الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْعُصَاةِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلُوا النَّارَ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِي هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ- أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ- فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فحما أذن في الشفاعة فجئ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثم قيل يأهل الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ (. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ يَرْعَى بِالْبَادِيَةِ «1». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. قُلْتُ: فَقَوْلُهُ (فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ) حَقِيقَةٌ فِي الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ، وَذَلِكَ تَكْرِيمًا لَهُمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (أَمَاتَهُمْ) عِبَارَةً عَنْ تَغْيِيبِهِمْ عَنْ آلَامِهَا بِالنَّوْمِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَوْتًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَدْ أَجْمَعَ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّكَ إِذَا أَكَّدْتَ الْفِعْلَ بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَمِثْلَهُ:" وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً"[النساء: 164] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ «2» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَكُنْتُمْ أَمْواتاً بِالْخُمُولِ فَأَحْياكُمْ بِأَنْ ذُكِرْتُمْ وَشُرِّفْتُمْ بِهَذَا الدِّينِ وَالنَّبِيِّ الَّذِي جَاءَكُمْ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ فَيَمُوتُ ذِكْرُكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ لِلْبَعْثِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أَيْ إِلَى عَذَابِهِ مَرْجِعُكُمْ لِكُفْرِكُمْ. وَقِيلَ: إِلَى الْحَيَاةِ وَإِلَى الْمَسْأَلَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ «3» "[الأنبياء: 104] فإعادتهم كابتدائهم، فهو رجوع. و" تُرْجَعُونَ" قِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ. وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَابْنُ أَبِي إسحاق ومجاهد وابن محيصن وسلام ابن يَعْقُوبَ يَفْتَحُونَ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ وَيَكْسِرُونَ الْجِيمَ حَيْثُ وقعت.
[سورة البقرة (2): آية 29]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
(1). الذي في صحيح مسلم: ( .. قد كان بالبادية). والضبائر: هم الجماعات في تفرقة، واحدتها ضبارة، مثل عمارة وعمائر، وكل مجتمع ضبارة. والحبة (بالكسر): بذور البقل. وقيل هو نبت صغير ينبت في الحشيش، فأما الحبة (بالفتح) فهي الحنطة والشعير ونحوهما. وحميل السيل: هو ما يجئ به السيل من الغثاء. [ ..... ]
(2)
. راجع ج 6 ص 18
(3)
. راجع ج 11 ص 348
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى:" خَلَقَ" مَعْنَاهُ اخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ بَعْدَ الْعَدَمِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي الْإِنْسَانِ:" خَلَقَ" عِنْدَ إِنْشَائِهِ شَيْئًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مَنْ كَانَ يَخْلُقُ مَا يَقُو
…
لُ فَحِيلَتِي فِيهِ قَلِيلَهْ
وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:" خَلَقَ لَكُمْ" أَيْ مِنْ أَجْلِكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ مُنْعَمٌ بِهِ عَلَيْكُمْ فَهُوَ لَكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالِاعْتِبَارِ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِهِ مَا هُمْ إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. الثَّانِيَةُ- اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ أَصْلَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا الْإِبَاحَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا- كَقَوْلِهِ:" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ «2» "[الجاثية: 13] الْآيَةَ- حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْحَظْرِ. وَعَضَّدُوا هَذَا بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ الْمَآكِلَ الشَّهِيَّةَ خُلِقَتْ مَعَ إِمْكَانِ أَلَّا تُخْلَقَ فَلَمْ تُخْلَقْ عَبَثًا، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَنْفَعَةٍ. وَتِلْكَ الْمَنْفَعَةُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِاسْتِغْنَائِهِ بِذَاتِهِ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَيْنَا. وَمَنْفَعَتُنَا إِمَّا فِي نَيْلِ لَذَّتِهَا، أَوْ فِي اجْتِنَابِهَا لِنُخْتَبَرَ بِذَلِكَ، أو في اعتبارنا بها. ولا يحصل شي مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ إِلَّا بِذَوْقِهَا، فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً. وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الْعَبَثِ مِنْ خَلْقِهَا إِلَّا لِمَنْفَعَةٍ، بَلْ خَلَقَهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ، بَلْ هُوَ الْمُوجِبُ. وَلَا نُسَلِّمُ حَصْرَ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا ذَكَرُوهُ، وَلَا حُصُولَ بَعْضِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ إِلَّا بِالذَّوْقِ، بَلْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى الطُّعُومِ بِأُمُورٍ أُخَرَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الطَّبَائِعِيِّينَ. ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا يُخَافُ أَنْ تَكُونَ سُمُومًا مُهْلِكَةً، وَمُعَارَضُونَ بِشُبُهَاتِ أَصْحَابِ الْحَظْرِ. وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ وَقَالُوا: مَا مِنْ فِعْلٍ لَا نُدْرِكُ مِنْهُ حُسْنًا وَلَا قُبْحًا إِلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا مُعَيِّنَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، فَتَعَيَّنَ الْوَقْفُ إِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ. وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ لِلْمُعْتَزِلَةِ. وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَالصَّيْرَفِيُّ في هذه
(1). راجع ص 226 من هذا الجزء.
