الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" الْخالِفِينَ" مَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعَ النِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ مِنَ الرِّجَالِ، فَغُلِّبَ الْمُذَكَّرُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَاقْعُدُوا مَعَ الْفَاسِدِينَ، مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ خَالِفَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ إِذَا كَانَ فَاسِدًا فِيهِمْ، مِنْ خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ. وَمِنْ قَوْلِكَ: خَلَفَ اللَّبَنُ، أَيْ فَسَدَ بِطُولِ الْمُكْثِ فِي السِّقَاءِ، فَعَلَى هَذَا يَعْنِي فَاقْعُدُوا مَعَ الْفَاسِدِينَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْمُخَذِّلِ فِي الغزوات لا يجوز.
[سورة التوبة (9): آية 84]
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84)
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةِ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عبد الله بن أبي سَلُولٍ وَصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ. ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَتَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَجَبَذَ ثَوْبَهُ وَتَلَا عَلَيْهِ" وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً" الْآيَةَ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. وَالرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَلَى خِلَافِ هَذَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَتَانِ مِنْ [بَرَاءَةٌ]" وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً" وَنَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسأله أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ:" اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً"[التوبة: 80] وسأزيد على
سَبْعِينَ) قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل" وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ" فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ لَفْظِ إِسْلَامِهِ. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَمَّا نُهِيَ عَنْهُ. الثَّانِيَةُ- إِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ قَالَ عُمَرُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَهْيٌ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. قِيلَ لَهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي خَاطِرِهِ، وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْهَامِ وَالتَّحَدُّثِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ عَلَى مُرَادِهِ، كَمَا قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ. وَجَاءَ: فِي أَرْبَعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ «1» . فَيَكُونُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ"[التوبة: 80] الْآيَةَ. لَا أَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ نَهْيٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَهُ مِنْ قوله تعالى:" مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا «2» لِلْمُشْرِكِينَ"[التوبة: 113] لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهَا. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الْآيَةَ. بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ وَإِنِ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ أَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: (لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ). قُلْتُ: وَهَذَا خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي حديث ابن عمر (وسأزيد على السبعين) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُمْ لَزِدْتُ عَلَيْهَا). قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) هَلْ هو إياس وتخيير فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَقْصُودُ بِهِ الْيَأْسُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ). وَذِكْرُ السَّبْعِينَ وِفَاقٌ جَرَى أَوْ هُوَ عَادَتُهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عن الكثير والاغياء. فإذا قال قائلهم: لا أكلمه
(1). راجع ج 2 ص 113.
(2)
. راجع ص 272 من هذا الجزء.
سَبْعِينَ سَنَةً صَارَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُهُ أَبَدًا. وَمِثْلُهُ فِي الْإِغْيَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً)«1» ، وَقَوْلُهُ عليه السلام:(مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا). وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ تَخْيِيرٌ- مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعُرْوَةُ- إِنْ شِئْتَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَإِنْ شِئْتَ لَا تَسْتَغْفِرُ. وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ قَالَ عُمَرُ: أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ الْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟. فَقَالَ: (إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ). قَالُوا: ثُمَّ نُسِخَ هَذَا لَمَّا نَزَلَ (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «2»). (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا) أَيْ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ لِكُفْرِهِمْ. الْخَامِسَةُ- قوله تعالى: (مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الْآيَةَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ عِنْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا. وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فَهِمَ مِنْهَا التَّخْيِيرَ بِقَوْلِهِ:(إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ) وَهَذَا مُشْكِلٌ. فَقِيلَ: إِنَّ اسْتِغْفَارَهُ لِعَمِّهِ إِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُ اسْتِغْفَارًا مَرْجُوَّ الْإِجَابَةِ حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ الْمَغْفِرَةُ. وَفِي هَذَا الِاسْتِغْفَارِ اسْتَأْذَنَ عليه السلام رَبَّهُ فِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ لِأُمِّهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ. وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِي خُيِّرَ فِيهِ فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ لِسَانِيٌّ لَا يَنْفَعُ وَغَايَتُهُ تَطْيِيبُ قُلُوبِ بَعْضِ الْأَحْيَاءِ مِنْ قَرَابَاتِ الْمُسْتَغْفَرِ لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّادِسَةُ- وَاخْتُلِفَ فِي إِعْطَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقِيلَ: إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ أَعْطَى الْعَبَّاسَ عَمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمَّا أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ- عَلَى مَا تَقَدَّمَ- وَسُلِبَ ثَوْبُهُ رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ فَأَشْفَقَ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ لَهُ قَمِيصًا فَمَا وُجِدَ لَهُ قَمِيصٌ يُقَادِرُهُ إِلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ، لِتَقَارُبِهِمَا فِي طُولِ الْقَامَةِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِعْطَاءِ الْقَمِيصِ أَنْ يَرْفَعَ الْيَدَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى لَا يَلْقَاهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُ عَلَيْهِ يَدٌ يُكَافِئُهُ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّمَا أَعْطَاهُ الْقَمِيصَ إِكْرَامًا لِابْنِهِ وَإِسْعَافًا لَهُ فِي طُلْبَتِهِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرِ
(1). راجع ج 18 ص 268 فما بعد.
