المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10): آية 32] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٨

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 41]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 42]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 43]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 44]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 45]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 46]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 47]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 48]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 49]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 52]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 53]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 54]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 57]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 58]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 59]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 60]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 61]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 62 الى 63]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 64]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 67]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 68]

- ‌[سورة الأنفال (8): آية 69]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة الأنفال (8): الآيات 72 الى 75]

- ‌تفسير سورة براءة

- ‌[سورة التوبة (9): آية 1]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 2]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 3]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 4]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 5]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 6]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 7]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 8]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 9]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 10]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 11]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 12]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 13]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 16]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 17]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 18]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 19]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 20]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 23]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 24]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 25 الى 27]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 28]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 29]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 30]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 31]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 32]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 33]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 34]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 35]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 36]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 37]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 38]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 39]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 40]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 41]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 42]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 43]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 46]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 47]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 48]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 49 الى 50]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 51]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 52]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 53]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 54]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 57]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 58]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 59]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 60]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 61]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 62]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 63]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 64]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 65]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 66]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 67]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 68]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 69]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 70]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 71]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 72]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 73]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 74]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 75 الى 78]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 79]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 80]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 81]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 82]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 83]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 84]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 85]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 86]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 87 الى 89]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 90]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 91 الى 92]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 93]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 94]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 95]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 96]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 97]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 98]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 99]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 100]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 101]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 102]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 103]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 104]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 105]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 106]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 107]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 108]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 109]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 110]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 111]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 112]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 113]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 114]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 117]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 118]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 119]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 120 الى 121]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 122]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 123]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 124]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 125]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 126]

- ‌[سورة التوبة (9): آية 127]

- ‌[سورة التوبة (9): الآيات 128 الى 129]

- ‌تفسير سورة يونس عليه السلام

- ‌[سورة يونس (10): آية 1]

- ‌[سورة يونس (10): آية 2]

- ‌[سورة يونس (10): آية 3]

- ‌[سورة يونس (10): آية 4]

- ‌[سورة يونس (10): آية 5]

- ‌[سورة يونس (10): آية 6]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 7 الى 8]

- ‌[سورة يونس (10): آية 9]

- ‌[سورة يونس (10): آية 10]

- ‌[سورة يونس (10): آية 11]

- ‌[سورة يونس (10): آية 12]

- ‌[سورة يونس (10): آية 13]

- ‌[سورة يونس (10): آية 14]

- ‌[سورة يونس (10): آية 15]

- ‌[سورة يونس (10): آية 16]

- ‌[سورة يونس (10): آية 17]

- ‌[سورة يونس (10): آية 18]

- ‌[سورة يونس (10): آية 19]

- ‌[سورة يونس (10): آية 20]

- ‌[سورة يونس (10): آية 21]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 22 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10): آية 24]

- ‌[سورة يونس (10): آية 25]

- ‌[سورة يونس (10): آية 26]

- ‌[سورة يونس (10): آية 27]

- ‌[سورة يونس (10): آية 28]

- ‌[سورة يونس (10): آية 29]

- ‌[سورة يونس (10): آية 30]

- ‌[سورة يونس (10): آية 31]

- ‌[سورة يونس (10): آية 32]

- ‌[سورة يونس (10): آية 33]

- ‌[سورة يونس (10): آية 34]

- ‌[سورة يونس (10): آية 35]

- ‌[سورة يونس (10): آية 36]

- ‌[سورة يونس (10): آية 37]

- ‌[سورة يونس (10): آية 38]

- ‌[سورة يونس (10): آية 39]

- ‌[سورة يونس (10): آية 40]

- ‌[سورة يونس (10): آية 41]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة يونس (10): آية 44]

- ‌[سورة يونس (10): آية 45]

- ‌[سورة يونس (10): آية 46]

- ‌[سورة يونس (10): آية 47]

- ‌[سورة يونس (10): آية 48]

- ‌[سورة يونس (10): آية 49]

- ‌[سورة يونس (10): آية 50]

- ‌[سورة يونس (10): آية 51]

- ‌[سورة يونس (10): آية 52]

