الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة البقرة (2): آية 73]
فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها)
قِيلَ: بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ آلَةُ الْكَلَامِ. وَقِيلَ: بِعَجْبِ الذَّنَبِ، إِذْ فِيهِ يُرَكَّبُ خَلْقُ الْإِنْسَانِ. وَقِيلَ: بِالْفَخِذِ. وَقِيلَ: بِعَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَلَمَّا ضُرِبَ بِهِ حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ. مَسْأَلَةٌ: اسْتَدَلَّ مَالِكٌ رحمه الله فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقَسَامَةِ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ: دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٌ قَتَلَنِي. وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، قَالُوا: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ: دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٌ قَتَلَنِي، خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ دَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْصُومٌ مَمْنُوعٌ إِبَاحَتُهُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ مَعَ الِاحْتِمَالِ، فَبَطَلَ اعْتِبَارُ قَوْلِ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. وَأَمَّا قَتِيلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَتْ مُعْجِزَةً وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُحْيِيهِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ بِقَاتِلِهِ خَبَرًا جَزْمًا لَا يَدْخُلُهُ احْتِمَالٌ، فَافْتَرَقَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمُعْجِزَةُ كَانَتْ فِي إِحْيَائِهِ، فَلَمَّا صَارَ حَيًّا كَانَ كَلَامُهُ كَسَائِرِ كَلَامِ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ. وَهَذَا فَنٌّ دَقِيقٌ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ إِلَّا مَالِكٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ وَجَبَ صِدْقُهُ، فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْقَسَامَةِ مَعَهُ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا: كَيْفَ يُقْبَلُ قوله في الدم وهؤلاء لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دِرْهَمٍ. مَسْأَلَةٌ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسَامَةِ، فَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ «1» التَّوَقُّفُ فِي الْحُكْمِ بِهَا. وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ، لِأَنَّهُ أَتَى بِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْدَأُ فِيهَا الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِءُوا. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ ومحيصة، خرجه الأئمة مالك وغيره. وذهبت
(1). في نسخة: (الحكم بن عتيبة).
طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ وَيَبْرَءُونَ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بَشِيرِ ابن يَسَارٍ، وَفِيهِ: فَبَدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَهُمُ الْيَهُودُ. وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْيَهُودِ وَبَدَأَ بِهِمْ: (أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا). فَأَبَوْا، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ:(اسْتَحِقُّوا) فَقَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيَةً عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. وَبِقَوْلِهِ عليه السلام:(وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) فَعُيِّنُوا «1» . قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي الدَّعَاوَى الَّذِي نَبَّهَ الشَّرْعُ عَلَى حِكْمَتِهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ «2» رَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فَقَالُوا: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ فِي تَبْدِيَةِ الْيَهُودِ وَهْمٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: وَلَمْ يُتَابَعْ سَعِيدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا أَعْلَمُ، وَقَدْ أَسْنَدَ حَدِيثَ بَشِيرٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ وَعِيسَى بْنِ حَمَّادٍ وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ. وَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ فَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ عَلَى خَبَرِ جَمَاعَةٍ، مَعَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عُبَيْدٍ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْطَى فِي الدِّيَاتِ وَلَا يُصَالَحُ بِهَا عَنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ مُرْسَلٌ فَلَا تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الْمُتَّصِلَةُ، وَأَجَابُوا عَنِ التَّمَسُّكِ بِالْأَصْلِ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِظَاهِرِ ذَلِكَ يَجِبُ، إِلَّا أَنْ يَخُصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حكما في شي مِنَ الْأَشْيَاءِ فَيُسْتَثْنَى مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ. فَمِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ إِلْزَامُ الْقَاذِفِ حَدَّ الْمَقْذُوفِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ لَهُ عَلَى صِدْقِ مَا رُمِيَ بِهِ المقذوف وخص
(1). هذه الكلمة ساقطة في بعض النسخ.
(2)
. كذا ورد هذا الحديث في بعض نسخ الأصل وصحيح مسلم. قال ابن الملك: إنما ذكر اليمين فقط لأنها هي الحجة في الدعوى آخرا وإلا فعلى المدعى إقامة البينة أولا.
مَنْ رَمَى زَوْجَتَهُ بِأَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْحَدَّ إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ. وَمِمَّا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ حُكْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْقَسَامَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ). خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَدِ احْتَجَّ مَالِكٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مُوَطَّئِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. مَسْأَلَةٌ: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ، فَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ الْقَوَدَ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، لِقَوْلِهِ عليه السلام لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ:(أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ). وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ رَجُلًا بِالْقَسَامَةِ مِنْ بَنِي نَضْرِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: نُسْخَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيحَةٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُصَحِّحُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَيَحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدَ بن حنبل والحميدي وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ يَحْتَجُّونَ بِهِ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي السُّنَنِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَوَدَ بِالْقَسَامَةِ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ الدِّيَةَ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ والكوفيون الشافعي وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ لِلْأَنْصَارِ:(إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ). قَالُوا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الدِّيَةِ لَا عَلَى الْقَوَدِ، قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: (وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ) دِيَةُ دَمِ قَتِيلِكُمْ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَيْسُوا بِأَصْحَابٍ لَهُمْ، وَمَنِ اسْتَحَقَّ دِيَةَ صَاحِبِهِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ دَمَهُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ قَدْ تُؤْخَذُ فِي الْعَمْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقًا لِلدَّمِ. مَسْأَلَةٌ: الْمُوجِبُ لِلْقَسَامَةِ اللَّوْثُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَاللَّوْثُ: أَمَارَةٌ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ مُدَّعِي الْقَتْلِ، كَشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَتْلِ، أَوْ يُرَى الْمَقْتُولُ يَتَشَحَّطُ «1» فِي دَمِهِ، وَالْمُتَّهَمُ نَحْوَهُ أَوْ قُرْبَهُ عَلَيْهِ آثَارُ الْقَتْلِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اللَّوْثِ وَالْقَوْلِ بِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. وَالشَّاهِدُ الْعَدْلُ لَوْثٌ. كَذَا في رواية ابن القاسم عنه.
