المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2): الآيات 62 الى 65] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المدخل]

- ‌[خطبة الكتاب وفيها الكلام على علو شأن المفسرين]

- ‌باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره

- ‌باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه

- ‌باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن معربا

- ‌باب ما جاء في فضل تفسير القرآن وأهله

- ‌باب ما جاء في حامل القرآن ومن هو، وفي من عاداه

- ‌باب ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته

- ‌باب ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأى، والجرأة على ذلك، ومراتب المفسرين

- ‌باب كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه

- ‌باب مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ

- ‌(فصل) [قول كثير من العلماء أن الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي تُنْسَبُ لِهَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، ليست هي الأحرف السبعة]

- ‌فصل في ذكر معنى حديث عمر وهشام [في أن القرآن نزل على سبعة أحرف]

- ‌بَابُ ذِكْرِ جَمْعِ الْقُرْآنِ، وَسَبَبِ كَتْبِ عُثْمَانَ الْمَصَاحِفَ وَإِحْرَاقِهِ مَا سِوَاهَا، وَذِكْرِ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل [في الرد على الحيلولة والحشوية القائلين بقدم الحروف والأصوات]

- ‌فَصْلٌ [في طعن الرافضة في القرآن]

- ‌باب ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته، وشكله ونقطة، وتحزيبه وتعشيره، وعدد حروفه وأجزائه وكلماته وآيه

- ‌باب ذكر معنى السورة والآية والكلمة والحرف

- ‌باب هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب أو لا

- ‌باب ذكر في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها

- ‌فصل [في أن المعجزات على ضربين]

- ‌باب التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره

- ‌باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان

- ‌الْقَوْلُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ

- ‌[الكلام في] البسملة وفيها سبع وعشرون مسألة

- ‌[سورة الفاتحة (1): آيَةً 1]

- ‌تفسير سورة الفاتحة

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي فَضَائِلِهَا وَأَسْمَائِهَا وَفِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ

- ‌الباب الثاني في نزولها وأحكامها، وَفِيهِ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً

- ‌الباب الثالث في التأمين، وفيه ثَمَانِ مَسَائِلَ

- ‌الباب الرابع فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والاعراب وفضل الحامدين، وفيه ست وثلاثون مسألة

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 2]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 4]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 6]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 7]

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌الْكَلَامُ فِي نُزُولِهَا وَفَضْلِهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 2]

- ‌[بيان الأقوال الواردة في الحروف المقطعة التي في أوائل السور]

- ‌[الكلام على هداية القرآن وفيه ست مسائل]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 3]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 4]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 5]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 6]

- ‌بيان حال الكافرين ومآلهم ومعنى الكفر

- ‌[سورة البقرة (2): آية 7]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 8]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 9]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 10]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 11]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 12]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 13]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 14]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 15]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 16]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 17]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 18]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 19]

- ‌فَائِدَةٌ:

- ‌[سورة البقرة (2): آية 20]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 21]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 22]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 23]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 24]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 26]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 27]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 28]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 29]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 30]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 31]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 32]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 33]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 34]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 35]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 36]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 37]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 38]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 39]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 40]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 41]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 42]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 43]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 45]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 46]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 50]

- ‌الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ إِنْجَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌فَصْلٌ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْجَاءَ وَالْإِغْرَاقَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ فِيهِ

- ‌مسألة [في صوم يوم عاشوراء]

- ‌مَسْأَلَةٌ: اخْتُلِفَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَلْ هُوَ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوِ الْعَاشِرُ

- ‌فَضِيلَةٌ

- ‌[سورة البقرة (2): آية 51]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 52]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 58]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 59]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 62 الى 65]

- ‌[تفسير]

- ‌[تفسير]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 66]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 67]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 68]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 69]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 70]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 71]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 72]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 73]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 74]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2): الآيات 62 الى 65]

قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِغَيْرِ الْحَقِّ) تَعْظِيمٌ لِلشُّنْعَةِ وَالذَّنْبِ الَّذِي أَتَوْهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ أَنْ يُقْتَلُوا بِالْحَقِّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يُقْتَلُونَ بِهِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ الصِّفَةِ لِقَتْلِهِمْ أَنَّهُ ظُلْمٌ وَلَيْسَ بِحَقٍّ، فَكَانَ هَذَا تَعْظِيمًا لِلشُّنْعَةِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ نَبِيٌّ بِحَقٍّ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ عَلَى الْحَقِّ، فَصَرَّحَ قَوْلُهُ:" بِغَيْرِ الْحَقِّ" عَنْ شُنْعَةِ الذَّنْبِ وَوُضُوحِهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَبِيٌّ قَطُّ بِشَيْءٍ يُوجِبُ قَتْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَازَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ كَرَامَةٌ لَهُمْ وَزِيَادَةٌ فِي مَنَازِلِهِمْ، كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِذْلَانٍ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ قَطُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالٍ، وَكُلُّ مَنْ أُمِرَ بِقِتَالٍ نُصِرَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)" ذَلِكَ" رَدٌّ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدٌ لِلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ. وَالْبَاءُ فِي" بِمَا" بَاءُ السَّبَبِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ بِعِصْيَانِهِمْ. وَالْعِصْيَانُ: خِلَافُ الطَّاعَةِ. وَاعْتَصَتِ النَّوَاةُ إِذَا اشْتَدَّتْ. والاعتداء: تجاوز الحد في كل شي، وعرف في الظلم والمعاصي.