(2)
. راجع ج 16 ص 160
الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلَ بِالْوَقْفِ. وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا حُكْمَ فِيهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَأَنَّ لِلشَّرْعِ إِذَا جَاءَ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا شَاءَ، وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَحْكُمُ بِوُجُوبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنَّمَا حَظُّهُ تَعَرُّفُ الْأُمُورِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَحَكَى ابْنُ فَوْرَكٍ عَنِ ابْنِ الصَّائِغِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَخْلُ الْعَقْلُ قَطُّ مِنَ السَّمْعِ، وَلَا نَازِلَةَ إِلَّا وَفِيهَا سَمْعٌ، أَوْ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهِ، أَوْ لَهَا حَالٌ تُسْتَصْحَبُ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى هَذَا، وَيُغْنِي عَنِ النَّظَرِ فِي حَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ وَوَقْفٍ. الثَّالِثَةُ- الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ" الِاعْتِبَارُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ نَصْبِ الْعِبَرِ: الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْخَلْقِ وَالِاسْتِوَاءِ إِلَى السَّمَاءِ وَتَسْوِيَتِهَا، أَيِ الَّذِي قَدَرَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ وَخَلْقِكُمْ وخلق السموات وَالْأَرْضِ، لَا تَبْعُدُ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِعَادَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى" لَكُمْ" الِانْتِفَاعُ، أَيْ لِتَنْتَفِعُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، قُلْنَا الْمُرَادُ بِالِانْتِفَاعِ الِاعْتِبَارُ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: وَأَيُّ اعْتِبَارٍ فِي الْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ، قُلْنَا: قَدْ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ بِبَعْضِ مَا يَرَى مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْكُفَّارِ فِي النَّارِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْإِيمَانِ وَتَرْكِ الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ أَعْظَمُ الِاعْتِبَارِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَيْسَ فِي الْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا يَقْتَضِي حَظْرًا وَلَا إِبَاحَةَ وَلَا وَقْفًا، وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَعْرِضِ الدَّلَالَةِ وَالتَّنْبِيهِ لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ. وَقَالَ أَرْبَابُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ:" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً" لِتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ، لَا لِتَصْرِفُوهُ فِي وُجُوهِ مَعْصِيَتِهِ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وَهَبَ لَكَ الْكُلَّ وَسَخَّرَهُ لَكَ لِتَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى سَعَةِ جُودِهِ، وَتَسْكُنُ إِلَى مَا ضَمِنَ لَكَ مِنْ جَزِيلِ عَطَائِهِ فِي الْمَعَادِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُ كَثِيرَ بِرِّهِ عَلَى قَلِيلِ عَمَلِكَ، فَقَدِ ابْتَدَأَكَ بِعَظِيمِ النِّعَمِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ. الرَّابِعَةُ- رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسأله أَنْ يُعْطِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(ما عندي شي ولكن ابتع علي فإذا جاء شي قَضَيْنَا) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا أَعْطَيْتَ إِذَا كان
عِنْدَكَ فَمَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لَا تَقْدِرُ. فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَنْفِقْ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالَا
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ لِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(بِذَلِكَ أُمِرْتُ). قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: فَخَوْفُ الْإِقْلَالِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا لِوَلَدِ آدَمَ، وَقَالَ فِي تَنْزِيلِهِ:" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً"" وسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ"[الجاثية: 13]. فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مُسَخَّرَةٌ لِلْآدَمِيِّ قَطْعًا لِعُذْرِهِ وَحُجَّةً عَلَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ عَبْدًا كَمَا خَلَقَهُ عَبْدًا، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ لَمْ يَخَفِ الْإِقْلَالَ لِأَنَّهُ يُخْلِفُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «1» "[سبأ: 