(1). يتشحط في دمه: إي يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ.
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَوْثٌ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ دُونَ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتُلِفَ فِي اللَّوْثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ الشَّاهِدُ الْعَدْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: أَنَّ الْمَجْرُوحَ أَوِ الْمَضْرُوبَ إِذَا قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَمَاتَ كَانَتِ الْقَسَامَةُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَتِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: اللَّوْثُ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ، أَوْ يَأْتِي بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا. وَأَوْجَبَ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ الْقَسَامَةَ بِوُجُودِ الْقَتِيلِ فَقَطْ، وَاسْتَغْنَوْا عَنْ مُرَاعَاةِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ وَعَنِ الشَّاهِدِ، قَالُوا: إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَبِهِ أَثَرٌ حَلَفَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ وَيَكُونُ عَقْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى العاقلة شي إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَاحِدٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قول ضعيف خالقوا فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَلَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْعَاقِلَةِ مَالًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ وَلَا إِقْرَارَ مِنْهُمْ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا وُجِدَ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَنَّهُ هَدَرٌ، لَا يُؤْخَذُ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ دَارًا، لِأَنَّ الْقَتِيلَ قَدْ يُقْتَلُ ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ لِيُلَطَّخُوا بِهِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ الْأَسْبَابُ الَّتِي شَرَطُوهَا فِي وُجُوبِ الْقَسَامَةِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: هَذَا مِمَّا يُؤَخَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مَسْعَدَةَ قُلْتُ لِلنَّسَائِيِّ: لَا يَقُولُ مَالِكٌ بِالْقَسَامَةِ إِلَّا بِاللَّوْثِ، فَلِمَ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ وَلَا لَوْثَ فِيهِ؟ قَالَ النَّسَائِيُّ: أَنْزَلَ مَالِكٌ الْعَدَاوَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ بِمَنْزِلَةِ اللَّوْثِ، وَأَنْزَلَ اللَّوْثَ أَوْ قَوْلَ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَاوَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: وَأَصْلُ هَذَا فِي قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ أَحْيَا اللَّهُ الَّذِي ضُرِبَ بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، وَبِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لَوْثٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا نَرَى قَوْلَ الْمَقْتُولِ لَوْثًا، كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الشافعي:
إِذَا كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ وَقَوْمٍ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ كَالْعَدَاوَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَالْيَهُودِ، وَوُجِدَ قَتِيلٌ فِي أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَجَبَتِ الْقَسَامَةُ فِيهِ. مَسْأَلَةٌ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَتِيلِ بوجد فِي الْمَحَلَّةِ الَّتِي أَكْرَاهَا أَرْبَابُهَا، فَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ وَلَيْسَ عَلَى السكان شي، فَإِنْ بَاعُوا دُورَهُمْ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ على المشتري وليس على السكان شي، وَإِنْ كَانَ أَرْبَابُ الدُّورِ غُيَّبًا وَقَدْ أَكْرَوْا دورهم فالقسامة والديه على أرباب الدور الغيب وَلَيْسَ عَلَى السُّكَّانِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ أظهرهم شي. ثُمَّ رَجَعَ يَعْقُوبُ مِنْ بَيْنِهِمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ: الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى السُّكَّانِ فِي الدُّورِ. وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانُوا عُمَّالًا سُكَّانًا يَعْمَلُونَ فَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ. قَالَ الثَّوْرِيُّ وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَصْلِ، يَعْنِي أَهْلَ الدُّورِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الْقَوْلُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي الْقَسَامَةِ لَا فِي الدِّيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ، أَوْ مَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فَيُقْسِمُ الْأَوْلِيَاءُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا أَصَحُّ. مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُحْلَفُ فِي الْقَسَامَةِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا، لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ:(يُقْسِمُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ). فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ خَمْسِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ نَكَلَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ رُدَّتِ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ عَدَدِهِمْ. وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنَ اثْنَيْنِ مِنَ الرِّجَالِ، لَا يَحْلِفُ فِيهِ الْوَاحِدُ مِنَ الرِّجَالِ وَلَا النِّسَاءِ، يَحْلِفُ الْأَوْلِيَاءُ وَمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِمُ الْأَوْلِيَاءُ مِنَ الْعَصَبَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا. هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ. وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدٌ وَيَحْلِفُ هُمْ أَنْفُسُهُمْ كَمَا لَوْ كَانُوا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ خمسين يمينا يبرءون بِهَا أَنْفُسَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْسِمُ إِلَّا وَارِثٌ، كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَلَا يَحْلِفُ عَلَى مَالٍ وَيَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْمِلْكَ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَالْوَرَثَةُ يُقْسِمُونَ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثور
واختاره ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُدَّعَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فِيهِ يَمِينٌ. ثُمَّ مَقْصُودُ هَذِهِ