمد بن عبد الله بن وستة، عَنْ هَارُونَ الْفَرْوِيِّ، عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ وَلَكِنْ رَوَاهُ مِسْعَرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَاللَّهُ أعلم.
ومعنى قول تَعَالَى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أَيْ يُخَوِّفُكُمُ الْفَقْرَ لِتُمْسِكُوا مَا بِأَيْدِيكُمْ فَلَا تُنْفِقُوهُ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ. وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أَيْ مَعَ نَهْيِهِ إِيَّاكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْمَآثِمِ والمحارم ومخالفة الخلاق، قال تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَمَرَكُمُ الشَّيْطَانُ بِالْفَحْشَاءِ. وَفَضْلًا أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَا خَوَّفَكُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْفَقْرِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ وَقَوْلُهُ: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِالْقُرْآنِ، نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْثَالِهِ، وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «الْحِكْمَةُ الْقُرْآنُ» يَعْنِي تَفْسِيرُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَإِنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي بِالْحِكْمَةِ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ، وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ: لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَكِنَّهُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقُرْآنُ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْحِكْمَةُ خَشْيَةُ الله، فإن خشية الله رأس
(1) اللمّة: التهمّة والخطرة في القلب، أو الدنوّ.