الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
قُلْ هُوَ أي الخبر الحق المؤيد بالبرهان الذي لا يرتاب فيه، وهو ما يعبر عنه النحويون بالقصة أو الحديث أو الشأن. قال أبو السعود: ومدار وضعه موضعه، مع عدم سبق ذكره، الإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد، وإليه يشير كل مشير، وإليه يعود كل ضمير اللَّهُ أَحَدٌ أي واحد في الألوهية والربوبية.
قال الزمخشري: أَحَدٌ بمعنى واحد. وقال ابن الأثير: (الأحد) في أسمائه تعالى، الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر. والهمزة فيه بدل من الواو. وأصله (وحد) لأنه من الوحدة. وفي (المصباح) : يكون (أحد) مرادفا (لواحد) في موضعين سماعا:
أحدهما- وصف اسم البارئ تعالى فقال هو الواحد وهو الأحد، لاختصاصه بالأحدية. فلا يشركه فيها غيره. ولهذا لا ينعت به غير الله تعالى. فلا يقال (رجل أحد) ولا (درهم أحد) ونحو ذلك.
والموضع الثاني- أسماء العدد للغلبة وكثرة الاستعمال. فيقال أحد وعشرون، وواحد وعشرون. وفي غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال، بأن (الأحد) لنفي ما يذكر معه، فلا يستعمل إلا في الجحد، لما فيه من العموم، نحو ما قام أحد.
أو مضافا نحو (ما قام أحد الثلاثة) . و (الواحد) اسم لمفتتح العدد. ويستعمل في الإثبات، مضافا وغير مضاف. فيقال (جاءني واحد من القوم) . انتهى.
وقال الأزهري: الواحد من صفات الله تعالى، معناه أنه لا ثاني له. ويجوز أن ينعت الشيء بأنه واحد. فأما أَحَدٌ فلا ينعت به غير الله تعالى، لخلوص هذا الاسم الشريف له جل ثناؤه.
قال الإمام: ونكّر الخبر لأن المقصود أن يخبر عن الله بأنه واحد، لا بأنه لا واحد سواه. فإن الوحدة تكون لكل واحد. تقول (لا أحد في الدار) بمعنى لا واحد من الناس فيها. والذي كان يزعمه المخاطبون هو التعدد في ذاته. فأراد نفي ذلك بأنه أحد. وهو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس، وما يعتقده القائلون بالثلاثة، منهم ومن غيرهم. وسيأتي لابن تيمية كلام آخر في سر إيثاره بالتنكير اللَّهُ الصَّمَدُ أي الذي يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب. إذ ينتهى إليه منتهى السؤدد، قاله الغزاليّ في (المقصد الأسنى) . وهكذا قال ابن جرير: الصمد عند العرب هو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمى أشرافها.
ومنه قول الشاعر:
ألا بكر النّاعي بخيري بني أسد
…
بعمرو بن مسعود وبالسّيّد الصّمد
قال الشهاب: فهو (فعل) بمعنى مفعول. وصمد بمعنى قصد. فيتعدى بنفسه وباللام وإلى. وقال ابن تيمية رحمه الله: وفي الصمد للسلف أقوال متعددة، قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب. والمشهور منها قولان:
أحدهما- أن الصمد هو الذي لا جوف له.
والثاني- أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة.
والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين.
تم توسع رحمه الله في مأخذ ذلك واشتقاقه والمأثور فيه، إلى أن قال:
وإنما أدخل اللام في الصَّمَدُ ولم يدخلها في أَحَدٌ لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف. ولم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده. وإنما يستعمل في غير الله في النفي وفي الإضافة وفي العدد المطلق. وأما اسم الصمد فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين، كما تقدم، فلم يقل صمد بل قال: اللَّهُ الصَّمَدُ فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه. فإنه المستوجب لغايته على الكمال. والمخلوق، وإن كان صمدا من بعض الوجوه، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه. فإنه يقبل التفرق والتجزئة. وهو أيضا محتاج إلى غيره. فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء، إلا الله. وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن
يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض. والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة، لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه.
وقال أبو السعود. وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل من استحقاق الألوهية. وتعرية الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى. بيّن أولا ألوهيته عز وجل المستتبعة لكافة نعوت الكمال، ثم أحديّته الموجبة تنزهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجه من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها.
ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتيّ عما سواه، وافتقار جميع المخلوقات إليه، في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقا للحق، وإرشادا لهم إلى سننه الواضح. ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم، بقوله سبحانه لَمْ يَلِدْ نصيبا على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح. ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي. أي لم يصدر عنه ولد، لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا.
كما نطق به قوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ [الأنعام: 101] ، ولا يفتقر إلى ما يعينه أو يخلفه، لاستحالة الحاجة والفناء عليه، سبحانه. انتهى.
وقال ابن تيمية. وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة، كل أفرادها. سواء سموها حسية أو عقلية، كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها، هل هي جواهر أو أعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور والنفوس بمنزلة الإناث، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة. وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم، الذين جعلوا له بنين وبنات، قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ [الأنعام: 100]، وقال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الصافات: 151- 152]، وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله. كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة، وهي متولدة عن الله، فقال تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ [النحل: 57] ، والآيات في هذا كثيرة.
وقوله: وَلَمْ يُولَدْ نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات. فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه، وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه. قال الإمام:
قوله: وَلَمْ يُولَدْ يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون