الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْنِي جِبْرِيلَ، نَزَلَ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ. وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وُكِّلَ إِسْرَافِيلُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ سِنِينَ، فَكَانَ يَأْتِيهِ بِالْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَةِ، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ بِسُورَةِ" الْحَمْدِ" مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى الْأَرْضِ قَطُّ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَةِ بَيَانُهُ «1» . (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) أَيْ مِنْ كَلَامِ رَبِّكَ. (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَجِ وَالْآيَاتِ. (وَهُدىً) أَيْ وهو هدى. (وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ).
[سورة النحل (16): آية 103]
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) اخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الَّذِي قَالُوا إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ، فَقِيلَ: هُوَ غُلَامٌ الْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَاسْمُهُ جَبْرٌ، كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، وَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا مَضَى وَمَا هُوَ آتٍ مَعَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ لَمْ يَقْرَأْ قَالُوا: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ جَبْرٌ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) أَيْ كَيْفَ يُعَلِّمُهُ جَبْرٌ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ أَنْ يُعَارِضُوا مِنْهُ سُورَةً وَاحِدَةً فَمَا فَوْقَهَا. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ مَوْلَى جَبْرٍ كَانَ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ تُعَلِّمُ مُحَمَّدًا، فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ، بَلْ هُوَ يُعَلِّمُنِي وَيَهْدِينِي. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنِي- كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إِلَى غُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ، عَبْدُ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَاللَّهِ مَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا مَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا جَبْرٌ النَّصْرَانِيُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: اسْمُهُ يَعِيشُ عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيِّ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَقِّنُهُ القرآن، ذكره المارودي. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ أَنَّهُ غُلَامٌ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ اسْمُهُ يَعِيشُ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ الْأَعْجَمِيَّةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، فَنَزَلَتْ. المهدوي عن عكرمة:
(1). راجع ج 1 ص 116.
هُوَ غُلَامٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَاسْمُهُ يَعِيشُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَضْرَمِيُّ: كَانَ لَنَا غُلَامَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ، اسْمُ أَحَدِهِمَا يَسَارٌ وَاسْمُ الْآخَرِ جَبْرٌ. كَذَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ، إِلَّا أَنَّ الثَّعْلَبِيَّ قَالَ: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا نَبْتٌ وَيُكْنَى أَبَا فُكَيْهَةَ، وَالْآخَرُ جَبْرٌ، وَكَانَا صَيْقَلَيْنِ «1» يَعْمَلَانِ السُّيُوفَ، وَكَانَا يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمْ. الثَّعْلَبِيُّ: يَقْرَآنِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ: التَّوْرَاةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِهِمَا وَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُمَا، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَكْذَبَهُمْ. وَقِيلَ: عَنَوْا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ رضي الله عنه، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: نَصْرَانِيًّا بِمَكَّةَ اسْمُهُ بَلْعَامُ، وَكَانَ غُلَامًا يَقْرَأُ التوراة، قاله ابن عباس. وكان المشركون يرون رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: كَانَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَيْسَرَةَ يَتَكَلَّمُ بِالرُّومِيَّةِ، فَرُبَّمَا قَعَدَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْكُفَّارُ: إِنَّمَا يَتَعَلَّمُ مُحَمَّدٌ مِنْهُ، فَنَزَلَتْ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عَدَّاسٌ غُلَامُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَقِيلَ: عَابِسٌ غُلَامُ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَيَسَارٌ أَبُو فَكِيهَةَ مَوْلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَا قَدْ أَسْلَمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَالْكُلُّ مُحْتَمَلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِيُعَلِّمَهُمْ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَتْ بِمُتَنَاقِضَةٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أن يكونوا أومئوا إِلَى هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَهُ. قُلْتُ: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الضَّحَّاكُ مِنْ أَنَّهُ سَلْمَانُ فَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ سَلْمَانَ إِنَّمَا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ. (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ) الْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ، يُقَالُ: لَحَدَ وَأَلْحَدَ، أَيْ مَالَ عَنِ الْقَصْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَافِ «2» . وَقَرَأَ حَمْزَةُ" يَلْحَدُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ، أَيْ لِسَانُ الَّذِي يَمِيلُونَ إِلَيْهِ وَيُشِيرُونَ أَعْجَمِيٌّ. وَالْعُجْمَةُ: الْإِخْفَاءُ وَضِدُّ البيان. ورجل أعجم وامرأة عجم، أَيْ لَا يُفْصِحُ، وَمِنْهُ عُجْمُ الذَّنَبِ لِاسْتِتَارِهِ. والعجماء:
(1). الصيقل: شحاذ السيوف وجلاؤها
(2)
. راجع ج 7 ص 328.