39] وقال:" فَإِنَّ رَبِّي «2» غَنِيٌّ كَرِيمٌ"[النمل: 40]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي يَا بن آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى «3» سحا لا يغيضها شي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:) مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا (. وَكَذَا فِي الْمَسَاءِ عِنْدَ الْغُرُوبِ يُنَادِيَانِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَمَنَ اسْتَنَارَ صَدْرُهُ، وَعَلِمَ غِنَى رَبِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْفَقَ وَلَمْ يَخَفِ الْإِقْلَالَ، وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَتْ شَهَوَاتُهُ عَنِ الدُّنْيَا وَاجْتَزَأَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْقُوتِ الْمُقِيمِ لِمُهْجَتِهِ، وَانْقَطَعَتْ مَشِيئَتُهُ لِنَفْسِهِ، فَهَذَا يُعْطِي مِنْ يُسْرِهِ وَعُسْرِهِ وَلَا يَخَافُ إِقْلَالًا. وَإِنَّمَا يَخَافُ الْإِقْلَالَ مَنْ لَهُ مَشِيئَةٌ فِي الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا أَعْطَى الْيَوْمَ وَلَهُ غَدًا مشيئة في شي خَافَ أَلَّا يُصِيبَ غَدًا، فَيَضِيقُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي نَفَقَةِ الْيَوْمِ لِمَخَافَةِ إِقْلَالِهِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (انْفَحِي أَوِ انْضَحِي «4» أَوْ أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي «5» فَيُوعِي عَلَيْكِ). وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ
(1). راجع ج 14 ص 307.
(2)
. راجع ج 13 ص 206.
(3)
. أي دائمة الصب والهطل بالعطاء.
(4)
. قال النووي: (والنفح والنضح العطاء، ويطلق النضح أيضا على الصب فلعله المراد هنا ويكون أبلغ من النفح).
(5)
. الايعاء: جعل الشيء في الوعاء، أي لا؟ تجمعي وتشحى بالنفقة فيشح عليك.
سَائِلٌ مَرَّةً وَعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرْتُ لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ دَعَوْتُ بِهِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا تُرِيدِينَ أَلَّا يَدْخُلَ بيتك شي وَلَا يَخْرُجَ إِلَّا بِعِلْمِكِ) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:(مَهْلًا يَا عَائِشَةُ لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عز وجل عَلَيْكِ). الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:" ثُمَّ اسْتَوى "" ثُمَّ" لِتَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ. وَالِاسْتِوَاءُ فِي اللُّغَةِ: الِارْتِفَاعُ وَالْعُلُوُّ عَلَى الشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ"[المؤمنون: 28]، وقال" لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ" [الزخرف: 13]، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَأَوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ
…
وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى
أَيِ ارْتَفَعَ وَعَلَا، وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي وَاسْتَوَتِ الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي، بِمَعْنَى عَلَا. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ، وَالنَّاسُ فِيهَا وَفِيمَا شَاكَلَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْرَؤُهَا وَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نُفَسِّرُهَا، وَذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ «1»
اسْتَوى " [طه: 5] قَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَأَرَاكَ رَجُلَ سَوْءٍ! أَخْرِجُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْرَؤُهَا وَنُفَسِّرُهَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُ اللُّغَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُشَبِّهَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْرَؤُهَا وَنَتَأَوَّلُهَا وَنُحِيلُ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عز وجل:" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ" قَالَ: الِاسْتِوَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدِهِمَا: أَنْ يَسْتَوِيَ الرَّجُلُ وَيَنْتَهِيَ شَبَابُهُ وَقُوَّتُهُ، أَوْ يَسْتَوِيَ عَنِ اعْوِجَاجٍ. فَهَذَانَ وَجْهَانِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنْ تَقُولَ: كَانَ «2» فُلَانٌ مُقْبِلًا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيَّ وَإِلَيَّ يُشَاتِمُنِي. عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ. فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ" وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صَعِدَ. وَهَذَا كَقَوْلِكَ: كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا، وَكَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: قَوْلُهُ:
(1). راجع ج 11 ص 169.
