المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2): آية 7] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ١

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المدخل]

- ‌[خطبة الكتاب وفيها الكلام على علو شأن المفسرين]

- ‌باب تحذير أهل القرآن والعلم من الرياء وغيره

- ‌باب ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه

- ‌باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن معربا

- ‌باب ما جاء في فضل تفسير القرآن وأهله

- ‌باب ما جاء في حامل القرآن ومن هو، وفي من عاداه

- ‌باب ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته

- ‌باب ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأى، والجرأة على ذلك، ومراتب المفسرين

- ‌باب كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه

- ‌باب مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ

- ‌(فصل) [قول كثير من العلماء أن الْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي تُنْسَبُ لِهَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، ليست هي الأحرف السبعة]

- ‌فصل في ذكر معنى حديث عمر وهشام [في أن القرآن نزل على سبعة أحرف]

- ‌بَابُ ذِكْرِ جَمْعِ الْقُرْآنِ، وَسَبَبِ كَتْبِ عُثْمَانَ الْمَصَاحِفَ وَإِحْرَاقِهِ مَا سِوَاهَا، وَذِكْرِ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل [في الرد على الحيلولة والحشوية القائلين بقدم الحروف والأصوات]

- ‌فَصْلٌ [في طعن الرافضة في القرآن]

- ‌باب ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته، وشكله ونقطة، وتحزيبه وتعشيره، وعدد حروفه وأجزائه وكلماته وآيه

- ‌باب ذكر معنى السورة والآية والكلمة والحرف

- ‌باب هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب أو لا

- ‌باب ذكر في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها

- ‌فصل [في أن المعجزات على ضربين]

- ‌باب التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن وغيره

- ‌باب ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن وخالف مصحف عثمان بالزيادة والنقصان

- ‌الْقَوْلُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ

- ‌[الكلام في] البسملة وفيها سبع وعشرون مسألة

- ‌[سورة الفاتحة (1): آيَةً 1]

- ‌تفسير سورة الفاتحة

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي فَضَائِلِهَا وَأَسْمَائِهَا وَفِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ

- ‌الباب الثاني في نزولها وأحكامها، وَفِيهِ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً

- ‌الباب الثالث في التأمين، وفيه ثَمَانِ مَسَائِلَ

- ‌الباب الرابع فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والاعراب وفضل الحامدين، وفيه ست وثلاثون مسألة

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 2]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 4]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 6]

- ‌[سورة الفاتحة (1): آية 7]

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌الْكَلَامُ فِي نُزُولِهَا وَفَضْلِهَا وَمَا جَاءَ فِيهَا

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 2]

- ‌[بيان الأقوال الواردة في الحروف المقطعة التي في أوائل السور]

- ‌[الكلام على هداية القرآن وفيه ست مسائل]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 3]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 4]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 5]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 6]

- ‌بيان حال الكافرين ومآلهم ومعنى الكفر

- ‌[سورة البقرة (2): آية 7]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 8]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 9]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 10]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 11]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 12]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 13]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 14]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 15]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 16]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 17]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 18]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 19]

- ‌فَائِدَةٌ:

- ‌[سورة البقرة (2): آية 20]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 21]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 22]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 23]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 24]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 26]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 27]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 28]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 29]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 30]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 31]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 32]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 33]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 34]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 35]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 36]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 37]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 38]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 39]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 40]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 41]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 42]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 43]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 44]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 45]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 46]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 47]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 48]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 50]

- ‌الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ إِنْجَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌فَصْلٌ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى الْإِنْجَاءَ وَالْإِغْرَاقَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ فِيهِ

- ‌مسألة [في صوم يوم عاشوراء]

- ‌مَسْأَلَةٌ: اخْتُلِفَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَلْ هُوَ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوِ الْعَاشِرُ

- ‌فَضِيلَةٌ

- ‌[سورة البقرة (2): آية 51]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 52]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 53]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 54]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 57]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 58]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 59]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 60]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 61]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 62 الى 65]

- ‌[تفسير]

- ‌[تفسير]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 66]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 67]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 68]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 69]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 70]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 71]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 72]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 73]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 74]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2): آية 7]