- ‌[سورة يونس (10): آية 53]

- ‌[سورة يونس (10): آية 54]

- ‌[سورة يونس (10): آية 55]

- ‌[سورة يونس (10): آية 56]

- ‌[سورة يونس (10): آية 57]

- ‌[سورة يونس (10): آية 58]

- ‌[سورة يونس (10): آية 59]

- ‌[سورة يونس (10): آية 60]

- ‌[سورة يونس (10): آية 61]

- ‌[سورة يونس (10): آية 62]

- ‌[سورة يونس (10): آية 63]

- ‌[سورة يونس (10): آية 64]

- ‌[سورة يونس (10): آية 65]

- ‌[سورة يونس (10): آية 66]

- ‌[سورة يونس (10): آية 67]

- ‌[سورة يونس (10): آية 68]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10): آية 71]

- ‌[سورة يونس (10): آية 72]

- ‌[سورة يونس (10): آية 73]

- ‌[سورة يونس (10): آية 74]

- ‌[سورة يونس (10): آية 75]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة يونس (10): آية 78]

- ‌[سورة يونس (10): آية 79]

- ‌[سورة يونس (10): آية 80]

- ‌[سورة يونس (10): آية 81]

- ‌[سورة يونس (10): آية 82]

- ‌[سورة يونس (10): آية 83]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 84 الى 85]

- ‌[سورة يونس (10): آية 86]

- ‌[سورة يونس (10): آية 87]

- ‌[سورة يونس (10): آية 88]

- ‌[سورة يونس (10): آية 89]

- ‌[سورة يونس (10): آية 90]

- ‌[سورة يونس (10): آية 91]

- ‌[سورة يونس (10): آية 92]

- ‌[سورة يونس (10): آية 93]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 94 الى 95]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة يونس (10): آية 98]

- ‌[سورة يونس (10): آية 99]

- ‌[سورة يونس (10): آية 100]

- ‌[سورة يونس (10): آية 101]

- ‌[سورة يونس (10): آية 102]

- ‌[سورة يونس (10): آية 103]

- ‌[سورة يونس (10): آية 104]

- ‌[سورة يونس (10): الآيات 105 الى 106]

- ‌[سورة يونس (10): آية 107]

- ‌[سورة يونس (10): آية 108]

- ‌[سورة يونس (10): آية 109]

الفصل: ‌[سورة يونس (10): آية 32]

[سورة يونس (10): آية 31]

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31)

الْمُرَادُ بِمَسَاقِ هَذَا الْكَلَامِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَقْرِيرُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَمَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ فَالْحُجَّةُ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ فَيُقَرَّرُ عَلَيْهِ أَنَّ هذه السموات وَالْأَرْضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ خَالِقٍ، وَلَا يَتَمَارَى فِي هَذَا عَاقِلٌ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَرْتَبَةِ الضَّرُورَةِ." مِنَ السَّماءِ" أَيْ بِالْمَطَرِ." وَالْأَرْضِ" بالنبات. (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أَيْ مَنْ جَعَلَهُمَا وَخَلَقَهُمَا لَكُمْ. (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أَيِ النَّبَاتَ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْإِنْسَانَ مِنَ النُّطْفَةِ، وَالسُّنْبُلَةَ مِنَ الْحَبَّةِ، وَالطَّيْرَ مِنَ الْبَيْضَةِ، وَالْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ. (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أَيْ يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ. (فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْخَالِقَ هُوَ اللَّهُ، أَوْ فَسَيَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ إِنْ فَكَّرُوا وَأَنْصَفُوا (فَقُلْ) لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ. (أَفَلا تَتَّقُونَ) أَيْ أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَهُ وَنِقْمَتَهُ فِي الدنيا والآخرة.

