الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَعْدَ. وَقِيلَ: أَدْخِلْنِي فِي الْمَأْمُورِ وَأَخْرِجْنِي مِنَ الْمَنْهِيِّ. وَقِيلَ: عَلَّمَهُ مَا يَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَإِدْخَالِهِ مَوْضِعَ الْأَمْنِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَكَّةَ وَصَيَّرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَنَزَلَتْ" وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً" قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ خُرُوجُهُ مِنْ مَكَّةَ وَدُخُولُهُ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ آمِنًا. أَبُو سَهْلٍ: حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ وَقَدْ قَالَ الْمُنَافِقُونَ:" لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ «1» " يَعْنِي إِدْخَالَ عِزٍّ وَإِخْرَاجَ نَصْرٍ إِلَى مَكَّةَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَدْخِلْنِي فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَكْرَمْتَنِي بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مِنْهُ مُخْرَجَ صِدْقٍ إِذَا أَمَتَّنِي، قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِدٌ. وَالْمُدْخَلُ وَالْمُخْرَجُ (بِضَمِّ الْمِيمِ) بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ، كَقَوْلِهِ:" أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً «2» " أَيْ إِنْزَالًا لَا أَرَى فِيهِ مَا أَكْرَهُ. وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ" مدخل" و" مخرج". بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ بِمَعْنَى الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، فَالْأَوَّلُ رُبَاعِيٌّ وَهَذَا ثَلَاثِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَدْخِلْنِي الْقَبْرَ مُدْخَلَ صِدْقٍ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ عِنْدَ الْبَعْثِ. وَقِيلَ: أَدْخِلْنِي حَيْثُمَا أَدْخَلْتَنِي بِالصِّدْقِ وَأَخْرِجْنِي بِالصِّدْقِ، أَيْ لَا تَجْعَلُنِي مِمَّنْ يَدْخُلُ بِوَجْهٍ وَيَخْرُجُ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ ذَا الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ وَجِيهًا عِنْدَكَ. وَقِيلَ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا يُتَنَاوَلُ مِنَ الْأُمُورِ وَيُحَاوَلُ مِنَ الْأَسْفَارِ وَالْأَعْمَالِ، وَيُنْتَظَرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمَقَادِيرِ فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ. فَهِيَ دُعَاءٌ، وَمَعْنَاهُ: رَبِّ أَصْلِحْ لي وردي في كل الأمور وقوله: (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) قَالَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: أَيْ حُجَّةً ثَابِتَةً. وَذَهَبَ الْحَسَنُ إِلَى أَنَّهُ الْعِزُّ وَالنَّصْرُ وَإِظْهَارُ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. قَالَ: فَوَعَدَهُ اللَّهُ لَيَنْزِعَنَّ مُلْكَ فارس والروم وغيرها فيجعله له.
[سورة الإسراء (17): آية 81]
وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81)
(1). راجع ج 18 ص 129.
(2)
. راجع ج 12 ص 119.
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَطْعَنُهَا بِمِخْصَرَةٍ «1» فِي يَدِهِ- وَرُبَّمَا قَالَ بِعُودٍ- وَيَقُولُ:" جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً."" جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ «2» " لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَكَذَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ" نُصُبًا". وَفِي رِوَايَةٍ صَنَمًا. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّمَا كَانَتْ بِهَذَا الْعَدَدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ فِي يَوْمٍ صَنَمًا وَيَخُصُّونَ أَعْظَمَهَا بِيَوْمَيْنِ. وَقَوْلُهُ:" فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ" يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ مُثَبَّتَةً بِالرَّصَاصِ وَأَنَّهُ كُلَّمَا طَعَنَ مِنْهَا صَنَمًا فِي وَجْهِهِ خَرَّ لِقَفَاهُ، أَوْ فِي قَفَاهُ خَرَّ لِوَجْهِهِ. وَكَانَ يَقُولُ:" جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً" حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَمَا بَقِيَ مِنْهَا صَنَمٌ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَكُسِرَتْ. الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى كَسْرِ نُصُبِ الْمُشْرِكِينَ وَجَمِيعِ الأوثان إذا غلب عليهم، ويخل بِالْمَعْنَى كَسْرُ آلَةِ الْبَاطِلِ كُلِّهِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ كَالطَّنَابِيرِ وَالْعِيدَانِ وَالْمَزَامِيرِ الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا اللَّهْوُ بِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَفِي مَعْنَى الْأَصْنَامِ الصُّوَرُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْمَدَرِ وَالْخَشَبِ وَشَبَهِهَا، وَكُلُّ مَا يَتَّخِذُهُ النَّاسُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إِلَّا اللَّهْوُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. ولا يجوز بيع شي مِنْهُ إِلَّا الْأَصْنَامَ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، إِذَا غُيِّرَتْ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَصَارَتْ نُقَرًا «3» أَوْ قِطَعًا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَالشِّرَاءُ بِهَا. قَالَ الْمُهَلِّبُ: وَمَا كُسِرَ مِنَ آلَاتِ الْبَاطِلِ وَكَانَ فِي حَبْسِهَا بَعْدَ كَسْرِهَا مَنْفَعَةٌ فَصَاحِبُهَا أَوْلَى بِهَا مَكْسُورَةً، إِلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ حَرْقَهَا بِالنَّارِ عَلَى مَعْنَى التَّشْدِيدِ وَالْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَرْقُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه «4». وَقَدْ هَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَحْرِيقِ دُورِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام في الناقة التي لعنتها صاحبتها:
(1). ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكاز أو مقرعة أو قضيب وقد يتكئ عليه. [ ..... ]
(2)
. راجع ج 14 ص 313.
(3)
. النقرة: السبيكة.
(4)
. الذي تقدم لابن عمر أنه أفسد على الأولاد أدوات اللعب. راجع ج 8 ص 340.