والأعمش وعبد الله بن أبي إسحاق:" أَأَنْذَرْتَهُمْ" بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ، وَاخْتَارَهَا الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَعَلَيْهَا قول الشاعر «1»:

أَيَا ظَبْيَةَ الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلَاجِلٍ

وَبَيْنَ النَّقَا آنْتَ أَمْ أُمُّ سَالٍمِ

هِجَاءُ" آنْتَ" أَلِفٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ آخَرُ:

تَطَالَلْتُ فَاسْتَشْرَفْتُهُ فَعَرَفْتُهُ

فَقُلْتُ لَهُ آنْتَ زَيْدُ الْأَرَانِبِ

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ أَنَّهُ قَرَأَ:" أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" بِهَمْزَةٍ لَا أَلِفَ بَعْدَهَا، فَحَذَفَ لِالْتِقَاءِ الْهَمْزَتَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ أَمْ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تبتكر

وَمَاذَا يَضِيرُكَ لَوْ تَنْتَظِرْ

أَرَادَ: أَتَرُوحُ، فَاكْتَفَى بأم مِنَ الْأَلِفِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أنه قرأ:" أأنذرتهم" فَحَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَيَجُوزُ أَنْ تُدْخِلَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا وَتُخَفِّفَ الثَّانِيَةَ، وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ:" أَأَنْذَرْتَهُمْ" وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ عِنْدَ الْخَلِيلِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: يُشْبِهُ فِي الثِّقَلِ ضَنِنُوا. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الاولى من الهمزتين وذلك ردئ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَفِّفُونَ بَعْدَ الِاسْتِثْقَالِ، وَبَعْدَ حُصُولِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا. فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَوَجْهٌ ثَامِنٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ «2». قَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ: تُبْدِلُ مِنَ الْهَمْزَةِ هَاءً تَقُولُ: هَأَنْذَرْتَهُمْ، كَمَا يُقَالُ هَيَّاكَ وَإِيَّاكَ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ فِيِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" هَا أَنْتُمْ"[آل عمران: 66] إنما هو أاأنتم.

[سورة البقرة (2): آية 7]

خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7)

فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَتَمَ اللَّهُ) بَيَّنَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ:" خَتَمَ اللَّهُ". وَالْخَتْمُ مَصْدَرٌ خَتَمْتُ الشَّيْءَ خَتْمًا فَهُوَ مَخْتُومٌ وَمُخَتَّمٌ، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ، ومعناه

(1). هو ذو الرمة كما في كتاب سيبويه، والمفصل للزمخشري.

(2)

. السواد من الناس هم الجمهور الأعظم.

ص: 185

التَّغْطِيَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِيثَاقُ مِنْهُ حَتَّى لَا يدخله شي، وَمِنْهُ: خَتَمَ الْكِتَابَ وَالْبَابَ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، حَتَّى لَا يُوصَلَ إِلَى مَا فِيهِ، وَلَا يُوضَعَ فِيهِ غَيْرُ مَا فِيهِ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى قُلُوبَ الْكُفَّارِ بِعَشَرَةِ أَوْصَافٍ: بِالْخَتْمِ وَالطَّبْعِ وَالضِّيقِ وَالْمَرَضِ وَالرَّيْنِ وَالْمَوْتِ وَالْقَسَاوَةِ وَالِانْصِرَافِ وَالْحَمِيَّةِ وَالْإِنْكَارِ. فَقَالَ فِي الْإِنْكَارِ:" قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ «1» "[النحل: 22]. وَقَالَ فِي الْحَمِيَّةِ:" إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ «2» الْحَمِيَّةَ". [الفتح: 26] وَقَالَ فِي الِانْصِرَافِ:" ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ «3» اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ"[التوبة: 127]. وَقَالَ فِي الْقَسَاوَةِ:" فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ «4» قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"[الزمر: 22]. وَقَالَ:" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ «5» مِنْ بَعْدِ ذلِكَ"[البقرة: 74]. وَقَالَ فِي الْمَوْتِ:" أَوَمَنْ كانَ «6» مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ"[الانعام: 122]. وَقَالَ:" إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى «7» يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ"[الانعام: 36]. وَقَالَ فِي الرَّيْنِ:" كَلَّا بَلْ رانَ «8» عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ". [المطففين: 14]. وقال في المرض:" فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ". [محمد: 29] وَقَالَ فِي الضِّيقِ:" وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً «9» حَرَجاً". [الانعام: 125]. وَقَالَ فِي الطَّبْعِ:" فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ «10» فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ"[المنافقون: 3]. وقال:" بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ «11» "[النساء: 155]. وَقَالَ فِي الْخَتْمِ:" خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ". [البقرة: 7]. وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا كُلُّهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّانِيَةُ الْخَتْمُ يَكُونُ مَحْسُوسًا كَمَا بَيَّنَّا، وَمَعْنًى كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. فَالْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ: عَدَمُ الْوَعْيِ عَنِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ مَفْهُومَ مُخَاطَبَاتِهِ وَالْفِكْرَ فِي آيَاتِهِ. وَعَلَى السَّمْعِ: عَدَمُ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ أَوْ دُعُوا إِلَى وَحْدَانِيَّتِهِ. وَعَلَى الْأَبْصَارِ: عَدَمُ هِدَايَتِهَا لِلنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ وَعَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ. الثَّالِثَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلَّ دَلِيلٍ وَأَوْضَحَ سَبِيلٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَاعْتَبِرُوا أَيُّهَا السَّامِعُونَ، وَتَعَجَّبُوا أَيُّهَا الْمُفَكِّرُونَ مِنْ عُقُولِ الْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ إِيمَانِهِمْ وَهُدَاهُمْ، فَإِنَّ الْخَتْمَ هُوَ الطَّبْعُ فَمِنْ أين لهم الايمان ولو جهدوا،