[سورة يونس (10): آية 32]

فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)

قَوْلُهُ تعالى: (فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ" أَيْ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هُوَ ربكم الحق، لا ما أشركتم معه."فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ"" ذَا" صِلَةٌ أَيْ مَا بَعْدَ عِبَادَةِ الْإِلَهِ الْحَقِّ إِذَا تَرَكْتَ عِبَادَتَهُ إِلَّا الضَّلَالُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ اللَّهِ هُوَ الضَّلَالُ، لِأَنَّ أَوَّلَهَا" فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ" وآخرها"فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ" فَهَذَا فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، لَيْسَ فِي الْأَعْمَالِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْكُفْرَ تَغْطِيَةُ الْحَقِّ، وَكُلُّ مَا كَانَ غَيْرَ الْحَقِّ جَرَى هَذَا الْمَجْرَى، فَالْحَرَامُ ضَلَالٌ وَالْمُبَاحُ هُدًى، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ قَبْلَ" قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ"

ص: 335

ثُمَّ قَالَ" فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ" أَيْ هَذَا الَّذِي رَزَقَكُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ فِعْلُهُ هُوَ." رَبُّكُمُ الْحَقُّ" أَيِ الَّذِي تَحِقُّ لَهُ الْأُلُوهِيَّةُ وَيَسْتَوْجِبُ الْعِبَادَةَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَتَشْرِيكٌ غَيْرُهُ ضَلَالٌ وَغَيْرُ حَقٍّ. الثَّانِيَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا: حَكَمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ هُوَ الْأَمْرُ فِي نَظَائِرِهَا، وَهِيَ مَسَائِلُ الْأُصُولِ الَّتِي الْحَقُّ فِيهَا فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِي تَعْدِيدِ وُجُودِ ذَاتٍ كَيْفَ هِيَ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا:" لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً"«1» [المائدة: 48]، وَقَوْلُهُ عليه السلام:(الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ). وَالْكَلَامُ فِي الْفُرُوعِ إِنَّمَا هُوَ فِي أَحْكَامٍ طَارِئَةٍ عَلَى وُجُودِ ذَاتٍ مُتَقَرِّرَةٍ لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا. الثَّالِثَةُ- ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ) الْحَدِيثَ. وَفِيهِ (أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ) الْحَدِيثَ. فَقَوْلُهُ: (أَنْتَ الْحَقُّ) أَيِ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ، وَأَصْلُهُ مِنْ حَقَّ الشَّيْءُ أَيْ ثَبَتَ وَوَجَبَ. وَهَذَا الْوَصْفُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ إِذْ وُجُودُهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَلَا يَلْحَقْهُ عَدَمٌ، وَمَا عَدَاهُ مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ مَسْبُوقٌ بِعَدَمٍ، وَيَجُوزُ عَلَيْهِ لِحَاقُ الْعَدَمِ، وَوُجُودُهُ مِنْ مُوجِدِهِ لَا مِنْ نَفْسِهِ. وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ، كَلِمَةُ لَبِيَدٌ:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ

وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"«2» [القصص: 88]. الرَّابِعَةُ- مُقَابَلَةُ الْحَقِّ بِالضَّلَالِ عُرِفَ لُغَةً وَشَرْعًا، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا مُقَابَلَةُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ عُرِفَ لُغَةً وَشَرْعًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ"

(1). راجع ج 6 ص 259. [ ..... ]

(2)

. راجع ج 13 ص 223.

