الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته
قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ:" فَمِنْ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَلَّا يَمَسَّهُ إلا طاهرا. ومن حرمته أن يقرأه على طهارة. ومن حرمته أن يستاك ويتحلل فَيُطَيِّبَ فَاهُ، إِذْ هُوَ طَرِيقُهُ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ مِنْ طُرُقِ الْقُرْآنِ، فَطَهِّرُوهَا وَنَظِّفُوهَا مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَتَلَبَّسَ «1» كَمَا يَتَلَبَّسُ لِلدُّخُولِ عَلَى الْأَمِيرِ لِأَنَّهُ مُنَاجٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِقِرَاءَتِهِ. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ إِذَا قَرَأَ اعْتَمَّ وَلَبِسَ وَارْتَدَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ كُلَّمَا تَنَخَّعَ «2». رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَوْرٌ «3» إِذَا تَنَخَّعَ مَضْمَضَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الذِّكْرِ، وَكَانَ كُلَّمَا تَنَخَّعَ مضمض. ومن حرمته إذا تثائب أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ فَهُوَ مُخَاطِبٌ رَبَّهُ وَمُنَاجٍ، وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا تَثَاءَبْتَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَمْسِكْ عَنِ الْقُرْآنِ تَعْظِيمًا حَتَّى يَذْهَبَ تَثَاؤُبُكَ. وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. يُرِيدُ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ إِجْلَالًا لِلْقُرْآنِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ لِلْقِرَاءَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيَقْرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إن كان ابتدأ قِرَاءَتِهِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ إِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَقْطَعْهَا سَاعَةً فَسَاعَةً بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَخْلُوَ بِقِرَاءَتِهِ حَتَّى لَا يَقْطَعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِكَلَامٍ فَيَخْلِطُهُ بِجَوَابِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ سُلْطَانُ الِاسْتِعَاذَةِ الَّذِي اسْتَعَاذَ فِي الْبِدْءِ. وَمِنْ حرمته أن يراه عَلَى تُؤَدَةٍ وَتَرْسِيلٍ وَتَرْتِيلٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِ ذِهْنَهُ وَفَهْمَهُ حَتَّى يَعْقِلَ مَا يُخَاطَبُ بِهِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَقِفَ عَلَى آيَةِ الْوَعْدِ فَيَرْغَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى آيَةِ الْوَعِيدِ فَيَسْتَجِيرُ بِاللَّهِ مِنْهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَقِفَ على أمثاله فيتمثلها. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَلْتَمِسَ غَرَائِبَهُ «4» . وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِكُلِّ حَرْفِ حَقَّهُ مِنَ الْأَدَاءِ حتى يبرز الكلام باللفظ تماما، فإن بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ إِذَا انْتَهَتْ قِرَاءَتُهُ أَنْ يُصَدِّقَ رَبَّهُ، وَيَشْهَدَ بِالْبَلَاغِ
(1). يقال: تلبس بالثوب بمعنى لبسه. [ ..... ]
(2)
. تنخع كتنخم وزنا ومعنى.
(3)
. التور، إناء يشرب فيه.
(4)
. في نوادر الأصول:" إعرابه". وكلاهما مروي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو هريرة عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه" رواه الحاكم والبيهقي.
لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَشْهَدَ عَلَى ذلك أنه حق، فيقول: صدقت رب وَبَلَّغْتَ رُسُلُكَ، وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ شُهَدَاءِ الْحَقِّ، الْقَائِمِينَ بِالْقِسْطِ، ثُمَّ يَدْعُو بِدَعَوَاتٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ إِذَا قَرَأَهُ أَلَّا يَلْتَقِطَ الْآيَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ فَيَقْرَأَهَا، فَإِنَّهُ رُوِيَ لَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ مَرَّ بِبِلَالٍ وَهُوَ يقرأ من كل سورة شيئا، فأمره أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام. وَمِنْ حُرْمَتِهِ إِذَا وَضَعَ الْمُصْحَفَ أَلَّا يَتْرُكَهُ مَنْشُورًا، وَأَلَّا يَضَعَ فَوْقَهُ شَيْئًا مِنَ الْكُتُبِ حَتَّى يَكُونَ أَبَدًا عَالِيًا لِسَائِرِ الْكُتُبِ، عِلْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ إِذَا قَرَأَهُ أَوْ على شي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَضَعَهُ بِالْأَرْضِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يَمْحُوَهُ مِنَ اللَّوْحِ بِالْبُصَاقِ وَلَكِنْ يَغْسِلُهُ بالماء. ومن حرمته إذا غسل بالماء أن يتوقى النجاسات من المواضع، والماقع الَّتِي تُوطَأُ، فَإِنَّ لِتِلْكَ الْغُسَالَةِ حُرْمَةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَشْفِي بِغُسَالَتِهِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يَتَّخِذَ الصَّحِيفَةَ إِذَا بَلِيَتْ وَدَرَسَتْ وِقَايَةً لِلْكُتُبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَفَاءٌ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ يَمْحُوهَا بِالْمَاءِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُخَلِّيَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ مَرَّةً، وَكَانَ أَبُو مُوسَى يَقُولُ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي أَلَّا أَنْظُرَ كُلَّ يَوْمٍ فِي عَهْدِ رَبِّي مَرَّةً. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يُعْطِيَ عَيْنَيْهِ حظهما من، فإن العين نؤدي إِلَى النَّفْسِ، وَبَيْنَ النَّفْسِ وَالصَّدْرِ حِجَابٌ، وَالْقُرْآنُ فِي الصَّدْرِ، فَإِذَا قَرَأَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ فَإِنَّمَا يُسْمِعُ أُذُنَهُ فَتُؤَدِّي إِلَى النَّفْسِ، فَإِذَا نَظَرَ فِي الْخَطِّ كَانَتِ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ قَدِ اشْتَرَكَتَا فِي الْأَدَاءِ وَذَلِكَ أَوْفَرُ لِلْأَدَاءِ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَتِ الْعَيْنُ حَظَّهَا كَالْأُذُنِ. رَوَى زَيْدُ ابن أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَظُّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ؟ قَالَ:" النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَ عَجَائِبِهِ". وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ نَظَرًا". وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يَتَأَوَّلَهُ عند ما يعرض له شي من أمر أدنيا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زِيَادٍ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قال: كان يكره أن يتأول شي من القرآن عند ما يعرض له شي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَالتَّأْوِيلُ مِثْلُ قَوْلِكَ لِلرَّجُلِ إذا جاءك: جِئْتَ عَلى قَدَرٍ
يا مُوسى
، وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ «1» " هَذَا عِنْدَ حُضُورِ الطعام وأشباه هذا. وو من حُرْمَتِهِ أَلَّا يُقَالَ: سُورَةُ كَذَا، كَقَوْلِكَ: سُورَةُ النحل وسورة البقرة والنساء، وَلَكِنْ يُقَالُ: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا. قُلْتُ: هَذَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" الْآيَتَانِ مِنْ آخَرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ" خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. و. من حُرْمَتِهِ أَلَّا يُتْلَى مَنْكُوسًا كَفِعْلِ مُعَلِّمِي الصِّبْيَانِ، يَلْتَمِسُ أَحَدُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يُرِىَ الْحِذْقَ مِنْ نَفْسِهِ وَالْمَهَارَةَ، فَإِنَّ تِلْكَ مُخَالَفَةٌ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُقَعِّرَ فِي قِرَاءَتِهِ كَفِعْلِ هَؤُلَاءِ الْهَمْزِيِّينَ الْمُبْتَدِعِينَ الْمُتَنَطِّعِينَ فِي إِبْرَازِ الْكَلَامِ مِنْ تِلْكَ الْأَفْوَاهِ الْمُنْتِنَةِ تَكَلُّفًا، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ أَلْقَاهُ إِلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَقَبِلُوهُ عَنْهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يقرأه بألحان الغناء لحون أَهْلِ الْفِسْقِ، وَلَا بِتَرْجِيعِ النَّصَارَى وَلَا نَوْحِ الرَّهْبَانِيَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زَيْغٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يُجِلَّلَ تَخْطِيطَهُ إِذَا خَطَّهُ. وَعَنْ أَبِي حُكَيْمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ بِالْكُوفَةِ، فَمَرَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَنَظَرَ إِلَى كِتَابَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَجِلَّ قَلَمَكَ، فَأَخَذْتُ الْقَلَمَ فَقَطَطْتُهُ مِنْ طَرَفِهِ قَطًّا، ثُمَّ كَتَبْتُ وعلي رضى الله قَائِمٌ يَنْظُرُ إِلَى كِتَابَتِي، فَقَالَ: هَكَذَا، نَوِّرْهُ كَمَا نَوَّرَهُ اللَّهُ عز وجل. