الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آمنوا الإيمان الخالص عن شوائب الشرك والابتداع. ومنه الإيمان بمحمد صلوات الله عليه، المبشر به عندهم. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ أي خارجون عن مواجب الإيمان ومقاصده.
تنبيهات:
الأول- (الرهبانية) هي المبالغة في العبادة والرياضة، والانقطاع عن الناس، وإيثار العزلة والتبتل. وأصلها الفعلة المنسوبة إلى الرّهبان، وهو الخائف. (فعلان) من رهب، ك (خشيان) من خشي.
الثاني- قال ابن كثير في قوله تعالى: فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها: ذمّ لهم من وجهين:
أحدهما- في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.
والثاني- في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل.
الثالث- رأيت في كثير من مؤلفات علماء المسيحيين المتأخرين ذم بدعة (الرهبنة) وما كان لتأثيرها في النفوس والأخلاق من المفاسد والاضرار. فقد قال صاحب (ريحانة النفوس) منهم، في الباب السابع عشر، في الرهبنة:
إن الرهبنة قد نشأت من التوهم بأن الانفراد عن معاشرة الناس، واستعمال التقشفات والتأملات الدينية، هي ذات شأن عظيم. ولكن لا يوجد سند لهذا الوهم في الكتب المقدسة لأن مثال المسيح، ومثال رسله يضادانه باستقامة، فإنهم لم يعتزلوا عن الاختلاط بالناس، لكي يعيشوا بالانفراد، بل إنما كانوا دائما مختلطين بالعالم، يعلّمون وينصحون. ونحن نقول بكل جراءة: إنه لا يوجد في جميع الكتاب المقدس مثال للرهبنة، ولا يوجد أمر من أوامره يلزم بها. بل بالعكس، فإن روح الكتاب وفحواه يضادّ كل دعوى مبنية على العيشة المنفردة المقرونة بالتقشفات، ولكن مع أن الكتاب المقدس لا يمدح العيشة الانفرادية، فقد ظهر الميل الشديد إليها في الكنيسة، في أواخر الجيل الثاني وأوائل الجيل الثالث. وأيد بعض الباحثين المقاومين لها وقتئذ، أنها عادة سرت للمسيحيين من الهنود الوثنيين السمانيين، فإن لهم أنواعا كثيرة من عبادات تأمر كهنتها بالبتولية والامتناع عن أكل اللحم وأمورا أخرى مقرونة بخرافات.
ثم قال: ومع أن الرهبنة حصل عليها مقاومة من العقلاء، امتدت وانتشرت في
المسكونة. وكان ابتداؤها في مصر في الجيل الرابع، على أثر اشتهار أحد الرهبان وممارسته التقشفات، بسبب الاضطهاد الذي أصابه، وآثر لأجله الطواف في البراري، فرارا من أيادي مضطهديه. ثم عكف على الوحدة. وعاش بها، وذلك في الجيل الثالث. ثم امتدت من مصر إلى فلسطين وسورية إلى أكثر الجهات. توهما بأن رسم المسيحية الكاملة لا يوجد إلا في العيشة الضيقة القشفة، فدعا ذلك كثيرين إلى ترك المعيشة المألوفة بالاعتزال في الأديرة. مع أن ذلك الوهم باطل، ومضادّ للكتب المقدسة. ولما كثر عدد البرهان كثرة هائلة، ونحم عن حالهم أضرار عظيمة للمجتمع، أصدر كثير من الملوك أوامر بمنع هذه العادة. إلا أنها لم تنجح كثيرا.
وأما بدعة العزوبة والتبتل، فنشأت من حضّ بولس عليها، وترغيبهم فيها، كما أفصح عنه كلامه في آخر الفصل السابع من رسالته الأولى.
وقد قال صاحب (ريحانة النفوس) أيضا: إن هذه العادة لا يوجد لها برهان في الكتاب المقدس. وإنما دخلت بالتدريج، لما خامرهم من توهم أفضلية البتولية، وظنهم أنها أزكى من الزواج، ومدح من جاء على أثرهم لها مدحا بالغا النهاية في الإطراء، فحسبوها من الواجبات الأدبية المأمور بها، ووضع نظام وقوانين لوجوبها في الجيل الثالث، حتى قاومتها كنائس أخرى، ورفضت بدعة البتولية وقوانينها، لمغايرتها للطبيعة، ومضادتها لنص الكتب الإلهية، واستقرائها أديرة الراهبات، بأنها في بعض الأماكن كانت بيوتا للفواحش والفساد.
وفي كتاب (البراهين الإنجيلية ضد الأباطيل الباباوية) إن ذم الزيجة خطأ لأنها عمل الأفضل، لأن الرسول أخبر بأن الزواج خير من التوقد بنار الشهوة، وإن الأكثرين من رسل المسيح كانوا ذوي نساء، تجول معهم. ومن المعلوم أن الطبيعة البشرية تغصب الإنسان على استيفاء حقها، ومن العدل أن تستوفيه، وليس بمحرم عليها استيفاؤه حسب الشريعة، ولا استطاعة لجميع البشر على حفظ البتولية. ولذلك نرى كثيرين من الأساقفة والقسوس والشمامسة، لا بل الباباوات المدعين بالعصمة، قد تكردسوا في هوة الزنا، لعدم تحصنهم بالزواج الشرعي. هذا وإن ذات النذر بالامتناع عن الزواج هو غير عادل، لتضمنه سلب حقوق الطبيعة، وكونه يضع الإنسان تحت خطر السقوط في الزنا، ويفتح بابا واسعا لدخول الشيطان. وكأن الراهب ينذر على نفسه مقاومة أمر الله، ويعدم وجود ألوف ألوف، ربما كانت تتولد من ذريته، فكأنه قد قتلها. وهذا النذر لم تأمر به الشريعة الإنجيلية قط. فالطريقة الرهبانية هي اختراع شيطاني قبيح، لم يكن له رسم في الكتب المقدسة، ولا في أجيال الكنيسة الأولى،