الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام، ولهذا لعن «1» النبيّ صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد السرج، ونهى عن الصلاة إلى القبور، وسأل ربه سبحانه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيدا،
وقال «2» : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
، وأمر بتسوية القبور، وطمس التماثيل، فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله، إما جهلا، وإما عنادا لأهل التوحيد، ولم يضرهم ذلك شيئا.... إلى آخر ما ذكره رحمه الله.
وقوله تعالى: وَقَدْ أَضَلُّوا أي: الرؤساء كَثِيراً، أي خلقا كثيرا، أو الأصنام كقوله تعالى: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم: 36] . وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا أي خذلانا واستدراجا. وإنما دعا ذلك ليأسه من إيمانهم.
قال أبو السعود: ووضع الظاهر موضع ضميرهم، للتسجيل عليهم بالظلم المفرط، وتعليل الدعاء عليهم به مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أي من أجلها أُغْرِقُوا أي بالطوفان فَأُدْخِلُوا ناراً أي أذيقوا به عذاب النار فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً.
قال الزمخشري: تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله، وأنها غير قادرة على نصرهم، وتهكم بهم، كأنه قال فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، كقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء: 43] .
وقال الرازي: لما ثبت أنه تعالى هو القادر على كل المقدورات، بطل القول بالوسائط.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة نوح (71) : الآيات 26 الى 28]
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَاّ فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَاّ تَباراً (28)
(1) أخرجه البخاري في: الجنائز، 62- باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، حديث رقم 285، عن عائشة.
وأخرجه في: الجنائز، 71- باب بناء المسجد على القبر، حديث رقم 281، عن عائشة أيضا،
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه في: الجنائز، حديث رقم 92 عن فضالة بن عبيد، و 93، عن علي بن أبي طالب.
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً أي أحدا.
قال ابن جرير: يعني ب (الديّار) من يدور في الأرض فيذهب ويجيء فيها، وهو (فيعال) من الدوران، ديوارا اجتمعت الياء والواو، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة، وأدغمت الواو فيها، وصيرتا ياء مشددة. والعرب تقول: ما بها ديّار ولا عريب ولا دويّ ولا صافر ولا نافخ ضرمة.
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ عن طريق الحق. وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً قال أبو السعود: أي إلا من سيفجر ويكفر. فوصفهم بما يصيرون إليه، وكأنه اعتذار مما عسى يرد عليه، من أن الدعاء بالاستئصال، مع احتمال أن يكون من أخلافهم من يؤمن، منكر، وإنما قاله لاستحكام علمه بما يكون منهم ومن أعقابهم، بعد ما جربهم، واستقرأ أحوالهم قريبا من ألف سنة.
وقال بعضهم: ملّ نوح عليه السلام من دعوة قومه وضجر، واستولى عليه الغضب، ودعا ربه لتدمير قومه وقهرهم، وحكم بظاهر الحال أن المحجوب الذي غلب عليه الكفر لا يلد إلا مثله، فإن النطفة التي تنشأ من النفس الخبيثة المحجوبة، وتتربى بهيئاتها المظلمة، لا تقبل إلا نفسا مثلها، كالبذر الذي لا ينبت إلا من صنفه وسنخه. انتهى.
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ قال ابن جرير: أي رب اعف عني، واستر عليّ ذنوبي وعلى والديّ، وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً قال ابن جرير: أي ولمن دخل مسجدي ومصلاي، مصليا مؤمنا بواجب فرضك عليه. وقيل: بيتي منزلي. وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً أي هلاكا وخسارا.