[سورة البقرة (2): الآيات 62 الى 65]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65)

فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ: الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ صَدَّقُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ سُفْيَانُ: الْمُرَادُ الْمُنَافِقُونَ. كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَرَنَهُمْ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ، ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ جَمِيعِهِمْ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَالَّذِينَ هادُوا) مَعْنَاهُ صَارُوا يَهُودًا، نُسِبُوا إِلَى يَهُوذَا وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِ يَعْقُوبَ عليه السلام، فَقَلَبَتِ الْعَرَبُ الذَّالَ دَالًا، لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّةَ إِذَا عُرِّبَتْ غُيِّرَتْ

ص: 432

عَنْ لَفْظِهَا. وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَوْبَتِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ. هَادَ: تَابَ. وَالْهَائِدُ: التَّائِبُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ حُبِّهِ هَائِدُ

أَيْ تائب. وفى التنزيل:" إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ"[الأعراف: 156] أَيْ تُبْنَا. وَهَادَ الْقَوْمُ يَهُودُونَ هَوْدًا وَهِيَادَةً إِذَا تَابُوا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ:" هُدْنا إِلَيْكَ" أَيْ سَكَنَّا إِلَى أَمْرِكَ. وَالْهَوَادَةُ السُّكُونُ وَالْمُوَادَعَةُ. قال: ومنه قول تَعَالَى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا". وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ:" هَادَوْا" بِفَتْحِ الدَّالِ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالنَّصارى) جَمْعٌ وَاحِدُهُ نَصْرَانِيٌّ. وَقِيلَ: نَصْرَانُ بِإِسْقَاطِ الْيَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَالْأُنْثَى نَصْرَانَةٌ، كَنَدْمَانَ وَنَدْمَانَةٍ. وَهُوَ نَكِرَةٌ يُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، قَالَ الشَّاعِرُ «1»:

صَدَّتْ كَمَا صَدَّ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ

سَاقِي نَصَارَى قُبَيْلَ الْفِصْحِ «2» صُوَّامُ

فَوَصَفَهُ بِالنَّكِرَةِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: وَاحِدُ النَّصَارَى نَصْرِيٌّ، كَمَهْرِيٌّ وَمَهَارَى. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ شَاهِدًا عَلَى قَوْلِهِ:

تَرَاهُ إِذَا دَارَ الْعِشَا مُتَحَنِّفًا

وَيُضْحِي لَدَيْهِ وَهُوَ نَصْرَانُ شَامِسُ

وَأَنْشَدَ:

فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأْسُهَا

كَمَا أَسْجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ «3»

يُقَالُ: أَسْجَدَ إِذَا مَالَ. وَلَكِنْ لَا يُسْتَعْمَلُ نَصْرَانُ ونصرانة إلا بياء النَّسَبِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ وَامْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ. وَنَصَّرَهُ: جَعَلَهُ نَصْرَانِيًّا. وَفِي الْحَدِيثِ: (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ). وَقَالَ عليه السلام: (لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نصراني

(1). هو النمر بن تولب. يصف ناقة عرض عليها الماء فعافته.

(2)

. في نسخ الأصل: (الصبح) بالباء. والتصويب عن كتاب سيبويه. والفصح. فطر النصارى وهو عيد لهم.

(3)

. البيت لابي الاخرز الحمائي يصف ناقتين طأطأتا رءوسهما من الإعياء. فشبه رأس الناقة برأس النصرانية إذا طأطأته في صلاتها. (عن شرح القاموس واللسان).