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يَجْهَرَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ فَيُفْسِدَ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِ مَا يَسْمَعُ وَيَكُونَ كَهَيْئَةِ الْمُغَالَبَةِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُمَارِيَ وَلَا يُجَادِلَ فِيهِ فِي الْقِرَاءَاتِ، وَلَا يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: لَيْسَ هَكَذَا هُوَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْقِرَاءَةُ صَحِيحَةً جَائِزَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَكُونَ قَدْ جَحَدَ كِتَابَ اللَّهِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يَقْرَأَ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا فِي مَوَاطِنِ اللَّغَطِ وَاللَّغْوِ وَمَجْمَعِ السُّفَهَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ عِبَادَ الرَّحْمَنِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً، هَذَا لِمُرُورِهِ بِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ إِذَا مَرَّ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تِلَاوَةً بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ أَهْلِ اللَّغْوِ وَمَجْمَعِ السُّفَهَاءِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يَتَوَسَّدَ الْمُصْحَفَ وَلَا
يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْمِي بِهِ إِلَى صَاحِبِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُصَغِّرَ الْمُصْحَفَ، رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: لَا يُصَغَّرُ الْمُصْحَفُ. قُلْتُ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه رأى مصحفا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ: مَنْ كَتَبَهُ؟ قَالَ: أَنَا، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: عَظِّمُوا الْقُرْآنَ. وَرُوِيَ عن رسول
(1). آية 24 سورة الحاقة.
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَالَ: مُسَيْجِدٌ أَوْ مُصَيْحِفٌ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ ألا يخلي فيه مليس مِنْهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُحَلَّى بِالذَّهَبِ وَلَا يكتب بالذهب فتخلط به زينة الدنية: وَرَوَى مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَلَّى الْمُصْحَفُ أَوْ يُكْتَبَ بِالذَّهَبِ أَوْ يعلم عند رءوس الْآيِ أَوْ يُصَغَّرَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا زَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَحَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ فَالدَّبَارُ «1» عَلَيْكُمْ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ رَأَى مُصْحَفًا زُيِّنَ بِفِضَّةٍ: تُغْرُونَ بِهِ السَّارِقَ وَزِينَتُهُ فِي جَوْفِهِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَلَّا يُكْتَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى حَائِطٍ كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّقِيقِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُحَدِّثُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ في أرض، فقال لشاب من أهل هُذَيْلٍ:" مَا هَذَا: قَالَ: مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَتَبَهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ:" لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا لَا تَضَعُوا كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا مَوْضِعَهُ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ: رَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنًا لَهُ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ عَلَى حَائِطٍ فَضَرَبَهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنَّهُ إِذَا اغْتَسَلَ بِكِتَابَتِهِ مُسْتَشْفِيًا مِنْ سَقَمٍ أَلَّا يَصُبَّهُ عَلَى كُنَاسَةٍ، وَلَا فِي مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ، وَلَا عَلَى مَوْضِعٍ يُوطَأُ، وَلَكِنْ نَاحِيَةً مِنَ الْأَرْضِ فِي بُقْعَةٍ لَا يَطَؤُهُ النَّاسُ، أَوْ يَحْفُرُ حُفَيْرَةً فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ حَتَّى يَنْصَبَّ مِنْ جَسَدِهِ فِي تِلْكَ الْحُفَيْرَةِ ثُمَّ يَكْبِسُهَا، أَوْ فِي نهر كبير يختلط بمائه فيجري. ومن حزمته أَنْ يَفْتَتِحَهُ كُلَّمَا خَتَمَهُ حَتَّى لَا يَكُونَ كَهَيْئَةِ الْمَهْجُورِ، وَلِذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَتَمَ يَقْرَأُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ قَدْرَ خَمْسِ آيَاتٍ، لِئَلَّا يَكُونَ فِي هَيْئَةِ الْمَهْجُورِ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:" عَلَيْكَ بِالْحَالِّ الْمُرْتَحِلِ" قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ:" صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ ثُمَّ يَضْرِبُ في أوله كلما حل ار تحل". قُلْتُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ أَنْ يجمع أهله. وذكر أبو بكر لأنباري أنبأنا إدريس حدثنا حلف حدثنا وكع عم معسر عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ إذا ختم القرآن جمع.
(1). الدبار: الهلاك. وفي نوادر الأصول:" فالدمار" بالميم بدل الباء الموحد.