المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلا يبالي حتى لو سار على الشوك، أو اعترضته المخاوف - تفسير الشعراوي - جـ ١٩

[الشعراوي]

الفصل: فلا يبالي حتى لو سار على الشوك، أو اعترضته المخاوف

فلا يبالي حتى لو سار على الشوك، أو اعترضته المخاوف والأخطار.

والوحي لقاء بشري بملكي، فإما أنْ ينتقل الرسول إلى مرتبة الملَك، أو ينتقل الملك إلى مرتبة البشر، وهذا التقارب لم يحدث في بداية نزول الوحي فأجهد رسول الله واحتاج إلى هذه الراحة بانقطاع الوحي.

لذلك يقول سبحانه: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 2 - 3] أي: جعلناه خفيفاً لا يجهدك، ويقول سبحانه في الرد عليهم:{والضحى والليل إِذَا سجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} [الضحى: 1 - 3] .

فعجيب أنْ يقولوا: «إن رب محمد قلاه» فيعترفون برب محمد ساعة الشدة والضيق الذي نزل به، فأشمتهم فيه حتى قالوا: إن رب محمد جفاه، فلما وصله ربه بالوحي ودعاهم إلى الإيمان كفروا وكذَّبوا.

ص: 11555

قوله سبحانه: {كَذَلِكَ

} [الروم:‌

‌ 59]

. أي: كتكذيبهم لكل آية تأتيهم بها {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] . أي ختمها وأغلقها.

فإنْ قلتَ: فمن المصلحة أنْ تظل قلوبهم مفتوحة لعلها تستقبل شيئاً من الهداية والنور. نقول: الخَتْم على قلوب هؤلاء لا يكون إلا بعد استنفاد كل وسائل الدعوة، فلم يستجيبوا فلا أملَ في هدايتهم ولا جدوى من سماعهم.

ص: 11555

والحق سبحانه وتعالى ربٌّ يعين عبده على ما يحب ويلبي له رغبته، حتى وإنْ كانت الكفر، وهؤلاء أرادوا الكفر وأحبوه، فأعانهم الله على ما أرادوا، وختم على قلوبهم حتى لا يدخلها إيمان، ولا يفارقها كفر.

لذلك سبق أنْ حذَّرنا أصحاب المصائب، أو الذين يفقدون عزيزاً، حذرناهم أنْ يستديموا الحزن، وأنْ يألفوه مخافة أنْ يوافقكم الله على هواكم في محبة الحزن وعِشْقه، فتتوالى عليكم الأحزان وتتتابع المصائب، إياكم ان تدعوا باب الحزن موارباً، بل أغلقوه بمسمار الرضا، فالحزن إنْ ظلَّ بك فلن يدعَ لك حبيباً.

وكذلك نقول: إن شُغل عنك شخص فلا تُذكِّره بنفسك، بل أَعِنْهُ على هجرك، وساعده بألَاّ تذكره.

فإذا قلتَ: إذا كان الحق سبحانه قد وصفهم بأنهم لا يعلمون، فلماذا يختم على قلوبهم، ولماذا يحاسبهم؟ نقول: لأن عدم العلم نتيجة تقصيرهم، فالحق سبحانه أقام لهم الأدلة والآيات الكونية الدالة على وجوده تعالى، فلم ينظروا في هذه الآيات ولم يستدلوا بالأدلة على وجود الخالق القادر سبحانه، وضرورة البلاغ من الله، إذن: فعدم علمهم نتيجة غفلتهم وتقصيرهم.

لكن، ماذا بعد أنْ كذَّبوا الرسل وأنكروا الآيات، أتتوقف مسيرة الدعوة، لأنهم صَمُّوا آذانهم عنها؟ لقد خلق الله الكون ونثر فيه الآيات التي تدل على وجود الإله الواحد الأحد، وجعل فيه المعجزات التي تثبت صِدْق الرسُل في البلاغ عن الله، والحق سبحانه لا ينتفع بهذه الآيات؛ لأن مُلْكِه تعالى لا يزيد بطاعتنا، ولا ينقص بمعاصينا، فالمسألة تعود إلينا نحن أولاً وآخراً، إذن: فالحسم في هذه

ص: 11556