المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لطفه وإمهاله. (لَكُنْتُمْ) جواب" فَلَوْلا". (مِنَ الْخاسِرِينَ) خَبَرُ كُنْتُمْ. وَالْخُسْرَانُ: - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المدخل]

- ‌[خطبة الكتاب وفيها الكلام على علو شأن المفسرين]

- ‌باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره

- ‌باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه

- ‌باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن معربا

- ‌باب ما جاء في فضل تفسير القرآن وأهله

- ‌باب ما جاء في حامل القرآن ومن هو، وفي من عاداه

- ‌باب ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته

- ‌باب ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأى، والجرأة على ذلك، ومراتب المفسرين

- ‌باب كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه

- ‌باب مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ

- ‌(فصل) [قول كثير من العلماء أن الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي تُنْسَبُ لِهَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، ليست هي الأحرف السبعة]

- ‌فصل في ذكر معنى حديث عمر وهشام [في أن القرآن نزل على سبعة أحرف]

- ‌بَابُ ذِكْرِ جَمْعِ الْقُرْآنِ، وَسَبَبِ كَتْبِ عُثْمَانَ الْمَصَاحِفَ وَإِحْرَاقِهِ مَا سِوَاهَا، وَذِكْرِ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل [في الرد على الحيلولة والحشوية القائلين بقدم الحروف والأصوات]

- ‌فَصْلٌ [في طعن الرافضة في القرآن]

- ‌باب ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته، وشكله ونقطة، وتحزيبه وتعشيره، وعدد حروفه وأجزائه وكلماته وآيه

- ‌باب ذكر معنى السورة والآية والكلمة والحرف

- ‌باب هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب أو لا

- ‌باب ذكر في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها

- ‌فصل [في أن المعجزات على ضربين]

- ‌باب التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره

- ‌باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان

- ‌الْقَوْلُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ

- ‌[الكلام في] البسملة وفيها سبع وعشرون مسألة

- ‌[سورة الفاتحة (1): آيَةً 1]

- ‌تفسير سورة الفاتحة

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي فَضَائِلِهَا وَأَسْمَائِهَا وَفِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ

- ‌الباب الثاني في نزولها وأحكامها، وَفِيهِ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً

- ‌الباب الثالث في التأمين، وفيه ثَمَانِ مَسَائِلَ

- ‌الباب الرابع فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والاعراب وفضل الحامدين، وفيه ست وثلاثون مسألة

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 2]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 4]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 6]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 7]

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌الْكَلَامُ فِي نُزُولِهَا وَفَضْلِهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 2]

- ‌[بيان الأقوال الواردة في الحروف المقطعة التي في أوائل السور]

- ‌[الكلام على هداية القرآن وفيه ست مسائل]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 3]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 4]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 5]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 6]

- ‌بيان حال الكافرين ومآلهم ومعنى الكفر

- ‌[سورة البقرة (2): آية 7]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 8]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 9]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 10]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 11]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 12]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 13]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 14]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 15]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 16]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 17]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 18]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 19]

- ‌فَائِدَةٌ:

- ‌[سورة البقرة (2): آية 20]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 21]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 22]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 23]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 24]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 26]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 27]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 28]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 29]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 30]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 31]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 32]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 33]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 34]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 35]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 36]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 37]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 38]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 39]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 40]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 41]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 42]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 43]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 45]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 46]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 50]

- ‌الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ إِنْجَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌فَصْلٌ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْجَاءَ وَالْإِغْرَاقَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ فِيهِ

- ‌مسألة [في صوم يوم عاشوراء]

- ‌مَسْأَلَةٌ: اخْتُلِفَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَلْ هُوَ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوِ الْعَاشِرُ

- ‌فَضِيلَةٌ

- ‌[سورة البقرة (2): آية 51]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 52]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 58]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 59]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 62 الى 65]

- ‌[تفسير]

- ‌[تفسير]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 66]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 67]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 68]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 69]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 70]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 71]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 72]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 73]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 74]

الفصل: لطفه وإمهاله. (لَكُنْتُمْ) جواب" فَلَوْلا". (مِنَ الْخاسِرِينَ) خَبَرُ كُنْتُمْ. وَالْخُسْرَانُ:

لطفه وإمهاله. (لَكُنْتُمْ) جواب" فَلَوْلا". (مِنَ الْخاسِرِينَ) خَبَرُ كُنْتُمْ. وَالْخُسْرَانُ: النُّقْصَانُ، وَقَدْ تقدم «1». وقيل: فضله قبول التوبة، و" رَحْمَتُهُ" الْعَفْوُ. وَالْفَضْلُ: الزِّيَادَةُ عَلَى مَا وَجَبَ. وَالْإِفْضَالُ: فِعْلُ مَا لَمْ يَجِبْ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ: الْفَضْلُ الزِّيَادَةُ وَالْخَيْرُ، وَالْإِفْضَالُ: الْإِحْسَانُ.

