الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَتَادَةُ: مَا جَالَسَ أَحَدٌ الْقُرْآنَ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، ثُمَّ قَرَأَ:" وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" الْآيَةَ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ:" قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى «1» ". وَقِيلَ: شِفَاءٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ البيان.
[سورة الإسراء (17): آية 83]
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزِيدُهُمُ الْقُرْآنُ خَسَارًا صِفَتُهُمُ الْإِعْرَاضُ عَنْ تَدَبُّرِ آيَاتِ اللَّهِ وَالْكَفْرَانِ لِنِعَمِهِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَمَعْنَى" نَأى بِجانِبِهِ" أَيْ تَكَبَّرَ وَتَبَاعَدَ. وَنَاءَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى: بَعُدَ عَنِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ عز وجل، يُقَالُ: نَأَى الشَّيْءُ أي بعد. ونائتة وَنَأَيْتُ عَنْهُ بِمَعْنًى، أَيْ بَعُدْتُ. وَأَنْأَيْتُهُ فَانْتَأَى، أَيْ أَبْعَدْتُهُ فَبَعُدَ. وَتَنَاءَوْا تَبَاعَدُوا. وَالْمُنْتَأَى: الْمَوْضِعُ الْبَعِيدُ. قَالَ النَّابِغَةُ:
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي
…
وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ" نَاءَ" مِثْلُ بَاعَ، الْهَمْزَةُ مُؤَخَّرَةٌ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَلْبِ مِنْ نَأَى، كَمَا يُقَالُ: رَاءَ وَرَأَى. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّوْءِ وَهُوَ النُّهُوضُ وَالْقِيَامُ. وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا لِلْوُقُوعِ وَالْجُلُوسِ نَوْءٌ، وهو من الأضداد. وقرى" وَنَئِيَ" بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَالْعَامَّةُ" نَأى " فِي وَزْنِ رَأَى. (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) أَيْ إِذَا نَالَهُ شِدَّةٌ مِنْ فَقْرٍ أَوْ سَقَمٍ أَوْ بُؤْسٍ يَئِسَ وَقَنَطَ، لِأَنَّهُ لَا يثق بفضل الله تعالى.
[سورة الإسراء (17): آية 84]
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (84)
(1). راجع ج 15 ص 368.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَاحِيَتُهُ. وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. مُجَاهِدٌ: طَبِيعَتُهُ. وَعَنْهُ: حِدَتُهُ. ابْنُ زَيْدٍ: عَلَى دِينِهِ. الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: نِيَّتُهُ. مُقَاتِلٌ: جِبِلَّتُهُ. الْفَرَّاءُ: عَلَى طَرِيقَتِهِ وَمَذْهَبِهِ الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ. قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى مَا هُوَ أَشْكَلُ عِنْدَهُ وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي اعْتِقَادِهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّكْلِ، يُقَالُ: لَسْتَ عَلَى شَكْلِي وَلَا شَاكِلَتِي. قَالَ الشَّاعِرُ:
كُلُّ امْرِئٍ يُشْبِهُهُ فِعْلُهُ
…
مَا يَفْعَلُ الْمَرْءُ فَهُوَ أَهْلُهُ
فَالشَّكْلُ هُوَ الْمِثْلُ وَالنَّظِيرُ وَالضَّرْبُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ «1» ". الشِّكْلُ (بِكَسْرِ الشِّينِ): الْهَيْئَةُ. يُقَالُ: جَارِيَةٌ حَسَنَةٌ الشِّكْلِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ عَلَى مَا يُشَاكِلُ أَصْلَهُ وَأَخْلَاقَهُ الَّتِي أَلِفَهَا، وَهَذَا ذَمٌّ لِلْكَافِرِ وَمَدْحٌ لِلْمُؤْمِنِ. وَالْآيَةُ وَالَّتِي قَبْلَهَا نَزَلَتَا فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا) أَيْ بِالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَمَا سَيَحْصُلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَقِيلَ:" أَهْدى سَبِيلًا" أَيْ أَسْرَعُ قَبُولًا. وَقِيلَ: أَحْسَنُ دِينًا. وَحُكِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَذَاكَرُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: قَرَأَتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ آيَةً أَرْجَى وأحسن من قوله تبارك وتعالى:" قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ" فإنه لا يشاكل بالعبد إلا العصيان ولا يشاكل بالرب إلا الغفران. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: قَرَأَتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلى آخره فلم أرى فِيهِ آيَةً أَرْجَى وَأَحْسَنَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ «2» " قَدَّمَ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ عَلَى قَبُولِ التَّوْبَةِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: قَرَأَتُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَرَ آيَةً أَحْسَنَ وَأَرْجَى مِنْ قوله تَعَالَى:" نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «3» ". وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه:
(1). راجع ج 15 ص 220 فما بعد وص 289.
(2)
. راجع ج 15 ص 220 فما بعد وص 289.
(3)
. راجع ص 34 من هذا الجزء