(2)
. راجع ج 18 ص 128.
ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَطَلَبَ «1» النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[إِنَّ قَمِيصِي لَا يُغْنِي عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ بِفِعْلِي هَذَا أَلْفُ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِي]. كَذَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (مِنْ قَوْمِي) يُرِيدُ مِنْ مُنَافِقِي الْعَرَبِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَالَ: (رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ). وَوَقَعَ فِي مَغَازِي ابْنِ إِسْحَاقَ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ: فَأَسْلَمَ وَتَابَ لِهَذِهِ الْفَعْلَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ الْخَزْرَجِ. السَّابِعَةُ- لَمَّا قَالَ تَعَالَى:" وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً" قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا نَصٌّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ. يُؤْخَذُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الكفار لكفرهم لقوله تعالى:" بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" فَإِذَا زَالَ الْكُفْرُ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ. وَيَكُونُ هَذَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ"«2» [المطففين: 15] يَعْنِي الْكُفَّارَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْكُفَّارِ يَرَوْنَهُ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، فَذَلِكَ مِثْلُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. أَوْ تُؤْخَذُ الصَّلَاةُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ عَنِ الْآيَةِ، وَهِيَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ، وَالْإِجْمَاعُ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ الْقَوْلُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَتَرْكُهُ. رَوَى مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ) قَالَ: فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا «3» صَفَّيْنِ، يَعْنِي النَّجَاشِيَّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى جَنَائِزِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ كَانُوا أَوْ صَالِحِينَ، وِرَاثَةً عَنْ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم قَوْلًا وَعَمَلًا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا فِي الشَّهِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا في أهل البدع والبغاة.
(1). في نسخ الأصل: (فنظر).
(2)
. راجع ج 19 ص 257.
(3)
. في ع: فصلينا.
الثَّامِنَةُ- وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ التَّكْبِيرُ ثَلَاثًا فَزَادُوا وَاحِدَةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكَبِّرُ خَمْسًا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَعَنْ عَلِيٍّ: سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ صَلَّتْ عَلَى آدَمَ فَكَبَّرَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَقَالُوا هَذِهِ سُنَّتُكُمْ يَا بَنِي آدَمَ). التَّاسِعَةُ- وَلَا قِرَاءَةَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:(إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَشْهَبُ مِنْ عُلَمَائِنَا وَدَاوُدُ إِلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:(لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) حَمْلًا لَهُ عَلَى عُمُومِهِ. وَبِمَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَيْضًا قَالَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ تُكَبِّرَ، ثُمَّ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ تُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ. وَلَا يَقْرَأُ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُسَلِّمُ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، وَهُمَا مُلْحَقَانِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْمُسْنَدِ. وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَوْلَى، إِذْ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ قَوْلِهِ عليه السلام:(لَا صَلَاةَ) وَبَيْنَ إِخْلَاصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ. وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِيهَا إِنَّمَا هِيَ اسْتِفْتَاحٌ لِلدُّعَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْعَاشِرَةُ- وَسُنَّةُ الْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الْجَنَائِزِ كَصَلَاتِكَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ مَاتَتْ وَهِيَ نُفَسَاءُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا وسطها.