ص: 433

ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (. وَقَدْ جَاءَتْ جُمُوعٌ عَلَى غَيْرِ مَا يُسْتَعْمَلُ وَاحِدُهَا، وَقِيَاسُهُ النَّصْرَانِيُّونَ. ثُمَّ قِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَرْيَةٍ تُسَمَّى" نَاصِرَةَ" كَانَ يَنْزِلُهَا عِيسَى عليه السلام فَنُسِبَ إِلَيْهَا فَقِيلَ: عِيسَى النَّاصِرِيُّ، فَلَمَّا نُسِبَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ قِيلَ النَّصَارَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَنَصْرَانُ قَرْيَةٌ بِالشَّامِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا النَّصَارَى، وَيُقَالُ نَاصِرَةٌ. وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِنُصْرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، قَالَ الشَّاعِرُ:

لَمَّا رَأَيْتُ نَبَطًا أَنْصَارًا

شمرت عن ركبتي الإزار

كُنْتُ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى جَارَا

وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:" مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ"[آل عمران: 52]. الرباعة- قوله تعالى: (وَالصَّابِئِينَ) جمع صَابِئٍ، وَقِيلَ: صَابٍ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي هَمْزِهِ، وَهَمَزَهُ الْجُمْهُورُ إِلَّا نَافِعًا. فَمَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ من صبأت النجوم إذا طلعت، وصابت ثَنِيَّةُ الْغُلَامِ إِذَا خَرَجَتْ. وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ جَعَلَهُ مِنْ صَبَا يَصْبُو إِذَا مَالَ. فَالصَّابِئُ فِي اللُّغَةِ: مَنْ خَرَجَ وَمَالَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ أَسْلَمَ قَدْ صَبَأَ. فَالصَّابِئُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ. الْخَامِسَةُ- لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ وَلِأَجْلِ كِتَابِهِمْ جَازَ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَأَكْلُ طَعَامِهِمْ- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَائِدَةِ «1» - وَضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي، سُورَةِ" بَرَاءَةَ"«2» إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَاخْتُلِفَ فِي الصَّابِئِينَ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ الصَّابِئِينَ لِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَةِ نِسَائِهِمْ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُمْ قَوْمٌ يُشْبِهُ دِينُهُمْ دِينَ النَّصَارَى، إِلَّا أَنَّ قِبْلَتَهُمْ نَحْوُ مَهَبِّ الْجَنُوبِ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نُوحٍ عليه السلام. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: هُمْ قَوْمٌ تَرَكَّبَ دِينُهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ، لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَقْرَءُونَ الزبور ويصلون الخمس، رآهم زياد

(1). راجع ج 6 ص 76.

(2)

. راجع ج 8 ص 110.

ص: 434

ابن أَبِي سُفْيَانَ فَأَرَادَ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ حِينَ عَرَفَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ. وَالَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ- فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا- أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ مُعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ، وَلِهَذَا أَفْتَى أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ الْقَادِرُ بِاللَّهِ بِكُفْرِهِمْ حِينَ سَأَلَهُ عَنْهُمْ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(مَنْ آمَنَ) أَيْ صَدَّقَ. وَ" مَنْ" فِي قَوْلِهِ:" مَنْ آمَنَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلٌ مِنَ" الَّذِينَ". وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ" فَلَهُمْ" دَاخِلَةٌ بِسَبَبِ الْإِبْهَامِ الذي في" مَنْ". و" فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ. وَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ" مَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَعْنَاهَا الشَّرْطُ. وَ" آمَنَ" فِي مَوْضِعِ جزم بالشرط، والفاء الجواب. و" فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ" خَبَرُ" مَنْ"، وَالْجُمْلَةُ كُلُّهَا خَبَرُ" إِنَّ"، وَالْعَائِدُ عَلَى" الَّذِينَ" مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ. وَفِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ اندارج الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَالْبَعْثِ. السَّابِعَةُ- إِنْ قَالَ قائل: لم جمع الضمير في قول تعالى:" فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ" وَ" آمَنَ" لَفْظٌ مُفْرَدٌ لَيْسَ بِجَمْعٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَقِيمُ لَوْ قَالَ: لَهُ أَجْرُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ" مَنْ" يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا وَمُثَنًّى وَمَجْمُوعًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ"[يونس: 42] عَلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ:" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ" عَلَى اللَّفْظِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا

وَقُولَا لَهَا عُوجِيَ عَلَى مَنْ تخلفوا

وقال الفرزدق:

تعال فإن عاهدتني لَا تَخُونُنِي

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللفظ لقال: يصطحب وتخلف. وقال تَعَالَى:" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ" فَحُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ. ثُمَّ قَالَ:" خالِدِينَ" فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى، وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظَ لَقَالَ: خَالِدًا فِيهَا. وَإِذَا جَرَى مَا بَعْدَ" مَنْ" عَلَى اللَّفْظِ فَجَائِزٌ أَنْ يُخَالَفَ بِهِ بَعْدُ عَلَى الْمَعْنَى كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَإِذَا جَرَى مَا بَعْدَهَا عَلَى الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَالَفَ بِهِ بَعْدُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ الْإِلْبَاسَ يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي قوله تعالى: (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)«1» . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

(1). راجع ص 329 من هذا الجزء.

ص: 435