الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَعْنَى اسْتَعِينُوا بِمَنْ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ عُلَمَائِكُمْ، وَأَحْضِرُوهُمْ لِيُشَاهِدُوا مَا تَأْتُونَ بِهِ، فَيَكُونَ الرَّدُّ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْكَدَ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَى:" وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ" أَيِ ادْعُوا نَاسًا يَشْهَدُونَ لَكُمْ، أَيْ يَشْهَدُونَ أَنَّكُمْ عَارَضْتُمُوهُ. النَّحَّاسُ:" شُهَداءَكُمْ" نُصِبٌ بِالْفِعْلِ جَمْعُ شَهِيدٍ، يُقَالُ: شَاهِدٌ وَشَهِيدٌ، مِثْلَ قَادِرٍ وَقَدِيرٍ. وَقَوْلُهُ:(مِنْ دُونِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ، وَدُونَ نَقِيضُ فَوْقَ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ عَنِ الْغَايَةِ، وَيَكُونُ ظَرْفًا. وَالدُّونُ: الْحَقِيرُ الْخَسِيسُ، قَالَ:
إِذَا مَا عَلَا الْمَرْءُ رَامَ الْعُلَاءَ
…
وَيَقْنَعُ بِالدُّونِ مَنْ كَانَ دُونَا
وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مِنْهُ: دَانَ يَدُونَ دَوْنًا. وَيُقَالُ: هَذَا دُونَ ذَاكَ، أَيْ أَقْرَبُ مِنْهُ. وَيُقَالُ فِي الْإِغْرَاءِ بِالشَّيْءِ: دُونَكَهُ. قَالَتْ تَمِيمٌ لِلْحَجَّاجِ: أَقْبِرْنَا «1» صَالِحًا وَكَانَ قَدْ صَلَبَهُ فَقَالَ: دُونَكُمُوهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فِيمَا قُلْتُمْ مِنْ أَنَّكُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى الْمُعَارَضَةِ، لِقَوْلِهِمْ فِي آيَةٍ أُخْرَى:" لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا «2» مِثْلَ هذا"[الأنفال: 31] وَالصِّدْقُ: خِلَافُ الْكَذِبِ، وَقَدْ صَدَقَ فِي الْحَدِيثِ. وَالصَّدْقُ: الصُّلْبُ مِنَ الرِّمَاحِ. وَيُقَالُ: صَدَقُوهُمُ الْقِتَالَ. وَالصِّدِّيقُ: الْمُلَازِمُ لِلصِّدْقِ. وَيُقَالُ: رَجُلُ صِدْقٍ، كَمَا يُقَالُ: نِعْمَ الرَّجُلُ. وَالصَّدَاقَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصِّدْقِ في النصح والود.
[سورة البقرة (2): آية 24]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) يَعْنِي فِيمَا مَضَى (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أَيْ تُطِيقُوا ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي. وَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا عَلَى" صادِقِينَ" تَامٌّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَى الْآيَةِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ تَفْعَلُوا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ. فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَى" صادِقِينَ".
(1). أقبرنا، أي ائذن لنا في أن نقبره. وصالح: هو صالح بن عبد الرحمن مولى تميم، كان كاتبا للحجاج، ويرى رأى الخوارج.
