المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم نقول: هَبُوا أن رسول الله له اختيار في هذه - تفسير الشعراوي - جـ ١٩

[الشعراوي]

الفصل: ثم نقول: هَبُوا أن رسول الله له اختيار في هذه

ثم نقول: هَبُوا أن رسول الله له اختيار في هذه المسألة، ولم تكن مُسْبقة، ألم يُؤدِّ فِعْلُه هذا إلى إلغاء عادة التبني؟ ثم أنُزِعَتْ الرسالة من رسول الله بعد أنْ فعل ما فعل؟ إذن: لا يتناقض مراد الله ومراد رسول الله.

والذين تناولوا سيدنا رسول الله في هذه المسألة مثل الذين تناولوا سيدنا يوسف عليه السلام لما قال الله فيه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا

} [يوسف: 24] وكأنهم أكثر غيرةً على يوسف من ربه عز وجل، نعم همَّ بها يوسف أي: فكَّر فيها أو غير ذلك، ولن نقول لكم على الصواب لتظلوا في حيرتكم، لكن أنزعَ الله منه الرسالةَ بعد ما همَّ بها؟ إذن: همُّه بها لم يناقض الرسالة، فما تقولونه في هذه المسألة فضول منكم.

ثم تأتي العلة في هذه المسألة {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً

} [الأحزاب: 37] ثم تختم الآية بما لا يدع مجالاً للشك في رسول الله: {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37] أي: لا بُدَّ أن يحدث، ولن يترك لأيِّ شخص آخر، حتى لا تفسد القضية في إلغاء عادة التبني، إذن، فزواج رسول الله من امرأة مُتبنَّاه ما كان إلا لرفع الحرج عن جميع المؤمنين، والآن يصح لكل مُتبنٍّ أن يتزوج امرأة مُتبنَّاه.

ص: 12053

قوله تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ

} [الأحزاب:‌

‌ 38]

أي:

ص: 12053

إثم أو ملامة {فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ

} [الأحزاب: 38] أي: كيف تلومون رسول الله على تنفيذ أمر فرضه الله له وتأمل {فَرَضَ الله لَهُ

} [الأحزاب: 38] أي: لصالحه ولم يقُلْ فرض عليه؟ ما دام أن الله هو الذي فرض هذا، فلتُصعِّدوا الأمر إليه، فليس لرسوله ذنب فيه.

وهذه المسألة تشبه تماماً مسألة الإسراء، فحين أخبر سيدنا رسول الله قومه بخبر الإسراء قالوا: يا محمد أتدَّعي أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً؟ وهذا غباء منهم لأن محمداً لم يقل: سريْت إنما قال: أُسْرِي بي. فالذي أسري به ربه عز وجل إذن: المسألة ليست من فعل محمد، ولكن من فعل الله.

وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً توضيحياً - ولله المثل الأعلى - قُلْنا: هَبْ أن رجلاً قال لك: أنا صعدتُ بولدي الصغير قمة (إفرست) أتقول له: كيف صعد ولدك قمة (إفرست) ؟

لكن انتفعنا الآن بقول المكذِّبين: أتدَّعي يا محمد أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً؛ لأن غباء المكذِّب يؤدي به إلى عكس ما قصده من غبائه، فهذا القول اتخذناه الآن دليلاً للرد على مَنْ يقولون بأن الإسراء كان رؤيا، أو كان بالروح دون الجسد.

فلو قال رسول الله: رأيتُ في الرؤيا أني أتيتُ بيت المقدس ما

ص: 12054

قالوا هذه المقالة، إذن: فَهِمَ القومُ أن رسول الله أتي بيت المقدس بروحه وجسده، وإلا ما قارنوا بين ذهابهم وذهابه، فالذين عاصروا هذه الحادثة قالوا هذه المقالة، فكيف نأتي اليوم لنقول: إن الإسراء كنا مناماً، أو كان بالروح دون الجسد؟

وقوله تعالى: {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ

} [الأحزاب: 38] أي: إخوانه من الرسل السابقين، أو فيما كان قبل الإسلام من التعدُّد، فلم يكُنْ رسول الله بدَعاً في هذه المسألة.

{وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} [الأحزاب: 38] تلحظ أن الآية السابقة خُتِمَتْ بقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37] فلقائل أن يقول نعم مفعولاً في هذا الوقت الذي حدثتْ فيه هذه الأحداث؛ لذلك قال هنا {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} [الأحزاب: 38] أي: أن ما حدث لرسول الله كان مقدراً أزلاً، ولا شيء يخرج عن تقدير الله، وقد صَحَّ أن القلم قد جَفَّ على ما كُتِب، وعلى ما قُدِر.

ص: 12055

وكأن الحق سبحانه يُعيدنا إلى قوله تعالى في نبيه محمد: {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ

} [الأحزاب: 37] فالرسل

ص: 12055