الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ- قَالَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ- فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى" فَقَوْلُهُ:" فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ" يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهُمْ وَعَانَدُوا لَمَا قِيلَ" اخْتَلَفُوا". وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَخَالَفُوا فِيهِ وَعَانَدُوا. وَمِمَّا يُقَوِّيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ عليه السلام:" أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمْعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا". وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَعْنَى. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ" فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ". وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ رُوِيَ:" إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْجُمْعَةَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلنَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وهدانا الله له فالناس لنا تَبَعٌ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) يُرِيدُ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، اخْتَلَفُوا عَلَى نَبِيِّهِمْ مُوسَى وَعِيسَى. وَوَجْهُ الِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَحَذَّرَ اللَّهُ الْأُمَّةَ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فَيُشَدِّدُ عَلَيْهِمْ كَمَا شَدَّدَ عَلَى اليهود.
[سورة النحل (16): آية 125]
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ- هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فِي وَقْتِ الْأَمْرِ بِمُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ بِتَلَطُّفٍ وَلِينٍ دُونَ مُخَاشَنَةٍ وَتَعْنِيفٍ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُوعَظَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَهِيَ مُحْكَمَةٌ فِي جِهَةِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَمَنْسُوخَةٌ بِالْقِتَالِ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَنْ أَمْكَنَتْ مَعَهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنَ الْكُفَّارِ وَرُجِيَ إِيمَانُهُ بِهَا دُونَ قِتَالٍ فَهِيَ فِيهِ مُحْكَمَةٌ. والله أعلم.
[سورة النحل (16): آية 126]
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- أَطْبَقَ جُمْهُورُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، نَزَلَتْ فِي شَأْنِ التَّمْثِيلِ بِحَمْزَةَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي كِتَابِ السِّيَرِ. وَذَهَبَ النَّحَّاسُ إِلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَالْمَعْنَى مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْمَكِّيِّ اتِّصَالًا حَسَنًا، لِأَنَّهَا تَتَدَرَّجُ الرُّتَبُ مِنَ الَّذِي يُدْعَى وَيُوعَظُ، إِلَى الَّذِي يُجَادِلُ، إِلَى الَّذِي يُجَازَى عَلَى فِعْلِهِ. وَلَكِنْ مَا رَوَى الْجُمْهُورُ أَثْبَتُ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ قَتْلَى أُحُدٍ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى مَنْظَرًا سَاءَهُ، رَأَى حَمْزَةَ قَدْ شُقَّ بَطْنُهُ، وَاصْطُلِمَ أَنْفُهُ، وَجُدِعَتْ أُذُنَاهُ، فَقَالَ:" لَوْلَا أَنْ يَحْزَنَ النِّسَاءُ أَوْ تَكُونُ سُنَّةً بَعْدِي لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ لَأُمَثِّلَنَّ مَكَانَهُ بِسَبْعِينَ رَجُلًا" ثُمَّ دَعَا بِبُرْدَةٍ وَغَطَّى بِهَا وَجْهَهُ، فَخَرَجَتْ رِجْلَاهُ فَغَطَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَهُ وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ يُجَاءُ بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً، وَكَانَ الْقَتْلَى سَبْعِينَ، فَلَمَّا دُفِنُوا وَفَرَغَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:" ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ" فَصَبَرَ. رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُمَثِّلْ بِأَحَدٍ. خَرَّجَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَكْمَلُ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ أُصِيبَ بِظُلَامَةٍ أَلَّا يَنَالَ مِنْ ظَالِمِهِ إِذَا تَمَكَّنَ إِلَّا مِثْلَ ظُلَامَتِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٍ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ ظَلَمَهُ رَجُلٌ فِي أَخْذِ مَالٍ ثُمَّ ائْتَمَنَ الظَّالِمُ الْمَظْلُومَ عَلَى مَالٍ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ خِيَانَتَهُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي ظَلَمَهُ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَهُ ذَلِكَ، مِنْهُمُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ وَمُجَاهِدٌ، وَاحْتَجَّتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَعُمُومِ لَفْظِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَفِرْقَةٌ مَعَهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ" مستوفى «1»
(1). راجع ج 2 ص 355.