(2)
. راجع ج 7 ص 397
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ دَخَلَتْ" إِنْ" عَلَى" لَمْ" وَلَا يَدْخُلُ عَامِلٌ عَلَى عَامِلٍ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ" إن" ها هنا غَيْرُ عَامِلَةٍ فِي اللَّفْظِ فَدَخَلَتْ عَلَى" لَمْ" كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي، لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِي" لَمْ" كَمَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَاضِي، فَمَعْنَى إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا إِنْ تَرَكْتُمُ الْفِعْلَ. قوله تعالى" وَلَنْ تَفْعَلُوا" نصب بلن، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْزِمُ بِهَا، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَمِنْهُ بَيْتُ النَّابِغَةِ:
فَلَنْ «1» أُعَرِّضْ أَبْيَتَ اللَّعْنَ بِالصَّفَدِ
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى النَّارِ فِي مَنَامِهِ: فَقِيلَ لِي" لَنْ تُرَعْ". هَذَا عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ. وَفِي قَوْلِهِ:" وَلَنْ تَفْعَلُوا" إِثَارَةٌ لِهِمَمِهِمْ، وَتَحْرِيكٌ لِنُفُوسِهِمْ، لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْدَعَ، وَهَذَا مِنَ الْغُيُوبِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الْقُرْآنُ قَبْلَ وُقُوعِهَا. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:" وَلَنْ تَفْعَلُوا" تَوْقِيفًا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا صَادِقِينَ فِيمَا زَعَمُوا مِنْ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَأَنَّهُ مُفْتَرًى وَأَنَّهُ سِحْرٌ وَأَنَّهُ شِعْرٌ، وَأَنَّهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَهُمْ يَدَّعُونَ الْعِلْمَ وَلَا يَأْتُونَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ. وَقَوْلُهُ:(فَاتَّقُوا النَّارَ) جَوَابُ" فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا" أَيِ اتَّقُوا النَّارَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى «2» فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا. وَيُقَالُ: إِنَّ لُغَةَ تَمِيمٍ وَأَسَدٍ" فَتَقُوا النَّارَ". وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: تَقَى يَتْقِي، مِثْلَ قَضَى يَقْضِي." النَّارَ" مَفْعُولَةٌ." الَّتِي" مِنْ نَعْتِهَا. وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: التي والت (بكسر التاء) والت (بِإِسْكَانِهَا). وَهِيَ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِلْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مَعْرِفَةٌ، وَلَا يَجُوزُ نَزْعُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنْهَا لِلتَّنْكِيرِ، وَلَا تَتِمُّ إِلَّا بِصِلَةٍ. وَفِي تَثْنِيَتِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَيْضًا: اللَّتَانِ وَاللَّتَا (بِحَذْفِ النُّونِ) وَاللَّتَانِّ (بتشديد النون). وفي جمعها خمس لغات:
(1). رواية الديوان وهي المشهورة في مصادر الأدب: (فلم أعرض). ويروي: (فما عرضت). وصدر البيت:
هذا الثناء فإن تسمع به حسنا
وقوله: أبيت اللعن. تحية كانوا يحيون بها الملوك. والصفد: العطاء، معناه: أبيت أن تأتي من الأمور ما تلعن عليه وتذم. يقول: هذا الثناء الصحيح الصادق فمن الحق أن تقبله مني، فلم أمدحك متعرضا لعطائك، لكن امتدحتك إقرارا بفضلك. (عن شرح الديوان).
(2)
. راجع ص 161 من هذا الجزء.
اللَّاتِي، وَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ. وَاللَّاتِ (بِكَسْرِ التَّاءِ بِلَا يَاءٍ). وَاللَّوَاتِي. وَاللَّوَاتِ (بِلَا يَاءٍ)، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
مِنَ اللَّوَاتِي وَاللَّتِي وَاللَّاتِي
…
زَعَمْنَ أَنْ قَدْ كَبِرَتْ لِدَاتِي
وَاللَّوَا (بِإِسْقَاطِ التَّاءِ)، هَذَا مَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَزَادَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: اللَّائِي (بِالْهَمْزِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ). وَاللَّاءِ (بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَحَذْفِ الْيَاءِ). وَاللَّا (بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ) فَإِنْ جَمَعْتَ الْجَمْعَ قُلْتَ فِي اللَّاتِي: اللَّوَاتِي وَفِي اللَّائِي: اللَّوَائِي. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَصْغِيرُ الَّتِي اللُّتَيَّا (بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ)، قَالَ الرَّاجِزُ «1»:
بَعْدَ اللُّتَيَّا وَاللَّتَيَّا وَالَّتِي
…
إِذَا عَلَتْهَا أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ
وَبَعْضُ الشُّعَرَاءِ أَدْخَلَ عَلَى" الَّتِي" حَرْفَ النِّدَاءِ، وَحُرُوفُ النِّدَاءِ لَا تَدْخُلُ عَلَى مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِلَّا فِي قَوْلِنَا: يَا اللَّهُ، وَحْدَهُ. فَكَأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ غَيْرَ مُفَارِقَتَيْنِ لَهَا، وَقَالَ:
مِنْ أَجْلِكِ يَا الَّتِي تَيَّمْتِ قَلْبِي
…
وَأَنْتِ بَخِيلَةٌ بِالْوُدِّ عَنِّي
وَيُقَالُ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي اللَّتَيَّا وَالَّتِي، وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الدَّاهِيَةِ. والوقود (بالفتح): الحطب. وبالضم: التوقد. و" النَّاسُ" عُمُومٌ، وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ فِيمَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَنَّهُ يَكُونُ حَطَبًا لَهَا، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا." وَالْحِجارَةُ" هِيَ حِجَارَةُ الْكِبْرِيتِ الْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْفَرَّاءِ وَخُصَّتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْجَارِ بِخَمْسَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ: سُرْعَةِ الِاتِّقَادِ، نَتْنِ الرَّائِحَةِ، كَثْرَةِ الدُّخَانِ، شِدَّةِ الِالْتِصَاقِ بِالْأَبْدَانِ، قُوَّةِ حَرِّهَا إِذَا حَمِيَتْ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ" دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ النَّاسِ وَالْحِجَارَةِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كَوْنِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ فِيهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحِجَارَةِ الْأَصْنَامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ «2» جَهَنَّمَ"[الأنبياء: 98] أَيْ حَطَبُ جَهَنَّمَ. وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الْحِجَارَةُ وَالنَّاسُ وَقُودًا لِلنَّارِ، وَذُكِرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلنَّارِ أَنَّهَا تحرق الحجارة مع إحراقها للناس.
