الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ اللِّينِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالتَّجَرُّدِ. فَكَأَنَّهُمْ تَجَرَّدُوا لِلنِّفَاقِ. وَمِنْهُ «1» رَمْلَةٌ مَرْدَاءُ لَا نَبْتَ فِيهَا. وَغُصْنٌ أَمْرَدُ لَا وَرَقَ عَلَيْهِ. وَفَرَسٌ أَمْرَدُ لَا شَعْرَ عَلَى ثُنَّتِهِ «2» . وَغُلَامٌ أَمْرَدُ بَيِّنُ الْمَرَدِ، وَلَا يُقَالُ: جَارِيَةٌ مَرْدَاءُ. وَتَمْرِيدُ الْبِنَاءِ تَمْلِيسُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:" صَرْحٌ ممرد"«3» [النمل: 44]. وَتَمْرِيدُ الْغُصْنِ تَجْرِيدُهُ مِنَ الْوَرَقِ، يُقَالُ: مَرَدَ «4» يَمْرُدُ مُرُودًا وَمُرَادَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ:" لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ"«5» [الأنفال: 60] عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تَعْلَمُ يا محمد عاقبة أمور هم وَإِنَّمَا نَخْتَصُّ نَحْنُ بِعِلْمِهَا، وَهَذَا يَمْنَعُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى أَحَدٍ بِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالْأَمْرَاضِ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ. فَمَرَضُ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ، وَمَرَضُ الْكَافِرِ عُقُوبَةٌ. وَقِيلَ: الْعَذَابُ الْأَوَّلُ الْفَضِيحَةُ بِاطِّلَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَالْعَذَابُ الثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ. الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ. ابن زيد: الأول بالمصائب في أموالهم وأولاد هم، وَالثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ. مُجَاهِدٌ: الْجُوعُ وَالْقَتْلُ. الْفَرَّاءُ: الْقَتْلُ وَعَذَابُ الْقَبْرِ. وَقِيلَ: السَّبَاءُ وَالْقَتْلُ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِجْرَاءُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ. وَقِيلَ: أَحَدُ الْعَذَابَيْنِ مَا قَالَ تَعَالَى:" فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ"- إِلَى قَوْلِهِ-" إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا"«6» [التوبة: 55]. وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ اتِّبَاعُ الْعَذَابِ، أَوْ تَضْعِيفُ العذاب عليهم.
[سورة التوبة (9): آية 102]
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
أَيْ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ قَوْمٌ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ، وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِمَا يُرِيدُ. فَالصِّنْفُ الْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ وَمَا مَرَدُوا على النفاق، ويحتمل
(1). في ج: ومثله. [ ..... ]
(2)
. الثنة: مؤخر الرسغ وهي شعرات مدلاة مشرفات من خلف.
(3)
. راجع ج 13 ص
(4)
. من باب نصر وكرم.
(5)
. راجع ص 35 وص 164 من هذا الجزء.
(6)
. راجع ص 35 وص 164 من هذا الجزء.
أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي عَشَرَةٍ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِي سَوَارِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ بِنَحْوِهِ قَتَادَةُ وَقَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ" خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً"[التوبة: 103]، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانُوا ثَمَانِيَةً. وَقِيلَ: كَانُوا سِتَّةً. وَقِيلَ: خَمْسَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَبِي لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيِّ خَاصَّةً فِي شَأْنِهِ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَلَّمُوهُ فِي النُّزُولِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ لَهُمْ إِلَى حَلْقِهِ. يُرِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَذْبَحُهُمْ إِنْ نَزَلُوا، فَلَمَّا افْتَضَحَ تَابَ وَنَدِمَ وَرَبَطَ نَفْسَهُ فِي سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَأَقْسَمَ أَلَّا يَطْعَمَ وَلَا يَشْرَبَ حَتَّى يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ يَمُوتَ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ حَتَّى عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَلِّهِ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ أَوْعَبَ مِنْ هَذَا. وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: نَزَلَتْ" وَآخَرُونَ" فِي شَأْنِ أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ حِينَ أَصَابَ الذَّنْبَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي؟ فَقَالَ:(يَجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:" خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها" [التوبة 103] وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانُوا رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا فَعَلَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَاهَدُوا اللَّهَ أَلَّا يُطْلِقُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ وَيَرْضَى عَنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذِرُهُمْ حَتَّى أُومَرَ بِإِطْلَاقِهِمْ رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ. فَلَمَّا أُطْلِقُوا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أَمْوَالُنَا الَّتِي خَلَّفَتْنَا عَنْكَ، فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَطَهِّرْنَا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا. فَقَالَ:(مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً"[التوبة: 103] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا عَشَرَةَ أَنْفُسٍ مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، فَأَخَذَ ثُلُثَ أَمْوَالِهِمْ وَكَانَتْ كَفَّارَةَ الذُّنُوبِ الَّتِي أَصَابُوهَا. فَكَانَ عَمَلُهُمُ السَّيِّئُ التَّخَلُّفَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّالِحِ، فَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ: الِاعْتِرَافُ وَالتَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ. وَقِيلَ: عَمَلُهُمُ الصَّالِحُ الَّذِي عَمِلُوهُ أَنَّهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وربطوا
أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: لَا نَقْرَبُ أَهْلًا وَلَا وَلَدًا حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ عُذْرَنَا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ غَزْوُهُمْ فِيمَا سَلَفَ مِنْ غَزْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ فَهِيَ عَامَّةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِيمَنْ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ وَسَيِّئَةٌ، فَهِيَ تُرْجَى. ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُولُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً". وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَنَا: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنٍ ذَهَبٍ وَلَبِنٍ فِضَّةٍ فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَا لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَا: أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِي كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ (. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ وَفِيهِ قَالَ: (ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ
…
) ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ ذَكَرَ صُعُودَهُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا: (حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَإِذَا بِرَجُلٍ أَشْمَطَ «1» جَالِسٍ عَلَى كُرْسِيٍّ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ بِيضُ الْوُجُوهِ وَقَوْمٌ سُودُ الْوُجُوهِ وفي ألوانهم شي فَأَتَوْا نَهَرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فَخَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ خلص من ألوانهم شي ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْا نَهَرًا آخَرَ فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فخرجوا منه وقد خلص من ألوانهم شي ثُمَّ دَخَلُوا النَّهَرَ الثَّالِثَ فَخَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانُهُمْ مِثْلَ أَلْوَانِ أَصْحَابِهِمْ فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ بِيضُ الوجوه وهؤلاء الذين في ألوانهم شي فَدَخَلُوا النَّهَرَ وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانُهُمْ
فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ أَوَّلُ رَجُلٌ شَمَطَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهَؤُلَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ قَوْمٌ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ- قَالَ- وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ في ألوانهم شي خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَتَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا النَّهَرُ الْأَوَّلُ فَرَحْمَةُ اللَّهِ وأما النهر الثاني فنعمة الله.
(1). الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده.