الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث- قال الرازي: في الآية فوائد:
إحداها- أن يعرفوا بذلك أنه عليه السلام كما بعث إلى الإنس، فقد بعث إلى الجن.
وثانيها- أن يعلم قريش أن الجن، مع تمردهم، لما سمعوا القرآن عرفوا إعجازه، فآمنوا بالرسول.
وثالثها- أن يعلم القوم أن الجن مكلفون كالإنس.
ورابعها- أن يعلم أن الجن يستمعون كلامنا، ويفهمون لغاتنا.
وخامسها- أن يظهر أن المؤمن منهم يدعو غيره من قبيلته إلى الإيمان.
وفي كل هذه الوجوه مصالح كثيرة إذا عرفها الناس. انتهى.
ولما سمعوا القرآن، ووفّقوا للتوحيد والإيمان، تنبهوا على الخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بخلقه، واتخاذه صاحبة وولدا، فاستعظموه، ونزهوه عنه، فقالوا:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الجن (72) : آية 3]
وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3)
وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً أي تعالى ملكه وعظمته، وصدق ربوبيته، عن اتخاذ الصاحبة والولد.
قال ابن جرير: الجدّ بمعنى الحظ. يقال: فلان ذو جدّ في هذا الأمر إذا كان له حظ فيه، وهو الذي يقال له بالفارسيّة (البخت) . والمعنى: أن حظوته من الملك والسلطان والقدرة العظيمة عالية، فلا تكون له صاحبة ولا ولد، لأن الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز الذي تضطره الشهوة الباعثة إلى اتخاذها، وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوقاع الذي يحدث منه الولد. فقال النفر من الجن: علا ملك ربنا وسلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه، الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة، أو وقاع شيء يكون منه ولد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الجن (72) : الآيات 4 الى 6]
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6)
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا يعنون به مضلّهم ومغويهم عَلَى اللَّهِ شَطَطاً أي قولا ذا شطط. صفة لقول مقدر بتقدير مضاف. أو جعل عين الشطط مبالغة فيه.
وأصله مجاوزة الحدّ. والمراد منه نسبة الصاحبة والولد إلى الله تعالى: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي في نسبة ما ليس بحق، إليه سبحانه. وهو اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك، لظنهم أن أحدا لا يكذب على الله، حتى تبيّن لهم بالقرآن كذب السفيه وافتراؤه. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً روى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما. ففي الآية إشارة إلى ما كانوا يعتقدون في الجاهلية من أن الوديان مقر الجن وأن رؤساءها تحميهم منهم. وهكذا قال إبراهيم: كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا.
وقال الربيع بن أنس: كانوا يقولون: فلان من الجن رب هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله. قال: فيزيدهم ذلك رهقا، وهو الفرق.
وقال ابن زيد: كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال: إني أعوذ بكبير هذا الوادي. فلما جاء الإسلام، عاذوا بالله وتركوهم. انتهى.
أي: لأن ذلك من الشرك، ولذا نزلت سورتا المعوذتين لتعليم الاستعاذة بالله تعالى وحده والتبرؤ من الاستعاذة بغيره. وكذلك أذكار الاستعاذات المأثورة، فإنها للإرشاد لذلك.
روى مسلم «1» عن خولة بنت حكيم قالت: من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك.
قال بعضهم: في الحديث تفسير آية الجن، وأن ما فيها من الشرك، وأن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر، أو جلب نفع، لا يدل على أنه ليس من الشرك.
وفي الآية تأويل غريب نقله الرازي وهو أن المراد كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الإنس أيضا، لكن من شر الجن، مثل أن يقول الرجل: أعوذ برسول الله من شر جن هذا الوادي. وأصحاب هذا التأويل، إنما ذهبوا إليه لأن الرجل اسم الإنس لا اسم الجن. وهذا ضعيف، فإنه لم يقم دليل على أن الذكر من الجن لا يسمى رجلا.
انتهى.
(1) أخرجه في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 54 و 55.