(1). هو العجاج. وصف دواهي شنيعة. يقول: بعد الجهد والمشرف الذي أشرفت عليه. ومعنى تردت: سقطت هاوية وهلكت.
(2)
. راجع ج 11 ص 343
وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَكُونُونَ مُعَذَّبِينَ بِالنَّارِ وَالْحِجَارَةِ. وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ). وَفِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ كُلَّ مَنْ آذَى النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ. الثَّانِي- أَنَّ كُلَّ مَا يُؤْذِي النَّاسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ وَغَيْرِهَا فِي النَّارِ مُعَدٌّ لِعُقُوبَةِ أَهْلِ النَّارِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ النَّارَ الْمَخْصُوصَةَ بِالْحِجَارَةِ هِيَ نَارُ الْكَافِرِينَ خَاصَّةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ، فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ:(نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ «1» - فِي رِوَايَةٍ- وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)
…
" وَقُودُهَا" مُبْتَدَأٌ." النَّاسِ" خَبَرُهُ." وَالْحِجارَةُ" عَطْفٌ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ:" وُقُودُهَا"(بِضَمِّ الْوَاوِ). وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ:" وَقِيدُهَا النَّاسُ". قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ: الْوَقُودُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ): الْحَطَبُ، وَ (بِالضَّمِّ): الْفِعْلُ، يُقَالُ: وَقَدَتِ النَّارُ تَقِدُ وُقُودًا (بِالضَّمِّ) وَوَقَدًا وَقِدَةً [وَوَقِيدًا «2» وَوَقْدًا] وَوَقَدَانًا، أَيْ تَوَقَّدَتْ. وَأَوْقَدْتُهَا أَنَا وَاسْتَوْقَدْتُهَا أَيْضًا. وَالِاتِّقَادُ مِثْلَ التَّوَقُّدِ، وَالْمَوْضِعُ مَوْقِدُ، مِثْلُ مَجْلِسٍ، وَالنَّارُ مُوقَدَةٌ. وَالْوَقْدَةُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَهِيَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ أَوْ نِصْفُ شَهْرٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: يَجِبُ عَلَى هَذَا أَلَّا يُقْرَأَ إِلَّا" وَقُودُهَا" [بِفَتْحِ «3» الْوَاوِ [لِأَنَّ الْمَعْنَى حَطَبُهَا، إِلَّا أَنَّ الْأَخْفَشَ قَالَ: وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَجْعَلُ الْوَقُودَ وَالْوُقُودُ بِمَعْنَى الْحَطَبِ وَالْمَصْدَرِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ، قَالَ: كَمَا أَنَّ الْوَضُوءَ الْمَاءُ، وَالْوُضُوءُ الْمَصْدَرُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْكَافِرِينَ لَا يَدْخُلُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْوَعِيدِ لِلْمُذْنِبِينَ وَبِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الشَّفَاعَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ النَّارَ مَوْجُودَةٌ مَخْلُوقَةٌ، خِلَافًا لِلْمُبْتَدِعَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ حَتَّى الْآنَ. وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي سَقَطَ فِيهِ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «4» بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إذ سمع وجبة «5» ،
(1). الضحضاح في الأصل: مارق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين، واستعير للنار.
(2)
. الزيادة عن هامش بعض نسخ الأصل.
(3)
. الزيادة عن كتاب (إعراب القرآن للنحاس).
(4)
. كذا في الأصول. وفي صحيح مسلم: (عن أبي هريرة).
(5)
. الوجبة: صوت الشيء يسقط فيسمع له، كالهدة.