الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن جرير. أي الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه وَالْباطِنُ أي باحتجابه بذاته وماهيته. أو العالم بباطن كل شيء. قال ابن جرير: أي الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي تام العلم، فلا يخفى عليه شيء.
وقد روى الإمام أحمد «1» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند النوم: اللهم! رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. أنت الأول فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن ليس دونك شيء. اقض عنا الدين. وأغننا من الفقر- ورواه مسلم «2» وغيره-
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحديد (57) : آية 4]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ قال القاشاني: أي من الأيام الإلهية، وقيل المعهودة- والله أعلم- ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال ابن جرير: أي هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبّرهن وما فيهن، ثم استوى على عرشه فارتفع عليه وعلا. يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ أي من خلقه كالأموات والبذور والحيوانات وَما يَخْرُجُ مِنْها أي كالزروع وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ أي من الأمطار والثلوج والبرد والأقدار والأحكام وَما يَعْرُجُ فِيها أي من الملائكة والأعمال وغيرها. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ قال ابن جرير: أي وهو شاهد لكم، أينما كنتم، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سماواته السبع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح حديث النزول) : لفظ المعية
(1) أخرجه في المسند 2/ 381.
(2)
أخرجه في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 61.
في سورة الحديد والمجادلة، في آيتيهما، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم. وقالوا:
هو معهم بعلمه. وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله. وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية: هو على العرش وعلمه معهم، وهكذا عمن ذكر معه. وقد بسط الإمام أحمد الكلام على المعية في (الرد على الجهمية) . ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في هاتين الآيتين، وجاء خاصّا كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
[النحل: 128]، وقوله:
إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46]، وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة:
40] ، فلو كان المراد بذاته مع كل شيء، لكان التعميم يناقض التخصيص، فإنه قد علم أن قوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أراد به تخصيصه وأبا بكر، دون عدوّهم من الكفار. وكذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ خصهم بذلك دون الظالمين والفجار. وأيضا، فلفظ المعية، ليست في لغة العرب، ولا شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى، كما في قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح: 29] ، وقوله فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 146] ، وقوله: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119]، وقوله: وَجاهَدُوا مَعَكُمْ [الأنفال: 75]، ومثل هذا كثير. فامتنع أن يكون قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ، يدل على أن ذاته مختلطة بذوات الخلق. وأيضا، فإنه افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به. وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر، وبيّن أن لفظ المعية في اللغة، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقاربة، فهو إذا كان مع العباد، لم يناف ذلك علوّه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه. فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان. ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد. انتهى.
وقال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي رضي الله عنه في كتاب (ذم التأويل) :
فإن قيل: فقد تأولتم آيات وأخبارا، فقلتم في قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ أي بالعلم، ونحو هذا من الآيات والأخبار، فيلزمكم ما لزمنا؟
قلنا: نحن لم نتأول شيئا، وحمل هذه اللفظات على هذه المعاني ليس بتأويل
لأن التأويل صرف اللفظ عن ظاهره، وهذه المعاني هي الظاهر من هذه الألفاظ، بدليل أنه المتبادر إلى الإفهام منها. وظاهر اللفظ هو ما يسبق إلى الفهم منه، حقيقة كان أو مجازا. ولذلك كان ظاهر الأسماء العرفية، المجاز دون الحقيقة، كاسم الرواية والظعينة وغيرهما من الأسماء العرفية، فإن ظاهر هذا، المجاز دون الحقيقة، وصرفها إلى الحقيقة يكون تأويلا يحتاج إلى دليل وكذلك الألفاظ التي لها عرف شرعيّ، وحقيقة لغوية، كالوضوء والطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج، إنما ظاهرها العرف الشرعيّ دون الحقيقة اللغوية. وإذا تقرر هذا، فالمتبادر إلى الفهم من قولهم (إن الله معك) أي بالحفظ والكلاءة. ولذلك قال الله تعالى فيما أخبر عن نبيّه إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] ، وقال لموسى إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46] ، ولو أراد أنه بذاته مع كل أحد لم يكن لهم بذلك اختصاص، لوجوده في حق غيرهم، كوجوده فيهم، ولم يكن ذلك موجبا لنفي الحزن عن أبي بكر، ولا علة له. فعلم أن ظاهر هذه الألفاظ هو ما حملت عليه، فلم يكن تأويلا. ثم لو كان تأويلا فما نحن تأوّلناه، وإنما السلف رحمة الله عليهم، الذين ثبت صوابهم، ووجب اتباعهم، هم الذين تأوّلوه. فإن ابن عباس والضحاك ومالكا وسفيان وكثيرا من العلماء قالوا في قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أي علمه. ثم قد ثبت بكتاب الله، والمتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف، أن الله تعالى في السماء على عرشه، وجاءت هذه اللفظة مع قرائن محفوفة بها دالة على إرادة العلم منها، وهو قوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [المجادلة: 7] ، ثم قال في آخرها إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فبدأها بالعلم، وختمها به، ثم سياقها لتخويفهم بعلم الله تعالى بحالهم، وأنه ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ويجازيهم عليه، وهذه قرائن كلها دالة على إرادة العلم، فقد اتفق فيها هذه القرائن، ودلالة الأخبار على معناها، ومقالة السلف وتأويلهم. فكيف يلحق بها ما يخالف الكتاب والأخبار ومقالات السلف؟ فهذا لا يخفى على عاقل إن شاء الله تعالى، وإن خفي فقد كشفناه وبيّنّاه بحمد الله تعالى. ومع هذا لو سكت إنسان عن تفسيرها وتأويلها لم يخرج ولم يلزمه شيء، فإنه لا يلزم أحدا الكلام في التأويل إن شاء الله تعالى.
انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي فيجازيكم عليه.