(2)
. عبارة الأصول: (
…
كان مقبلا على يشاتمني وإلي سواء، على معنى .. إلخ) وبها لا يستقيم المعنى. والتصويب عن اللسان وشرح القاموس وتفسير الطبري.
" اسْتَوى " بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَفْظَةُ" ثُمَّ" تَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ. وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ كَيْسَانَ فِي قَوْلِهِ" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ": قَصَدَ إِلَيْهَا، أَيْ بِخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، فَهَذَا قَوْلٌ. وَقِيلَ: عَلَى دُونِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُقَالُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى أَنَّهُ ارْتَفَعَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- ارْتِفَاعُ أَمْرِهِ، وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ خَلْقُ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُسْتَوِيَ الدُّخَانُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا يَأْبَاهُ وَصْفُ الْكَلَامِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى اسْتَوْلَى، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:«1»
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ
…
مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
قَالَ ابْنُ عطية: وهذا إنما يجئ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى "[طه: 5]. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ عَلَيَّ وَإِلَيَّ بِمَعْنًى. وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ" الْأَعْرَافِ «2» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا مَنْعُ الْحَرَكَةِ وَالنَّقْلَةِ. السَّادِسَةُ- يَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي" حم السَّجْدَةِ «3» ". وَقَالَ فِي النَّازِعَاتِ:" أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها «4» "[النازعات: 27] فَوَصَفَ خَلْقَهَا، ثُمَّ قَالَ:" وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها"[النازعات: 30]. فَكَأَنَّ السَّمَاءَ عَلَى هَذَا خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ، وَقَالَ تَعَالَى" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «5» " [الانعام: 1] وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ: إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ أَوَّلًا، حَكَاهُ عَنْهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَيْبَسَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ عَرْشُهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَثَارَ مِنْهُ دُخَانٌ فَارْتَفَعَ، فَجَعَلَهُ سَمَاءً فَصَارَ خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَصَدَ أَمْرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فسواهن سبع سموات، ثُمَّ دَحَا «6» الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ إِذْ خلقها غير مدحوة.
(1). هو الأخطل كما في شرح القاموس.
(2)
. راجع ج 7 ص 219.
(3)
. راجع ج 15 ص 343. [ ..... ]
(4)
. راجع ج 19 ص 201.
(5)
. راجع ج 6 ص 384.
(6)
. دحا الشيء: بسطه.
قُلْتُ: وَقَوْلُ قَتَادَةَ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَوَّلًا دُخَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْضَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَسَوَّاهَا، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِمَّا «1» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدُّخَانَ خُلِقَ أَوَّلًا قَبْلَ الْأَرْضِ مَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ عز وجل:" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ"[البقرة: 29] قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا قَبْلَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ، فَسَمَا عَلَيْهِ، فَسَمَّاهُ سَمَاءً، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ، فِي الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ. فَجَعَلَ الْأَرْضَ عَلَى حُوتٍ- وَالْحُوتُ هُوَ النُّونُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ:" ن وَالْقَلَمِ «2» "[القلم: 1] والحوت في الماء و [الماء «3»] عَلَى صَفَاةٍ «4» ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى الصَّخْرَةِ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ- وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَانُ: لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ- فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ فَاضْطَرَبَ، فَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا الْجِبَالَ فَقَرَّتْ، فَالْجِبَالُ تَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ «5» "[النحل: 15] وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا، وَأَقْوَاتَ أَهْلِهَا وَشَجَرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ، فِي الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ، وذلك حين يقول:" قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ «6» "[فصلت: 9، 10] يَقُولُ: مَنْ سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمْرُ،" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ" وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَنَفَّسَ، فَجَعَلَهَا سَمَاءً واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ، فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يوم الجمعة لأنه جمع
(1). يلاحظ أن المؤلف رحمه الله خرج عما سنه في مقدمته لهذا الكتاب من إضرابه عن هذا القصص وأمثاله مما ملئت به كتب التفسير الأخرى والذي لا يتمشى مع روح الدين الإسلامي، فجل من له العصمة.
(2)
. راجع ج 18 ص 223.
(3)
. تكملة عن تفسير الطبري وتاريخه.
(4)
. الصفاة: العريض من الحجارة الأملس.
(5)
. راجع ج 10 ص 90.
(6)
. راجع ج 15 ص 342.