(1). راجع ج 10 ص 95.

(2)

. راجع ج 16 ص 288.

(3)

. راجع ج 8 ص 300.

(4)

. راجع ج 15 ص 248.

(5)

. راجع ج 1 ص 462.

(6)

. راجع ج 7 ص 78.

(7)

. راجع ج 6 ص 418 [ ..... ]

(8)

. راجع ج 19 ص 257

(9)

. راجع ج 7 ص 81.

(10)

. راجع ج 18 ص 124.

(11)

راجع ج 6 ص 7

ص: 186

وَقَدْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَجُعِلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ، فَمَتَى يَهْتَدُونَ، أَوْ مَنْ يَهْدِيهِمْ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ إِذَا أَضَلَّهُمْ وَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" وَمَنْ يُضْلِلِ «1» اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ"! [الزمر: 23] وَكَانَ فِعْلُ اللَّهِ ذَلِكَ عَدْلًا فِيمَنْ أَضَلَّهُ وَخَذَلَهُ، إِذْ لَمْ يَمْنَعْهُ حَقًّا وَجَبَ لَهُ فَتَزُولَ صِفَةُ الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ لَا مَا وَجَبَ لَهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ مَعْنَى الْخَتْمِ وَالطَّبْعِ وَالْغِشَاوَةِ التَّسْمِيَةُ وَالْحُكْمُ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، لَا الْفِعْلُ. قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخَتْمِ وَالطَّبْعِ إِنَّمَا هُوَ فِعْلُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْقَلْبُ مَطْبُوعًا مَخْتُومًا، لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَتُهُ التَّسْمِيَةَ وَالْحُكْمَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قِيلَ: فُلَانٌ طَبَعَ الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ، كَانَ حَقِيقَةً أَنَّهُ فَعَلَ مَا صَارَ بِهِ الْكِتَابُ مَطْبُوعًا وَمَخْتُومًا، لَا التَّسْمِيَةَ وَالْحُكْمَ. هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْخَتْمِ وَالطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ مُجَازَاةً لِكُفْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ"[النساء: 155]. وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّبْعَ وَالْخَتْمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ عليه السلام وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ مُمْتَنِعٌ، فَلَوْ كَانَ الْخَتْمُ وَالطَّبْعُ هُوَ التَّسْمِيَةُ وَالْحُكْمُ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ يُسَمُّونَ الْكُفَّارَ بِأَنَّهُمْ مَطْبُوعٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ مَخْتُومٌ عَلَيْهَا وَأَنَّهُمْ فِي ضَلَالٍ لَا يُؤْمِنُونَ، وَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. فَثَبَتَ أَنَّ الْخَتْمَ وَالطَّبْعَ هُوَ مَعْنًى غَيْرُ التَّسْمِيَةِ وَالْحُكْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ يَمْنَعُ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ «2». لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ"[الحجر: 12]. وَقَالَ:" وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ «3» "[الانعام: 25]. أَيْ لِئَلَّا يَفْقَهُوهُ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ. الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ:(عَلى قُلُوبِهِمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْقَلْبِ عَلَى جَمِيعِ الْجَوَارِحِ. وَالْقَلْبُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ. وخالص كل شي وَأَشْرَفُهُ قَلْبُهُ، فَالْقَلْبُ مَوْضِعُ الْفِكْرِ. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ قَلَبْتُ الشَّيْءَ أَقْلِبُهُ قَلْبًا إِذَا رَدَدْتُهُ عَلَى بِدَاءَتِهِ. وَقَلَبْتُ الْإِنَاءَ: رَدَدْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ. ثُمَّ نُقِلَ هَذَا اللَّفْظُ فَسُمِّيَ بِهِ هَذَا الْعُضْوُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْحَيَوَانِ، لِسُرْعَةِ الْخَوَاطِرِ إِلَيْهِ، وَلِتَرَدُّدِهَا عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ:

