الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3)
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ أي نزلت وجاءت. والْواقِعَةُ علم بالغلبة على القيامة، أو منقول، سميت بذلك لتحقق وقوعها، وكأنه قيل: إذا وقعت التي لا بد من وقوعها، واختيار (إذا) مع صيغة المضي، للدلالة على ما ذكر لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي كذب أو تكذيب. وقد جاء المصدر على زنة (فاعلة) كالعاقبة، والعافية. واللام للاختصاص. أو المعنى: ليس حين وقعتها نفس كاذبة، أي تكذب على الله، أو تكذب في نفيها. واللام للتوقيت.
قال الشهاب: والْواقِعَةُ السقطة القوية، وشاعت في وقوع الأمر العظيم، وقد تخص بالحرب، ولذا عبر بها هنا. خافِضَةٌ رافِعَةٌ أي تخفض الأشقياء إلى الدركات، وترفع السعداء إلى الدرجات. وقيل، الجملة مقررة لعظمة الواقعة على طريق الكناية، لأن من شأن الوقائع العظام أنها تخفض قوما وترفع آخرين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (56) : الآيات 4 الى 6]
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6)
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أي زلزلت زلزالا شديدا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا أي فتّتت، أو سيقت وأذهبت، كقوله وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ [النبأ: 20] ، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا أي متفرقا. قال قتادة: الهباء ما تذروه الريح من حطام الشجر. وقال غيره: هو ما يرى من الكوة كهيئة الغبار.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الواقعة (56) : الآيات 7 الى 12]
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً أي أصنافا ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ تقسيم وتنويع للأزواج الثلاثة، مع الإشارة الإجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها. وإطلاق (الميمنة) و (المشأمة) اللتين هما الجهتان المعروفتان، على منزلة السعداء الذين هم الأبرار والمصلحون من الناس، وعلى دركة الأشقياء الذين هم الأشرار والمفسدون من الناس- أصله من تيمّن العرب باليمين، وتشاؤمهم بالشمال، كما في السانح والبارح، وقولهم للرفيع: هو منى باليمين، وللوضيع: هو منى بالشمال، تجوّزا به، أو كناية به عما ذكر.
وقيل: الميمنة والمشأمة بمعنى اليمين والشؤم، فليس بمعنى الجهة، بل بمعنى البركة وضدها، لما عاد عليهم من أنفسهم وأفعالهم. وفي جملتي الاستفهام إشارة إلى ترقّي أحوالهما في الخير والشر، تعجّبا منه.
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أي الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة، بعد ظهور الحق، وأوذوا لأجله، وصبروا على ما أصابهم، وكانوا الدعاة إليه.
فإن قيل: لم خولف بين المذكورين في السابقين، وفي أصحاب اليمين، مع أن كل واحد منهما إنما أريد به التعظيم والتهويل لحال المذكورين؟
فنقول: التعظيم المؤدي بقوله: السَّابِقُونَ أبلغ من قرينه. وذلك أن مؤدي هذا أن أمر السابقين، وعظمة شأنه، ما لا يكاد يخفى. وإنما تحير فهم السامع فيه مشهور. وأما المذكور في قوله: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ فإنه تعظيم على السامع بما ليس عنده منه علم سابق. ألا ترى كيف سبق بسط حال السابقين بقوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فجمع بين اسم الإشارة المشار به إلى معروف، وبين الإخبار عنه بقوله: الْمُقَرَّبُونَ معرفا بالألف واللام العهدية؟ وليس مثل هذا مذكورا في بسط حال أصحاب اليمين، فإنه مصدر بقوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ- أفاده الناصر-.
والسَّابِقُونَ الثاني إما خبر، أي الذين عرفت حالهم، واشتهرت أوصافهم على حدّ (وشعري شعري) ، أو تأكيد، والخبر قوله:
أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ أي الذين يقرّبهم الله منه بإعلاء منازلهم فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.