فيه خلق السموات والأرض،" وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها" [فصلت: 12] قَالَ: خَلَقَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَجِبَالِ الْبَرَدِ وَمَا لَا يُعْلَمُ، ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ، فَجَعَلَهَا زِينَةً وَحِفْظًا تُحْفَظُ مِنَ الشَّيَاطِينِ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، قَالَ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ:" خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ"[الحديد: 4] ويقول:" كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما «1» "[الأنبياء: 30] وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي خَلْقِ آدَمَ عليه السلام، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عز وجل من شي" الْقَلَمُ" فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. فَقَالَ: يَا رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ. فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. قَالَ: ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ فَدَحَا الْأَرْضَ عليها، فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات، وَاضْطَرَبَ النُّونُ فَمَادَتِ الْأَرْضُ فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَالَ تَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ بُخَارِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الدُّخَانُ، خِلَافَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى، لقوله تعالى:" وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها «2» "[النازعات: 30] وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ، فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَقَاوِيلُ، وَلَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَلٌ. وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ إِبْلِيسَ تَغَلْغَلَ إِلَى الْحُوتِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِهِ الْأَرْضُ كُلُّهَا، فَأَلْقَى فِي قَلْبِهِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا عَلَى ظَهْرِكَ يَا لُوثِيَا مِنَ الْأُمَمِ وَالشَّجَرِ وَالدَّوَابِّ وَالنَّاسِ وَالْجِبَالِ! لَوْ نَفَضْتَهُمْ أَلْقَيْتَهُمْ عَنْ ظَهْرِكَ أَجْمَعَ. قَالَ: فَهَمَّ لُوثِيَا بِفِعْلِ ذَلِكَ، فَبَعَثَ اللَّهُ دَابَّةً فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَرِهِ، فَعَجَّ إلى الله منها فَخَرَجَتْ. قَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ إِنْ هَمَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَادَتْ حَيْثُ كَانَتْ. السَّابِعَةُ- أَصْلُ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مِنَ الْمَاءِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَأَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِ مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي، أَنْبِئْنِي عَنْ كل شي. قال:(كل شي خلق من الماء) فقلت: أخبرني عن
(1). راجع ج 11 ص 282.
(2)
. راجع ج 19 ص 202
شي إِذَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: (أَطْعِمِ الطَّعَامَ وَأَفْشِ السَّلَامَ وَصِلِ الْأَرْحَامَ وَقُمِ اللَّيْلَ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ). قَالَ أَبُو حَاتِمٍ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ:" أَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شي" أراد به عن كل شي خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا جَوَابُ الْمُصْطَفَى عليه السلام إِيَّاهُ حَيْثُ قَالَ: (كل شي خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول شي خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شي يَكُونُ) وَيُرْوَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ- وَاللَّهُ أعلم- أول شي خَلَقَهُ بَعْدَ خَلْقِ الْمَاءِ وَالرِّيحِ وَالْعَرْشِ" الْقَلَمُ". وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، ثم خلق السموات وَالْأَرْضَ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ الْمَكِّيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَعْرَجِ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلَهُ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ. قَالَ الرَّجُلُ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ: ثُمَّ أَتَى الرَّجُلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ. قَالَ الرَّجُلُ: فَمِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ «1» "[الجاثية: 13] فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا كَانَ لِيَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَرَادَ أَنَّ مَصْدَرَ الْجَمِيعِ مِنْهُ، أَيْ مِنْ خَلْقِهِ وَإِبْدَاعِهِ وَاخْتِرَاعِهِ. خَلَقَ الْمَاءَ أَوَّلًا، أَوِ الْمَاءَ وَمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَلَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا خَلَقَ بَعْدُ، فَهُوَ الْمُبْدِعُ وَهُوَ الْبَارِئُ لَا إِلَهَ غيره ولا خالق سواه، سبحانه عز وجل. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ" ذَكَرَ تعالى أن السموات سَبْعٌ. وَلَمْ يَأْتِ لِلْأَرْضِ فِي التَّنْزِيلِ عَدَدٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ «2» "[الطلاق: 12] وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلُهُنَّ أَيْ فِي الْعَدَدِ، لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ وَالصِّفَةَ مُخْتَلِفَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْأَخْبَارِ، فَتَعَيَّنَ الْعَدَدُ. وَقِيلَ:" وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ" أي في غلظهن
(1). راجع ج 16 ص 160.