مَا سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلَّا مِنْ تَقَلُّبِهِ

فَاحْذَرْ عَلَى القلب من قلب وتحويل

(1). راجع ج 15 ص 250.

(2)

. راجع ج 10 ص 7 و271.

(3)

. راجع ج 10 ص 7 و271.

ص: 187

ثُمَّ لَمَّا نَقَلَتِ الْعَرَبُ هَذَا الْمَصْدَرَ لِهَذَا الْعُضْوِ الشَّرِيفِ الْتَزَمَتْ فِيهِ تَفْخِيمَ قَافِهِ، تَفْرِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ. رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(مَثَلُ الْقَلْبِ مَثَلُ رِيشَةٍ تُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ بِفَلَاةٍ). وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ: (اللَّهُمَّ يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ). فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ مَعَ عَظِيمِ قَدْرِهِ وَجَلَالِ مَنْصِبِهِ فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ"[الأنفال: 24]. وَسَيَأْتِي «1» . الْخَامِسَةُ الْجَوَارِحُ وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً لِلْقَلْبِ فَقَدْ يَتَأَثَّرُ الْقَلْبُ وَإِنْ كَانَ رَئِيسَهَا وَمَلِكَهَا بِأَعْمَالِهَا لِلِارْتِبَاطِ الَّذِي بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ فَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ فَيَسْوَدُّ قَلْبُهُ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَسْوَدُّ قَلْبُهُ فَإِنْ هُوَ تَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ). قَالَ: وَهُوَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلُهُ:" كَلَّا بَلْ رانَ عَلى «2» قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ"[المطففين: 14]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَلْبُ كَالْكَفِّ يُقْبَضُ مِنْهُ بِكُلِ ذَنْبٍ إِصْبَعٌ، ثُمَّ يُطْبَعُ. قُلْتُ: وَفِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ هَذَا، وَقَوْلِهِ عليه السلام:(إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَتْمَ يَكُونُ حَقِيقِيًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقَلْبَ يُشْبِهُ الصَّنَوْبَرَةَ، وَهُوَ يَعْضُدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ: حَدَّثَنَا (أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ). ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ قَالَ: (يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فتراه منتبرا وليس فيه شي ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حتى يقال إن

(1). راجع ج 7 ص 390.

(2)

. راجع ج 19 ص 257.

ص: 188

فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه علي دينه ولين كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه عَلَى سَاعِيهِ «1» وَأَمَّا الْيَوْمُ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا (. فَفِي قَوْلِهِ:) الْوَكْتُ) وَهُوَ الْأَثَرُ الْيَسِيرُ. وَيُقَالُ لِلْبُسْرِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ مِنَ الْإِرْطَابِ: قَدْ وَكَّتَ، فَهُوَ مُوَكِّتٌ. وَقَوْلُهُ:(الْمَجْلُ)، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مَاءً، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:(كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ) أَيْ دَوَّرْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ. (فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا) أَيْ مُرْتَفِعًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَحْسُوسٌ فِي الْقَلْبِ يَفْعَلُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْخَتْمُ وَالطَّبْعُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى يَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السموات وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادٌّ «2» كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ

(وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (مُجَخِّيًا): يَعْنِي مَائِلًا. السَّادِسَةُ الْقَلْبُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفُؤَادِ وَالصَّدْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ «3» "[الفرقان: 32] وقال:" أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «4» "[الشرح: 1] يَعْنِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَلْبَكَ. وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْعَقْلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى «5» لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ"[ق: 37] أَيْ عَقْلٌ، لِأَنَّ الْقَلْبَ مَحَلُّ الْعَقْلِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. وَالْفُؤَادُ مَحَلُّ الْقَلْبِ، وَالصَّدْرُ مَحَلُّ الْفُؤَادِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّابِعَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَعَلى سَمْعِهِمْ) اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ فَضَّلَ السَّمْعَ عَلَى الْبَصَرِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ تَعَالَى:" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ «6» وَأَبْصارَكُمْ"[الانعام: 46]. وقال:" وَجَعَلَ لَكُمُ «7» السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ"[السجدة: 9]. قَالَ: وَالسَّمْعُ يُدْرَكُ بِهِ مِنَ الْجِهَاتِ السِّتِّ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ إِلَّا مِنَ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ، وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ وَشُعَاعٍ. وقال أكثر المتكلمين

(1). ساعية: هو رئيسهم الذي يصدرون عن رأيه ولا يمضون أمرا دونه (النهاية).

(2)

. ويروي: (مربد) أي اختلط سواده بكدرة.

(3)

. راجع ج 13 ص 28.

(4)

. راجع ج 20 ص 104.

(5)

. راجع ج 17 ص 23. [ ..... ]

(6)

. راجع ج 6 ص 427.

(7)

. راجع ج 10 ص 151

ص: 189

بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَى السَّمْعِ، لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إِلَّا الْأَصْوَاتُ وَالْكَلَامُ، وَالْبَصَرُ يُدْرَكُ بِهِ الْأَجْسَامُ وَالْأَلْوَانُ وَالْهَيْئَاتُ كُلُّهَا. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ، وَأَجَازُوا الْإِدْرَاكَ بِالْبَصَرِ مِنَ الْجِهَاتِ السِّتِّ. الثَّامِنَةُ إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ جَمَعَ الْأَبْصَارَ وَوَحَّدَ السَّمْعَ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ يَقَعُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ يُقَالُ: سَمِعْتُ الشَّيْءَ أَسْمَعُهُ سَمْعًا وَسَمَاعًا، فَالسَّمْعُ مَصْدَرُ سَمِعْتُ، وَالسَّمْعُ أَيْضًا اسْمٌ لِلْجَارِحَةِ الْمَسْمُوعِ بِهَا سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ السَّمْعَ إِلَى الْجَمَاعَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَسْمَاعُ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:«1»

بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا

فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ

إِنَّمَا يُرِيدُ جُلُودَهَا فَوَحَّدَ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْجَمَاعَةِ جِلْدٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ آخَرُ «2» فِي مِثْلِهِ:

لَا تُنْكِرِ الْقَتْلَ وَقَدْ سُبِينَا

فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شَجِينَا

يُرِيدُ فِي حُلُوقِكُمْ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

كَأَنَّهُ وَجْهُ تُرْكِيَّيْنِ قَدْ غَضِبَا

مُسْتَهْدَفٌ لِطِعَانٍ غَيْرُ تَذْبِيبِ

وَإِنَّمَا يُرِيدُ وَجْهَيْنِ، فَقَالَ وَجْهَ تُرْكِيَّيْنِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ للاثنين وجه واحد، ومثله كثير جدا. وقرى:" وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَعَلَى مَوَاضِعِ سَمْعِهِمْ، لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُخْتَمُ وَإِنَّمَا يُخْتَمُ مَوْضِعُ السَّمْعِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ. وَقَدْ يَكُونُ السَّمْعُ بِمَعْنَى الِاسْتِمَاعِ، يُقَالُ: سَمْعُكَ حَدِيثِي أَيِ اسْتِمَاعُكَ إِلَى حَدِيثِي يُعْجِبُنِي، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا تَسَمَّعَ إِلَى صَوْتِ صَائِدٍ وَكِلَابٍ:

