الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكفر نعمته بالبطر والافتخار فيقول: إن الله أكرمني لاستحقاقي وكرامتي عنده، ويترفه في الأكل ويحتجب بمحبة المال وبمنع المستحقين. أو بالفقر وضيق الرزق فيجب عليه أن يصبر ولا يجزع ولا يقول: إنّ الله أهانني. فربما كان ذلك إكراما له.
بأن لا يشغله بالنعمة عن المنعم، ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلى الحق والسلوك في طريقه لعدم التعلق، كما أن الأول ربما كان استدراجا منه. انتهى.
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا قال ابن جرير: أي تأكلون الميراث أكلا شديدا، لا تتركون منه شيئا. من قولهم:(لممت ما على الخوان أجمع فأنا ألمه لمّا) إذا أكلت ما عليه فأتيت على جميعه.
قال ابن زيد: كانوا لا يورّثون النساء ولا يورّثون الصغار، وقرأ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ [النساء: 127] ، أي لا تورثونهن أيضا. وقال بكر بن عبد الله: اللمّ: الاعتداء في الميراث. يأكل ميراثه وميراث غيره وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا أي جمعه وكنزه، حبّا كثيرا شديدا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفجر (89) : الآيات 21 الى 26]
كَلَاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25)
وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26)
كَلَّا ردع لهم عن ذلك، وإنكار لفعلهم. وما بعده وعيد عليه بالإخبار عن ندمهم وتحسرهم حين لا ينفعهم الندم إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا أي دكا بعد دك حتى عادت هباء منثورا.
قال الشهاب: ليس الثاني تأكيدا، بل التكرير للدلالة على الاستيعاب. كقرأت النحو بابا بابا. وجاء القوم رجلا رجلا. و (الدك) قريب من الدق، لفظا ومعنى وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قال ابن كثير: أي وجاء الرب، تبارك وتعالى، لفصل القضاء، كما يشاء والملائكة بين يديه صفوفا صفوفا. وسبقه ابن جرير إلى ذلك وعضده بآثار عن ابن عباس وأبي هريرة والضحاك في نزوله تعالى من السماء يومئذ في ظلل من الغمام، والملائكة بين يديه، وإشراق الأرض بنور ربها. ومذهب الخلف في ذلك
معروف، من جعل الكلام على حذف مضاف، للتهويل. أي جاء أمره وقضاؤه. أو استعارة تمثيلية لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قهره وسلطانه.
قال الزمخشري: مثلت حاله في ذلك، بحال الملك إذا حضر بنفسه، ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم انتهى.
وكأنّ الخلاف بين المذهبين لفظي، إذ مبنى مذهب الخلف على أن الظاهر غير مراد. ويعنون بالظاهر ما للخلق مما يستحيل على الخالق، فوجب تأويله. وأما السلف فينكرون أن معنى الظاهر منها ما للخلق. بل هو ما يتبادر إلى فهم المؤمن الذي يعلم أن ذاته تعالى، كما أنها لا تشبه الذوات، فكذلك صفات لا تشبه الصفات. لأنها لا تكيف ولا تعلم بوجه ما. فهي حقيقة النسبة إليه سبحانه. على ما يليق به. كالعلم والقدرة. لا تمثيل ولا تعطيل.
قال الإمام ابن تيمية رضي الله عنه: واعلم أن من المتأخرين من يقول إن مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد. وهذا لفظ مجمل. فإن قوله (ظاهرها غير مراد) يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين. مثل أن يراد بكون الله قبل وجه المصلّي، أنه مستقر في الحائط الذي يصلي إليه، و (إن الله معنا) ظاهره أنه إلى جانبنا، ونحو ذلك. فلا شك أن هذا غير مراد، ومن قال إن مذهب السلف أن هذا غير مراد، فقد أصاب في المعنى، لكن أخطأ في إطلاق القول بأن هذا ظاهر الآيات والأحاديث. فإن هذا المجال ليس هو الظاهر على ما قد بيناه في غير هذا الموضع. اللهم إلا أن يكون هذا المعنى الممتنع صار يظهر لبعض الناس فيكون القائل لذلك مصيبا بهذا الاعتبار، معذورا في هذا الإطلاق. فإن الظهور والبطون قد يختلف باختلاف أحوال الناس، وهو من الأمور النسبية. انتهى.
وقد بسط رحمه الله الكلام على ذلك في (الرسالة المدنية) وأوضح أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذي حذوه ويتبع فيه مثاله. فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية.
وقال رحمه الله في بعض فتاويه: نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله. وبالتأويل الجاري على نهج السبيل. ولم يوجد في شيء من كلامنا وكلام أحد منا، أنا لا نقول