ص: 336

«1» [لقمان: 30]. وَالضَّلَالُ حَقِيقَتُهُ الذَّهَابُ عَنِ الْحَقِّ، أُخِذَ مِنْ ضَلَالِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ الْعُدُولُ عَنْ سَمْتِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الضَّلَالَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ سُلُوكُ غَيْرِ سَبِيلِ الْقَصْدِ، يُقَالُ: ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ وَأَضَلَّ الشَّيْءَ إِذَا أَضَاعَهُ. وَخُصَّ فِي الشَّرْعِ بِالْعِبَارَةِ «2» [فِي الْعُدُولِ «3»] عَنِ السَّدَادِ فِي الِاعْتِقَادِ دُونَ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ غَرِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَقِّ سُبْحَانَهُ إِذَا قَابَلَهُ غَفْلَةٌ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِعَدَمِهِ جَهْلٌ أَوْ شَكٌّ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى "«4» [الضحى: 7] أَيْ غَافِلًا، فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، يُحَقِّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ"«5» [الشورى: 52]. الْخَامِسَةُ- رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وأشهب عن مالك في قوله تعالى:"فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ" قَالَ: اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ مِنَ الضَّلَالِ. وَرَوَى يُونُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَلْعَبُ فِي بَيْتِهِ مَعَ امْرَأَتِهِ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ مَالِكٌ: مَا يُعْجِبُنِي! وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ الله تعالى:"فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ". وَرَوَى يُونُسُ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ: سُئِلَ- يَعْنِي مَالِكًا- عَنِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاللَّعِبُ كُلُّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، وَإِنَّهُ لَيَنْبَغِي لِذِي الْعَقْلِ أَنْ تَنْهَاهُ اللِّحْيَةُ وَالشَّيْبُ عَنِ الْبَاطِلِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الشِّطْرَنْجِ: هِيَ مِنَ الْبَاطِلِ وَلَا أُحِبُّهَا. السَّادِسَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْقِمَارِ، فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي الشِّطْرَنْجِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُقَامِرْ بِهَا وَلَعِبَ مَعَ أَهْلِهِ فِي بَيْتِهِ مُسْتَتِرًا بِهِ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ أَوِ الْعَامِ، لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ وَلَا مَكْرُوهٍ لَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّعَ «6» بِهِ وَاشْتُهِرَ فِيهِ سَقَطَتْ مُرُوءَتُهُ وَعَدَالَتُهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا تَسْقُطْ فِي مَذْهَبِ أَصْحَابِهِ شَهَادَةُ اللَّاعِبِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، إِذَا كَانَ عَدْلًا فِي جَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ سَفَهٌ وَلَا رِيبَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا أَنْ يلعب به قمارا،

(1). راجع ج 12 ص 91.

(2)

. في ب وع وهـ وى: بالعبادة.

(3)

. من ب وع وهـ وى.

(4)

. راجع ج 20 ص 96.

(5)

. راجع ج 16 ص 54.

(6)

. تخلع في الشراب: انهمك فيه ولازمه ليلا ونهارا.

ص: 337

فَإِنْ لَعِبَ بِهَا قِمَارًا وَكَانَ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَسَفِهَ نَفْسَهُ لِأَكْلِهِ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكُلِّ اللَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنَ اللَّاعِبِ بِهَا كَبِيرَةٌ وَكَانَتْ مَحَاسِنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَسَاوِيهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ إِنَّ الشِّطْرَنْجَ يُخَالِفُ النَّرْدَ لِأَنَّ فِيهِ إِكْدَادُ الْفَهْمِ وَاسْتِعْمَالُ الْقَرِيحَةِ. وَالنَّرْدُ قِمَارٌ غَرَرٌ لَا يُعْلَمُ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِيهِ كَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ. السَّابِعَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: النَّرْدُ قِطَعٌ مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَشَبِ الْبَقْسِ وَمِنْ عَظْمِ الْفِيلِ، وَكَذَا هُوَ الشِّطْرَنْجُ إِذْ هُوَ أَخُوهُ غُذِّيَ بِلَبَانِهِ. وَالنَّرْدُ هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِالْبَاطِلِ «1» ، وَيُعْرَفُ بِالْكِعَابِ وَيُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا بِالْأَرُنْ «2» ويعرف أيضا بالنرد شير. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:(من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ). قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَمَعْنَى هَذَا أَيْ هُوَ كَمَنْ غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ الْخِنْزِيرِ يُهَيِّئُهُ لِأَنْ يَأْكُلَهُ، وَهَذَا الْفِعْلُ فِي الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ يُحَرِّمُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الشِّطْرَنْجُ، لَمْ يَسْتَثْنِ وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ وَلَا حَالًا مِنْ حَالٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْقِمَارِ، لِمَا رُوِيَ مِنْ إِجَازَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ عَنِ التَّابِعِينَ عَلَى غَيْرِ قِمَارٍ. وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ قِمَارًا وَغَيْرُ قِمَارٍ أَوْلَى وَأَحْوَطُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ فِي كِتَابِ مِنْهَاجِ الدِّينِ: وَمِمَّا جَاءَ فِي الشِّطْرَنْجِ حَدِيثٌ يُرْوَى فِيهِ كَمَا يُرْوَى فِي النَّرْدِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ). وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ [مَجَالِسِ «3»] بَنِي تَمِيمٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: (أَمَا وَاللَّهِ لِغَيْرِ هَذَا خُلِقْتُمْ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَضَرَبْتُ بِهِ وُجُوهَكُمْ). وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، لَأَنْ يَمَسَّ أَحَدُكُمْ