وَقَدْ تَوَجَّسَ رِكْزًا مُقْفِرٌ نَدُسٌ

بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سمعه كذب

(1). هو علقمة بن عبدة. وصف طريقا بعيدا شاقا على من سلكه. فجيف الحسرى وهو المعيبة من الإبل مستقرة فيه. وقوله: فأما عظامها فبيض، أي أكلت السباع والطير ما عليها من اللحم فتعرت وبدا وضحيها. وقوله: وأما جلدها إلخ، أي محرم يائس لأنه ملقى بالفلاة لم يدبغ، ويقال: الصليب هنا الودك، أي قد سال ما فيه من رطوبة لاحماء الشمس عليه. (عن شرح الشواهد للشنتمري).

(2)

. هو المسيب بن زيد مناة الغنوي، كما في كتاب سيبويه.

ص: 190

أَيْ مَا فِي اسْتِمَاعِهِ كَذِبٌ، أَيْ هُوَ صَادِقُ الِاسْتِمَاعِ. وَالنَّدُسُ: الْحَاذِقُ. وَالنَّبْأَةُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَكَذَلِكَ الرِّكْزُ. وَالسِّمْعُ (بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ): ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِالْجَمِيلِ، يُقَالُ: ذَهَبَ سِمْعُهُ فِي النَّاسِ أَيْ ذِكْرُهُ. وَالسِّمْعُ أَيْضًا: وَلَدُ الذِّئْبِ مِنَ الضَّبْعِ. وَالْوَقْفُ هُنَا:" وَعَلى سَمْعِهِمْ". وَ" غِشاوَةٌ" رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرٌ. وَالضَّمَائِرُ فِي" قُلُوبِهِمْ" وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَقِيلَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ مِنَ الْيَهُودِ، وَقِيلَ مِنَ الْجَمِيعِ، وَهُوَ أَصْوَبُ، لِأَنَّهُ يَعُمُّ. فَالْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ. وَالْغِشَاوَةُ عَلَى الْأَبْصَارِ. وَالْغِشَاءُ: الْغِطَاءُ. وَهِيَ: التَّاسِعَةُ وَمِنْهُ غَاشِيَةُ السَّرْجِ، وَغَشَّيْتُ الشَّيْءَ أُغَشِّيهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:

هَلَّا سَأَلْتِ بَنِي ذُبْيَانِ مَا حَسْبِي

إِذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الْأَشْمَطَ الْبَرَمَا «1»

وَقَالَ آخَرُ «2» :

صَحِبْتُكَ إِذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ

فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا

قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فَإِنْ جَمَعْتَ غِشَاوَةً قُلْتَ: غِشَاءٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ: غشاوى مثل أداوي. وقرى:" غِشاوَةٌ" بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى وَجَعَلَ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

وَقَوْلُ الْآخَرِ «3» :

يَا لَيْتَ زَوْجَكَ قَدْ غَدَا

مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا

الْمَعْنَى وَأَسْقَيْتُهَا مَاءً، وَحَامِلًا رُمْحًا، لِأَنَّ الرُّمْحَ لَا يُتَقَلَّدُ. قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَلَا تَكَادُ تَجِدُ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالِ سَعَةٍ وَاخْتِيَارٍ، فَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ أَحْسَنُ، وَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ. قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنَ الْغِشَاوَةِ فِعْلًا مُتَصَرِّفًا بِالْوَاوِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْغِشَاوَةُ عَلَى الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، وَالْوَقْفُ عَلَى" قُلُوبِهِمْ". وَقَالَ آخَرُونَ: الْخَتْمُ فِي الْجَمِيعِ، وَالْغِشَاوَةُ هِيَ الْخَتْمُ، فَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا عَلَى" غِشاوَةٌ". وَقَرَأَ الحسن" غشاوة" بضم الغين، وقرا أبو حيوة بفتحها، وروي عن

(1). الأشمط: الذي خالطه الشيب. والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر ويأكل معهم من لحمه.

(2)

. هو الحارث بن خالد المخزومي، كما في اللسان مادة (غشا).

(3)

. هو عبد الله بن الزبعري، كما في الكامل للمبرد ص 189 طبع أوربا.

ص: 191