الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيهات:
الأول- ذهب كثير من السلف إلى وجوب قيام الليل المفهوم من الأمر به طليعة السورة، منسوخ بهذه الآيات.
روى ابن جرير عن عائشة قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل، فتسامع به الناس فاجتمعوا، فخرج كالمغضب- وكان بهم رحيما- فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فقال: يا أيها الناس؟ اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإنه الله لا يمل من الثواب، حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما دمتم عليه. ونزل القرآن. يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا
…
الآية، حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم، فردهم إلى الفريضة، وترك قيام الليل.
قال ابن كثير: والحديث في الصحيح بدون زيادة نزول هذه السورة. وهذا السياق قد يوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة، وليس كذلك، وإنما هي مكية. انتهى كلامه.
أقول: وبمثل هذه الرواية يستدل على أن مراد السلف بقولهم: (ونزلت الآية) الاستشهاد بها في قضية تنطبق عليها- كما بيناه مرارا-.
وأخرج أيضا عن ابن عباس قال: أمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا.
فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ
…
الآية. فوسع الله- وله الحمد- ولم يضيق.
وعن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قاموا بها حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، حتى نزلت فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ فاستراح الناس.
وهكذا روي عن سعيد والحسن وعكرمة وقتادة.
قال ابن حجر في (شرح البخاري) : ذهب بعضهم إلى أن صلاة الليل كانت مفروضة، ثم نسخت بقيام بعض الليل مطلقا، ثم نسخ بالخمس. وأنكره المروزيّ.
وذهب بعضهم إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة.
وقال السيوطيّ في (الإكليل) : قوله تعالى قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا هو منسوخ بعد أن كان واجبا، بآخر السورة. وقيل: محكم، فاستدل به ندب قيام الليل. واستدل به طائفة على وجوبه على النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة. وآخرون على وجوبه على الأمة أيضا، ولكن ليس الليل كله، بل صلاة ما فيه، وعليه الحسن وابن سيرين. انتهى.
أقول: من ذهب إلى أن الأمر محكم وأنه للندب، يرى أن آخر السورة تعليم لهم الرفق بأنفسهم، لأنه تاب عليهم باليسر، ورفع عنهم الآصار. وفيه ما يدل على
عنايتهم بالمندوب، وحرصهم عليه، حتى أفضى الحال إلى الرفق بهم فيه. ويدل عليه أثر عائشة في ربطهم الحبل للتعلق به، استعانة على قراءة القرآن، وكثرة تلاوته.
الثاني- قال ابن كثير: في قوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ تعبير عن الصلاة بالقراءة، كما قال في سورة سبحان وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء: 110] ، أي بقراءتك. وقد استدل أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، بهذه الآية، على أنه لا تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة، بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن، ولو بآية، أجزأه.
واعتضدوا بحديث (المسيء صلاته) الذي في الصحيحين «1» : ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن. وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة بن الصامت، وهو في الصحيحين «2» أيضا،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة إلا أن تقرأ بفاتحة الكتاب.
انتهى.
الثالث- في قوله تعالى: وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ علم من أعلام النبوّة.
قال ابن كثير: هذه الآية، بل السورة كلها، مكية. ولم يكن القتال شرع بعد، فهي من أكبر دلائل النبوّة، لأنه من باب الإخبار بالمغيبات المستقبلة.
الرابع- قال ابن الفرس: في قوله: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فضيلة التجارة، لسوقها في الآية مع الجهاد.
أخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال: ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل الله، أحب إليّ أن يأتيني وأنا ألتمس من فضل الله. ثم تلا هذه الآية.
وقال السيوطي: هذه الآية أصل في التجارة.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أي زكاة أموالكم.
قال ابن كثير: وهذا يدل لمن قال بأن فرض الزكاة نزل بمكة، لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة.
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يعني به بذل المال في سبيل الخيرات على أحسن
(1) أخرجه البخاري في: الأذان، 95- باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، حديث رقم 461، عن أبي هريرة. وأخرجه مسلم في: الصلاة، حديث رقم 45.
(2)
أخرجه البخاري في: الأذان، 95- باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، حديث رقم 460.
وأخرجه مسلم في: الصلاة، حديث 34 و 35 و 36.
وجه، كأن يكون من أطيب المال، وإعطاءه للمستحق من غير تأخير، واتقاء المنّ والأذى. وسر الأمر ب (الحسن) أن القرض لما كان يعطى بنية الأخذ، لا يبالي بأي شيء وأي مقدار يعطي منه، فأشير إلى إيثار المقام الأرفع. ولكونه محقق الرجوع إليه دل التعبير به على تحقق العوض هنا. وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ أي في الدنيا من صدقة أو نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله، أو غير ذلك من أعمال البر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً أي ثوابا مما عندكم من متاع الدنيا.
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ أي سلوه غفران ذنوبكم، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي ذو مغفرة لذنوب من تاب إليه وأناب، ورحمة أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.