الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الكهف (18): الآيات 35 الى 36]
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36)
قوله تَعَالَى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) قِيلَ: أَخَذَ بِيَدِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ يَطِيفُ بِهِ فِيهَا وَيُرِيهِ إِيَّاهَا. (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) أَيْ بِكُفْرِهِ، وَهُوَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَمَنْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ النَّارَ بِكُفْرِهِ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. (قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) أَنْكَرَ فَنَاءَ الدَّارِ. (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أَيْ لَا أَحْسِبُ الْبَعْثَ كَائِنًا. (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْثٌ فَكَمَا أَعْطَانِي هَذِهِ النِّعَمَ فِي الدنيا فسيعطيني أفضل منه لكرامتي عليه، وهو معنى قوله:(لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَمَّا دَعَاهُ أَخُوهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ. وَفِي مَصَاحِفِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ" مِنْهُمَا". وَفِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ" مِنْهَا" عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالتَّثْنِيَةُ أَوْلَى، لِأَنَّ الضَّمِيرَ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّتَيْنِ.
[سورة الكهف (18): الآيات 37 الى 38]
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38)
قوله تعالى: (قالَ لَهُ صاحِبُهُ) يَهُوذَا أَوْ تَمْلِيخَا، عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْمِهِ. (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) وَعَظَهُ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُنْكِرُهَا أَحَدٌ أبدع من الإعادة. و" سَوَّاكَ رَجُلًا" أَيْ جَعَلَكَ مُعْتَدِلَ الْقَامَةِ وَالْخَلْقِ، صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ ذَكَرًا. (لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) كَذَا قَرَأَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَرُوِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ" لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ" بِمَعْنَى لَكِنَّ الْأَمْرَ هُوَ اللَّهُ رَبِّي، فَأَضْمَرَ اسْمَهَا فِيهَا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ" لكِنَّا" بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ،
تَقْدِيرُهُ: لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي أَنَا، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنْ" أَنَا" طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَأُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَحُذِفَتْ أَلِفُ" أَنَا" فِي الْوَصْلِ وَأُثْبِتَتْ فِي الْوَقْفِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: مَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَالْمَازِنِيِّ أَنَّ الْأَصْلَ لَكِنَّ أَنَا فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى نُونِ لَكِنَّ وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي النُّونِ فَالْوَقْفُ عَلَيْهَا لَكِنَّا وَهِيَ أَلِفُ أَنَا لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْأَصْلُ لَكِنَّ أَنَا، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ فَالْتَقَتِ نُونَانِ فَجَاءَ بِالتَّشْدِيدُ لِذَلِكَ، وَأَنْشَدَنَا الْكِسَائِيُّ:
لَهِنَّكَ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمَةٌ
…
عَلَى هَنَوَاتٍ كَاذِبٌ مَنْ يَقُولُهَا
أَرَادَ: لِلَّهِ إِنَّكَ [لوسيمة «1»]، فَأَسْقَطَ إِحْدَى اللَّامَيْنِ مِنْ" لِلَّهِ" وَحَذَفَ الْأَلِفَ مِنْ إِنَّكَ. وَقَالَ آخَرُ فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ:
وَتَرْمِينَنِي «2» بِالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبُ
…
وَتَقْلِينَنِي لَكِنَّ إِيَّاكَ لَا أَقْلِي
أَيْ لَكِنَّ أَنَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَرَوَوْا عَنْ عَاصِمٍ" لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي" وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا لَحْنٌ، يَعْنِي إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي الْإِدْرَاجِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِثْبَاتُ الْأَلِفِ فِي" لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي" فِي الْإِدْرَاجِ جَيِّدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ حُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْ أَنَا فَجَاءُوا بِهَا عِوَضًا. قَالَ: وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ" لَكِنَّ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي". وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْمَسِيلِيُّ «3» عَنْ نَافِعٍ وَرُوَيْسٍ عَنْ يَعْقُوبَ" لكِنَّا" فِي حَالِ الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ مَعًا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَنَا سَيْفُ الْعَشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي
…
حُمَيْدًا قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَكَيْفَ أَنَا وَانْتِحَالَ الْقَوَافِي
…
بَعْدَ الْمَشِيبِ كَفَى ذَاكَ عَارًا
وَلَا خِلَافَ فِي إِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْفِ. (هُوَ اللَّهُ رَبِّي)" هُوَ" ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ وَالْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ" فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا «4» " وَقَوْلُهُ:" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «5» ". (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً)
(1). من ج وى.
(2)
. في ج وى: ويرميني بالطرف أي أنت مذنب. ويقليني لكن إياه لا أقلي.
(3)
. هو أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد. وهذه النسبة إلى مسيله (كسفينة) بلدة بالقطر الجزائري.
(4)
. راجع ج 11 ص 340.
(5)
. راجع ج 20 ص 244.