[تفسير]

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ)" عَلِمْتُمُ" مَعْنَاهُ عَرَفْتُمْ أَعْيَانَهُمْ. وَقِيلَ: عَلِمْتُمْ أَحْكَامَهُمْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى ذَاتِ الْمُسَمَّى. وَالْعِلْمُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى أَحْوَالِ الْمُسَمَّى. فَإِذَا قُلْتَ: عَرَفْتُ زَيْدًا، فَالْمُرَادُ شَخْصُهُ. وَإِذَا قُلْتَ: عَلِمْتُ زَيْدًا، فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ مِنْ فَضْلٍ وَنَقْصٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ:" عَلِمْتُمُ" بِمَعْنَى عَرَفْتُمْ. وَعَلَى الثَّانِي إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَحَكَى الْأَخْفَشُ: وَلَقَدْ عَلِمْتُ زَيْدًا وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ:" لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ"[الأنفال: 60]. كُلُّ هَذَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَةِ، فَاعْلَمْ." الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ" [البقرة: 65] صِلَةُ" الَّذِينَ". وَالِاعْتِدَاءُ. التَّجَاوُزُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «2». الثَّانِيَةُ- رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ لَوْ سَمِعَكَ! فَإِنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَعْيُنٍ «3» . فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، فَقَالَ لَهُمْ:(لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تمشوا ببري إِلَى سُلْطَانٍ وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَةَ وَلَا تُوَلُّوا يَوْمَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةُ يَهُودَ أَلَّا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ (. فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قال:) فما

(1). راجع ص 248.

(2)

. راجع ص 432.

(3)

. الذي في نسخة النسائي: (لو سمعك كان له أربعة أعين) مع تأنيث العدد أيضا.

ص: 439

يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي (!. قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا بِأَلَّا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ. وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي سُورَةِ" سُبْحَانَ" «1» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثَةُ- (فِي السَّبْتِ) مَعْنَاهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي حُكْمِ السَّبْتِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهِ الْحِيتَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْلَالِ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: زَعَمَ ابْنُ رُومَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ خَيْطًا وَيَضَعُ فِيهِ وَهْقَةً «2» وَأَلْقَاهَا فِي ذَنَبِ الْحُوتِ، وَفِي الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنَ الْخَيْطِ وَتَدٌ وَتَرَكَهُ كَذَلِكَ إِلَى الْأَحَدِ، ثُمَّ تَطَرَّقَ النَّاسُ حِينَ رَأَوْا مَنْ صَنَعَ لَا يُبْتَلَى، حَتَّى كَثُرَ صَيْدُ الْحُوتِ وَمُشِيَ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَأَعْلَنَ الْفَسَقَةُ بِصَيْدِهِ. فَقَامَتْ فِرْقَةٌ فَنَهَتْ وَجَاهَرَتْ بِالنَّهْيِ وَاعْتَزَلَتْ. وَيُقَالُ: إِنَّ النَّاهِينَ قَالُوا: لَا نُسَاكِنُكُمْ، فَقَسَمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ. فَأَصْبَحَ النَّاهُونَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَجَالِسِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمُعْتَدِينَ أَحَدٌ، فَقَالُوا: إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا، فَعَلَوْا عَلَى الْجِدَارِ فَنَظَرُوا فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ، فَفَتَحُوا الْبَابَ وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَتِ الْقِرَدَةُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْإِنْسِ، وَلَا يَعْرِفُ الْإِنْسُ أَنْسَابَهُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ، فَجَعَلَتِ الْقِرَدَةُ تَأْتِي نَسِيبَهَا مِنَ الْإِنْسِ فَتَشُمُّ ثِيَابَهُ وَتَبْكِي، فَيَقُولُ: أَلَمْ نَنْهَكُمْ! فَتَقُولُ بِرَأْسِهَا نَعَمْ. قَالَ قَتَادَةُ: صَارَ الشُّبَّانُ قِرَدَةً، وَالشُّيُوخُ خَنَازِيرَ، فَمَا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ. وَسَيَأْتِي فِي" الْأَعْرَافِ" «3» قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ. وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ لَمْ يَفْتَرِقُوا إِلَّا فِرْقَتَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالسَّبْتُ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّبْتِ وَهُوَ القطع، فقيل: إن الأشياء فيه سَبَتَتْ وَتَمَّتْ خِلْقَتُهَا. وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّبُوتِ الَّذِي هُوَ الرَّاحَةُ وَالدَّعَةُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَمْسُوخِ هَلْ يَنْسِلُ عَلَى قَوْلَيْنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِرَدَةُ مِنْهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمَمْسُوخُ لَا يَنْسِلُ وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَغَيْرُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ مسخهم الله قد هلكوا

(1). راجع ج 10 ص 335.