(2)
. راجع ج 18 ص 174
وَمَا بَيْنَهُنَّ. وَقِيلَ: هِيَ سَبْعٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْتَقْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّهَا سَبْعٌ كَالسَّمَاوَاتِ سَبْعٌ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:(مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ). وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِثْلُهُ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ" مِنْ" بَدَلُ" إِلَى". وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:(لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ [يوم القيامة «1»] ". وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَالَ مُوسَى عليه السلام يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ وَأَدْعُوكَ بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا قَالَ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ قَالَ يَا مُوسَى لَوْ أَنَّ السموات السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ). وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَأَصْحَابُهُ إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَابٌ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا) فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:(هَذَا الْعَنَانُ هَذِهِ رَوَايَا الْأَرْضِ يَسُوقُهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ- قَالَ- هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:(فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ «2» سَقْفٌ مَحْفُوظٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ- ثُمَّ قَالَ- هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:(بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا [مَسِيرَةُ «3»] خَمْسِمِائَةِ عَامٍ- ثُمَّ قَالَ:- هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:([فَإِنَّ فَوْقَ «4» ذَلِكَ] سَمَاءَيْنِ بُعْدُ مَا بَيْنَهُمَا [مَسِيرَةُ «5»] خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ حَتَّى عد سبع سموات مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. ثُمَّ قَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ (فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ- ثُمَّ قَالَ:- هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَكُمْ) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:(فَإِنَّهَا الْأَرْضُ- ثُمَّ قَالَ:- هَلْ تَدْرُونَ مَا تَحْتَ ذَلِكَ) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: (فإن تحتها الأرض الأخرى
(1) الزيادة من صحيح مسلم. [ ..... ]
(2)
الرقيع: اسم سماء الدنيا.
(3)
زيادة عن صحيح الترمذي.
(4)
زيادة عن صحيح الترمذي.
(5)
زيادة عن صحيح الترمذي.
بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ) حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ، بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ- ثُمَّ قَرَأَ- هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شي عَلِيمُ (. قَالَ أَبُو عِيسَى: قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: لَهَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وسلطانه، [عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ «1»] فِي كُلِّ مَكَانٍ وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْآثَارُ بِأَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْعٌ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو الضُّحَى- وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ"[الطلاق: 12] قَالَ: سَبْعُ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ، وَآدَمُ كَآدَمَ، وَنُوحٌ كَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمَ، وَعِيسَى كَعِيسَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِسْنَادُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ، وَهُوَ شَاذٌّ بِمُرَّةَ لَا أَعْلَمُ لِأَبِي الضُّحَى عَلَيْهِ دَلِيلًا «2» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ." مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ." جَمِيعاً" عِنْدَ سِيبَوَيْهِ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ" ثُمَّ اسْتَوى " أَهْلُ نَجْدٍ يُمِيلُونَ لِيَدُلُّوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُفَخِّمُونَ." سَبْعَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ والنون، أي فسوى سبع سموات. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا عَلَى تَقْدِيرِ يُسَوِّي بينهن سبع سموات، كما قال الله عز وجل:" وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا"[الأعراف: 155] أي من قومه، قال النَّحَّاسُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ." وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَالْأَصْلُ فِي" هُوَ" تَحْرِيكُ الْهَاءِ، وَالْإِسْكَانُ اسْتِخْفَافٌ. وَالسَّمَاءُ تَكُونُ وَاحِدَةٌ مُؤَنَّثَةٌ، مِثْلَ عَنَانٍ، وَتَذْكِيرُهَا شَاذٌّ، وَتَكُونُ جَمْعًا لِسَمَاوَةٍ فِي قَوْلِ الْأَخْفَشِ، وَسَمَاءَةٍ فِي قَوْلِ الزَّجَّاجِ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ سَمَاوَاتٍ وَسَمَاءَاتٍ. فَجَاءَ" سَوَّاهُنَّ" إِمَّا عَلَى أَنَّ السَّمَاءَ جَمْعٌ وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا مُفْرَدُ اسْمِ جِنْسٍ. وَمَعْنَى سَوَّاهُنَّ سوى سطوحهن بالاملاس. وقيل: جعلهن سواء.
(1). زيادة عن صحيح الترمذي.
(2)
. في نسخة من الأصل: (متابعا).