(1). في ب وع وهـ وى: الطبل.

(2)

. هكذا في ع وى وهـ. وفي ب: الأرز: لم نجد في كتب الشطرنج ولا المعاجم ما يكشف الغمة.

(3)

. من ع.

ص: 338

جَمْرًا حَتَّى يُطْفَأَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا. وسيل ابْنُ عُمَرَ عَنِ الشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: هِيَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لَا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ. وسيل أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: دَعُونَا مِنْ هَذِهِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَفِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَالْجَوْزِ وَالْكِعَابِ مَقَتَهُ اللَّهُ وَمَنْ جَلَسَ إِلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِمْ مُحِيَتْ عَنْهُ حَسَنَاتُهُ كُلُّهَا وَصَارَ مِمَّنْ مَقَتَهُ اللَّهُ (. وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِهَا بِلَا قِمَارٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي" الْمَائِدَةِ" بَيَانَ تَحْرِيمِهَا «1» وَأَنَّهَا كَالْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ لِاقْتِرَانِهَا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ: وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ، وَانْتَهَى حَالُ بَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ يَقُولَ: هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، حَتَّى اتَّخَذُوهُ فِي الْمَدْرَسَةِ، فَإِذَا أَعْيَا الطَّالِبُ مِنَ الْقِرَاءَةِ لَعِبَ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَسْنَدُوا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَعِبُوا بِهَا، وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَطُّ! وَتَاللَّهِ مَا مَسَّتْهَا يَدُ تَقِيٍّ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا تَشْحَذُ الذِّهْنَ، وَالْعَيَانُ يُكَذِّبُهُمْ، مَا تَبَحَّرَ فِيهَا قَطُّ رَجُلٌ لَهُ ذِهْنٌ. سَمِعْتُ الْإِمَامَ أَبَا الْفَضْلِ عَطَاءً الْمَقْدِسِيَّ يَقُولُ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْمُنَاظَرَةِ: إِنَّهَا تُعَلِّمُ الْحَرْبَ. فَقَالَ لَهُ الطُّرْطُوشِيُّ: بَلْ تُفْسِدُ تَدْبِيرَ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْحَرْبَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَلِكُ وَاغْتِيَالُهُ، وَفِي الشِّطْرَنْجِ تَقُولُ: شَاهْ إِيَّاكَ: الْمَلِكَ نَحِّهِ عَنْ طَرِيقِي، فَاسْتَضْحَكَ الْحَاضِرِينَ. وَتَارَةً شَدَّدَ فِيهَا مَالِكٌ وَحَرَّمَهَا وَقَالَ فيها:"فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ" وَتَارَةً اسْتَهَانَ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا وَالْأَهْوَنِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فإن قال قائل: روى عن عمر ابن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: وَمَا الشِّطْرَنْجُ؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا ابْنٌ وَكَانَ مَلِكًا فَأُصِيبَ فِي حَرْبٍ دُونَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا أَرُونِيهِ عَيَانًا، فَعُمِلَ لَهَا الشِّطْرَنْجُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ تَسَلَّتْ بِذَلِكَ. وَوَصَفُوا الشِّطْرَنْجَ لِعُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ، قِيلَ لَهُ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا بَأْسَ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا بَأْسَ بِمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ أَسْبَابِ الْحَرْبِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ قَالَ:

(1). راجع ج 6 ص 291.

ص: 339