(2)

. الوهق (بالتحريك وتسكن الهاء): الحبل في طرفيه أنشوطة تطرح في عنق الدابة أو الإنسان حتى تؤخذ. والأنشوطة عقدة يسهل انحلالها كعقدة التكة عند جذبها. راجع ج 7 ص 306.

(3)

. راجع ج 7 ص 307

ص: 440

وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْلٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَصَابَهُمُ السُّخْطُ وَالْعَذَابُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَرَارٌ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَعِشْ مَسْخٌ قَطُّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَنْسِلْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَثَبَتَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسِلُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ. وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْرَ أَلَا تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهُ وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْهُ (. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَبِحَدِيثِ الضَّبِّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ، قَالَ جَابِرٌ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِضَبٍّ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَقَالَ: (لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الَّتِي مُسِخَتْ) فَمُتَأَوَّلٌ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. ثَبَتَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَسَقَطَ فِي بَعْضِهَا، وَثَبَتَ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ" قَدْ زَنَتْ" وَسَقَطَ هَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَإِنْ قِيلَ: وَكَأَنَّ الْبَهَائِمَ بَقِيَتْ فِيهِمْ مَعَارِفُ الشَّرَائِعِ حَتَّى وَرِثُوهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ إِلَى زَمَانِ عَمْرٍو؟ قُلْنَا: نَعَمْ كَذَلِكَ كَانَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ غَيَّرُوا الرَّجْمَ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَهُ فِي مُسُوخِهِمْ «1» حَتَّى يَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّةِ عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ وغيروه، حتى تشهد عليهم كتبهم وأحجارهم وَمُسُوخُهُمْ «2» ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَيُحْصِي مَا يُبَدِّلُونَ وَمَا يُغَيِّرُونَ، وَيُقِيمُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَنْصُرُ نَبِيَّهُ عليه السلام وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ. قُلْتُ: هَذَا كَلَامُهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا حجة في شي مِنْهُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ قِصَّةِ عَمْرٍو فَذَكَرَ الْحُمَيْدِيُّ فِي جَمْعِ الصَّحِيحَيْنِ: حَكَى أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ لِعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَةً مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قردة

(1). في الأصول: (ممسوخهم). والتصويب عن أحكام القرآن لابن العربي.

(2)

. في الأصول: (ممسوخهم). والتصويب عن أحكام القرآن لابن العربي.

ص: 441

فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. كَذَا حَكَى أَبُو مَسْعُودٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، فَبَحَثْنَا عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا فِي كُلِّهَا، فَذُكِرَ فِي كِتَابِ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ النُّعَيْمِيِّ عن الفربري أصلا شي مِنْ هَذَا الْخَبَرِ فِي الْقِرَدَةِ، وَلَعَلَّهَا مِنَ الْمُقْحَمَاتِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ. وَالَّذِي قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ: قَالَ: لِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بَلْجٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قُرُودٌ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. وَلَيْسَ فِيهِ" قَدْ زَنَتْ". فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَلَمْ يُبَالِ بِظَنِّهِ الَّذِي ظَنَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَأَنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ" مَعْدُودٌ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنَ الْكُوفِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى الرَّجْمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْقِرَدَةِ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، لِأَنَّ رُوَاتَهُ مَجْهُولُونَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ مُخْتَصَرًا قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً زَنَتْ فَرَجَمُوهَا- يَعْنِي الْقِرَدَةَ- فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. وَرَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حُصَيْنٍ كَمَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ مُخْتَصَرًا. وَأَمَّا الْقِصَّةُ بِطُولِهَا فَإِنَّهَا تَدُورُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ، وَلَيْسَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِمَا. وَهَذَا عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مُنْكَرٌ إِضَافَةُ الزِّنَى إِلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْبَهَائِمِ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا مِنَ الْجِنِّ، لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ فِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ دُونَ غَيْرِهِمَا". وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الْفَأْرَ) وَفِي الضَّبِّ: (لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الَّتِي مُسِخَتْ) وَمَا كَانَ مِثْلَهُ، فَإِنَّمَا كَانَ ظَنًّا وَخَوْفًا لِأَنْ يَكُونَ الضَّبُّ وَالْفَأْرُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا مُسِخَ، وَكَانَ هَذَا حَدْسًا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْمَسْخِ نَسْلًا، فَلَمَّا أُوْحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ التَّخَوُّفُ، وَعَلِمَ أَنَّ الضَّبَّ وَالْفَأْرَ لَيْسَا مِمَّا مُسِخَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ: هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ (. وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ. وَثَبَتَتِ النُّصُوصُ بِأَكْلِ الضَّبِّ بِحَضْرَتِهِ وَعَلَى مَائِدَتِهِ وَلَمْ ينكر،

ص: 442