الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) أَيْ عَنْ كُفْرِهِمْ وَبَاطِلِهِمْ وَأَذِيَّتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ قِتَالِهِمْ دَفْعَ ضَرَرِهِمْ لِيَنْتَهُوا عَنْ مقاتلتنا ويدخلوا في ديننا.
[سورة التوبة (9): آية 13]
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) تَوْبِيخٌ وَفِيهِ مَعْنَى التَّحْضِيضِ. نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. (وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ) أَيْ كَانَ مِنْهُمْ سَبَبُ الْخُرُوجِ، فَأُضِيفَ الْإِخْرَاجُ إِلَيْهِمْ. وَقِيلَ: أَخْرَجُوا الرَّسُولَ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ لِقِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ لِلنَّكْثِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ: عَنِ الْحَسَنِ. (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ) بِالْقِتَالِ. (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَيْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ. وَقِيلَ: بَدَءُوكُمْ بِالْقِتَالِ يَوْمَ بَدْرٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لِلْعِيرِ وَلَمَّا أَحْرَزُوا عِيرَهُمْ كَانَ يُمْكِنُهُمُ الِانْصِرَافُ، فَأَبَوْا إِلَّا الْوُصُولَ إِلَى بَدْرٍ وشرب الخمر بها، كما تقدم. (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) أَيْ تَخَافُوا عِقَابَهُ فِي تَرْكِ قِتَالِهِمْ مِنْ أَنْ تَخَافُوا أَنْ يَنَالَكُمْ فِي قِتَالِهِمْ مَكْرُوهٌ. وَقِيلَ: إِخْرَاجُهُمُ الرَّسُولَ مَنْعُهُمْ إِيَّاهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالطَّوَافِ، وَهُوَ ابتداؤهم. والله أعلم.
[سورة التوبة (9): الآيات 14 الى 15]
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" قاتِلُوهُمْ" أَمْرٌ." يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ" جَوَابُهُ. وَهُوَ جَزْمٌ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخز هم وينصر كم عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْظَهُمْ كَانَ قَدِ اشْتَدَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
يَعْنِي خُزَاعَةَ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكُلُّهُ عَطْفٌ، وَيَجُوزُ فِيهِ كُلِّهِ الرَّفْعُ عَلَى الْقَطْعِ مِنَ الْأَوَّلِ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ (أَنْ) وَهُوَ الصَّرْفُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، كَمَا قَالَ:
فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ
…
رَبِيعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ
وَنَأْخُذَ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ
…
أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ «1»
وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ (وَنَأْخُذُ) وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) بَنُو خُزَاعَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ. فَإِنَّ قُرَيْشًا أَعَانَتْ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَنْشَدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ هِجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ بَعْضُ خُزَاعَةَ: لَئِنْ أَعَدْتَهُ لَأَكْسِرَنَّ فَمَكَ فَأَعَادَهُ فَكَسَرَ فَاهُ وَثَارَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَقَتَلُوا مِنَ الْخُزَاعِيِّينَ أَقْوَامًا فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ بِهِ فَدَخَلَ مَنْزِلَ مَيْمُونَةَ وَقَالَ: (اسْكُبُوا إِلَيَّ مَاءً) فَجَعَلَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ يَقُولُ: (لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ)«2» . ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّجَهُّزِ وَالْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ الْفَتْحُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ (وَيَتُبْ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّ الْقِتَالَ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُمُ التَّوْبَةَ مِنَ الله عز وجل وَهُوَ مُوجِبٌ لَهُمُ الْعَذَابَ وَالْخِزْيَ وَشِفَاءَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَهَابَ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ وَنَظِيرُهُ:" فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ"[الشورى: 24] تَمَّ الْكَلَامُ. ثُمَّ قَالَ:" وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ"«3» [الشورى: 24]. وَالَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِثْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَسُلَيْمِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُمْ أَسْلَمُوا. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ" وَيَتُوبَ" بِالنَّصْبِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيِّ وَالْأَعْرَجِ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ التَّوْبَةُ دَاخِلَةً فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ تُقَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ.
(1). الذناب (بكسر الذال): عقب كل شي ومؤخره. والأجب: الجمل المقطوع السنام. والبيتان للنابغة الذبياني. وصف مرض النعمان بن المنذر وأنه أن هلك صار الناس بعده في أسوأ حال وأضيق عيش وتمسكوا منه مثل ذنب بعير أجب. وفي البيت شاهد آخر. راجع خزانة الأدب للبغدادي في الشاهد السادس والخمسين بعد السبعمائة وشواهد سيبويه ج 1 ص 100 طبع بولاق.
(2)
. بنو كعب في خزاعة وهم قوم عمرو.
(3)
. راجع ج 16 ص 24 فما بعد.